في سياق مراجعاته الفكرية والسياسية المتتالية، والمكثفة مؤخرا، أصدر مركز حريات للدراسات السياسية والاستراتيجية ـ مقره إسطنبول ومقرب من الجماعة الإسلامية المصرية ـ ورقة جديدة تتعلق بمراجعة موقف وتصور الحركات الإسلامية تجاه الغرب، وفهم محركات السلوك الغربي تجاهها خاصة عندما تصل إلى السلطة، وهل هو موقف مبدأي أو ثقافي "هوياتي" أو ديني، أم أنه موقف براجماتي يتعلق بحسابات المصالح السياسية والاقتصادية بالمقام الأول.



الورقة صدرت تحت عنوان : "الغرب والإسلاميون في السلطة : معايير مزدوجة أم حسابات المصالح؟"، وقد استعرضت أربع تجارب سياسية للإسلاميين، لكل منها خصوصيته، ولكل منها تجربته في التعامل مع الموقف الغربي تجاهه، التجربة الأفغانية بقيادة حركة طالبان، والتجربة السورية بقيادة "هيئة تحرير الشام"، والتجربة التونسية بقيادة حركة النهضة، ثم تجربة الإخوان المسلمين في مصر .

خلاصة ما حملته الورقة يمكن تحديده في النقاط التالية:

التعامل مع الغرب لا يُبنى على حسن النوايا أو نقاء الهوية "مشروعك الفكري"، بل يبنى على مدى وضوح هذا المشروع، وقوة الأداء، وقدرتك على بناء علاقات عميقة، ومرونة خطابك السياسي، وأيضا الوعي بالمعادلات العالمية وحسابات المصالح المتقاطعة، فهذا شرط أساس لنجاح التجربة أو بقائها، لا مجرد إخلاصها فقط.

تخلص الورقة إلى قناعة واضحة، بأن الغرب لا يعادي الإسلاميين لكونهم إسلاميين، بل لغياب الفائدة منهم في معادلة المصالح، والقلق من نواياهم، وأنه حين يرى الغرب أن الحركة الإسلامية قادرة على أن تؤدي دورا يحقق التوازن الإقليمي ويضبط الأمن، سيحترمها ويتعامل معها بجدية.يجب تصحيح رؤيتنا للآخر، والغرب تحديدا، وينبغي الانتقال بالوعي والممارسة من منطق الصراع مع الخارج إلى منطق الفهم الاستراتيجي لمعادلات القوة الدولية، وحسابات الآخر، وتقاطعات المصالح.
ليس مطلوبا أن تقدم خطابا سياسيا يفرِّط في ثوابتك، لكن المطلوب خطاب سياسي  يتعامل مع العالم بلغة مصالح يفهمها، وشراكات ذكية، تتقبل مشروعك وتتفهم حساباتك.

أيضا، ضرورة بناء حواضن دبلوماسية وشعبية مزدوجة، في الداخل وفي العواصم الغربية، تفهم الغرب بواقعية وعن قرب، وأيضا تُطمئن جمهور الداخل على مشروعه وقناعاته.

أيضا لا بد من إدراك أن إدارة الدولة تتطلب مشروعًا شاملًا، لا مجرد شعارات أو نوايا حسنة.

تخلص الورقة إلى قناعة واضحة، بأن الغرب لا يعادي الإسلاميين لكونهم إسلاميين، بل لغياب الفائدة منهم في معادلة المصالح، والقلق من نواياهم، وأنه حين يرى الغرب أن الحركة الإسلامية قادرة على أن تؤدي دورا يحقق التوازن الإقليمي ويضبط الأمن، سيحترمها ويتعامل معها بجدية.

لاحظت أن الورقة، وهي تعبر عن جماعة كانت داعمة لتجربة الإخوان في مصر ووفية لشرعية الرئيس الراحل محمد مرسي، كانت واضحة في مراجعتها لأخطاء تلك التجربة، وسجلت بوضوح نقدها لما أسمته: "هشاشة الأداء السياسي للإخوان في إدارة الدولة، وغياب رسائل طمأنة واضحة للغرب".

الورقة نقلة جريئة لوعي الإسلاميين، الذي استكان دهرا لمظلومية الاضطهاد من الغرب، والعداء المستدام بين الإسلام والغرب، ونمطية الموقف العدائي تجاه الغرب من حيث المبدأ وبدون أي تحليل واقعي لحسابات المصالح وتقاطعاتهاالورقة نقلة جريئة لوعي الإسلاميين، الذي استكان دهرا لمظلومية الاضطهاد من الغرب، والعداء المستدام بين الإسلام والغرب، ونمطية الموقف العدائي تجاه الغرب من حيث المبدأ وبدون أي تحليل واقعي لحسابات المصالح وتقاطعاتها، ومن الواضح أن التجربة السورية أحدثت ثورة فكرية لدى التيار الإسلامي العربي، وأجبرته على إجراء مراجعات متعددة، لموقفه السياسي، ولبنائه الفكري أيضا، خاصة وأن التجربة السورية قادها حركة إسلامية جديدة، شابة، فتية، حديثة العهد، بلا تجربة تاريخية تذكر، وتعاملت مع ظروف سياسية محلية وإقليمية ودولية غاية في الصعوبة والتعقيد، ومع ذلك نجحت في اختراق تلك الظروف جميعا، ثم نجحت أيضا في إثبات جدارتها وكفاءتها عندما تولت إدارة الدولة السورية، المنهكة والممزقة والمحطمة، ونجحت في تحييد العداوات الإقليمية والدولية لها، ثم نجحت في نسج شبكة علاقات إقليمية مثلت سياج حماية سياسية وديبلوماسية وعسكرية لنظامها السياسي الجديد، واكتسبت الثقة سريعا كقوة سياسية مسؤولة ورجال دولة.

كل ذلك أحدث ما يشبه الزلزال في الوعي السياسي عند الإسلاميين العرب، وخاصة المصريين، وأعتقد أن مراجعات الجماعة الإسلامية المصرية تأتي في هذا السياق، وهي مراجعات جادة ومسؤولة، وإذا امتلكت شجاعة الاستمرار حتى النهاية يمكنها أن تؤسس لواقعية سياسية جديدة للتيار الإسلامي تتيح له رؤية أكثر نضجا وعقلانية لذاته ولواقعه ولتحدياته، وتتيح له بناء منظومة علاقاته الداخلية والإقليمية والدولية بصيغة أكثر جدوى وأكثر فاعلية، وأكثر قدرة على تحقيق أهدافه لإصلاح وطنه.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب المصرية دراسة مصر اسلاميون عرض مراجعات كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

الغرب لا يواجه الإرادات

 

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

في أكتوبر عام 1985، قام الكيان الصهيوني باستهداف مقر القيادة الفلسطينية بمنطقة حمامات الشط (1) بالجمهورية التونسية، بعد انتقالها إلى هناك بتوافق وضمانات دولية لخروجها من بيروت، وكان مقررًا لها أن تجتمع يوم 1 أكتوبر، وتم تأجيل الاجتماع في آخر لحظة بأوامر من القائد ياسر عرفات، فنجت القيادة من القصف وأصيب عدد من الكوادر الفلسطينية والطواقم التونسية العاملة في المقر.

حين علم الرئيس الحبيب بورقيبة بعملية قرصنة العدو، بلغ به الغضب مداه، فاستدعى وزير خارجيته حينها الباجي قائد السبسي على عجل وطلب منه السفر إلى نيويورك وتقديم طلب انعقاد جلسة طارئة لمجلس الأمن لإدانة العدو وعمليته. وفي نفس الوقت استدعى السفير الأمريكي بتونس واستقبله واقفًا وقال له: وزير خارجيتي في طريقه إلى نيويورك الآن لإدانة إسرائيل وإرهاب الدولة الذي مارسته بحق سيادتنا، وإذا استخدمت بلدك أمريكا حق الفيتو ضد قرار مجلس الأمن، فعليك أنت وطاقمك مُغادرة تونس خلال 48 ساعة.

عقد مجلس الأمن جلسة طارئة بطلب من تونس وأدان بالإجماع عدوان العدو على تونس وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وامتنعت أمريكا- ولأول مرة- عن التصويت.

قام الرئيس القُمُرِي علي صويلح (2) بقطع العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا بعد أن أخلفت بوعودها لجُزر القُمُر بمنح مساعدات تنموية وعدم ضم جزيرة مايوت (المصدر الرئيس للفانيليا)، وتوجه نحو الصين، فأُصيبت فرنسا بالصدمة والشلل التام إزاء هذا الموقف الصادم، إلى أن أوعزت للمرتزق الفرنسي بوب دينار للقيام بعملية اغتيال للرئيس القُمُري ونفَّذ ذلك تحت ستار انقلاب عسكري.

عام 1965، أعلن الرئيس الإندونيسي أحمد سوكارنو انسحاب بلاده من الأمم المتحدة احتجاجًا على ترشيح ماليزيا لعضوية مجلس الأمن، في سياق تنافس سياسي محموم حينها بين البلدين.

وتدهورت العلاقات بين فرنسا وأمريكا (3) بسبب رؤية البلدين لوضع حلف الناتو، فقرر الرئيس الفرنسي شارل ديجول خفض القوات الفرنسية في الحلف وسحب فرنسا من قيادته.

حين قامت ثورة الفاتح من سبتمبر 1969م بقيادة العقيد معمر القذافي أصيبت القواعد الأمريكية والبريطانية بالاتكالية والشلل تجاه الثورة، فقرروا استثمار موقفهم السلبي هذا في اعتبار ما حدث شأنا ليبيا داخليا لم يتدخلوا فيه لعله يشفع لهم لدى قيادة الثورة كي يعودوا ويتسللوا عبر النافذة، ولكن رهاناتهم خابت بفعل صلابة الثورة وحاضنها الشعبي الكبير.

حين قامت ثورة يوليو 1952 في مصر، بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر ورفاقه الضباط الأحرار، أُصيبت إنجلترا بالصدمة والذهول رغم نفوذها الكبير ورغم وجود أكثر من 70 ألف جندي بريطاني على أرض مصر، رحلوا جميعهم في اتفاقية الجلاء عام 1954، وكان الموقف البريطاني غزلًا مُبطنًا لقيادة الثورة؛ باعتبار ما حدث شأنًا داخليًا مصريًا، ولكن ذلك لم يشفع لهم.

ما تقوم به فصائل المقاومة ومحورها اليوم من مواجهة للعدو والمُخطط الإمبريالي الصهيوني للأمة، يبرهن بأنَّ فعلها من أفعال الكبار ممن يسطرون التاريخ ويجعلون العدو يفكر ألف مرة قبل كل مواجهة، لأن الإرادة أقوى من أي سلاح مادي وهي النصر والظفر معًا.

قبل اللقاء.. العدو لم يتسلل عبر حدودنا، بل عبر عيوبنا

وبالشكر تدوم النعم

****

1- مجزرة حمام الشط: غارة جوية لسلاح الجو الإسرائيلي وقعت يوم 1 أكتوبر 1985 ضد مقر القيادة العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط (تونس)، استُهدف خلالها أحد أهم اجتماعات منظمة التحرير الفلسطينية، مما أوقع عشرات القتلى من التونسيين ومن القيادات الفلسطينية السياسية والعسكرية. (ويكيبيديا).

2- علي صويلح (7يناير 1932 - 29 مايو 1978)، سياسي وثوري اشتراكي من جزر القُمُر، شغل منصب الرئيس الثالث لها من سنة 1977 إلى سنة 1978. وأصبح رئيسًا بانقلاب في شهر أغسطس من سنة 1977 وأدخل بلده في الأفكار الشيوعية. (ويكيبيديا)

3- العلاقات بين الولايات المتحدة وفرنسا تدهورت بسبب رفض دمج الردع النووي الفرنسي مع قوى شمال الأطلسي الأخرى أو قبول أي سيطرة جماعية على قواتها المسلحة، فخفض الرئيس الفرنسي شارل ديجول عضوية فرنسا في حلف شمال الأطلسي "ناتو" وسحب فرنسا من القيادة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة بحثًا عن نظام دفاعي مستقل، وسحبت فرنسا قيادتها العسكرية سنة 1966، ومنذ ذلك العام وحتى عام 1993 كانت منفردة عن البنية السياسية لحلف الناتو. وقد قرر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عام 2009 عودة فرنسا لقيادة حلف الناتو عسكريًا بعد انقطاع 43 عامًا. (ويكيبيديا)

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • تفسير رؤية أوراق الخريف في الحلم
  • بالتزامن مع تجديد البعثة الأممية في السودان .. اتهامات لمصر بدعم الجيش و الإسلاميين
  • تعليمية الداخلية تدرب على إدارة المخاطر بالمدارس الخاصة
  • العراق “يتوسل” بأمريكا لتوريد الغاز الإيراني أو التركمانستاني عن طريق إيران أيضاً!!
  • تحوّلات الموقف الآسيوي من القضية الفلسطينية بعد طوفان الأقصى.. ورقة علمية
  • مالاوي تبحث الاستفادة من التجربة المصرية فى إدارة المناطق الحرة
  • سلامة الغذاء: نسعى للاستفادة من التجربة الألمانية المتقدمة لحماية صحة المواطن المصري
  • الغرب لا يواجه الإرادات
  • الرئيس السيسي: التجربة المصرية مع إسرائيل كانت تأسيس لسلام عادل رسخ الاستقرار
  • «حميدتي» يتهم «البرهان» و«الإسلاميين» بتدبير الحرب ويتحدث عن تصفية قيادي