غزة وتشكيل لوبي عربي في سلم أولويات مؤتمر الجاليات العربية بلندن
تاريخ النشر: 30th, June 2025 GMT
لندن ـ بعد شهور من الاحتجاجات المتواصلة المنددة بحرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، تسعى الجاليات العربية في بريطانيا إلى تحويل الزخم الشعبي إلى عمل سياسي منظم وفاعل، من أجل التأثير في دوائر صناعة القرار البريطانية لصالح القضية الفلسطينية.
وتجلى هذا الزخم من خلال انطلاق أعمال المؤتمر الأول للجالية العربية في بريطانيا بمشاركة نخبة من الشخصيات السياسية والفكرية من أبناء الجاليات العربية، في خطوة تعد الأولى من نوعها، وتهدف إلى البناء على حالة التلاحم التي تجلت بين قوى المجتمع العربي المدني والسياسي في المملكة المتحدة دعما لفلسطين، لتأسيس إطار ضاغط ومنظم على الحكومة البريطانية.
واعتبر السفير الفلسطيني في لندن حسام زملط، خلال كلمته في المؤتمر، أن بريطانيا تمثل ساحة اشتباك مركزية مع الرواية الصهيونية، نظرا للدور التاريخي الذي لعبته جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في ترسيخ هذه الرواية داخل المجتمع البريطاني ومؤسساته.
وفي حديث خاص للجزيرة نت، أكد زملط أن الحراك الشعبي المناصر لفلسطين في بريطانيا -والذي استمر بشكل غير مسبوق منذ أكثر من عامين- يمثل فرصة ينبغي التقاطها وتحويلها إلى مسار مؤسسي يقوم على جهد عربي موحد وفعال، في ظل ما وصفه بـ"الاختراقات المهمة" التي حققها هذا الحراك داخل المجتمع البريطاني.
وتشهد لندن منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023 مظاهرات حاشدة ومتكررة، دعت إليها منظمات مدنية وحقوقية بريطانية، وانضمت إليها أطياف واسعة من الحركات الشبابية والسياسية. وقد اعتبرت هذه المظاهرات من الأضخم في التاريخ السياسي البريطاني المعاصر.
ورغم أن الجالية العربية في بريطانيا لا تتجاوز 356 ألف نسمة، وفق آخر الإحصاءات الرسمية، فقد تخطى الحراك التضامني مع فلسطين بعد حرب غزة الإطار العربي والإسلامي ليشمل تنظيمات ومجموعات بريطانية تعتبر القضية الفلسطينية رمزا عالميا للنضال من أجل العدالة والاستقلال.
ويقول رئيس تحرير منصة "عرب لندن" وأحد مؤسسي المؤتمر محمد أمين، في حديثه للجزيرة نت، إن الجاليات العربية بدأت تتدارك تأخرها في بناء منظومة تأثير سياسي، وتسعى لتشكيل لوبي عربي فاعل داخل المملكة المتحدة، من خلال شبكة تحالفات تستثمر التعاطف الشعبي الواسع مع القضية الفلسطينية.
إعلانويضيف أمين أن الحركة الصهيونية أدركت منذ قرن أهمية العمل المنظم والمؤتمرات والتجمعات السياسية في بناء نفوذها، في حين تأخر العرب في بريطانيا طويلا عن إدراك هذه الحقيقة.
وفي حين لا تمثل الجاليات العربية كتلة انتخابية ضخمة في بريطانيا، فقد أطلق نشطاء عرب مبادرات سياسية نوعية، أبرزها حملة "الصوت العربي" بالتعاون مع حملة "الصوت المسلم"، لتوجيه أصوات الناخبين نحو المرشحين المناصرين للقضية الفلسطينية، في مقاربة وصفها مراقبون بـ"المقايضة السياسية" بين الأصوات والمواقف.
وأسفرت الانتخابات البرلمانية السابقة عن فوز مرشحين اثنين فقط من أصول عربية بمقاعد برلمانية، غير أن رقعة الدعم السياسي لفلسطين اتسعت داخل البرلمان، وشهدت تشكل تكتلات جديدة من نواب مستقلين داعمين لغزة، إلى جانب تحركات داخل بعض الأحزاب الكبرى لدفعها نحو مواقف أكثر وضوحا من العدوان الإسرائيلي.
ويشدد مدير مركز التفاهم العربي البريطاني كريس دويل، في تصريح للجزيرة نت، على أهمية تعزيز تمثيل الجاليات العربية داخل المؤسسات البريطانية، داعيا إلى تجاوز الانتماءات الحزبية والخلفيات الأيديولوجية وتوحيد المصالح العربية داخل البلاد.
لكن هذه الجهود السياسية تصطدم أحيانا بتحديات داخلية، إذ يرى كثيرون أن الجاليات العربية تنقل خلافاتها السياسية من بلدانها الأصلية إلى المهجر، وتعيد إنتاج الانقسامات بدلا من بناء جبهة موحدة.
وفي هذا السياق، دعا الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي، في كلمته خلال المؤتمر، إلى تجاوز الانقسامات السياسية التي عانت منها المجتمعات العربية، والعمل على تقديم نموذج جديد لوحدة الجالية العربية في بريطانيا.
وشدد البرغوثي على ضرورة تصعيد حملات المقاطعة للاحتلال الإسرائيلي في بريطانيا، والاحتجاج ضد استمرار تصدير الأسلحة لإسرائيل، في ظل مواقف حكومية بريطانية وصفها بـ"الرمزية والخجولة".
وتزايدت في الفترة الأخيرة مطالب نواب برلمانيين لحكومة كير ستارمر بفرض حظر شامل على تصدير السلاح لإسرائيل، بينما رفعت "مؤسسة الحق" الفلسطينية دعوى قضائية ضد الحكومة البريطانية لدفعها إلى وقف تصدير قطع الغيار المستخدمة في طائرات "إف-35" التي تشكل ركيزة أساسية في سلاح الجو الإسرائيلي.
كما تسببت مواقف ستارمر الداعمة لإسرائيل في انشقاقات داخل حزب العمال، إذ غادره في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 عشرة نواب وعشرات الأعضاء في المجالس المحلية احتجاجا على تصريحاته، في حين يواصل عدد من نواب الحزب المنتمين لتيار اليسار الضغط على قيادته لتغيير نهجها تجاه العدوان على غزة.
وقد بدأ ستارمر بالفعل تبني خطاب أكثر تشددا تجاه إسرائيل، إذ أعلن فرض عقوبات على وزيرين في الحكومة الإسرائيلية، وعلّق مباحثات الشراكة التجارية معها.
لكن هذا المسار السياسي لا يخلو من تحديات إضافية، أبرزها تنامي الخطاب اليميني المتطرف في بريطانيا، خاصة بعد النتائج اللافتة التي حققها حزب الإصلاح الشعبوي في الانتخابات المحلية الأخيرة، وهو ما أثار قلق الجاليات العربية والمسلمة من تصاعد العنصرية وتهميشهم سياسيا.
إعلانوبحسب البيانات الرسمية، فقد ارتفعت جرائم الكراهية ضد العرب والمسلمين في بريطانيا بنسبة 13% خلال العام الماضي، حيث سجلت الشرطة أكثر من 3866 بلاغا، تتعلق كلها باعتداءات مدفوعة بالإسلاموفوبيا.
وفي كلمتها خلال المؤتمر، قالت الأكاديمية الفلسطينية غادة الكرمي إن ما جرى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وما تلاه كشف الطبيعة الإقصائية للنظام الرسمي الغربي، والذي ينطوي على نزعة عدائية تجاه القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
ودعت الكرمي الجاليات العربية إلى إعادة تعريف هويتها السياسية، وبناء فهم أعمق للقيم الغربية الحاكمة للمجتمعات الأوروبية، والانطلاق منها لتأسيس خطاب سياسي فاعل يعزز حضورها ويخدم مصالحها العادلة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات العربیة فی بریطانیا القضیة الفلسطینیة الجالیات العربیة
إقرأ أيضاً:
اكتمال ترتيبات مؤتمر المجلس الوطني الإرتري في استوكهولم
أعلنت اللجنة التحضيرية للمؤتمر الثالث للمجلس الوطني الإرتري للتغيير الديمقراطي، عن اكتمال جميع الترتيبات الفنية والتنظيمية والإدارية اللازمة لانعقاد المؤتمر الذي سيُعقد في العاصمة السويدية استوكهولم، وذلك في إطار التحضيرات المكثفة التي تقوم بها اللجنة منذ أشهر لضمان نجاح أحد أبرز الاستحقاقات الوطنية الداعمة لمسار التغيير الديمقراطي في إريتريا.
ويأتي هذا المؤتمر كخطوة مهمة في مسيرة المجلس الوطني الهادفة إلى تعزيز دور القوى السياسية والمدنية الإريترية في بلورة مشروع وطني جامع يعكس تطلعات الشعب الإريتري.
وفي تصريح صحفي، أكد المتحدث الرسمي ومسؤول الإعلام في اللجنة التحضيرية، محمد علي شيا، أن اللجان الفرعية المختصة أتمّت عملها بالكامل، بما يشمل الجوانب التنظيمية والفنية واللوجستية، إلى جانب إعداد برامج الجلسات ومراجعة الوثائق الأساسية التي سيُناقشها المؤتمرون.
وأوضح على، أن الاستعدادات تمت وفق خطة دقيقة تراعي تنوع الوفود المشاركة وتضمن توفير بيئة مواتية للحوار البنّاء واتخاذ القرارات المصيرية.
وأضاف المتحدث الرسمي أن وفود أعضاء المؤتمر بدأت بالفعل بالتوافد من مختلف دول العالم، الأمر الذي يعكس الأهمية التي يحظى بها هذا الحدث لدى قوى التغيير الإريترية في المهجر.
وأشار المتحدث الرسمي ومسؤول الإعلام في اللجنة التحضيرية، إلى أن المؤتمر يُعد محطة مفصلية لمراجعة تجربة المجلس خلال السنوات الماضية، وتطوير آليات النضال الديمقراطي، وصياغة رؤية سياسية وتنظيمية أكثر فاعلية تستجيب للتحديات الوطنية الراهنة.
وأكد شيا أن جدول أعمال المؤتمر سيتناول جملة من الملفات الجوهرية، من بينها إعادة هيكلة المجلس، وتعزيز مشاركة الشباب والمرأة، وتطوير علاقات التعاون بين القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى مناقشة الوضع السياسي العام في إرتريا وآفاق العمل المشترك.
وفي ختام تصريحه، وجّه المتحدث الرسمي شكره العميق لأبناء الجالية الإريترية في أوروبا عامة، وفي السويد على وجه الخصوص، تقديراً لدعمهم المتواصل وجهودهم الكبيرة في تهيئة الظروف المناسبة لإنجاح هذا الحدث الوطني، مؤكداً أن هذا التعاون يعكس روح المسؤولية المشتركة تجاه قضية التغيير الديمقراطي.