عين ليبيا:
2025-07-02@18:36:27 GMT

الاقتصاد الليبي بين أسباب الأزمة وحلها

تاريخ النشر: 2nd, July 2025 GMT

تمر ليبيا اليوم بواحدة من أصعب المراحل في تاريخها الحديث، حيث تتقاطع الأزمة السياسية الحادة مع انهيار اقتصادي متسارع، في ظل تفكك مؤسسات الدولة، وغياب الإرادة السياسية الجادة للحل، وتفاقم التدخلات الخارجية، ما جعل المواطن الليبي يدفع الثمن مضاعفًا على شكل ارتفاع جنوني في أسعار الدولار، وغلاء فاحش في أسعار السلع، وانعدام شبه كامل للسيولة في المصارف.

فالمواطن الليبي بات يواجه يوميًا معاناة مزدوجة: فمن جهة لا يستطيع سحب راتبه من المصرف بسبب شح السيولة، ومن جهة أخرى أصبح الراتب نفسه لا يكفي لتغطية أبسط الاحتياجات المعيشية بسبب التضخم وارتفاع أسعار صرف الدولار في السوق الموازي، وهو ما انعكس مباشرة على أسعار السلع الغذائية والأدوية والوقود والخدمات الأساسية.

أولاً: جذور الأزمة الاقتصادية

انقسام المؤسسات السيادية: منذ سنوات والانقسام السياسي الحاد أفرز حكومتين ومصرفين مركزيين، وميزانيتين وقرارات مزدوجة، ما أدى إلى شلل في السياسات الاقتصادية وعدم فاعلية أدوات الرقابة، وعجز المصرف المركزي عن أداء دوره في السيطرة على سوق العملة. الفساد المالي والإداري: تُقدّر تقارير محلية ودولية حجم الفساد في ليبيا بمليارات الدولارات سنويًا، تُهدر في الصفقات الوهمية، والتحويلات المشبوهة، والرواتب الوهمية، وغياب الحوكمة، مما أضعف الاقتصاد الوطني وأفقد الدولة ثقة مواطنيها. الاعتماد شبه الكلي على النفط: لم تنجح ليبيا منذ عقود في بناء اقتصاد متنوع. فبمجرد أن تهتز صادرات النفط بسبب الاضطرابات الأمنية أو الصراعات على المنشآت النفطية، تدخل الدولة في حالة شلل تام، ويتوقف صرف المرتبات، وتتعطل المصارف، ويقفز سعر الدولار فورًا. انعدام بيئة الاستثمار والإنتاج: نتيجة لانعدام الأمن، وتخبط السياسات، وغياب القضاء المستقل، لا يستطيع القطاع الخاص العمل بحرية، ولا تجد الشركات الوطنية أو الأجنبية بيئة مشجعة على الاستثمار، ما جعل السوق الليبي يعتمد بالكامل على الواردات، وبالتالي يتأثر بسعر الدولار.

ثانيًا: الأسباب السياسية المتسببة في تفاقم الأزمة

تأخر الحل السياسي الشامل: استمرار المراوحة في المكان، والاعتماد على حلول ترقيعية لا تنهي حالة الانقسام، وتبني مبادرات شكلية لا تحظى بالإجماع، جعل البلاد تعيش في فراغ دستوري وشرعي. الصراع على الشرعية والموارد: تتحكم الأطراف المتنازعة في موارد الدولة النفطية والمصرفية، وتستخدمها كأداة للابتزاز السياسي، ما جعل القرار الاقتصادي رهينة للصراع السياسي وليس لأهداف التنمية والاستقرار. التدخلات الأجنبية: كل طرف سياسي يتكئ على حليف خارجي، ويستورد أجنداته الاقتصادية والأمنية من الخارج، ما يزيد من تعقيد المشهد، ويدفع بالاقتصاد نحو مزيد من الارتهان والتبعية.

ثالثًا: الحلول العلمية الممكنة للخروج من الأزمة

إعادة توحيد المؤسسات السيادية فورًا: لا يمكن بناء اقتصاد سليم في ظل مصرف مركزى عاجز وحكومتين. يجب أن يكون الحل الأول هو التوحيد الفعلي للمصرف المركزي تحت إشراف دولي محايد ومهني، ووضع سياسة نقدية موحدة. إطلاق إصلاحات اقتصادية حقيقية: ينبغي البدء في إصلاح شامل للدعم، وربط سعر الصرف بالسوق الواقعي، وتشجيع استخدام أدوات الدفع الإلكتروني للتخفيف من أزمة السيولة، مع مراقبة صارمة لآليات بيع النقد الأجنبي. محاربة الفساد عبر جهاز مستقل: إنشاء هيئة وطنية عليا لمحاربة الفساد تتبع القضاء مباشرة وتتمتع بالصلاحيات الكاملة لكشف الجرائم المالية واسترداد الأموال المنهوبة، شرط أن تكون محايدة وغير خاضعة للسلطات التنفيذية. تشجيع الإنتاج المحلي وتسهيل الاستثمار: دعم القطاع الخاص، وتسهيل دخول المستثمرين المحليين والأجانب، وتوفير بيئة آمنة وقانونية للاستثمار في الزراعة والصناعة والخدمات، كفيل بتقليل الضغط على العملة الصعبة. إعادة الثقة بين المواطن والدولة: من خلال الشفافية، وتمكين المجالس المحلية، وتوزيع عادل للثروات، وبناء قاعدة بيانات حقيقية للمستفيدين من الدعم، وتطهير مؤسسات الدولة من المحسوبية والولاءات الضيقة. حل سياسي شامل عبر الاستفتاء الشعبي: لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة. يجب العودة إلى الشعب الليبي في استفتاء عام يحدد شكل الدولة ونظامها، ويمهد الطريق لانتخابات عامة في ظل قاعدة دستورية توافقية.

خاتمة

ليبيا لا تعاني من نقص في الموارد، بل من غياب الرؤية، وشلل الإدارة، وتفشي الفساد، وارتهان القرار السياسي. ما يحتاجه الليبيون ليس المزيد من المؤتمرات الدولية ولا التفاهمات الشكلية، بل إرادة وطنية صادقة تقود إلى إعادة بناء الدولة على أسس العدل والمساءلة والكفاءة.

إن الأزمة الاقتصادية التي يعيشها المواطن ليست قدَرًا مكتوبًا، بل نتيجة طبيعية لأزمة سياسية طويلة الأمد. وإذا لم تُحلّ هذه الأخيرة بشكل جذري وعلمي، فإن كل الحلول الاقتصادية ستظل مجرد إسعافات أولية لمرض مزمن وخطير.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

إقرأ أيضاً:

وزير الاقتصاد يترأس اجتماع مجلس أمناء "المعهد العربي للتخطيط" في ليبيا

مسقط- الرؤية

شاركت سلطنة عُمان ممثلة بوزارة الاقتصاد، في الاجتماع السنوي لمجلس أمناء المعهد العربي للتخطيط، الذي عُقد في العاصمة الليبية طرابلس؛ حيث ترأس الاجتماع معالي الدكتور سعيد بن محمد الصقري وزير الاقتصاد.

وناقش الاجتماع محاور تطبيق استراتيجية المعهد للأعوام 2025-2030، التي تم إقرارها في اجتماع يناير الماضي في الكويت، والتي تهدف إلى دعم جهود التنمية المستدامة في الدول العربية. كما تم استعراض إطلاق المرحلة الثانية من "مؤشر كفاءة الإنفاق الحكومي في الدول العربية"، الذي يهدف إلى تعزيز الشفافية وكفاءة إدارة الموارد الحكومية.

ويأتي عقد الاجتماع في إطار توسيع المعهد لأنشطته التدريبية، حيث ينظم سنوياً أكثر من 25 ورشة تدريبية افتراضية تغطي مواضيع متنوعة مثل اللامركزية وسياسات التنمية المحلية، والتحول الرقمي، وإدارة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والنمو الأخضر، الجدير بالذكر أن المعهد العربي للتخطيط، ومقرّه في دولة الكويت، يعمل تحت مظلة جامعة الدول العربية منذ تأسيسه عام 1972.

وعلى هامش الاجتماع، التقى معالي الدكتور سعيد الصقري وزير الاقتصاد مع كل من معالي محمد الزيداني وزير التخطيط الليبي، ومعالي محمد الحويج وزير الاقتصاد والتجارة الليبي.

وناقش الجانبان أهمية مراجعة وتفعيل بنود اللجنة العُمانية الليبية المشتركة والإطار الخاص بالتعاون بين القطاع الخاص في الدولتين للاستثمار في الفرص المتاحة من الاعمار والتنمية في ليبيا الشقيقة. وبحث الجانبان كذلك سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي بين سلطنة عُمان ودولة ليبيا، مؤكدين أهمية تبادل الخبرات والمعرفة في مجالات التخطيط، والجوانب الاقتصادية والاجتماعية، والتنمية الانسانية، والتنمية المستدامة.

ويأتي هذا اللقاء في سياق حرص سلطنة عُمان ودولة ليبيا على مد جسور التواصل وتعميق أواصر التعاون العربي المشترك، وتفعيل الأدوار التنموية للمؤسسات الإقليمية، وعلى رأسها المعهد العربي للتخطيط. وفي نهاية اللقاء تمنى معالي الدكتور لدولة ليبيا الشقيقة مزيدًا من الاستقرار والتقدم والازدهار.

مقالات مشابهة

  • قيمة الريال من قيمة الشرعية
  • وهم الحل الليبي الليبي
  • عاجل | جعفر حسان يؤكد تحسن الاقتصاد الأردني ويركز على دعم الاستثمار والتحديث السياسي
  • وزير الاقتصاد يترأس اجتماع مجلس أمناء "المعهد العربي للتخطيط" في ليبيا
  • هيئة مكافحة الفساد تحيل (16) متهماً إلى النيابة
  • هيئة مكافحة الفساد تحيل (16) متهماً في قضايا فساد إلى النيابة
  • وزارة الاقتصاد والصناعة توضح أسباب منع استيراد السيارات المستعملة
  • وزير الاقتصاد والصناعة السوري يوضح أسباب منع استيراد السيارات المستعملة
  • النوع دا هيوصل 48 جنيه.. ننشر تفاصيل أسباب زيادة أسعار السجائر