مفتي عُمان: صمت العالم عن جرائم غزة خزيٌ يلاحق المتحضّرين
تاريخ النشر: 4th, July 2025 GMT
يمانيون |
أطلق مفتي سلطنة عُمان، الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، نداءً إسلامياً وأخلاقياً عالي النبرة، داعياً فيه المسلمين وأحرار العالم إلى وقفة حازمة تجاه المجازر الصهيونية المتواصلة بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والتي وصفها بأنها “جريمة لا تُغتفر”، تُرتكب أمام أنظار العالم وصمته المشين.
وفي بيان نشره عبر منصة “إكس”، عبّر المفتي الخليلي عن استنكاره الشديد للتواطؤ الدولي المخزي إزاء القتل الممنهج والإبادة الجماعية التي ينفذها العدو الصهيوني بدعم مباشر من أمريكا وأوروبا، مؤكداً أن من لا يدين تلك الجرائم يُعد شريكاً في دماء الأبرياء.
وقال المفتي:”إن توالي الجرائم الصهيونية في أرض غزة العزيزة والتقتيل المستمر لأبنائها المسالمين تحت سمع العالم وبصره – ومن بينهم المسلمون – جريمة لا تغتفر، وحسبنا ما في قتل الأنفس من جرم عقابه عظيم.”
كما تساءل بنبرة ألم وغضب عن مصير شعارات السلام وحقوق الإنسان التي ترفعها الدول الكبرى، متوجهاً بسؤاله إلى الضمير العالمي:”أين شعارات السلام؟ وأين حقوق الإنسان؟! ما بال الإنسان تهتك حرماته وتداس حقوقه، ويُساند ذلك من ينادي بحقوق الإنسان؟!”
وأضاف: “أما آن للعالم أن يفيق من سكرته؟ وأن يدرك بأن هذا كله إنما هو خزي وعار تتلبس به الأمم المتحضّرة؟!”
وفي سياق الإبادة المستمرة، يواصل جيش الاحتلال الصهيوني، منذ 7 أكتوبر 2023، تنفيذ جرائم وحشية في قطاع غزة، أسفرت حتى اليوم عن استشهاد أكثر من 57,130 مدنياً، معظمهم من النساء والأطفال، وإصابة أكثر من 135,000 آخرين، في حصيلة لا تزال غير نهائية بسبب تعذر الوصول إلى آلاف الضحايا العالقين تحت الأنقاض وفي الشوارع بفعل القصف المتواصل والحصار الخانق.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
معادلة السلام الغائبة
«السلام» أكثر الكلمات تداولا في خطاب السياسة منذ عام 1945، وأكثر ما يفتقده العالم اليوم. تآكلت دلالة الكلمة مع مرور الزمن، من وعود ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى سنوات ما بعد الحرب الباردة، لأن ما رُفع من شعارات لم يتحوّل إلى ترتيبات قابلة للعيش. لم يكن السلام الذي بشّر به السياسيون طهارة أخلاقية بقدر ما كان محاولة لترتيب المصالح وضبط القوة؛ ومع ذلك كان ضروريا في عالم خرج مُنهكا من حربين عالميتين لم تُبقيا سوى التفوق في صناعة أدوات الموت.
لم يطرح الفلاسفة السلام بوصفه طقسا فوق التاريخ. في الشرق والغرب، على السواء، قُدِّم السلام باعتباره غاية أخلاقية تُترجم بلغة المصلحة المنظّمة؛ تقييد القوة بالقواعد والأنظمة والقضاة، وبتحويل الخصومة إلى منافسة مقبولة، وربط الالتزام الأخلاقي بحوافز مادية ورمزية. لكن الهوّة بين المثال وواقع السياسة بقيت واسعة كلّما انفصل سؤالا القوة والشرعية، من يملك أدوات التنفيذ؟ ومن يمنح القبول الذي يحوّل الإذعان إلى قبول مستدام؟ عند هذا الانفصال الكبير تتوالد المآسي الإنسانية، حروب تبدأ بسهولة وبقرارات فردية أحيانا وتتعثّر عند لحظة السِّلم.
وتؤكد تجارب القرن العشرين ذلك بشكل واضح جدا. عصبة الأمم امتلكت غايات سامية لكنها افتقدت أدوات التنفيذ؛ والأمم المتحدة ربطت الشرعية بواقع القوة في مجلس الأمن، فانتقل العالم من حلم الـ«سلام شامل» إلى «هندسة تعايش» أطول نَفَسا.
وفي محطات لاحقة، نجحت ترتيبات محدودة حين احترمت طبائع السياسة عبر ضبط التسلح، وإدارة الأزمات، وخفض التصعيد، ومسارات عدالة تدريجية تُبقي الضحية داخل المعادلة لا في هامشها.
لكن السلام الحقيقي لم يكن يوما بيان نوايا ولا توقيعا متعجّلا؛ هو معادلة دقيقة توازن يستطيع أن يَحُدّ من أطماع القوة، وشرعية تمنح كل طرف مكانا داخل النظام، وقواعد قابلة للقياس.
وبين الطهرانية التي تفترض أن نقاء النص يكفي، والواقعية الخشنة التي تزعم أن ميزان القوى وحده يمكن أن يصنع قبولا دائما، يمكن الحديث عن مسار ثالث يتمثل في الاعتراف المتبادل الذي يثبّت حدا أدنى غير قابل للمساومة يقدس حماية المدنيين، ويرفض التغيير الديموغرافي القسري، ويمنع أي مستوى من التجويع واستخدامه في الابتزاز السياسي، ثم مرحلة من مراحل بناء الثقة التي تأتي عبر خلق «تحالف مصالح» الذي يجعل نقض أي اتفاق أغلى كلفة من الالتزام به.
هنا تبدو مهمة السياسة لا تتمثل في أن عليها اختراع تعريف نقي للسلام.. إنما عليها هندسة ترتيبات قادرة على احترام منطق القوة، وتُدخل مطالبَ الكرامة إلى عمق الحساب لا إلى هوامشه.
عليها أن تصنع قواعد لسلام قابل للحياة، وقابل لأن يقاس لا أن يكتفى بتخيله فقط! سلام تغذيه المصالح المشتركة وكلما طال به الزمن أصبح أكثر قوة وصلابة.
وإذا لم يستطع هذا العالم الجمع بين التوازن والشرعية فسنبقى نستهلك كلمة السلام بينما تتسع الهوة بين النص وبين الواقع، وستواصل الشعوب الضعيفة التضحية بأبنائها وبمواردها وبمستقبلها.