في تحول مفاجئ أثار جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والاقتصادية، صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 24 يونيو الماضي، عبر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أن “الصين يمكنها الآن مواصلة شراء النفط من إيران... ونأمل أن يشتروا الكثير من الولايات المتحدة أيضًا”. 

جاء هذا التصريح بعد يوم من إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، والذي توسطت فيه واشنطن.

البيت الأبيض حاول احتواء الجدل، موضحًا أن الرئيس كان يشير إلى بقاء مضيق هرمز مفتوحًا، وليس إلى رفع العقوبات بشكل رسمي. إلا أن هذه التصريحات فاجأت حتى مسؤولين في وزارة الخزانة والخارجية الأمريكية، خاصة أن ترامب نفسه كان قد أكد في مايو أن “أي دولة تشتري النفط من إيران لن يُسمح لها بممارسة الأعمال التجارية مع الولايات المتحدة بأي شكل من الأشكال”.

الصين.. زبون إيران الأول وورقة ضغط واشنطن

الصين تمثل السوق الأهم للنفط الإيراني، إذ شكلت 13.6% من وارداتها النفطية من إيران في النصف الأول من عام 2025، بمعدل 1.38 مليون برميل يوميًا. 

ورغم تراجع الكميات مقارنة بالعام الماضي، إلا أن هذا الحجم لا يزال يعكس مدى عمق العلاقات الاقتصادية بين طهران وبكين، خاصة بعد توقيع الاتفاق الاستراتيجي طويل الأمد بين البلدين عام 2021.

في ظل التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، طلب وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو من الصين التدخل لدى طهران لعدم إغلاق مضيق هرمز – الذي يمر عبره خُمس الإنتاج النفطي العالمي – محذرًا من أن إغلاقه سيكون بمثابة “انتحار اقتصادي” لإيران، لكنه سيؤذي اقتصاديات دول أخرى أكثر من الولايات المتحدة.

خلال الحرب الأخيرة، شنت الولايات المتحدة ضربات على منشآت نووية إيرانية رئيسية مثل فوردو ونطنز وأصفهان، وهو ما ردّت عليه إيران باستهداف قواعد أمريكية في قطر. وبينما لوّح ترامب لاحقًا باستخدام القوة في حال عادت إيران إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة مرتفعة، فإنه في الوقت نفسه تراجع عن خطاب “تغيير النظام”، معتبرًا أن ذلك قد يؤدي إلى “مزيد من الفوضى”.

تصريحات ترامب سمحت ضمناً باستمرار شراء الصين للنفط الإيراني، مما عكس واقعية سياسية تهدف للحفاظ على الاستقرار في المنطقة، ولو على حساب التناقض الظاهري مع العقوبات المعلنة.

نفوذ الصين في طهران.. وتعاون أمريكي ضمني

ترى واشنطن أن للصين تأثيرًا متزايدًا على إيران، لا سيما مع تدهور علاقات طهران مع أوروبا والغرب. وكانت الولايات المتحدة قد طلبت من بكين سابقًا التوسط مع إيران خلال أزمة الحوثيين في البحر الأحمر، كما اتهمت الصين لاحقًا بتزويد الحوثيين بأسلحة – وهو ما نفته بكين.

ومع مشاركة وزير الدفاع الإيراني في اجتماع منظمة شنغهاي في الصين، وامتنان طهران لبكين على “تفهمها” خلال الحرب الأخيرة، بات واضحًا أن الصين تلعب دورًا متزايدًا في موازين الشرق الأوسط، بشكل يتقاطع أحيانًا مع مصالح الولايات المتحدة، لكن لا يصطدم بها بشكل مباشر.

الرئيس السابق جو بايدن كان قد سعى لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، لكن انشغاله بأزمات أخرى – أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية – حدّ من قدرته على التقدم في هذا المسار. وواجه بايدن انتقادات من الجمهوريين، وعلى رأسهم ترامب، الذين اتهموه بتليين موقفه تجاه إيران، مما سمح لها بتعزيز دعمها لوكلائها وفتح الباب لتصعيد جديد منذ أكتوبر 2023.

أما في الولاية الحالية، فرغم التصعيد العسكري والضربات النووية، فإن ترامب يبدو أكثر استعدادًا للتفاوض خلف الكواليس، خاصة إذا كان ذلك يخدم أهدافه الاستراتيجية في تحجيم إيران دون الانزلاق إلى حرب شاملة.

خاتمة

في الوقت الذي تواصل فيه واشنطن انتقاد شراء النفط الإيراني علنًا، فإن تساهلها مع الصين في هذا الملف قد لا يكون سوى خطوة براجماتية تهدف إلى تجنب التصعيد وفتح نافذة تفاوض مستقبلية.

فالصين باتت طرفًا أساسيًا في معادلة واشنطن – طهران، وقد تتحول إلى قناة خلفية لأي تسوية محتملة. وفي ظل تشدد الطرفين الظاهري، يبدو أن المصالح الاقتصادية وتبادل الرسائل غير المباشرة تهيمن على الساحة أكثر من الشعارات أو التهديدات.

ويبقى السؤال الأهم: هل ستقبل واشنطن بتسوية تضمن استمرار “الغموض النووي” الإيراني مقابل استقرار إقليمي هش؟ أم أن التصعيد سيعود مجددًا... ولكن هذه المرة بأدوات أكثر حذرًا؟

طباعة شارك الصين إيران النفط ترامب

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الصين إيران النفط ترامب الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

إيران تبدي رغبتها في تطوير العلاقات مع السعودية بجميع المجالات

أعربت إيران عن رغبتها في تطوير العلاقات مع المملكة العربية السعودية في جميع المجالات والقطاعات.

 

أفاد بذلك وزير الخارجية عباس عراقجي، في رسالة وجهها إلى نظيره السعودي فيصل بن فرحان، بحسب التلفزيون الرسمي الإيراني، الأربعاء.

 

ووفقا للتلفزيون الإيراني، سلّم سفير طهران في الرياض علي رضا عنايتي، الرسالة إلى وليد بن عبد الكريم الخريجي نائب وزير الخارجية السعودي.

 

وذكر المصدر نفسه أن الرسالة تضمنت مواضيع "تطوير وتعزيز العلاقات في جميع المجالات".

 

وفي سبتمبر/ أيلول 2023، عاد التمثيل الدبلوماسي بين السعودية وإيران لأول مرة بعد قطع العلاقات بين البلدين في 2016.

 

وفي 10 مارس/ آذار 2023، أعلنت السعودية وإيران استئناف علاقاتهما الدبلوماسية، عقب مباحثات برعاية صينية في العاصمة بكين.

 

يذكر أن السعودية قطعت علاقاتها مع إيران، إثر اعتداءات تعرضت لها سفارة الرياض في طهران وقنصليتها بمدينة مشهد (شرق)، احتجاجا على إعدام المملكة رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر، لإدانته بتهم منها "الإرهاب".

 


مقالات مشابهة

  • الولايات المتحدة تخطط لعقد محادثات نووية مع إيران في أوسلو الأسبوع المقبل
  • مصر تعلق على قرار إيران بتغير اسم شارع خالد الإسلامبولي
  • لقاءات مصرية خلال مؤتمر الأمم المتحدة لتمويل التنمية لتعزيز العلاقات الاقتصادية
  • سيناريو الملاذ الأخير.. هل تضرب إسرائيل إيران مجددًا؟
  • إيران تبدي رغبتها في تطوير العلاقات مع السعودية بجميع المجالات
  • لماذا يمكن أن يُستأنف القتال بين إسرائيل وإيران في أي لحظة؟
  • وزير الخارجية العماني يؤكد ضرورة تقديم تنازلات لاستئناف المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران
  • معاريف: نتنياهو وترامب سيركزان على غزة وإيران وعين على التطبيع مع سوريا
  • ترامب يستعد للقاء نتنياهو.. غزة وإيران يتصدران أجندة اللحظة الحاسمة | تقرير