من البرادعي إلى غروسي.. وكالة دولية في خدمة واشنطن
تاريخ النشر: 5th, July 2025 GMT
بعد تصريح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رفاييل غروسي جاء فيه: “ليس لدينا معلومات دقيقة تفيد أنّ إيران لا تسعى لامتلاك أسلحة نووية، ولن تفعل ذلك لسنوات”، قامت الوكالة الدولية يوم 1 يونيو الماضي، بضغط من واشنطن، وقبل استئناف المفاوضات النووية التي كان من المقرّر عقدها مع الجانب الأمريكي في عُمان، بإصدار تقرير يُحذّر من تزايد حجم اليورانيوم المخصّب في حوزة النظام الإيراني، فضلاً عن عدم “تعاون” طهران مع المفتشين الدوليين.
التقرير اتهم إيران بعدم احترام تعهّداتها لجهة كمية التخصيب النووي، مشيراً إلى أنّه تراكم لدى إيران 604 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 %، بزيادة 130 كلغ عن التقرير السابق للوكالة في شهر فبراير الماضي.
فيما غروسي يوم 18 يونيو الفائت، وقبل يومين من العدوان الأمريكي على إيران، يؤكد في تصريح لشبكة “سي أن أن” الأمريكية أنه لا يوجد دليل على وجود جهد ممنهج لتطوير سلاح نووي إيراني، ويقول في تصريح آخر لقناة France 24 “إنّ وجود برنامج تسلّح نووي ناشط لم يتمّ التأكد منه”.
إنّ اندفاع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في إصدار تقريرها المتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، حصل نتيجة ضغوط واشنطن على دول عديدة أعضاء في الوكالة، وتجاوب غروسي الأرجنتيني مع المطلب الأمريكيّ، الطامح لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، بعد انتهاء ولاية الأمين العام الحالي أنطونيو غوتيريس في 31 ديسمبر 2026، حيث الأمين العام القادم سيكون من حصة أمريكا اللاتينيّة.
إيران اتّهمت غروسي بنقل وثائق ومعلومات تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني إلى “إسرائيل”، ما جعل عدوان ترامب ـ نتنياهو على إيران يتلطى بتقرير غير شفاف للوكالة الدوليّة يبرر عدوانهما.
في 15 نوفمبر عام 2004، تمّ الاتفاق بين إيران والثلاثي الأوروبي: بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا على وقف مؤقت لتخصيب اليورانيوم، وفي اليوم نفسه نُشر تقرير للأمم المتحدة، يفيد أن ليس هناك من برهان على وجود برنامج عسكري نووي إيراني. بعد أسبوع واحد في 22 نوفمبر أعلنت إيران عن توقف طوعيّ لبرنامج تخصيب اليورانيوم، بغية التفاوض مع الثلاثي الأوروبيّ الذي لوّح بالحوافز السياسية والاقتصادية مقابل توقف دائم للتخصيب.
واشنطن التي عزمت على إحالة الملف النووي الإيراني بأيّ شكل إلى مجلس الأمن، لم تكن راضية عن أداء مدير الوكالة الدوليّة في ذلك الوقت محمد البرادعي، و”تهاونه” في هذا الشأن. ما دفع بوزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس في شهر يونيو 2005، أن توجّه كلامها للبرادعي قائلة: “إنّ على البرادعي أن يتشدّد في موقفه من إيران، وإلا سيفشل بأن يكون مرشحاً لولاية ثالثة على رأس الوكالة الدولية للطاقة الذرية”!
أمام الضغوط الأمريكية “الإسرائيلية”، أصدرت الوكالة الدولية يوم 11 أغسطس قراراً يدعو إيران إلى تعليق تخصيب اليورانبوم، وطلبت من البرادعي وضع تقرير مفصّل عن البرنامج النووي الإيراني قبل 3 سبتمبر 2005.
في 31 يناير 2006، صدر عن الوكالة الدولية تقرير جاء فيه: “أنّ إيران قامت بتسهيل عمليات التفتيش للوكالة الدولية”. رغم ذلك، وبعد ضغوط أمريكيّة وأوروبية مكثفة، تمّ يوم 4 فبراير 2006 التصويت داخل الوكالة على إحالة الملف النوويّ الإيرانيّ إلى مجلس الأمن الدولي، لتبدأ في ما بعد سلسلة العقوبات الأممية على إيران، مع العلم أنه بعد إحالة الملف النووي الى مجلس الأمن، كشف النقاب يوم 27 مارس عن عزم مسؤولين أمريكيين توجيه ضربة لإيران.
بعد عشرين عاماً، كشّرت الولايات المتحدة و”إسرائيل”، مجدّداً عن أنيابهما، لجهة ما تحضّره لإيران، إذ كان الملف النووي الإيراني جزءاً من أجزاء ملفات حساسة أخرى، مستهدفة من قبل واشنطن وتل أبيب. واشنطن التي لا تقبل مطلقاً أن يكون لإيران برنامج نوويّ سلميّ، تريد أن تجرّدها من كامل حقوقها التي كفلتها لها قوانين الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
إنّ عدوان أمريكا و”إسرائيل” على المنشآت النوويّة الذي انتهك القانون الدولي بشكل فاضح، في ظلّ تواطؤ الوكالة الدولية التي تعمّدت مع غروسي الصمت إزاء العدوان، لن يمنع إيران من امتلاك برنامج نووي سلمي كامل، ولن يجعلها ترضخ لبلطجة واشنطن وازدواجيّة معايير غروسي ووكالته الدوليّة مهما كلف الأمر.
الأمة الإيرانية كلها معنيّة اليوم، بما تعرّضت له من عدوان مشين شنته عليها الإمبراطورية المستبدة، ودولة الاحتلال، فيما واشنطن عازمة على استنزاف قدرات إيران العسكرية، والاقتصادية، والمالية، لإرهاقها، وجرّها إلى مفاوضات استسلام تضعها أمام الأمر الواقع.
صمود إيران، وردّها على العدوان “الإسرائيلي”، مزق الصورة المزيّفة لدولة الاحتلال، فالأسابيع المقبلة ستكشف هشاشة المجتمع “الإسرائيلي” في الداخل، وإعداد آلاف اليهود الذي سيغادرون نهائيّاً “أرض الميعاد”!
للمرة الأولى في تاريخ كيانها، يتمّ دكّ “إسرائيل” في عقر دارها، وتلقينها ضربات مؤلمة لم تشهدها من قبل، من شمالها إلى جنوبها، فيما العالم يشاهد مستوطنيها يهرعون إلى جحورهم.
إنّ الصراع مع “إسرائيل” ينتهي بتحرير الأرض، ولن تمحو الحروب هذه الحقيقة وإنْ وقف العالم كله لحماية الكيان العنصري.
العدوان على إيران كشف زيف الغرب المنافق الذي يبدي “حرصه” على السلام والأمن الدوليين، كما كشف حقيقة المتخاذلين في العالمين العربي والإسلامي وصمتهم المريب إزاء العدوان الأمريكي “الإسرائيلي”.
إيران اليوم لا تدافع فقط عن حقوقها وسيادتها، بل تدافع أيضاً عن أمن المنطقة كلها، كي لا يسقط الشرق الأوسط بأكمله في قبضة الإمبراطورية المارقة ودولة الاحتلال، ويغرق في حروب تقسيميّة عرقيّة وطائفيّة وقوميّة لا نهاية لها.
هدف واشنطن وتل أبيب الدائم، تحريك الملفات كلها ضدّ إيران. اليوم البرنامج النووي، وغداً البرنامج الصاروخي، وبعد غد برنامج الأسلحة البيولوجية والجرثومية، وبعده “نفوذ” طهران في المنطقة، والعمل على حصرها ضمن حدودها الجغرافيّة، وبعده حقوق الإنسان في إيران، ودعم الحركات الانفصاليّة لتقسيم البلاد، ومن ثم إسقاط النظام!
صراع إيران مع الغرب لن يتوقف، طالما هناك نظام متحرّر من القيود، يرفض التبعيّة، والتسلط، والإملاءات، والاستغلال، والخضوع للإمبراطوريّة التي وصفها مرشد ثورتها يوماً بـ “الشيطان الأكبر”، صفة يردّدها الإيرانيون بصوت عالٍ منذ 46 عاماً وحتى اليوم.
إذا ما فتشتم عن أسباب الحروب الدامية التي تندلع في العالم، ستجدون الإمبراطورية حاضرة على الدوام، تحرّض، تؤجّج، تتدخل، تعتدي، غير مبالية بالدول وحقوق الشعوب، ولا وبالمجتمع الدولي، والقوانين الأمميّة.
الإيرانيون متمسكون بحقهم، وكرامتهم الوطنيّة، واعتزازهم الكبير بإنجازات إيران، والدفاع عنها وعن أرضها، وسيادتها. لا عجبَ بعد ذلك، أن يتوحّد كلّ الإيرانيين، إصلاحيين، ومحافظين، ومعارضين، ومستقلين، خلف الدولة، والنظام، والجيش، والحرس الثوريّ، لدحر المعتدين، والدفاع عن الأمة الإيرانية!
العدوان “الإسرائيلي” ـ الأمريكي لن يستطيع القضاء على البرنامج النووي الإيراني، ولا على مصانع الصواريخ، ولا على إسقاط النظام، رغم شراسة العدوان وقسوته وهمجيته.
هكذا يحافظ الإيرانيون على وطنهم، ويستميتون في الدفاع عن ترابه، بإيمان كبير، وصبر عجيب، ومن لا يعرف الإيرانيين عن كثب، فليدرس بالعمق تاريخهم حتى يدرك مدى صلابتهم، وقوة إرادتهم، واعتزازهم بإنجازات وطنهم العلميّة، وعنفوانهم، وقدرتهم على الصمود، والتحدّي وتحقيق النصر…
*وزير خارجية لبنان الأسبق
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
إيران تعلّق رسمياً تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية
يمن مونيتور/ أ ف ب
علّقت إيران رسمياً “الأربعاء” تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع مصادقة الرئيس مسعود بزشكيان على قانون أقره البرلمان في ضوء الضربات الأمريكية والإسرائيلية على منشآت نووية خلال الحرب مع إسرائيل.
وتفاقمت التوترات بين طهران والوكالة التابعة للأمم المتحدة على خلفية الهجوم غير المسبوق الذي شنّته إسرائيل اعتبارا من 13 يونيو. وخلال الحرب التي استمرت 12 يوما، استهدفت الدولة العبرية منشآت عسكرية ونووية واغتالت علماء إيرانيين، بينما قامت واشنطن بقصف ثلاث منشآت نووية رئيسية في إيران.
وأقر البرلمان الإيراني في 25 يونيو، غداة بدء تنفيذ وقف إطلاق النار، مشروع قانون يقضي بتعليق التعاون مع الوكالة التي كان مفتشوها يراقبون مختلف الأوجه المعلنة لأنشطة البرنامج النووي في إيران. ولم يحدد القانون الخطوات الإجرائية لذلك.
وصادق مجلس صيانة الدستور، الهيئة المعنية بمراجعة التشريعات في إيران، على مشروع القانون، وأحاله على السلطة التنفيذية المعنية بتنفيذه.
وأورد التلفزيون الرسمي أن بزشكيان “صادق على قانون تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.
وجاء في النص الذي نشرته وسائل إعلام إيرانية أن التشريع يهدف إلى “ضمان الدعم الكامل للحقوق الجوهرية لإيران” بموجب معاهدة منع الانتشار النووي، “وخصوصا تخصيب اليورانيوم”.
وتشتبه الدول الغربية وإسرائيل بأن إيران تسعى لصنع قنبلة نووية. وتنفي طهران ذلك وتدافع عن حقها في تطوير برنامج نووي مدني. وتتمسك إسرائيل بالغموض بشأن امتلاكها السلاح النووي، لكن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام يقول إنها تملك 90 رأسا نووية.
وتعقيبا على الإعلان الإيراني، دعا وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر المجتمع الدولي إلى “التحرك بحزم” لوقف البرنامج النووي الإيراني.
وحثّ ساعر ألمانيا وفرنسا وبريطانيا على “إعادة فرض جميع العقوبات على إيران”. وأضاف “يجب على المجتمع الدولي أن يتحرك بحزم الآن ويستخدم جميع الوسائل المتاحة له لوقف الطموحات النووية الإيرانية”.
وكان الأوروبيون هم من أطلقوا العملية الدبلوماسية بشأن البرنامج النووي الإيراني قبل حوالى عشرين عاما، وكانوا في صدارتها.
والورقة الوحيدة المتبقية لديهم باعتراف دبلوماسيين أوروبيين أنفسهم، هي إمكان تفعيل “آلية الزناد” التي نص عليها الاتفاق النووي مع إيران المبرم في 2015 والذي انسحب منه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 2018. وتسمح هذه الآلية بإعادة فرض عقوبات دولية على إيران، ما يمنح الأوروبيين وسيلة ضغط عليها.
مرحلة جديدة وأخطر
من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية مارتن غيزه، إنّ خطوة إيران بتعليق التعاون مع الوكالة الذرية تعدّ “إشارة كارثية”.
وقال الباحث في “مبادرة الخطر النووي” إريك بروير تعقيبا على إعلان طهران “بعد عقود من النفاذ الصارم للوكالة الدولية للطاقة الذرية الى برنامج إيران النووية، ندخل الآن مرحلة جديدة أخطر”.
وتابع في منشور عبر منصة “إكس” “مهمة فهم ما يحصل في المواقع النووية الإيرانية، الجديدة والقديمة، ستصبح بالكامل على عاتق أجهزة الاستخبارات”. وسبق لمسؤولين إيرانيين أن دانوا بشدّة “صمت” الوكالة الدولية إزاء الضربات الإسرائيلية والأمريكية.
وانتقدت إيران الوكالة لمصادقتها في 12 يونيو على قرار يدين “عدم امتثال” طهران لالتزاماتها النووية.
وقال مسؤولون إيرانيون إنّ هذا القرار كان أحد “الأعذار” للهجوم الإسرائيلي. والأربعاء، قال المسؤول القضائي علي مظفري إنّ مدير عام الوكالة الدولية رافايل غروسي “يجب أن يحاسب” على ما وصفه بـ”الإعداد للجريمة” ضد إيران، متهما إياه بالقيام بـ”أفعال خادعة وتقارير احتيالية”، بحسب وكالة تسنيم.