سوريا إلى الحضن الصهيوأمريكي .. التطبيع على أنقاض السيادة
تاريخ النشر: 5th, July 2025 GMT
في مشهد سياسي يعكس تحولاً دراماتيكياً في تعاطي القوى الدولية والإقليمية مع الملف السوري، أعلنت الولايات المتحدة قراراً مثيراً للجدل بإلغاء العقوبات المفروضة على سوريا، لا سيما تلك التي كانت مشمولة ضمن ’’قانون قيصر’’، هذه الخطوة، التي جاءت من دون إعلان رسمي عن تفاهمات سياسية شاملة، فتحت الباب واسعاً أمام تساؤلات جوهرية حول دلالاتها وتوقيتها، خصوصاً في ظل تزايد الأنباء عن تفاهمات أمنية إسرائيلية – سورية غير معلنة، وتبدلات صادمة في التحالفات الإقليمية.
يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي
ما يضفي بعداً أكثر إثارة على هذه التحولات، هو ظهور صورة جماعية مؤخراً جمعت عدداً من رؤساء وملوك الشرق الأوسط، ممن انخرطوا في مسار التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وقد ضمت أيضاً صورة لزعيم “هيئة تحرير الشام” أبو محمد الجولاني، رئيس النظام السوري الجديد ، الذي بات يظهر بربطة عنق، وبلغة سياسية تصالحية، في ما اعتبره البعض إعادة تهيئة للفاعلين المسلحين على الأرض تمهيداً لإعادة دمجهم ضمن ترتيبات إقليمية جديدة.
يتناول هذا التقرير الأبعاد الاستراتيجية للقرار الأمريكي، وانعكاساته المتوقعة على المشهد السوري، بدءاً من دلالات التحول في الموقف الأمريكي تجاه دمشق، وصولاً إلى علاقة القرار بالتوغل الإسرائيلي في العمق السوري، والتأثيرات المحتملة على وحدة الأراضي السورية، وموقف القوى العربية والإقليمية من هذا المسار.
كما يستعرض التقرير الخلفية السياسية للقرار الأمريكي، ويضعه في سياق التقاطعات المعقدة بين المصالح الأمريكية والإسرائيلية والتركية والإيرانية في سوريا، إلى جانب رصد ردود الفعل الإقليمية، لا سيما في ضوء المساعي العربية لإعادة سوريا إلى الحظيرة الدبلوماسية العربية، وإن كان بشروط سياسية وأمنية واضحة.
إن أهمية هذا التقرير لا تنبع فقط من توقيت القرار الأمريكي، بل من حجم التبعات الجيوسياسية التي قد تترتب عليه، في منطقة مشتعلة بسبب طموحات توسع الأطماع الصهيونية والأمريكية ، وانعدام اليقين بشأن مستقبل سوريا كدولة موحدة، مقابل مشهد متسارع يعيد رسم خرائط النفوذ والتحالفات على أرض الصراع السوري.
تحول أمريكي لافت في الموقف من دمشق
يقرأ مراقبون القرار الأمريكي أنه خطوة يمثل انتقالاً إلى سياسة أكثر واقعية، تركز على تحقيق استقرار نسبي في سوريا بدلاً من الدفع باتجاه تغيير النظام.
ويرى البعض أن هذه الخطوة تأتي في إطار محاولة واشنطن قطع طريق النفوذ الإيراني داخل سوريا، وإعادة تدوير العلاقات مع دمشق بما يخدم أولويات المصالج الأمريكية والصهيونية في الإقليم.
توغل العدو الإسرائيلي في المشهد السوري: علاقة غير معلنة؟القرار الأمريكي، وإن لم يرتبط رسمياً بالاحتلال الإسرائيلي، إلا أن توقيته يثير تساؤلات حول العلاقة بين رفع العقوبات وتوسّع هجمات العدو الصهيوني داخل الأراضي السورية، والتي استمرت لسنوات لتستهدف بشكل رئيسي الوجود الإيراني ومواقع تابعة لحزب الله.
مصادر دبلوماسية توقعت أن تكون هذه الخطوة جزءاً من تفاهمات غير معلنة بين واشنطن وتل أبيب، هدفها ’’إيران’’ مقابل غضّ الطرف عن بقاء النظام السوري، وتوفير حرية حركة أكبر للعدو الإسرائيلي في الجنوب السوري.
مخاوف من تهديد وحدة الأراضي السوريةفي الداخل السوري، يثير القرار الأمريكي مخاوف من انعكاسات سلبية على وحدة سوريا ، لا سيما في ظل وجود قوى محلية تتصرف كسلطات أمر واقع، سواء في الشمال الشرقي الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية، أو في إدلب الخاضعة لفصائل معارضة مدعومة من أنقرة.
ويحذر محللون من أن رفع العقوبات دون ربطه بخطة سياسية شاملة قد يؤدي إلى تعزيز النزعات الانفصالية، وتكريس حالة “الفيدرالية غير المعلنة” التي باتت أمراً واقعاً في عدة مناطق سورية.
الرد العربي والإقليمي: ترحيب حذر وتوازنات دقيقةعلى المستوى العربي، يُنظر إلى القرار الأمريكي كمؤشر يفتح الباب أمام مزيد من الانفتاح على سوريا من قبل دول الخليج والدول العربية التي سبق أن اتخذت خطوات في هذا الاتجاه، انتهت بدخول كبير جداً للسعودية في المشهد السوري بدور الوسيط بين النظام الجديد والولايات المتحدة
إقليمياً، يضع هذا التحول الولايات المتحدة في موقع أكثر مرونة في تعاملها مع تركيا وروسيا على وجه التحديد التي تتشبث بنفوذها في سوريا وتشكل حجر عثرة أمام التواجد الأمريكي وبطبيعة الحال أمام الاحتلال الإسرائيلي ، الذي يرى أن نفوذه في سوريا سيحقق له قطع صلة إيران بسوريا من جهة ولبنان من جهة أخرى ، لتكون الطريق سالكه أمام مشروعه الاستعماري التوسعي.
انعكاسات القرار على الصراع بين إيران والعدو الصهيوني في سوريايرى محللون أن القرار الأمريكي بإلغاء العقوبات على سوريا لا يمكن فصله عن معادلة الصراع بين إيران والعدو الصهيوني التي يصور العدو والولايات المتحدة أنها ممتدة داخل الأراضي السورية، فالعدو الإسرائيلي يسعى جاهداً لمنع إيران من ترسيخ وجودها عسكرياً على مقربة من حدود مستوطناته الشمالية.
وفي هذا السياق، يُفهم القرار الأمريكي ضمن إطار إعادة ترتيب ميزان الردع داخل سوريا، بما يسمح للإحتلال الإسرائيلي بمزيد من حرية الحركة الاستخباراتية والعسكرية، من دون الاصطدام بعقبات دبلوماسية أمريكية كانت تُفرض في السابق بسبب العقوبات، إذ يُنظر إلى القرار الأمريكي كإشارة غير مباشرة بأن “الملف الإيراني” هو أولوية استراتيجية مشتركة، وأن النظام السوري الجديد أصبح حليف سيساهم في تقليص النفوذ الإيراني .
خاتمةلا يمكن فصل القرار الأمريكي برفع العقوبات عن سوريا عن السياق الأشمل لتحولات إقليمية تتسارع في المنطقة، حيث تُعيد الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي هندسة موازين القوى بما يخدم مصالحهما في المشرق العربي، فالخطوة الأمريكية تمثل، في جوهرها، أكثر من مجرد إجراء اقتصادي أو بادرة دبلوماسية، بل هي مدخل سياسي لإعادة دمج سوريا الجديدة في حظيرة النفوذ الصهيوأمريكي، تحت غطاء محاربة النفوذ الإيراني وإعادة تأهيل النظام بصفقة غير معلنة.
السكوت الأمريكي عن التصعيد الإسرائيلي داخل العمق السوري، والترويج لصورة “الجولاني العصري”، وظهور رموز التطبيع العربي في صور موحدة، جميعها إشارات إلى أن سوريا تُعاد هندستها سياسياً وأمنياً، بما يتماشى مع خريطة جديدة للشرق الأوسط لا تكون فيها دمشق خصماً استراتيجياً لتل أبيب، بل شريكاً أمنياً غير مباشر في كبح ما يُسمى “الخطر الإيراني”.
إنها مرحلة تحول إقليمي كبير، تُستخدم فيها أدوات العقوبات والتخفيف منها، ليس لتحقيق العدالة أو الحل السياسي، بل لإعادة التموضع الصهيوأمريكي داخل بنية الدولة السورية، وعليه، فإن هذا القرار قد يكون أول الطريق في سلسلة تغييرات أعمق، ستمتد آثارها إلى ملفات الجوار، من لبنان إلى العراق، وربما إلى خارطة الصراع العربي – الإسرائيلي برمتها.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الأراضی السوریة القرار الأمریکی غیر معلنة فی سوریا
إقرأ أيضاً:
حرب الـ12 يوما.. ما التغييرات التي طرأت على إيران بعد الهجوم الإسرائيلي؟
نشرت صحيفة “الجارديان” البريطانية، مقالا لباحث إيراني يعيش في طهران في الوقت الحالي وشهد حرب الـ12 يوما بين إيران وإسرائيل خلال يونيو الماضي.
ويصف الباحث حسين حمدية، الحاصل على درجة دكتوراه مشتركة في الجغرافيا والأنثروبولوجيا من جامعة هومبولت في برلين وكلية كينغز في لندن، كيف أضحت إيران بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي.
دروس الحرب الإيرانية الإسرائيليةويؤكد حمدية في مقاله أن هناك عددا من الدروس التي خرج بها الإيرانيون من المواجهة ضد إسرائيل، أبرزها أنه لا ثقة مرة أخرى في الغرب، وأن السلاح النووي بات امتلاكه أمرا ملحا وهو اقتناع تسرب إلى الذين عارضوا امتلاكه من قبل.
ويقول الباحث الإيراني: "لمدة ١٢ يومًا، عشنا في العاصمة تحت وطأة هجمات إسرائيلية متواصلة، وما رأيناه غيّرنا إلى الأبد: جيران موتى، مبانٍ مدمرة، وقلق - قلق لا ينتهي، عميق - على وجوه الناس".
وأضاف: "هناك راحة في الحديث عن "الشعب الإيراني" كما لو كنا كتلة واحدة موحدة لكن، كما هو الحال في معظم المجتمعات، لدى الإيرانيين آراء متباينة".
وأشار إلى أنه عندما اندلع القتال لأول مرة، كان هناك من سعد برؤية قوة أجنبية تستهدف كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، المكروهين على نطاق واسع، على الأقل في البداية لكن آخرين - وإن كانوا معارضين أنفسهم - استاؤوا بشدة من فكرة الغزو الأجنبي.
ولفت الباحث الإيراني إلى أنه رأى بعض المتشددين في هذه الحرب مهمةً خلاصيةً يجب خوضها حتى النهاية المريرة؛ بينما شعر آخرون بالخدر تجاه ما يحدث، ولكن مع امتلاء الأخبار بصور الضحايا المدنيين، وازدياد حدة الهجمات وتراجع استهدافها، بدأت مختلف الفصائل الاجتماعية تتوحد حول مفهوم "الوطن".
وتابع: "اكتسبت الوطنية رواجًا جديدًا، وساد الفخر الوطني على معظم الألسنة وكثرت مشاهد التضامن - وإن كان لا يزال من غير المعلوم مدى استمرارها -: أصحاب العقارات يُلغون الإيجارات في ظل الأزمة؛ وسكان خارج طهران يستضيفون الفارين من العاصمة؛ ولا اندفاع نحو محلات البقالة، ولا فوضى، ولا عمليات إجلاء مذعورة".
الغرب والحرب الإيرانية الإسرائيليةوأوضح حسين حمدية قائلا: "في رأيي، لعبت طريقة رد فعل الدول الأوروبية على الهجوم الإسرائيلي دورًا رئيسيًا في هذا التحول ودعمت الدول الثلاث، إلى جانب دول صامتة أخرى في جميع أنحاء القارة، الضربات الإسرائيلية، مستخدمةً جميع المبررات المعتادة، من البرنامج النووي الإيراني إلى دعمها للإرهاب، كل ذلك بينما كان الرئيس الأمريكي يرسم صورة وردية لعظمة إيران المزعومة "في اليوم التالي" على منصة "الحقيقة الاجتماعية". لكن نحن في الشرق الأوسط ندرك ذلك".
ونوه إلى أن صور الدمار الجديد في غزة تظهر يوميًا، ونتذكر الفوضى في ليبيا، والحرب الأهلية في سوريا، وعقدين من الاحتلال في العراق، وعودة طالبان إلى أفغانستان لم يكن هناك أي أمل في هذه الصراعات - لم تُزرع بذور الديمقراطية، ومن المؤكد أن حقيقة العدوان الإسرائيلي السافرة ستُصدم نفس القوى التي أدانت، عن حق، غزو روسيا لأوكرانيا - حتى لا تُدمر حرب أخرى المنطقة مرة أخرى.
وقال إنه من المؤكد أن هذه الهجمات - الوحشية، وغير المُبررة، والمُتعمدة - كان ينبغي أن تُقابل بفيض من الإدانة والغضب لتجاهلها ميثاق الأمم المتحدة لكن لم يحدث شيء، وكان الصمت مُطبقًا تذكيرٌ بأن حياة الإيرانيين، بلا شك، أقل قيمةً من حياة الآخرين هذا، بالنسبة للكثيرين منا، كان الدرس الرئيسي من دعم الدول الغربية لإسرائيل وكانت الحرب على إيران، لكنها بُرِّرت بنفس المنطق القديم: العنصرية. لامبالاة وتقاعس من يملكون سلطة التدخل؛ لهجة الإعلام السلبية عند الإشارة إلى الضحايا من غير البيض؛ التجاهل المُعتاد لمعاناتهم؛ واللامبالاة تجاه الهجمات على دول خارج المدار الغربي - حتى أن المستشارة الألمانية قالت: "هذا عملٌ قذرٌ تقوم به إسرائيل من أجلنا جميعًا".
ولفت إلى أن كثيرا من الإيرانيين يغضب من هذا الظلم، لدرجة أن فكرة بناء سلاح نووي، التي كانت في السابق حكرًا على هامش الراديكالية السياسية، تكتسب الآن زخمًا بين عامة الناس، وكما عبّر أحد المستخدمين على منصة “إكس”: "لا يبدو أن أحدًا مهتم بحالة حقوق الإنسان في كوريا الشمالية"، مشيرًا إلى أن الرؤوس الحربية النووية لا تزال الرادع الوحيد الموثوق ضد العدوان.
إسرائيل تخرق الاتفاقياتوأكد أنه من “الحماقة أن نثق بإسرائيل لوقف إطلاق النار فلدى هذا البلد سجل حافل بانتهاك الاتفاقيات دون عقاب، هذا يعني أن سيفًا مسلطًا على طهران لا يزال مسلطًا عليها، حتى مع خفوت دوي الانفجارات”.
وأوضح أنه “من بعيد، قد تبدو هذه المدينة التي يزيد عدد سكانها على 10 ملايين نسمة وكأنها عادت إلى صخبها المعتاد، لكن الغموض لا يزال يخيم على الأجواء، وما يزيد الأمر سوءًا هو غياب أي وسيط موثوق قادر على إنهاء الحرب، بالنسبة للكثيرين هنا، فإن مشاركة الغرب الضمنية أو الصريحة أو حتى النشطة في الصراع تحرمه من أي دور كمفاوض حسن النية”.
واختتم مقاله قائلا: "من موقعي هذا، تترسخ مرة أخرى مشاعر عدم الثقة تجاه أوروبا ستُعاد بناء المباني، وستُصلح البنية التحتية لكن ما قد يتضرر بشكل لا يمكن إصلاحه - ربما بشكل لا يمكن إصلاحه - هو النسيج الأخلاقي الذي تستند إليه أوروبا لتبشّر الآخرين، ازدواجية المعايير. النفاق. الظلم الكامن في كل هذا. العقلية الإمبريالية - التي لا تزال حيةً ونابضةً بالحياة - تُلقي بظلالها الثقيلة على كيفية النظر إلى أوروبا. ليس فقط على الإيرانيين، على ما أظن، بل على كثيرين في جميع أنحاء الجنوب العالمي".
وأضاف: “هذه أوقات عصيبة نعيشها لا أعلم ما إذا كانت إيران ستصمد في هذه اللحظة، أو ستُبرم اتفاقًا، أو ستواصل مسارها الانتقامي الحالي لكن المؤكد هو أن من يحكم إيران في المستقبل لن ينسى ما حدث هنا”.