سقط معز! استفرغت خبايا النفوس ظلاماتها!
بثينة تروس

كنّا من أوائل الذين سارعوا إلى إدانة ونقد موافقة بروف معز عمر بخيت على تعيينه وزيرًا للصحة في حكومة الدكتور كامل إدريس، التي لا تزال مقرها في بورتسودان بعد أن عجزت حكومة البرهان عن العودة إلى مقرها في الخرطوم. ولأننا تربطنا به روابط الأرحام الطاهرة، حدّثناه بعلمنا أنه عالم في طبّ المخ والأعصاب، شاعرٌ فائضٌ بالإنسانية، رقيقٌ، جماليّ، لم يخالط اللئام، فعظُم علينا سقوطه في أحضان العسكر ودَرَك الكيزان.

لم يستجب المعز لنصحنا، متمسكًا بحكومة تبيع الأوهام تحت شعار (الأمل)، بينما توعِد شعبها بحرب قد تمتد مئة عام، حتى لو خاضتها بالأطفال. فكيف لحكومة دمّرت المستشفيات في حربها مع مليشيات الدعم السريع أن تهتم بصحة الشعب أو علاجهم. هي حكومة تُدار من داخل مشروع كيزاني قائم على (فلتُرَق كلّ الدماء). ويا ليت معز امتلك حكمة الثعلب، واتعظ بمصير دكتور أكرم التوم، الذي كان فرحة شعب لم تكتمل.
وأعجب ما في أمر تعيين معز، والذي فاق في أثره إحباط حتى المحبطين، هو حال بعض منتقديه ممن استفرغوا أحقادهم وعداوتهم في نقدٍ لا يخلو من تجنٍ وبغضاء. كشف ذلك عن هشاشة في ثقافة الاختلاف، وضعف في تربية الديمقراطية لدى من يُفترض أنهم نخبة، مرّوا بتجارب سياسية وفكرية عميقة. نعم، خلال حرب 15 أبريل اللئيمة، سقط القناع الأخلاقي الذي طالما تباهى به السودانيون، وتغنّوا وزغردوا على إيقاعه. لم يترك الرأي العام حينها للمعارضين إلا خيارين (بل بس) او (جغم بس) ولم يَسلم دعاة السلام وإيقاف الحرب من ألسنة حداد، تتربص بهم وتنهال عليهم باتهامات باطلة، تتراوح بين (جنجويد) و(قحاتة).
لكن أن يُمسّ تاريخ الآباء بالسوء، ويُظلم الأموات بنقدٍ رخيص، فهذا ما لا يُحتمل، وما عجزنا عن الصمت حياله. حين أطلقت بعض النفوس، التي تدّعي حراسة الوطن ووعيه ومستقبله، أحقادها في سيرة مولانا عمر بخيت العوض، فقط لتقول للناس: دعوا معز، فهو ربيب الكيزان ورضيع الخيانة! وفي المقابل، سارعت قيادات الإخوان المسلمين، بفطنة الشطارة وبراعة الفهلوة السياسية، إلى استغلال ذلك النبش المغرض، لتحويله إلى أداة لتلميع صورة مولانا عمر، وتقديمه كمن ظل في ركابهم طوال الزمن، وكأنما هو راية مرفوعة تُبرر ابتلاع ضمير معز.
إذن، دعوني أحدثكم عن خالي مولانا عمر بخيت العوض، نائب رئيس القضاء، الذي عرفته المحاكم قاضيًا عادلًا نزيهًا، جريئًا في الحق لا يخشى لومة لائم، مهابًا صارمًا، لا يداهن ولا يتلون. لم يكن من الفاسدين أو المرتشين، ولم يجرؤ أحد، مهما كان، أن يجعله وسيطًا له في أي محفل من المحافل. اشتهر بالأحكام القضائية الفذة التي تُدرس للقضاة، وكانت لهم نبراسًا منيرًا في دروب المحاكم. كما كان متحدثًا خطيبًا مفوهًا، فإذا تكلم صمتت المجالس من هيبته. لم يعرف عنه ساقط القول، وكان كحاتم الطائي في العطاء. وعلى ذلك، يشهد له القضاة والمستضعفون والمحاكم. لقد فصلّه نميري للصالح العام، وكحال كل الأخيار، خسره السودان وكسبته الإمارات. استقبله قضاء وعدل الشيخ زايد، في ذلك الوقت كان استقبال الفاتحين، فهو علم يُرفع في فضاء القضاء، تسبقه سيرته الناصعة، فعُين رئيسًا لجميع المحاكم الاتحادية العليا في أبوظبي.
نعم، لقد كان مولانا عمر بخيت، في شبابه، من الذين استجلبوا إلى السودان بذرة جماعة الإخوان المسلمين في خمسينيات القرن الماضي، يوم ظنّ بعضهم أنها مشروع خلاص، لا يعلمون أن فيها داءً مستترًا. كان معه في ذلك الركب صادق عبد الماجد وآخرون، كما روى والدي، عمر علي تروس، المحامي، الذي أُعجب به إعجابًا بالغًا، فانضم إلى الجماعة وتزوج شقيقته فاطمة. لكنه، شأن كثير من الباحثين عن الحقيقة، فارق الدرب لاحقًا، في الستينيات، ليتتلمذ على يد الأستاذ محمود محمد طه. وظل مولانا عمر، طويل الباع في القضاء، مناصِرًا صلبًا للدستور الإسلامي، لا يلين له موقف ولا تُساومه القناعات. ومع ذلك، لم يكن خصامه للفكر الآخر عداوة، بل كان اختلافًا راقٍا، يشهد له أدب الحوار، كما تجلى في مناظراته الموثقة في كتيبات الإخوان الجمهوريين، الذين عدّوا ذلك الدستور مزيفًا، ورأوا في مشروعه استحالة كنظام حكم دولة، وما هو الا هوس ديني يثير الفتنة ليصل الي السلطة. ومع كل هذا التباين، ظل الأستاذ سعيد شايب وقضاة الجمهوريين يذكرون مولانا عمر بتقدير جم، مشيدين بشجاعته وصدقه، وهكذا يكون أدب الخلاف عند الكبار.
ومولانا لم يلبث أن ترك التنظيم مبكرًا، قبل أن يصعد د. حسن الترابي إلى خشبة المسرح السياسي، إذ كان وقتها طالبًا في فرنسا. انتُزع مولانا عمر من غياهب المشروع الملتبس، واختار التصوف طريقًا، وسلام الروح مقامًا. حفظ الله له سيرته وستر سريرته، ونجّاه من سوء عاقبة الكيزان (ليجزي الله الصادقين بصدقهم). وختامًا، رمي الناس بالباطل ديدن العاجزين، وسقوط الخلاف إلى درك الكراهية والعفن، سمة من لا خُلق له ولا حجة. فالاختلاف، إن لم يَسنده احترام وعدل، يصبح خيانة للوعي، وطعنًا في شرف الكلمة.

الوسومالمسرح السياسي بثينة تروس بروف معز عمر بخيت تعيين د. كامل إدريس وزير الصحة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: المسرح السياسي تعيين د كامل إدريس وزير الصحة

إقرأ أيضاً:

إسرائيل اليوم: هؤلاء قادة حماس الذي ما زالوا في غزة

نشرت صحيفة "إسرائيل اليوم" تقريرا بعد مزاعم الاحتلال حول اغتيال القيادي في القسام رائد سعد عن قادة حماس الذين ما زالوا في غزة.

وقالت الصحيفة إنه بعد اغتيال رعد سعد، "الرجل الثاني" في "الجناح العسكري" لحماس، بقي عدد من قادة الحركة وعلى رأسهم:

1. عز الدين الحداد: القائد الحالي للجناح العسكري، الذي وصل إلى السلطة بعد اغتيال محمد ضيف ونائبه مروان عيسى ومحمد السنوار بحسب الصحيفة. 

وكان الحداد قائداً للواء مدينة غزة، ووفقاً لتقارير عربية، كان من بين القلائل الذين علموا بتوقيت هجوم 7 أكتوبر. حيث كان شريكا رئيسيا في التخطيط للعملية.

وأوضحت أنه مع كل عملية تصفية، ارتقى في التسلسل القيادي، حتى أصبح مسؤولا عن قضية الأسرى الذي ذكروا أن الحداد كان يتحدث العبرية ويتواصل معهم. 

وخلال الحرب، قُتل اثنان من أبنائه، اللذين كانا يعملان في صفوف نخبة القسام النخبة.

محمد عودة: رئيس مقر استخبارات حماس في غزة. لا يُعرف الكثير عن عودة، لكن بحكم طبيعته، كان متورطًا بشكل كبير في التخطيط لعملية ٧ أكتوبر. 

وفي وثائق نُشرت قبل الحرب، يظهر اسمه إلى جانب محمد ضيف والمتحدث باسم القسام أبو عبيدة. 

ووفقًا لتقارير ، أُجبر عودة على تولي قيادة لواء شمال غزة، بعد اغتيال القائد السابق أحمد غندور كما زعمت الصحيفة العبرية.

وبينت "إسرائيل اليوم" أنه إلى جانب كبار قادة الجناح العسكري، بقي اثنان من الشخصيات البارزة في حماس على قيد الحياة، واللذان كانا في السابق ضمن أعلى مستويات نظامها في غزة. 

الأول هو توفيق أبو نعيم، الذي ترأس جهاز الشرطة وكان يُعتبر من المقربين من السنوار. أما الثاني فهو محمود الزهار، عضو المكتب السياسي في غزة وأحد أعضاء الفصائل المؤسسة لحماس. 

وأشارت إلى أن هناك أيضاً قادة كتائب مخضرمون في حماس لم يُقتلوا بعد أولهم حسين فياض ("أبو حمزة")، قائد كتيبة بيت حانون، الذي نجا من محاولتي اغتيال على الأقل حيث أسفرت المحاولة الأخيرة عن مقتل أفراد من عائلته. 

وفي وقت سابق من الحرب، أعلن جيش الاحتلال أنه قُتل، لكن فياض ظهر بعد فترة من وقف إطلاق النار.

ولفتت الصحيفة إلى قائد كتيبة آخر هو هيثم الحواجري، المسؤول عن كتيبة مخيم الشاطئ. 

وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي اغتياله، لكنه ظهر خلال وقف إطلاق النار في إحدى المراسم الدعائية لإطلاق سراح الأسرى.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، برز اسم قائد بارز آخر في حماس وهو  مهند رجب. وبحسب تقارير عربية، عُيّن رجب قائداً للواء مدينة غزة خلفاً للحداد، الذي أصبح قائداً للجناح. كما ورد أنه، على غرار رجب، عُيّن قادة ميدانيون آخرون ليحلوا محل من قُتلوا خلال الحرب.

مقالات مشابهة

  • من رجل القسام الثاني الذي اغتالته إسرائيل؟
  • إسرائيل اليوم: هؤلاء قادة حماس الذين ما زالوا في غزة
  • إسرائيل اليوم: هؤلاء قادة حماس الذي ما زالوا في غزة
  • طارق الشناوي: عمار الشريعي أحد أهم الموهوبين الذين ظهروا في العالم العربي
  • ما أهمية إقليم دونباس الأوكراني الذي تسيطر روسيا على معظمه؟
  • من أين جاء لاعبو الإمارات الذين هزموا الجزائر في كأس العرب؟
  • "الناجي الوحيد".. لقب "بتول" الذي جردها الفقد معانيه
  • الوزيرة الجنجويدية… هل يُفتح أخيراً ملف المتعاونين الذين عادوا إلى مؤسسات الدولة
  • كاسبرسكي تحذر من المجرمين السيبرانيين الذين يستخدمون الكتب التركية والعربية الرائجة كطعمٍ لسرقة البيانات الشخصية
  • الشاعر جمال بخيت يُعلق على أزمة محمد صلاح عبر فيسبوك