في سياق الإعلان المحدود لتشكيل “حكومة الأمل”، تبرز تساؤلات كثيرة تتعلق باتجاهات إعادة هيكلة الجهاز التنفيذي، خصوصًا فيما يتصل بوزارة الموارد المائية والري. حيث يأتي تعيين البروفيسور عصمت قرشي وزيرًا للزراعة والري ليشير ضمنيًا إلى فصل اختصاصات الري عن بقية مكونات الوزارة، ما يعيد إلى الواجهة النقاش حول إمكانية استحداث وزارة مستقلة تُعنى “بالموارد المائية والسدود” .

تستمد هذه الفرضية وجاهتها من الأهمية الاستراتيجية البالغة لهذا القطاع في السياق الجغرافي والسياسي للسودان، بالنظر إلى موقعه المحوري ضمن منظومة دول حوض النيل وتعقيدات ملف الأمن المائي الإقليمي.

لكن المفارقة الكبرى، وربما المقلقة، أن إعلان هذا التعيين جاء في اليوم ذاته الذي أعلن فيه رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد اكتمال بناء سد النهضة والدعوة لتدشينه في سبتمبر القادم ، في لحظة مفصلية للأمن المائي الإقليمي. في المقابل، الرد السوداني جاء بدمج وزارة الري مع الزراعة، في خطوة بدت للبعض إما افتقارًا للوعي بأهمية ملف المياه الإقليمي، أو تجاهلًا متعمدًا لما تمثله هذه الوزارة من عمق سيادي واستراتيجي.

كذلك لا ننسى الصراع الخفي الذي يدور هذه الأيام حول “اتفاقية عنتيبي” وإنشاء مفوضية حوض النيل، التي سيُعهد إليها إعادة النظر في اتفاقية تقسيم المياه بين دول الحوض، والموافقة المسبقة على أي مشروعات للأمن المائي ترغب في تنفيذها أي دوله.

هذا الدمج الذي قدّمه البعض كإجراء إداري وربما إعادة للهيكلة، يحمل في خلفياته دلالات كبيرة يجب الانتباه لها، إذ يطرح تساؤلات عن رؤية د. كامل إدريس لمفهوم الحوكمة، والإصلاح المؤسسي، وجدوى تفكيك وزارة كانت على مدار الحكومات المتعاقبة رمزًا للسيادة الوطنية والإدارة الفنية الرصينة.

وزارة الموارد المائية، بما تشتمل عليه من إدارات المياه الجوفية والوديان، هيئة مياه الشرب، الإرصاد، وحدة تنفيذ السدود ، وحصاد المياه، وأخرى، ليست مجرد منظومة إدارية، بل هي أحد أعمدة الأمن القومي للبلاد.

وقد أظهرت التجارب ، خلال حكومة د. عبد الله حمدوك، كيف أن العبث ببنية هذه الوزارة أدى إلى تراجع كبير في أدائها، حيث عُهد الملف إلى وزير غير متمرس، في وقت كانت فيه البلاد تواجه تحديات معقدة في ملف سد النهضة، ونزاعات الحدود المائية، وتدهور البنية التحتية المائية.

وما يزيد المشهد إرباكًا، أنه ورغم التحديات الجسيمة التي تواجهها البلاد في هذه المرحلة الحساسة، إلا أن وزارة الري والموارد المائية – بحسب ما يراه بعض المراقبين – لم تكن حاضرة بالشكل المطلوب في مشهد ما بعد الحرب، لا سيما فيما يتعلق بإعادة تقييم الأضرار واستئناف العمل الفني والمؤسسي. الوزير السابق ، بدأ وكأنه ابتعد عن الميدان التنفيذي، وانشغل بقضايا داخلية أثّرت على وتيرة العمل، وقلّصت من مشاركة الكفاءات الفنية التي طالما شكّلت العمود الفقري للوزارة.

وإن كنا لا ننكر صعوبة المرحلة وضغط الظروف، إلا أن الاعتماد على دائرة ضيقة في إدارة الملفات – وسط تغييب الطاقات المؤهلة – ألقى بظلاله على أداء الوزارة. فُرضت إجازات مفتوحة على عدد من العاملين، وتُركت ملفات مهمة دون المتابعة الكافية، في وقت كانت فيه الوزارات الأخرى تبادر إلى تشكيل لجان لحصر وتقييم الأضرار واستئناف الأنشطة الأساسية.

ووسط هذه المبادرات، غابت وزارة الموارد المائية عن مشهد يُفترض أن تكون في طليعته، نظرًا لما تمثله من أهمية استراتيجية في إعادة بناء البنية التحتية وخدمة المواطنين.. خصوصًا في المشروعات الزراعية.

قرار إعلان التشكيل الوزاري على دفعات، رغم ما يُروَّج له من كونه محاولة لترتيب الأولويات، يبدو في بعض مفاصله – ومنها حالة وزارة الموارد المائية – أنه محاولة لإعادة هيكلة بعض المفاصل الحيوية للدولة خارج دائرة النقاش الوطني أو الرقابة المجتمعية، مما يثير المخاوف من أن يكون ذلك مقدمة لقرارات أكبر تُتخذ في الخفاء، تحت لافتة “الإصلاح المؤسسي “.

وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن غياب الرؤية المتكاملة في إدارة ملف المياه، وتفكيك المؤسسات الفنية الراسخة دون بدائل واضحة، ينذر بكلفة استراتيجية باهظة سيدفع ثمنها السودان في أمنه المائي، وعلاقاته الإقليمية، وموارده المستقبلية.

فهل يصمد هذا النهج أمام اختبار الزمن والتحديات؟ أم أن إعلان الحكومة على دفعات سيكشف في النهاية عن تآكل في الفكرة، قبل أن تكتمل بنيتها؟
إبراهيم شقلاوي
دمتم بخير وعافية.
السبت 5 يوليو 2025م [email protected]

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: وزارة الموارد المائیة

إقرأ أيضاً:

وزارة الموارد البشرية والرعاية الاجتماعية تؤكد تنفيذ مهامها وفق رؤية الحكومة

عقدت وزارة الموارد البشرية والرعاية الاجتماعية الثلاثاء اجتماع مجلس الوزير رقم (3) برئاسة الأستاذ معتصم أحمد صالح وزير الموارد البشرية والرعاية الاجتماعية.وبحث الاجتماع تقرير أداء العام 2025 الذي استعرض أهم ما نُفِّذ من برامج ومشروعات العام، إضافة إلى الوقوف على التحديات التي واجهت وحدات الوزارة المختلفة.كما ناقش المجلس خطة العام 2026 التي تضم محاور تطوير العمل الاجتماعي، وبرامج الحماية الاجتماعية، وتوسيع مشروعات الدعم والإسناد للفئات الضعيفة.وأكد وزير الموارد البشرية خلال الجلسة أن الوزارة ماضية في تنفيذ مهامها وفق رؤية الحكومة، مشيراً إلى أن خطة 2026م ترتكز على رفع كفاءة الأداء، وتحقيق أثر مباشر في حياة المواطنين، خاصة الشرائح الأكثر حاجة.وأختتم الاجتماع بإجازة التوصيات اللازمة لضمان تنفيذ الخطة ومتابعة الأداء خلال العام المقبل .سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب

Promotion Content

أعشاب ونباتات           رجيم وأنظمة غذائية            لحوم وأسماك

2025/12/10 فيسبوك ‫X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة “أبوعركي البخيت ود. عبدالقادر سالم والصحفية آمال عباس والممثلة القديرة فائزة عمسيب”.. مفضل يزور عدد من رموز الفن والإعلام2025/12/10 السودان يتلقى دعمًا جديدًا من بنك التنمية الأفريقي2025/12/10 والي الخرطوم يدشن أسواق الكرامة بمجمع أبوحمامة2025/12/10 ولاية الخرطوم تجيز خطة الموسم الزراعي الشتوي بزراعة 240 الف فدان2025/12/10 وزير الداخلية يقدم بيان السودان من جنيف و يطالب بالضغط على دولة الإمارات2025/12/10 وزير الموارد البشرية من درديب: نحارب الفقر بالمشروعات الإنتاجية وندعم المواطنين بالخدمات الصحية2025/12/10شاهد أيضاً إغلاق سياسية وزير العدل: الحكومة السودانية تعاملت بانفتاح مع كل مبادرات السلام 2025/12/09

الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • وزير الري: استراتيجية الوزارة محددة بإطار زمني ومؤشرات أداء وآليه شفافة
  • وزير الري يشهد فعاليات ورشة عمل "خريطة طريق للجيل الثانى لمنظومة المياه 2.0"
  • وزير الموارد المائية والري ووزيرة التضامن الاجتماعي يبحثان التعاون في تدوير ورد النيل لإنتاج مشغولات يدوية للأسر الأولى بالرعاية
  • الأشغال تطرح عطاء لإعادة إنارة ممر عمّان التنموي بالطاقة الشمسية
  • وزارة الموارد البشرية تختتم ملتقى التحول الرقمي 2025 بالقصيم
  • ندوة تبحث استدامة الموارد المائية في محافظة مسندم
  • المياه النيابية:سيول الامطار عززت من الرصيد المائي
  • اجتماع تنسيقي في إب لتنفيذ قرارات لجنة الحوض المائي
  • بروتوكول تعاون بين تعليم الفيوم وشركة المياه لنشر الوعي المائي لتلاميذ المدارس
  • وزارة الموارد البشرية والرعاية الاجتماعية تؤكد تنفيذ مهامها وفق رؤية الحكومة