ألقى قداسة البابا تواضروس الثاني عظته الأسبوعية في اجتماع الأربعاء مساء اليوم من كنيسة القديسيْن مار مرقس الرسول والبابا بطرس خاتم الشهداء بسيدي بشر بالإسكندرية. 

وصلى قداسته صلوات العشية، بمشاركة صاحبا النيافة الأنبا باڤلي الأسقف العام لكنائس قطاع المنتزه، والأنبا هرمينا الأسقف العام لكنائس قطاع شرق الإسكندرية، والقمص أبرآم إميل وكيل عام البطريركية بالإسكندرية والاباء كهنة الكنيسة وعدد من مجمع كهنة الإسكندرية، وخورس الشمامسة وأعداد كبيرة من شعب الكنيسة الذين امتلأت بهم الكنيسة.

وقبل العشية افتتح قداسته مزار شهداء كنيسة القديسين وأزاح الستار عن اللوحة التذكارية التي تؤرّخ للحدث

وقبل العظة قدم آباء الكنيسة مجموعة من الكلمات حيث رحب القمص متاؤوس صبري بقداسة البابا مثمنًا هذه زيارة قداسته للكنيسة، بينما عبر القمص مقار فوزي عن سعادته بمجئ قداسة البابا، وافتتاحه مزار شهداء الكنيسة الجديد، وعرض لأهم خدمات الكنيسة وبالأخص مستشفي مارمرقس الذي يخدم الشعب السكندري بكافة فئاته. ثم عرض فيلم وثائقي لشهداء الكنيسة بدءًا من أحداث التفجير إلى استلام رفات الشهداء وعمل المزار الجديد بالكنيسة. 

كما تم عرض ڤيديو يحوي ترنيمتين عن الكنيسة وتكلم السيد فكري ناشد نيابة عن أسر الشهداء معبرًا عن فرحة كل أسر الشهداء وشعب الكنيسة بزيارة قداسة البابا لهم، ومشاركة قداسته أولاده مشاعرهم، وفي الختام رحب نيافة الانبا باڤلي بقداسة البابا، شاكرًا حرصه على افتتاح مزار شهداء الكنيسة الذين أعطوا كرامة وشهرة لكنيسة القديسين، لافتًا إلى دور مستشفي الكنيسة الهام في خدمة الوطن واتساع خدمتها الي خارج حدود البلاد. وقدم نيافته في نهاية كلمته أنبوب تحوي بعضًا من رفات شهداء الكنيسة لقداسة البابا.

حكايات الشجرة المغروسة

وقبل بدء العظة عبّر قداسة البابا عن فرحته بمجيئه لهذه الكنيسة، والتي صارت علامة في الكرازة المرقسية، وافتتاح مزار الشهداء الجديد. وقدم قداسته الشكر لكل آباء الكنيسة وخدماتها وعملها الروحي والاجتماعي. مشيرًا إلى قول القديس يوحنا ذهبي الفم: "إن شهادة الشهداء عظة للإنسان المسيحي وعونًا للكنيسة المسيحية وتثبيت للإيمان المسيحي" وعلق قائلاً: "إن المسيحية عاشت بالعرق والتعب (فخر الرسل) وبسفك الدم (الاستشهاد)، وصمود الإيمان (تهليل الصديقين)."

واستكمل قداسة البابا سلسلة "حكايات الشجرة المغروسة"، حيث تناول اليوم موضوع "صمود الإيمان"، وقرأ جزءًا من الأصحاح الخامس من رسالة القديس يوحنا الرسول والأعداد (١ - ٤).

وأوضح قداسته أن حكاية اليوم تبدأ بتولّي البابا بطرس الأول العرش المرقسي في عام ٣٠١م.، والملقب بـ "خاتم الشهداء" لانتهاء عصر الاستشهاد في زمانه.

بذور الرهبنة

وتحدث عن بذور الرهبنة التي بدأت مع بداية القرن الرابع، والمُشار إليها في مقدمة قانون الإيمان بـ "تهليل الصديقين"، والمقصود بكلمة تهليل هو حياة الصلاة والتسابيح، والتي تُمثّل الاستشهاد الأبيض حيث تُرفع الصلوات بالنسك وبالدموع في البرية.

وأشار قداسة البابا إلى عام ٣١٣م. حيث تولّى الملك قسطنطين الحكم وأصدر منشور "ميلان" والمُسمى منشور حرية الضمير وحرية العبادة، وملخصه أن المسيحية اعتُبرت ديانة بجوار كل الديانات الوثنية، وانتشر السلام ما يقرب من ١٢ سنة.

اليوم.. البابا تواضروس يلقي عظته الأسبوعية من كنيسة القديسين بالإسكندريةلمناقشة عدد من الملفات.. البابا تواضروس يلتقي وكيل إكليريكية الإسكندريةالبابا تواضروس يلتقي الدارسين وأعضاء هيئة تدريس الكلية الإكليريكية بالإسكندريةبحضور البابا تواضروس.. اللقاء الأول لمسؤولي الصفحات الكنسية | تفاصيل

وأضاف قداسته أنه خلال سنوات السلام ظهر آريوس المهرطق، ومعنى اسمه "المخادع"، والذي وضع معتقداته الخاطئة وعدم اعترافه بألوهية السيد المسيح في أغاني ليسهل انتشارها، ولكن في عام ٣٢٥م. عقد البابا ألكسندروس مجمع محلي بالإسكندرية لمناقشة بدعة آريوس بحضور ١٠٠ أسقفًا، وأصدروا حكمًا بحرمان آريوس، ولكن ظلت هناك خلافات بين المسيحين، فدعى قسطنطين بعقد مجمع نيقية المسكوني لمناقشة بدعة أريوس وبحضور ٣١٨ أسقفًا والبابا ألكسندروس وتلميذه الشماس أثناسيوس والذي صار فيما بعد القديس البابا أثناسيوس الرسولي.  

واختتم قداسة البابا بالإشارة إلى فكرتين، هما: 
- فكرة المجمع وهدفها الاجتماع معًا للمناقشة في موضوع الاختلافات. 
- فكرة التلمذة وهدفها التسليم الرسولي للإيمان المستقيم، كما كان الشماس أثناسيوس تلميذًا للبابا ألكسندروس، وكان البابا ألكسندروس والبابا أرشيلاوس تلميذيْن للبابا بطرس الأول.

طباعة شارك البابا تواضروس البابا تواضروس الثاني الكنيسة كهنة حكايات الشجرة المغروسة

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: البابا تواضروس البابا تواضروس الثاني الكنيسة كهنة حكايات الشجرة المغروسة البابا تواضروس شهداء الکنیسة قداسة البابا

إقرأ أيضاً:

حب الأوطان من الإيمان

إنَ وطنناَ المملكةَ العربيةَ السعُوديةَ وطنٌ عظيمٌ القدرِ رفيعُ المكانةِ، يكفيهِ شرفاً أنهُ مهدُ النبوةِ ومُنطلقِ الإسلامِ وقلعتُهُ الحصينةِ ومنارةُ التوحيدِ العاليةِ الرفيعةِ إلى قيامِ الساعةِ، كما في قولهِ صلى الُله عليهِ وسلمَ “لا هجرةَ بعد الفتحِ” يعني فتحَ مكةَ لأنها أصبحت دارُ إسلامٍ وستظلُ كذلكَ بإذن اللهِ إلى آخرِ الزمانِ.

فسيبقى هذا الوطنُ الذي نعتز بهِ أبدَ الدهرِ مهداً للإسلامِ وحصناً لهُ ومأرِزاً، وملجأ بعد اللهِ إلى يومِ الدينِ فقد قال النبيُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ “إِنَّ الإِيْمَانَ لَيَأْرِزُ إلى المدينَةِ كمَا تَأْرِزُ الحَيَّةُ إلى جُحْرِها”.

فيكفيهِ فخراً ومجداً أنهُ يضمُ بينَ جنباتهِ خيرَ البقاعِ وأفضلُ الأصقاعِ وأقدسُ الأماكنِ مكةَ المكرمةَ والمدينةِ المنورةِ وعلى أرضهِ وثراه ارتفعت أقدامُ النبيِ صلى اللهُ عليهِ وسلم.

هذهِ بلاديِ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ جعلها اللهُ قبلةً للمصلينَ ومنارةً للناسِ أجمعينَ وأوجبَ على عبادهِ المؤمنينَ المستطيعينَ شد الرحالِ إلى بيتهِ العظيمِ، فجعلَ بيتهُ مهوى أفئدةِ المسلمينَ ومحطُ أنظارهِم ومحل تقديرِهِم وإجلالِهِم استجابةً لنداءِ أبينا إبراهيمَ عليهِ السلامُ كما في قوله تعالى (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) “فحملت على عاتِقِها خدمةَ ضيوفِ الرحمنِ.

هذهِ بلادُنا محلُ اعتِزازُنا منبعُ الأخلاقِ الفاضلةِ والقيمِ النبيلةِ، يكفينا فخراً فيكَ يا وطني أننا وُفقنا بقيادة حكيمةٍ راشدةٍ افتخرَ قادتُها بأن يكونوا خُداماً للحرمينِ الشريفينِ ورضوا بأن يكونَ شِعارُ هذهِ البلادِ الإسلامُ تطبيقاً و خدمة ونشراً، واهتماماً بأهلهِ، والكتابُ والسنةُ دستورُ هذهِ البلادِ ومنهجها، وقامت من بينِ الدولِ الإسلاميةِ بتطبيقِ أحكامِ الشريعةِ وأمرت بالمعروفِ ونهت عن المنكرِ ولهذا فقد عُنيت منذُ تأسِيسها ببناءِ الدولةِ على التوحيدِ والوحدةِ وحمايةِ بيضةِ الإسلامِ وترسيخِ مبادِئهِ والدعوةِ إليهِ وتبليغهِ للناسِ أجمعينَ، وحملت على عاتِقِها نصرُ المسلمينَ وحل قضاياهُمُ وجمعِ كلِمتِهم ولمِ شملِهِم وتوحيدُ صُفُوفِهِم.

وفضائلِ هذا البلدِ المباركِ وخصائصهُ أكثرُ من أن تُذكر، وما حباهُ اللهُ من النعمِ والخيراتِ أعظمُ من أن يُحصر، تارِيخُهاَ مُشرفُ منذُ عهدِ النبيِ صلى اللهُ عليهِ وسلم إلى عهد الخيرةُ الكرامُ من آلِ سعودٍ أكبرُ من أن يُختصرُ فللهِ الحمدُ أولاً وآخِراً.

وإن الإنجازاتِ والإصلاحاتِ التي تمت في هذاَ البلدِ المباركِ منذُ قيامهِ وتأسيسهِ على يديِ الملكِ عبدالعزيزِ آلِ سعودٍ -طيبَ اللهُ ثراهُ وتغمدهُ بواسعِ رحمتهِ- تجعلُ المرءَ حائراً عن ماذا يتحدثْ، لأنَ الإنجازات كثيرةٌ ومتنوعةٌ، والإصلاحاتُ المتتابعةُ والقفزات الحضاريةِ شمِلت كل جوانبِ الحياةِ الدينيةِ والدُنيويةِ، والمشاريعُ التنمويةُ التي تتابع عليها حُكامُ هذهِ البلادِ فاقت الحصر والعد.

فقد شهِدتِ المملكة العربية السعودية خلالَ سنواتِ معدوداتٍ قفزاتٍ تنموية وحضارية مُذهلة في شتى المجالاتِ، وحققت في فترةٍ وجيزةٍ ما لم تُحقِقه دُول مُجتمِعة.

فبالإضافةِ للمكانةِ الدينيةِ للمملكةِ العربيةِ السعُوديةِ أصبحَ لها مكانة سياسية واقتصادية وثقافية وحضارية مرمُوقة، ولها بعد إستراتيجي عالمي مؤثر.

إنَ نِعم اللهِ عز وجل علينا كثيرة في هذا البلدِ المبارك وإن أعظمَ نِعمة نعِيشُها ونتفيأ ظِلالها هي نِعمةُ الأمنِ التي هي أعظمُ من نعمةِ الرزقِ، ولذلك قُدمَ الأمنُ على الرزقِ في هذهِ الآيةِ الكريمةِ كما في قوله تعالى﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾،

وقد قُدِمَ الأمنُ على الرزقِ لسببينِ: –

السبب الأول: أن استتباب الأمن وانتشاره بين العباد سبب لحصول الأرزاق فإذا انتشر الأمن خرج العباد للبحث عن أرزاقهم.

السبب الثاني: أنه لا يطيب العيش بلا أمن ولن ينتفع أحد برزقه إذا فقد الأمن والاستقرار وشاهد ذلك ما نراه في بعض الدول التي غاب أمنها فغابت حياتها ومقوماتها.

وقد امتن الله على عباده بنعمة الأمن فقال جل من قائل عليما (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ).

ولذلك فإن الأمن مطلب الناس جميعا ولا يتأتى القيام بالعبادة على وجهها إلا في ظل الأمن.

ومما يدل على نعمة الأمن قوله صلى الله عليه وسلم “مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا “.

والأمن هو طمأنينة النفس وزوال الخوف، والأمن يطلق ويراد به عدة معاني، أمن فكري وأمن عقائدي وأمن سياسي وأمن اقتصادي وأمن اجتماعي وأمنهم الحياتي، ولقد كان أعداء الإسلام منذ زمن بعيد همهم هو زعزعة أمن المسلمين في كل حياتهم لعلمهم التام أن الإنسان المسلم لا يستطيع أن يقوم بأوامر الدين وخدمة الوطن إلا في وجود الأمن والطمأنينة.

ولقد جاءت نظرةُ الإسلامِ للأمنِ نظرةً شموليةً وليست مقتصرةً على السرقةِ والسلبِ والقتلِ وغيرهِ.

وإن مما تعظم الإشارة إليه ويهمنا في هذا اللقاء هو الأمن الفكري وهو الحفاظ على العقيدة السليمة الصحيحة الخالية من الزيغ والشبهات والتحريفات والجماعات الخارجة على ولي الأمر، فللعقول لصوص محترفون خبثاء يخططون لهدم الدين وزعزعة أمن المسلمين والدعوات المتكررة للمظاهرات والخروج على ولاة الأمور واستباحة دماء المعصومين.

فمن أسباب تحقيق الأمن ووسائل حفظه:

أولاً: شكر الله تعالى: فالنعم تدوم بشكرها والمحافظة عليها وحفظها.

ثانياً: توحيد الله تعالى والعمل بطاعته سبحانه والاستقامة على أمره وعدم مخالفته فقد قال تعالى “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ “.

ثالثاً: التمسُكَ بالكتابِ والسُنةِ وتطبيقُ الحدودِ.

رابعاً: نشرُ فهمِ السلفِ الصالحِ والارتباطِ بالعلماءِ الثقاتِ المعروفينَ بحُسنِ المنهجِ وقد ضل من ضل من بعضِ الشبابِ هداهمُ الله بتلقي العلمِ من غيرِهم ونشرهِم للمفاهيمِ الخاطئةِ في فهمِ نصوصِ الكتابِ والسُنةِ وعدمِ عرضِها عليهم واعتمادِهم على ما يمليهِ عليهم أعداءُ الدينِ حتى وقعوا في قتلِ الأبرياءِ والمستأمنينَ. ونادى بعضُهُم للخروجِ على وليِ أمرِ المسلمينَ وكأنما تدارُ عُقُولِهُم ولا يملكونَ من أمرِهِم شيئاً.
يا شبابَ الإسلامِ إياكُم وهذهِ الدعواتُ الخطيرةِ التي تدعو إلى التكفيرِ والتفجيرِ وعليكُم بجماعةِ المسلمينَ.

خامساً: معاملةُ ولي الأمرِ بمنهجِ السلفِ فلا يُخرج عليهِ ولا يُنصح من على المنابرِ وتكونَ بينكَ وبينهُ بالسرِ لا بالعلنِ ولا تكونُ بنشرِ الشائعاتِ في وسائلِ التواصُلِ أو التحدُث في المجالسِ بالسبِ والتأليبِ أو الانسياقُ خلفَ العواطِفِ أو ما يحدثُ في المجتمعِ وما ينتجُ عنه من زعزعةٍ للأمنِ وشرائعِ الدينِ.

سادساً: الدُعاء: فالدعاءُ من أعظمِ العباداتِ تأثيراً ومن أسهلِها وأيسرِها على العبادِ.

إخوة الإيمان، إن الفاقد للأمنِ فاقدٌ للوطن والفاقدُ للاستقرارِ فاقدٌ للاطمئنانِ.

فقد قال اللهُ تعالى في كتابهِ العزيزُ آمراً عباده المؤمنينَ بالمحافظةِ على وُحدتِهِم وقوةِ لُحمتِهم (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ).

والناظرُ في سُنةِ النبيُ صلى اللهُ عليه وسلمَ يتعجبُ من شِدةِ حُبهِ لوطنِه مكةَ المكرمةِ بعدَ هجرتِهِ بسنواتٍ طِوالٍ من إيذاءِ أهلِ مكةَ لهُ وتصديِ كثير منهُم لدعوتهِ، وكذلك حُبهُ للمدينةِ المنورةِ وهي موطنهُ الثاني الذي آواهُ وواساهُ.

فقد جبلَ اللهُ النفسَ البشريةِ على حُبِ وطنِها والشوقِ إليهِ إن غادرتهُ، والدفاعِ عنهُ إذا هُوجِمَ وعُودي والذودِ عنهُ إن تُكُلمَ فيه أو انتُقِصَ، تدمعُ العينُ لفِراقِ الوطنِ ويحن له الفؤاد.

فالوطن هو بُقعةُ الأرضِ التي يولدُ عليها الإنسانُ ويعيشُ فيهِ ويشعُرُ فيهِ بالارتباطُ والانتماء إليهِ.

وإذا تحققَ الأمنُ تحققَ الانتماءُ والولاءُ للوطنِ والشعور بالمسؤوليةِ والدفاعِ عن مكتسباتهِ وكان شخصيةً إيجابيةً ذا مُشاركةٍ فاعِلةٍ مُبدعاً في عمليةِ التنميةِ باذلاً لأقصى الجهودِ حامياً لحدودهِ كما نراهُ جلياً واضحاً فيما يُقدمهُ جنودنا البواسل في الدفاعِ عن بلدِ التوحيدِ ومقدساتهِ ووُلاةِ أمرهِ في حدودِ بلادِنا أو في كسرِ شوكةِ الخوارجِ المارقينَ عن هديِ سيدِ المرسلينَ وما ينتِجُ عن ذلكَ من انتصاراتٍ مذهلةٍ تُسطرُ لهم في حياتِهم وفي تاريخِ هذا الوطنِ وفي أذهانِ هذا الجيلِ الصاعدِ.

أسالُ اللهَ جل في علاهُ أن يحفظهُم بحفظهِ وأن يكلأهُم برعايتهِ وعنايتِهِ وأن يجعلَ ما يقدمونَه في ميزانِ حسناتِهِم يوم يلقونهُ، وأن يرحمَ شُهداءهُم ويداوي جرحاهُم.

إن من المحافظة على أمن الوطن ومقدساته طاعة ولي الأمر التي هي أصل من أصول عقيدة السلف الصالح ومعتقدٌ يعتقِدهُ أهل السنةِ والجماعةِ، فقد جاء في كتابهِ العزيزِ ما يؤكدُ ذلكَ ويأمرُ بهِ كما في قولِ الحقِ تباركَ وتعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).

فطاعتهُ واجبهٌ في غير معصيةِ اللهِ لقولهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ “من أطاعَ الأميرَ فقد أطاعني ومن عصى الأميرَ فقد عصاني”.

وجاءَ أمرهُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في التحذيرِ من الفتنِ ومعصيةِ ولي أمرِ المسلمينَ قولهُ “من أتاكُم وأمركُم جميع على رجلٍ واحدٍ يريدُ أن يشُقَ عصاكُم أو يفرقَ جماعتكُم فاقتلوه” لأنها لا تنتظمُ الأمورُ ولا تصحُ الأحوالُ إلا بالسمعِ والطاعةِ للإمامِ.

ولذلكَ فإن الخروج عليهم من أعظم الفتن والمصائب لما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضى الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ ” لنتأمل في هذا الحديث العظيم يا أمة الإسلام ففيه تحقيق للخيرية والسلامة من الآفات والشرور.

وقد قال أهل العلم: إن من دلائل كبائر الذنوب أن يقول الشارع ليس مني ولست منه كما في قوله صلى الله عليه وسلم السابق.

قال ابن تيمية رحمه الله:” وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر، أعظم مما تولد من الخير”.

وإننا في هذا البلادِ المباركةِ لنحمد الله عز وجل على ولاة أمرنا، وندعو الله لهم بالإعانة والسداد لما نراه من تحكيم شرعه في البلاد وبين العباد وإقامة الصلوات وعمارة بيوت الله وخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما.

ولذلك فقد قال النبيُ صلى اللهُ عليهِ وسلم في الحديثِ الذي يرويهِ عوفُ بنُ مالكَ رضى اللهُ عنهُ ” خيارُ أئمتِكُم الذينَ تُحِبونهُم ويُحبونكُم، ويصلونَ عليكُم وتُصلونَ عليهمُ “ وقد قال البربهاري رحِمهُ اللهُ: “وإذا رأيتَ الرجلَ يدعو على السلطانِ فاعلم أنهُ صاحِبُ هوى، وإذا رأيتَ الرجُلَ يدعو للسلطانِ بالصلاحِ فاعلم أنهُ صاحِبُ سُنةٍ إن شاء اللهُ”.

بهذا القدرِ اليسيرِ يتبينُ لنا جميعاً مفاسِدُ العيشِ دونِ أمنٍ وأنهُ هدمٌ للحياةِ ومقوِماتِها ومن دونِهِ لا يأمنُ الناسُ على أعراضِهِم ولا يستطيعونَ تأديةَ ما فرضهُ اللهُ عليهِم من أمورِ دينهِم.

وبالمحافظة على الأمن يتحقق الانتماء لهذا الوطن المبارك.

حفظ الله ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز من كل سوء، وحفظ الله بلادنا وعلمائنا ورجال أمننا، وزاد بلادنا رفعةً وتوفيقاً إن ربي سميع مجيب.

 

مقالات مشابهة

  • عشرات الشهداء في غزة ومجزرة بحق أطفال ونساء أمام مركز طبي
  • الملقب بعمود الدين.. الكنيسة تحيي تذكار نياحة القديس البابا كيرلس الأول
  • رئيس الدير المحرق يستقبل وفد البنك الزراعي المصري
  • 3 شهداء بقصف صهيوني لشقة سكنية غرب مدينة غزة
  • حب الأوطان من الإيمان
  • اليوم.. البابا تواضروس يلقي عظته الأسبوعية من كنيسة القديسين بالإسكندرية
  • لمناقشة عدد من الملفات.. البابا تواضروس يلتقي وكيل إكليريكية الإسكندرية
  • مجلس الوزراء يقف دقيقة حدادا على أرواح شهداء الدائري الإقليمي وسنترال رمسيس
  • الخادم المثالي .. اجتماع مجمع كهنة أسوان بحضور أسقف الإيبارشية | صور