تداعيات حرق العمال الكردستاني أسلحته على قسد
تاريخ النشر: 12th, July 2025 GMT
دمشق- في خطوة لافتة، أقدم حزب العمال الكردستاني، أمس الجمعة، على حرق جزء من أسلحته بشكل علني في مدينة دوكان بمحافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق، معلنا بذلك نهاية 4 عقود من العمل المسلح ضد الدولة التركية.
هذا الحدث، الذي وصفه كثيرون بـ"التحول التاريخي"، فتح الباب أمام تساؤلات حاسمة عن تداعياته على قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي ترتبط تنظيميا وفكريا بالحزب الأم، رغم محاولاتها المتكررة تقديم نفسها ككيان سوري مستقل.
من الميدان السوري، تشير مصادر عسكرية داخل قسد إلى أن الخطاب الذي ألقاه زعيم الحزب المسجون عبد الله أوجلان حول نزع السلاح، قوبل بتحفظ داخل البنية القيادية للقوات، خاصة من جانب العناصر المتأثرة بقيادات جبال قنديل.
أرضية صلبة
وأوضح مصدر عسكري في قوات قسد (فضل عدم الكشف عن هويته) للجزيرة نت أن قيادة قسد اعتبرت دعوة أوجلان موجهة فقط للعناصر الموجودة داخل تركيا، في حين رفضت تسليم السلاح داخل سوريا قبل تحقيق ما وصفته بـ"الحقوق السياسية"، وعلى رأسها الفدرالية في شرق الفرات. وأضاف أنها لا تزال تعتمد على الدعم الأميركي والغربي، مستفيدة من دورها في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية، فضلا عن استمرار التهديد التركي شمال سوريا.
من ناحيته، اعتبر الكاتب والباحث في الشأنين التركي والإقليمي، محمود علوش، أن ما يجري يمثل بداية محتملة لمرحلة سلام تاريخية بين تركيا وحزب العمال الكردستاني. وأكد للجزيرة نت أن عملية نزع السلاح الحالية تسير على أرضية صلبة، وقد تكون مقدمة لإعادة تشكيل العلاقة بين أنقرة والأكراد، ليس فقط داخل تركيا، بل في عموم المنطقة.
وأشار إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "يحاول الظهور كرجل سلام"، مستفيدا من التغيّر في المواقف السياسية الداخلية، بما في ذلك دعم زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، للعملية الجارية.
إعلانلكن علوش نبّه في الوقت نفسه إلى هشاشة المسار، محذرا من أن وجود تيارات داخل العمال الكردستاني تعارض العملية، إضافة إلى التحديات المرتبطة ببناء الثقة، يجعل من السابق لأوانه الحديث عن نجاح نهائي.
كما لفت إلى أن البيئة الإقليمية تغيّرت، وأن "التراجع الإيراني والفتور الروسي والتحول في الموقف الأميركي ساهموا في تهيئة الأرضية لهذه المرحلة". وبرأيه، سيكون لنجاح عملية السلام أثر بالغ على مستقبل قسد في سوريا، خاصة في ظل تضاؤل هوامش المناورة أمامها.
تداعياتفي السياق ذاته، يرى الباحث السياسي والمسؤول السابق في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، عامر الخالدي، أن أي تحول في نهج حزب العمال، خصوصا على مستوى نزع السلاح، ستكون له تداعيات مباشرة على بنية الإدارة الذاتية.
ويوضح الخالدي للجزيرة نت أن قسد ومجلس سوريا الديمقراطية "مسد" ليسا كيانين منفصلين تماما عن العمال الكردستاني، بل يتأثران به فكريا وتنظيميا. ووفقا له، فإن قرارا إستراتيجيا كهذا سيُحدث انقسامات داخلية تظهر في 3 اتجاهات رئيسية:
الأول: تيار عقائدي متمسك بالولاء الحزبي. الثاني: تيار براغماتي يسعى للاستقلال النسبي عن الحزب الأم. الثالث: يحاول التوفيق بين التوجهين.ويفرض السياق السوري -حسب الخالدي- معادلة مغايرة، لأن قسد تطورت في بيئة معقدة تجمع بين التحديات الأمنية والصراعات المحلية، من تنظيم الدولة إلى التوتر مع العشائر، مرورا بالتفاوض مع دمشق والوجود العسكري الأميركي. ويقول إن دعوة أوجلان، رغم رمزيتها، قد تستخدم كأداة سياسية لتحسين صورة قسد لا كإشارة فعلية إلى تخليها عن السلاح.
أما بخصوص العلاقة مع دمشق، فيوضح أن تأخر التفاهمات يعود إلى تشابك عوامل خارجية وداخلية، أبرزها اعتماد قسد على الدعم الأميركي كورقة تفاوض، ووجود تيار متشدد داخلها يرفض التنازل عن مكتسباته. كما يرى أن الانقسام داخلها حول "نوايا النظام السوري"، يجعل من التقدم في المفاوضات أمرا معقدا، في ظل عدم وضوح الموقفين الروسي والأميركي.
ويعتقد الباحث الخالدي أن الإدارة الذاتية بإمكانها استخدام خطاب أوجلان لتعزيز شرعيتها السياسية أمام دمشق وأنقرة، بشرط أن ترافق هذه الخطوات إجراءات عملية على الأرض، وإلا فستُفهم كخطوة تكتيكية لا أكثر. ويضيف أن التباينات الداخلية داخل قسد ومسد تحد من القدرة على اتخاذ قرار مركزي حاسم، مما يؤدي إلى بطء الاستجابة السياسية لأي مبادرة جديدة.
تصدعات جليةمن جهته، يشير العقيد والخبير العسكري مصطفى الفرحات إلى أن ما يُطرح في العلن من وحدة داخل قسد لا يعكس الواقع على الأرض. ويوضح أن التصدعات باتت جلية، خاصة بين تيار مسلح تابع للعمال الكردستاني وآخر محلي يسعى للاندماج ضمن مؤسسات الدولة السورية. ويرى أن الحديث عن "اللامركزية" ما هو إلا غطاء لمشروع انفصالي غير قابل للتطبيق، لا جغرافيا ولا سياسيا.
ويضيف الفرحات للجزيرة نت أن المنطقة الشرقية، وخصوصا شرق الفرات، تُعد اليوم من أكثر المناطق حساسية بحكم قربها من العراق وكونها ممرا "للتهريب الإيراني".
وانتقد "تمسك" قسد بسيطرتها العسكرية على الحدود والمعابر، قائلا إن هذا النهج يعمق من عزلتها السياسية. وأكد أن الولايات المتحدة أرسلت إشارات واضحة بأن العودة إلى دمشق هي الخيار الوحيد المتاح، في ظل تراجع الدعم الدولي للمشروع الذي تمثله هذه القوات.
إعلانوشدد الفرحات على أن الوضع القائم لم يعد مقبولا دوليا ولا محليا، موضحا أن الامتعاض العشائري المتزايد في شرق الفرات يعكس رغبة شعبية بالعودة إلى الدولة السورية. ويرى أن السلاح فقد مبرراته، وأن الفرصة متاحة اليوم أمام حل سياسي شامل، شرط تخلي قسد عن "أوهام السيطرة المنفردة" والاندماج ضمن الدولة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات العمال الکردستانی للجزیرة نت أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
الحكومة اللبنانية تطلق عملية «إعادة ضبط وطنية»!
أكد رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام، في مقال نشرته صحيفة “الفاينانشال تايمز”، عزم حكومته على إطلاق عملية “إعادة ضبط وطنية” تستند إلى ركائز متلازمة تشمل السيادة والإصلاح، بهدف استعادة سلطة الدولة وتعزيز الاستقرار في البلاد.
وأوضح سلام أن الركيزة الأولى، السيادة، تعني حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وحدها، مشددًا على أنه “لا يجوز لأي جهة غير الدولة اللبنانية امتلاك السلاح داخل أراضيها”، وأن الدولة هي المخوَّلة الوحيدة لاتخاذ قراري الحرب والسلم.
وأشار إلى أن الحكومة كلفت الجيش اللبناني، في 5 أغسطس الماضي، بإعداد خطة شاملة لضمان احتكار الدولة للسلاح على كامل الأراضي اللبنانية، مشيرًا إلى أن الخطة صادقت عليها الحكومة بعد شهر، وتركز مرحلتها الأولى على فرض السيطرة الحصرية على السلاح جنوب نهر الليطاني خلال ثلاثة أشهر، والحد من انتشاره في بقية المناطق.
وأضاف سلام أن الإجراءات الأمنية شملت تعزيز الرقابة في مطار رفيق الحريري الدولي والمعابر الحدودية، وتدمير مئات المستودعات غير الشرعية للأسلحة، فضلاً عن تفكيك شبكات تهريب الأسلحة والمخدرات والمواد الممنوعة.
أما الركيزة الثانية، الإصلاح، فأكد رئيس الحكومة أنها أساسية لإعادة بناء الاقتصاد الوطني وتعزيز المؤسسات، مشيرًا إلى إقرار الحكومة لقانون رفع السرية المصرفية، ووضع إطار حديث لإدارة الأزمات المصرفية، واصفًا هذه الخطوات بأنها “تاريخية” وتعكس التزام الدولة بالإصلاح المالي والإداري.
وبخصوص الأوضاع الأمنية، أوضح سلام أن لبنان يواصل الوفاء بالتزاماته وفق قرارات مجلس الأمن والبيان المتعلق بوقف الأعمال العدائية الذي تم التوصل إليه مع إسرائيل في نوفمبر 2024، معربًا عن قلقه من استمرار انتهاك إسرائيل للسيادة اللبنانية واحتجاز مواطنين لبنانيين واحتلال ما لا يقل عن خمس نقاط جنوبية. وأكد أن هذه الممارسات “تغذي عدم الاستقرار وتبقي خطر تجدد الصراع قائما، وتقوض جهود الدولة لاستعادة سلطة الدولة”.