في جريمة ترتقي إلى أعلى مراتب الوحشية، يتعرض أكثر من 2.1 مليون فلسطيني في قطاع غزة لحرب إبادة صامتة، عنوانها “التجويع الممنهج”، تنفذها قوات العدو الإسرائيلي بغطاء أمريكي وغربي، وسط تواطؤ عربي ، في وقت لم يعد فيه الحديث عن أزمة إنسانية كافيًا لوصف ما يجري ، لواحدة من أفظع الجرائم التي يشهدها العصر الحديث .

يمانيون/ تقرير/ طارق الحمامي

 

سلاح الجوع .. أداة إسرائيل الجديدة للإبادة

منذ بداية العدوان على قطاع غزة، لم تكتف قوات العدو الإسرائيلي بالقصف والتدمير والقتل، بل استخدمت التجويع كسلاح لكسر إرادة الشعب الفلسطيني، في سياسة موثقة ومنهجية تهدف إلى تركيع المدنيين عبر منع دخول الغذاء، والمياه، والدواء، والوقود.

ووفقًا لما أعلنه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن “غزة تُجَوَّع”، وحالات سوء التغذية تتصاعد بوتيرة غير مسبوقة، وأن من نجا من القنابل، يواجه  مصير الموت من الجوع ، في وصف مؤلم يعكس حجم الكارثة.

أرقام مفزعة من داخل الجحيم

وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أطلقت هي الأخرى ناقوس الخطر، مؤكدة أن سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة تضاعف، نتيجة استمرار الحصار الإسرائيلي وتدمير منظومة الحياة بالكامل.

وأجرت الأونروا قرابة 74 ألف فحص للأطفال للكشف عن سوء التغذية، وحددت أكثر من 5,500 حالة من سوء التغذية الحاد الشامل، إلى جانب أكثر من 800 حالة من سوء التغذية الحاد الوخيم، وهو مؤشر على أزمة تغذية خطيرة تنذر بكارثة أوسع إن استمر الوضع على ما هو عليه.

تصريحات أممية أشارت إلى أن أكثر من 2.1 مليون إنسان محشورون في 12% فقط من مساحة القطاع، في ظروف لا يمكن وصفها إلا بـ”الجحيم البشري”، دون مياه نظيفة، أو غذاء، أو حتى أدنى مقومات البقاء.

المستشفيات من جهتها تعاني انهيارًا شبه تام، وسط موجات متلاحقة من المصابين والمرضى، وشحٍّ خانق في الإمدادات الطبية الأساسية، حيث باتت غرف العمليات والعناية المركزة فارغة من المعدات اللازمة، ومعظم الطواقم تعمل بأدوات شبه بدائية، أو تعجز كليًا عن الاستجابة.

 

دعم غربي وتواطؤ عربي .. صمت أخطر من القصف

اللافت أن هذه الجريمة تجري أمام أعين العالم، في ظل دعم أمريكي وغربي مطلق للعدو الإسرائيلي، وتبرير متكرر لجرائمها تحت ذرائع الدفاع عن النفس،  أما الأنظمة العربية، فبين من يلتزم الصمت، ومن يكتفي بالشجب الإعلامي، ومن يشارك ضمنيًا بالتطبيع، يتجلّى التواطؤ العربي كخطيئة أخلاقية لا تُغتفر.

 

جرائم إبادة أمام العالم

ما يحدث في غزة اليوم لم يعد مجرد انتهاك، بل هو جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، يُستخدم فيها التجويع كوسيلة مباشرة للقتل، في خرق فاضح للقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف، ومواثيق حقوق الإنسان، ومع ذلك، لم تُفعّل آليات المحاسبة الدولية، ولم يُعلَن أي تحرك حقيقي لوقف هذا النزيف.

 

صرخات أطفال ونساء غزة لا تحرّك ضمير العالم المنافق

رغم مشاهد الجثث الصغيرة، والوجوه الشاحبة للأطفال، والأمهات المنهارات على أنقاض منازلهن، لا تزال صرخات غزة تُقابل بصمتٍ دوليٍ بارد، لا تخرقه سوى تصريحات باهتة أو دعوات للتهدئة لا تنقذ جائعًا ولا تُسعف مصابًا.

أطفال يبكون من الجوع، وليس من الخوف فقط،  ونساء يلدن في العراء دون دواء، أو يدفنَّ أبناءهن بأيديهن،  مشاهد إنسانية مفجعة تُبث على الهواء يوميًا، لكنها لا تحرّك ضمير العالم المنافق المتحيز للعدو الصهيوني، الذي يُصرّ على منح هذا العدو غطاءً سياسياً وأخلاقياً لمواصلة حربه على المدنيين.

في الوقت الذي تُصوَّر فيه هذه المعاناة بدقة أمام كاميرات وكالات الأنباء، وتُنقل صرخات الأطفال في كل اللغات، يبدو أن هذا العالم لا يعاني من نقص في المعلومات، بل من انعدام كامل للإنسانية إذا كان الضحية فلسطينياً.

في هذا العالم الذي يزعم الدفاع عن حقوق الإنسان، يتبين أن هذه الحقوق لا تشمل الأطفال الفلسطينيين الذين يموتون جوعًا، ولا النساء اللاتي يُجهضن على الطرقات تحت نيران الطائرات،  من يصرخ من أجل من لا صوت لهم؟ سؤال يبقى يتردد في شوارع غزة، دون جواب من نظام عالمي منافق.

 

الموقف اليمني .. نقطة ضوء في ظلام الموقف العربي والإسلامي

وسط صمتٍ عربي وإسلامي مخزٍ، يُسجَّل الموقف اليمني كاستثناء مشرّف، وكنقطة ضوء حقيقية في ظلامٍ دامس خيّم على مواقف غالبية الدول العربية و الإسلامية، التي اكتفت بالمشاهدة أو بيانات الشجب العقيمة.

ففي الوقت الذي يُذبح فيه أطفال غزة جوعًا وقصفًا، خرج اليمن بموقف عملي وجريء، تمثل في استهداف السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي في البحر الأحمر وخليج عدن، ضمن معادلة الردع البحرية، في رسالة واضحة بأن دماء الفلسطينيين ليست رخيصة عند الجميع، وأن هناك من لا يزال يُقاوم لا بالكلام، بل بالفعل.

ورغم الحصار الخانق الذي يعانيه اليمن نفسه، والعدوان المتواصل التي أنهك شعبه، إلا أن أبناء الشعب اليمني رفضوا الوقوف متفرجين، وقرروا أن يكون لهم شرف النصرة والمواجهة، فيما بقيت بعض العواصم الإسلامية الكبرى غارقة في حسابات التطبيع أو المصالح الضيقة.

مفارقة مريرة يُسجّلها التاريخ، حين صمتت أنظمة غنية وقوية، وتكلّم شعب مُحاصر وفقير، الموقف اليمني أكد أن القِيم لا تُقاس بالثروة، ولا بالمكانة الجغرافية أو السياسية، بل بالإرادة والكرامة، ولعل هذا الموقف رغم كونه فردياً،  قد كسر جدار الصمت العربي، وذكّر العالم بأن فلسطين ما زالت حاضرة في ضمير الشعوب، حتى وإن خانتها حكوماتها.

 

أخيراً .. جوع غزة لن يُهزم بالصمت

إن التجويع الممنهج الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة هو أخطر أشكال العدوان، إذ لا يقتل الإنسان مباشرة فحسب، بل يسحق إنسانيته وأحلامه وكرامته، إنها جريمة تُرتكب يوميًا بحق الأطفال والنساء والمرضى، بينما تقف المنظمات الدولية عاجزة، والحكومات صامتة، والرأي العام مشتت.

فإلى متى سيظل التجويع في غزة أداة للقتل الجماعي؟ ومن سيوقف هذه المجزرة التي تفوق الوصف؟ سؤال برسم الضمير العالمي.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: سوء التغذیة أکثر من الذی ی فی غزة

إقرأ أيضاً:

المجلس العربي: سياسة الحصار والتجويع التي تُمارس بحق غزةتحولت الى إبادة جماعية صامتة

  

أدان المجلس العربي، جريمة “التجويع الممنهج” التي يتعرض لها سكان قطاع غزة منذ أشهر، محمّلًا الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن الأوضاع الإنسانية الكارثية التي تهدد حياة أكثر من مليوني مدني، وسط صمت دولي مخزٍ ومتواطئ.

 

وقال المجلس في بيان صادر عنه إن سياسة الحصار والتجويع التي تُمارس بحق أهالي غزة أدت إلى موت العشرات من الأطفال والمسنين جوعًا وعطشًا وحرمانًا من الدواء، محذرًا من أن الوضع قد يتحول إلى “إبادة جماعية صامتة” ما لم يتحرك العالم لوقف هذه الجريمة.

 

وأضاف البيان: “الاحتلال يمنع حتى الفتات من المساعدات، في تحدٍ سافر للقانون الدولي الإنساني، وبدعم مكشوف من قوى دولية تكتفي بالشجب اللفظي بينما توفّر له الغطاء السياسي والعسكري.”

 

وحمّل المجلس العربي عددًا من الدول العربية المشاركة في الحصار – سواء بإغلاق المعابر أو التنسيق الأمني أو الصمت – مسؤولية أخلاقية وإنسانية في استمرار هذه المأساة، داعيًا إياها إلى كسر الحصار وفتح المعابر فورًا أمام المساعدات وفرق الإغاثة.

 

كما دعا المجلس الشعوب العربية، وقوى المجتمع المدني، والضمائر الحية في العالم إلى التحرك العاجل نهاية هذا الأسبوع من خلال مسيرات احتجاجية سلمية في العواصم والمدن، بهدف الضغط على الحكومات والهيئات الدولية لتحقيق ثلاث مطالب أساسية متمثلة بفرض وقف فوري للعدوان، وإنهاء الحصار الظالم على غزة، وإطلاق مسار جدي لإعادة إعمار ما دمّره الاحتلال.

 

وأكد المجلس العربي أن ما يحدث في غزة “يمسّ ضمير الإنسانية جمعاء”، مشددًا على أن الصمت هو تواطؤ، ومعركة غزة لم تكن يومًا معركة حدود، بل “معركة كرامة وعدالة وحرية لكل الأمة ولكل أحرار العالم

 

مقالات مشابهة

  • من على متن حنظلة.. فنان يهودي لـعربي21: 30% من يهود العالم يرفضون إبادة غزة
  • مسؤولون أمميون: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة باستخدام التجويع كسلاح حرب
  • وفاة رضيعة بخانيونس بسبب التجويع وسوء التغذية
  • "إبادة وتجويع".. "الإيسيسكو" توجه نداءً مهمًا إلى العالم بشأن غزة
  • فرنسا تعلن نيتها الاعتراف بدولة فلسطين… ترحيب عربي واسع وغضب إسرائيلي وتحفظ غربي
  • المجلس العربي: سياسة الحصار والتجويع التي تُمارس بحق غزةتحولت الى إبادة جماعية صامتة
  • تحرك عربي ضد الكنيست الإسرائيلي في الاتحاد البرلماني الدولي
  • صحة غزة: الاحتلال يستخدم التجويع الممنهج.. وأكثر من 100 طفل قضوا بسبب سوء التغذية
  • بيان عربي إسلامي يدين بشدة مصادقة الكنيست الإسرائيلي على ضم الضفة
  • رد عربي وإسلامي موحد على مشروع الضم الإسرائيلي للضفة.. رفض قاطع ودعوة لوقف العدوان فوراً