كان واضحا أن أبا عبيدة في خطابه الأخير استخدم عبارة "شِعب غزة"، في سياق حديثه عن المجاعة في غزة، ليؤكد أن الجريمة التي ارتكبتها قريش قبل أكثر من أربعة عشر قرنا بحق المسلمين، تتكرر الآن بشكل أكثر ضراوة، والمجرم في غزة ليست إسرائيل وأمريكا وحدهما، بل يضاف إليهما أنظمة ودول عربية، يجمعها دين ولغة وتاريخ وأرض مع شِعب غزة، ولكنها لا تملك أخلاق الإسلام ولا أعراف الجاهلية.
لقد حاصرت قريش بني هاشم والمسلمين في شِعب أبي طالب لثلاث سنوات، ومنعت عنهم الطعام والشراب، وقاطعتهم اقتصاديا واجتماعيا، وخلال هذه الفترة، لم تجرؤ على استخدام سلاحها لإبادتهم، لأن أعرافا جاهلية لم تكن تسمح لها بإبادتهم، ولأن بعض كفار قريش حازوا من نخوة العرب، ما جعلهم يرفضون هذا التجويع، ويتضامنون مع بني قومهم المحاصرين وإن اختلفت العقيدة، بل إن منهم من سعى لإزالة هذا الحصار الجائر، ونجح في ذلك.
أما في قطاع غزة، فقد جمع الكيان الصهيوني في حربه على سكانه، بين الإبادة بكل أنواع الأسلحة، وبين الحصار والتجويع، تشاركه في ذلك أنظمة ودول عربية وإسلامية، بدرجات متفاوتة، تتراوح بين التآمر والتواطؤ والصمت والخذلان، إنها أسوأ من قريش، بل لو كانت قريش دولة اليوم، لما احتمل زعماؤها عار المذبحة، ولهبوا لنجدة غزة هاشم، مستندين إلى نخوة الجاهلية وأعرافها!
هل رأيتم أنس الشريف وهو يبكي بسبب مشاهد الجوع؟ في الحقيقة لم يكن يبكي حاله، بل حال مئات الآلاف الذين فرض عليهم الكيان الصهيوني المجاعة لشهور متتالية، بموافقة ضمنية من أنظمة عربية، يتقدمها نظام السيسي الذي منع إدخال المساعدات بشهادة نتنياهو، وأنظمة الأردن والخليج التي وفرت ممرا تجاريا لدعم اقتصاد الكيان.
تحمّل الناس في غزة أهوال الحرب بصبر لا نظير له؛ القتل والتنكيل والتعذيب والدمار والتهجير والنزوح وتقطع سبل العيش، ولكن الجوع المميت الذي فرضه الاحتلال عليهم، يفوق طاقتهم في التحمل. الجوع قاتل صامت ينزع روح الإنسان بعد عذاب شديد، لا كالرصاصة والصاروخ اللذين ينزعانها بطرفة عين دون طول عناء. من يوقف الجوع؟ من يقاتل الجوع؟ ومن ذا الذي يصمد أمام أنيابه؟
ها هو الزمان يتكرر؛ من كان يقرأ في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، ومعاناته والمسلمين في شعب أبي طالب، ويشعر بأنه لو كان حيا في ذاك الزمان لناصرهم، ها هو شِعب غزة المحاصر وفيه أنصار النبي الكريم يبادون قتلا وعطشا، فمن فاته مناصرة المسلمين في شعب أبي طالب، فلا عذر له عن ترك نصرتهم اليوم في شعب غزة، لقد أقامت غزة الحجة على المسلمين جميعا.
تستطيع الشعوب اليوم أن تنصر غزة بما هو أكثر من التغريدات والمنشورات والتظاهرات، ولا يخفى على أحد أن الأنظمة تخشى الشعوب وهي في سباتها، وتسعى كلما اشتدت المجاعة في غزة، إلى امتصاص أي غضب شعبي محتمل بإلقاء جوي لفتات المساعدات، بالتنسيق مع الاحتلال، ولهذا، تحتاج الشعوب إلى لا شكّ في أن أي هزة ولو كانت بسيطة لأنظمة عربية ترى إسرائيل في بقائها مصلحة حيوية، سيدفع هذه الأخيرة للتراجع في غزة حفاظا على حلفائها، وصونا لما قد يهددهم.
إننا لا نختلف في أن أنظمة عربية، تستنكر على الكيان الصهيوني عجزه عن القضاء على غزة ومقاومتها، لأن تأمين عروشها يبدأ من حدود غزة، وأي نجاح صهيوني في القضاء على غزة، رسالة ستحتفي بها الأنظمة لعقود أمام شعوبها بأن عليها أن تستمرئ الخضوع، وألا ترفع رأسها في وجه السلطة، فالأثمان المدفوعة الماثلة في غزة ستدفعها الشعوب أيضا، إن فكرت في المقاومة والتصدي للسلطة. وعليه، فإن فشل إسرائيل في غزة يعني هزيمة مستقبلية للأنظمة العربية أمام تطلعات شعوبها، ونجاح غزة وعدم استسلامها يعني انتصارا مستقبليا للشعوب العربية وإرادتها في مواجهة الأنظمة والمنظومة الغربية، لكن من يوقظ هذه الشعوب، ويقنعها أن غزة تخوض اليوم معركة وجودية نيابة عنهم وعن كرامتهم وعن مستقبل أبنائهم؟
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات غزة المجاعة الحصار الاحتلال احتلال غزة حصار مجاعة ابادة قضايا وآراء قضايا وآراء مدونات قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ش عب غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
خبراء فلسطينيون: العمليات اليمنية تعيد رسم خارطة الصراع مع الكيان الإسرائيلي
ويرى مراقبون، وفق تقرير لوكالة "شهاب" الفلسطينية، أن حجم الضربات، جعل من الصعب على المؤسسة العسكرية الإسرائيلية فرض السيطرة الكاملة على المشهد الإعلامي، كما أن تعقيدات الحرب النفسية ومخاوف انهيار الجبهة الداخلية دفعت الإعلام الإسرائيلي، في بعض الحالات، إلى الإقرار الجزئي بوقوع إصابات أو أضرار مادية.
الباحث والمختص في الشأن الإسرائيلي، فايد أبو شمالة، أكد أن الرواية الإعلامية الصهيونية تخضع لرقابة مشددة تهدف إلى فرض سردية أحادية على الجمهور المحلي والدولي.
وأوضح أبو شمالة أن تسلسل الرواية الإسرائيلية بات متكرراً وثابتاً، ويبدأ بالإعلان عن "رصد صاروخ أُطلق من اليمن"، يتبع ذلك انطلاق صافرات الإنذار في عدد من المناطق، ثم تعلن الجبهة الداخلية دعوة المواطنين للدخول إلى الملاجئ، وتُرفق هذه البلاغات عادةً بصور لخريطة توضح أماكن الإنذارات عبر نقاط حمراء.
وبعد دقائق، تُعلن وسائل الإعلام عن "اعتراض الصاروخ"، وتُرفق النشرات بصور بعيدة للسماء، لتنتهي الرواية بالإشارة إلى "عودة الحياة إلى طبيعتها" بعد تعطيل مؤقت لحركة الطيران.
وأشار الباحث إلى وجود مؤشرات واضحة تُضعف من مصداقية هذه الرواية، أبرزها اختفاء مشاهد الهلع في الشوارع، وهي مشاهد كانت تُبث سابقًا، وغياب تام لصور مواقع سقوط الصواريخ أو بقاياها أو حتى بقايا صواريخ الاعتراض.
وأشار إلى أن الاحتلال منع المقابلات العفوية مع المستوطنين للحديث عن مشاعرهم أو تجربتهم أثناء القصف، وحظر تصوير ما يجري داخل المطارات عند إعلان تعليق الحركة الجوية.
وأكد أبو شمالة أن السيطرة على الخطاب الإعلامي بات جزءًا أساسيًا من أدوات الحرب التي تستخدمها "إسرائيل"، لكنها فشلت في الحفاظ على هذه السردية في محطات عدة، أبرزها خلال الأيام الأخيرة من الحرب مع إيران، حين ضربت الصواريخ الإيرانية مواقع لا يمكن التعتيم عليها إعلامياً.
وشدد الباحث قائلا: "لا يمكن الادعاء بأن جميع الصواريخ تُصيب أهدافها، لكن من المؤكد أن ليس جميعها يُعترض. وكل صاروخ يحمل رسالة للعالم: هذا الاحتلال إلى زوال".
ميزان القوى
فيما قال الخبير العسكري الاستراتيجي الفريق قاصد محمود إن القوات المسلحة اليمنية أحدثت تحولاً بارزاً في ميزان القوى على المستوى الاستراتيجي في الصراع مع العدو "الإسرائيلي"، عبر تدخلهم العسكري المباشر والمتواصل من خلال ضربات صاروخية وطائرات مسيّرة قطعت مسافات تصل إلى ألفي كيلومتر، وحصار بحري وجوي جزئي من حين لآخر.
وأوضح الفريق محمود، أن "هذا الضغط النفسي والعصبي على إسرائيل بات يشكل تحدياً حقيقياً، خاصة مع اضطرارها للتعامل مع تهديدات صاروخية مكلفة من جهة لم تكن في السابق ضمن أولويات استخباراتها أو عملياتها العسكرية"، مشيراً إلى أن "اليمن أصبحت ساحة جديدة للعداء مع "إسرائيل"، وهي تتمتع بخصائص جغرافية وحصون طبيعية تجعل من استهدافها تحدياً بالغ الصعوبة".
وأضاف: "اليمن قدمت قيمة استراتيجية جديدة، وسدّت فراغاً على المستوى الاستراتيجي في الحرب، في الوقت الذي بقيت فيه المقاومة الفلسطينية تؤدي أدواراً مهمة على المستويين التكتيكي والعملياتي، لكنها تواجه صعوبات في التأثير الاستراتيجي بسبب الحصار الجغرافي والمحدودية في الإمكانيات".
وأكد أن "الدور اليمني فتح البحر الأحمر والممرات المائية وأدخل تهديدات جديدة على الأجواء، كما أنه ربط بشكل عضوي وواضح بين عملياته العسكرية وما يجري في غزة، من حصار وعدوان ومجازر يرتكبها الاحتلال ضد المدنيين".
وأشار الفريق محمود إلى أن هذا الربط بين جبهتي اليمن وغزة يشكل قيمة سياسية عالية، تدخل في حسابات التفاوض والمقايضات السياسية، ما يعزز من تأثير محور المقاومة بشكل عام.