بوابة الجحيم في تركمانستان.. ما سر الفوهة المشتعلة التي لا يمكن إخمادها؟
تاريخ النشر: 24th, July 2025 GMT
وسط صحراء كاراكوم النائية التي تغطي نحو 70% من مساحة تركمانستان لا شيء يغير منظر كثبانها الرملية الممتدة على مساحة 350 ألف كيلومتر سوى ضوء ساطع يسرّب غاز الميثان المشتعل منذ عام 1971 بلا انقطاع، حتى أصبح من أغرب المعالم الجيولوجية في العالم.
إنها "فوهة دارفازا" المعروفة بـ"بوابة الجحيم"، وهي حفرة اشتعلت فيها النيران قبل أكثر من نصف قرن من الزمان، ولم تنطفئ حتى اليوم، مما جعلها أحد أشهر وأكبر الألغاز القابعة في قلب قارة آسيا.
حاليا، يجذب المكان الزوار إلى روعته الليلية، حيث يضيء اللهب السماء ويخلق مشهدا مهيبا، وبالتالي فإن السياح يأتون للتخييم والتقاط الصور رغم بعد الفوهة وصعوبة الوصول إليها.
لغز يكتنفه الغموضوُصفت فوهة دارفازا الغازية بأنها ظاهرة طبيعية جزئيا وحادث من صنع الإنسان جزئيا، ويوضح مارك أيرلاند عالم جيولوجيا الطاقة في جامعة نيوكاسل في حديثه للجزيرة نت "ليست ظاهرة طبيعية تماما، لم تكن الطبيعة سوى مصدر للمواد الخام لما حوّله البشر إلى ظاهرة بيئية غريبة استمرت عقودا".
وفي حين يعتقد أيرلاند أن إشعال النار في الحفرة كان على الأرجح حادثا صناعيا في الماضي لا تزال أصول هذه الحفرة يكتنفها الغموض وتكثر الروايات بشأن تشكلها.
ويرجح بعض الجيولوجيين المحليين تشكل الحفرة بشكل طبيعي في أواخر الستينيات، وظلت تتدفق بالغاز والطين لسنوات عديدة، ولم تشتعل النيران فيها حتى الثمانينيات.
الرواية الأخرى الأكثر انتشارا تعود إلى عام 1971 عندما انطلق الجيولوجيون السوفيات لاستكشاف صحراء كاراكوم في جمهورية تركمانستان السوفياتية الاشتراكية بالقرب من مستوطنة دارفازا.
كان هؤلاء يبحثون في الأغلب عن حقول نفط، لكن المنطقة غنية أيضا بالغاز الطبيعي، لأن النفط والغاز نتاج نفس العملية الجيولوجية، وهي الضغط البطيء والشديد للمواد العضوية القديمة بمرور الوقت.
إعلانورغم عدم صدور تقرير رسمي عن الأحداث التي تلت ذلك يُعتقد أنه خلال الاستكشاف الأولي للمنطقة تشجّع الجيولوجيون بشدة بتقديراتهم لكمية الغاز الطبيعي الموجودة فسارعوا إلى إنشاء بعض منصات الحفر.
لكن دون علمهم حفروا فوق كهف ضخم للغاز الطبيعي، فانخفضت طبقات التربة العليا فجأة تحت معدات الحفر بعد بدء العملية بفترة وجيزة مكونة حفرة ضخمة يبلغ عرضها 70 مترا وعمقها 30 مترا.
فجَّر الانهيار مشكلة خطيرة أخرى، إذ بدأت كميات كبيرة من الغاز الطبيعي الخطير بالتسرب إلى الغلاف الجوي معرّضا السكان المحليين والكائنات الحية للخطر، ومثيرا مخاوف من تلوث بيئي واسع النطاق.
يتكون الغاز الطبيعي أساسا من الميثان، وهو غاز عديم اللون والرائحة، ورغم أنه ليس ساما فإنه يمكن أن يحل محل الأكسجين ويجعل التنفس صعبا، كما أنه سريع الانفجار، حيث يمكنه تكوين خليط قابل للاشتعال في الهواء بمستويات منخفضة تصل إلى 5%.
ويقول أيرلاند -الذي يركز عمله على فهم التفاعلات بين العمليات الجيولوجية والأنظمة البيئية المتعلقة بإنتاج الطاقة- "من أكثر الأمور جاذبية وإحباطا بشأن هذه الحفرة هو قلة المعلومات عنها، ليس هناك سجل أو تقرير رسمي أو أي ذكر لهذه الحادثة على الورق، خاصة أن كل ما يتعلق بالغاز والنفط والموارد الطبيعية خلال الحقبة السوفياتية كان يعتبر إستراتيجيا وسريا للغاية".
ويضيف "ما زال هناك جدل عما إذا كانت قد اشتعلت عن طريق الخطأ ربما بسبب صاعقة أو شيء من هذا القبيل، أو أن السلطات السوفياتية لم يكن أمها سوى خيار إشعال النار في الفوهة عمدا، على أمل أن تنطفئ النيران بعد أن ينفد الغاز من الحفرة".
أراد العلماء بإشعال الغاز المنبعث من الحفرة أن يمنعوه من الانتشار، وتلك ممارسة شائعة في بعض عمليات حفر النفط والغاز التي يطلق فيها الغاز الطبيعي، وتعرف باسم "الحرق"، حيث تُحرق الغازات الخطرة الزائدة عمدا- ولا سيما في حالات الطوارئ- إذا لم يمكن احتجازها لأسباب تتعلق بالسلامة والتمويل.
صحيح أن هذه العملية لا تزال تطلق أطنانا من ثاني أكسيد الكربون، لكن ثاني أكسيد الكربون أقل ضررا بكثير من الميثان، لأنه أحد غازات الدفيئة، وهو أقوى من ثاني أكسيد الكربون بـ25 ضعفا في حبس الحرارة في الغلاف الجوي رغم أنه يختفي من الغلاف الجوي للأرض في غضون سنوات قليلة مقارنة بثاني أكسيد الكربون الذي يبقى لقرون.
كان التقدير المبدئي أن تستمر النيران أياما أو أسابيع قليلة بناء على كميات الغاز السطحية المعروفة، ولم يتوقع الفريق أن تكون الحفرة مرتبطة بشبكة أوسع من مكامن الغاز التي ظلت تغذي اللهب باستمرار منذ ذلك الوقت.
وفي ظل غياب التقنيات المتطورة لاحتواء الانبعاثات كانت نتيجة تسرب الغازات السامة عكسية، لم تنخفض شدة الاشتعال ولم يتوقف تدفق الغاز، ثم تركت على حالها في البلد الذي يملك سادس أكبر احتياطي للغاز في العالم.
بعد استقلال تركمانستان عام 1991 أصبحت "بوابة الجحيم" من الملفات الموروثة عن العهد السوفياتي بلا خطة واضحة للإغلاق أو الاستمرار فاستمر اشتعالها، وتستخدمها السلطات التركمانية اليوم كمعلم سياحي يُصدر وهجا غريبا يمكن رؤيته ليلا من على بعد كيلومترات، وتنبعث منه رائحة بيض كريهة لا علاقة لها بالغاز الطبيعي الذي لا رائحة له، بل ينتجها كبريتيد الهيدروجين في باطن الأرض.
إعلانلم تُنشأ بوابة الجحيم لهذا الغرض، لكن شهرتها بدأت تتزايد تدريجيا مطلع الألفية مدفوعة بصور الأقمار الصناعية والتغطيات الإعلامية التي وثقتها وسط الصحراء القاحلة، بل أصبحت صورها تُستخدم في تقارير عن تغير المناخ والطاقة الأحفورية، وأدرجتها مجلات عدة ضمن أغرب الأماكن على وجه الأرض.
ومع تحول "بوابة الجحيم" إلى محط أنظار الكثيرين دفع الغموض الذي يكتنفها العديد من العلماء والجيولوجيين إلى محاولة سبر أغوار هذه الحفرة.
كان أولهم المغامر والمستكشف الكندي جورج كورونيس الذي قام بأول رحلة استكشافية للحفرة عام 2013 مرتديا بدلة مقاومة للحرارة مزودة بالأكسجين، بهدف التعرف عن كثب على خصائص الحفرة المتكونة من الآلاف من كرات النار، ومع ذلك كان من الصعب العثور على معلومات أساسية عن الحفرة.
جمع كورونيس عينات بحثية أثبتت وجود بعض أنواع البكتيريا التي تعيش في هذه البيئة القاسية والقادرة على تحمل درجات حرارة عالية للغاية، تعيش هذه الكائنات في بيئة مغلقة داخل الفوهة الساخنة، وهي كائنات فريدة على الأرض.
الدراسات البيئية المنشورة عن بوابة الجحيم قليلة، لكن التقديرات تظهر أن الحفرة تطلق كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان، وهما من أقوى الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
ووفقا لتقرير من بلومبيرغ، تمتلك تركمانستان أسوا رقم قياسي في العالم لتسرب غاز الميثان المتسبب بتسخين المناخ، وتزايدت دعوات إطفاء نيران الحفرة المشتعلة منذ أكثر من نصف قرن للحد من أضرار تغير المناخ.
في عام 2010 زارها الرئيس السابق قربان قولي بردي محمدوف، وأمر بإيجاد حل لإزالتها أو التأكد من أنها لا تعيق تطوير حقول الغاز المجاورة، لكن لم تُعلن نتائج واضحة، ولم تُتخذ خطوات جدية لإطفائها أو احتوائها.
وفي عام 2022 أصدر خلفه سيردار بردي محمدوف قرارا رسميا بإغلاق الحفرة التي أشار إلى أنها من صنع الإنسان، وتتسبب بخسارة موارد طبيعية ثمينة، لكن الإجراءات لا تزال محدودة حتى اليوم.
ورغم عدم وجود سقف زمني لإخماد نيران الحفرة فإن السلطات بدأت باستقطاب مستشارين وعلماء أجانب لإيجاد حل لإخماد النار، ويبدو أنهم متفقون على أن أي محاولة لإغلاقها ستكون مرهقة وخطيرة ومكلفة، وربما غير مجدية.
يتطلب القضاء على فوهة دارفازا إخماد الحرائق، ثم منع تسرب الغاز من الأرض.
ويقترح البعض لإنجاز الخطوة الأولى على سبيل المثال رش إسمنت سريع الجفاف في الفوهة لإزالة الهواء الغني بالأكسجين الذي يغذي الحرائق.
لكن أيرلاند يحذر من المخاطر المحتملة لإطفاء حفرة دارفازا دون معالجة تسرب غاز الميثان، مؤكدا أن الغاز سيجد ببساطة طرقا أخرى للتسرب إلى السطح، مما سيؤدي إلى استمرار المشكلة، ويضيف مصدرا آخر لتسرب الميثان إلى حصيلة البلاد المتراكمة منذ العهد السوفياتي.
وهذا يعني أن الطريقة الوحيدة لخنق "بوابة الجحيم" بشكل صحيح هي خنق التسرب عند مصدر غاز الميثان، لكن إذا لم يتم التنقيب بأقصى درجات العناية لتحديد موقع الصدع الجوفي الذي ينبعث منه الغاز، فقد تؤدي شرارة مفاجئة أو حادث حفر إلى انفجار مميت.
وحتى لو تمكن المهندسون من تحديد موقع الصدع الجوفي فمن غير المؤكد كيفية سده، ففي حين أن إصلاح التسريبات الصناعية قد يكون معقدا فإن التسريبات الجيولوجية أكثر تعقيدا بكثير ومليئة بالشكوك.
ومن المفارقات أن هناك احتمالا ضئيلا لاستخدام عبوة ناسفة كبيرة لعزل غاز الميثان، وقد استُخدمت هذه الطريقة لإخماد حرائق الآبار الصناعية، وليس من الواضح كيف يمكن تطبيق هذا على فوهة دارفازا، ومن المرجح أن الأمر سيتطلب قنبلة ضخمة جدا.
إعلانفي الواقع، استخدم المهندسون السوفيات رؤوسا نووية مرات عدة لإخماد حرائق آبار الغاز على عمق أميال تحت الأرض، وكانت آخر مرة عام 1981، لكن من غير المرجح أن يجد هذا النهج دعما في عالم اليوم، وقد لا ينجح حتى في فوهة دارفازا.
وما سبق يعني أن إخماد هذه النيران بشكل صناعي صعب جدا، لكن يمكن أن تخمد النيران بشكل طبيعي في يوم ما، وكان باحثون من الفرع العلمي لشركة "توركمان غاز" -وهي شركة الغاز الوطنية التركمانية- قد أشاروا إلى أن توهج الفوهة يبدو أنه آخذ في الخفوت، وربما تتوقف عن الاشتعال يوما ما.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات ثانی أکسید الکربون الغاز الطبیعی بوابة الجحیم غاز المیثان
إقرأ أيضاً:
قطر تهدد بوقف إمدادات الغاز لأوروبا: نبحث عن أسواق بديلة!
كشفت صحيفة Welt am Sonntag الألمانية، في تقرير موسّع نشرته اليوم السبت، عن تهديد رسمي وجهته قطر إلى دول الاتحاد الأوروبي بوقف كامل لتوريد الغاز الطبيعي المسال، إذا أصرت المفوضية الأوروبية على تنفيذ التوجيه الأوروبي الجديد بشأن العناية الواجبة بالاستدامة المؤسسية (CSDDD)، الذي يتضمن متطلبات صارمة لحماية المناخ على سلاسل التوريد الدولية.
وبحسب الصحيفة، فقد ورد هذا التهديد في رسالة رسمية من وزير الدولة القطري لشؤون الطاقة والرئيس التنفيذي لشركة قطر للطاقة، سعد بن شريدة الكعبي، مكوّنة من أربع صفحات، أرسلها بتاريخ 21 مايو 2025 إلى الحكومة البلجيكية وعدد من حكومات الاتحاد الأوروبي.
وأوضحت الصحيفة أن الكعبي عبّر في رسالته عن قلق بلاده العميق من التوجه الأوروبي نحو إلزام الموردين العالميين، بمن فيهم قطر، بالامتثال لبنود توجيه CSDDD، وخاصة المادة 22 المتعلقة بالالتزامات المناخية.
واعتبر الوزير أن هذه المادة “تتضمن تناقضات وتعارضات واضحة مع القوانين والسياسات البيئية السارية في دولة قطر”، كما أنها “تتجاهل اتفاق باريس للمناخ الذي يمنح كل دولة الحق في تحديد أهدافها المناخية الوطنية بما يتناسب مع خصوصياتها”.
وأشار الكعبي إلى أن فرض “غرامات باهظة، وعقوبات، وتحميل المسؤولية القانونية–المدنية في حال عدم الامتثال للمادة 22″، يشكل تهديدًا مباشرًا لقدرة قطر للطاقة على الاستمرار في توريد الغاز الطبيعي المسال والمنتجات الأخرى إلى دول الاتحاد الأوروبي.
وذكرت Welt am Sonntag أن الرسالة القطرية حملت لهجة تحذيرية واضحة، إذ أكد الكعبي أنه “إذا لم تُدخل المفوضية الأوروبية التعديلات المطلوبة على التوجيه المذكور، فإن قطر وشركة QatarEnergy ستضطران للبحث بشكل جدي عن أسواق بديلة خارج أوروبا توفّر بيئة أكثر استقرارًا وودية للأعمال التجارية”.
وأضاف الوزير أن الشركات الدولية لا ينبغي أن تُجبر على الاختيار بين قوانين بلدانها الأصلية ومعايير الاتحاد الأوروبي، مشددًا على أن هذه السياسة “ستؤدي إلى زعزعة الثقة في الأسواق الأوروبية بوصفها شريكًا تجاريًا طويل الأمد”.
وأبرزت الصحيفة أن قطر تحتل المرتبة الثالثة عالميًا في احتياطيات الغاز الطبيعي، والسادسة من حيث الإنتاج، وتُعد من أكبر موردي الغاز المسال إلى أوروبا.
ووفقًا لبيانات يوروستات التي استندت إليها الصحيفة، وفّرت قطر خلال الربع الأول من عام 2025 نحو 10.8% من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي المسال، لتأتي بعد الولايات المتحدة (50.7%) وروسيا (17%)، لكن في ظل خطط بروكسل لفرض حظر كامل على الغاز الروسي بحلول 2028، تصبح حصة قطر أكثر أهمية استراتيجيًا، إذ أن انسحابها من السوق الأوروبية سيُجبر الاتحاد على تأمين أكثر من ربع وارداته من الغاز من مصادر بديلة، في وقت تواجه فيه أسواق الطاقة العالمية ضغوطًا متزايدة.
وأشارت الصحيفة إلى أن زيادة توريد الغاز المسال من الولايات المتحدة لن تكون كافية لسد الفجوة المحتملة إذا انسحبت قطر. وفي هذه الحالة، سترتفع حصة الولايات المتحدة إلى نحو 60%، مما يعيد أوروبا إلى مربع الاعتماد على مورد واحد، وهو ما يتناقض مع استراتيجية أمن الطاقة الأوروبية التي أُطلقت عقب الأزمة الأوكرانية.
وأفادت الصحيفة أيضًا بأن قطر تتحرك بالفعل لتنويع شركائها التجاريين بعيدًا عن أوروبا، مشيرة إلى توقيعها مؤخرًا صفقة ضخمة مع الصين لتشييد 18 ناقلة غاز مسال بقيمة 6 مليارات دولار، في إطار توسيع بنيتها التحتية التصديرية والاستعداد لأي متغيرات في السوق الأوروبية.