في خطوة تُعَدُّ بمثابة إعلان موت رسمي لأي حديث عن «حل الدولتين». وقد قوبلت بتنديد حركة المقاومة الإسلامية حماس والرئاسة الفلسطينية، بوصفها باطلة وغير شرعية وتقوض فرص السلام و"حل الدولتين".

 

تفاصيل مشروع القانون: ضم كامل بغطاء "قانوني"

يحث مشروع القانون الجديد على إخضاع مناطق الضفة الغربية وغور الأردن لـ"السيادة والقانون المدني الإسرائيلي" بالكامل، بدلاً من "القانون العسكري" الذي ينظم الاحتلال منذ عام 1967.

هذا يعني عمليًا ضم المغتصبات ومحيطها، وتوسيع مساحات السيطرة الإسرائيلية، وشرعنة البناء الاستيطاني بشكل مفتوح، مع إنهاء أي وضع قانوني خاص للأرض كأراضٍ محتلة.

وينص القرار على أن "لـ"إسرائيل" الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني على كل مناطق أرض "إسرائيل"، الوطن التاريخي للشعب اليهودي". ودعا "الحكومة" الإسرائيلية للعمل قريبا لإحلال السيادة والقانون والقضاء والإجراءات الإداريّة الإسرائيلية على كل "مناطق الاستيطان اليهودي بكل أشكاله في الضفة الغربية وغور الأردن".

 

الدوافع في التوقيت

تأتي هذه الخطوة في لحظة سياسية داخلية معقدة بالنسبة لـ"حكومة" العدو الفاشية بقيادة المجرم نتنياهو، التي تعتمد في بقائها على دعم قوى "اليمين الديني" والقوميين المتطرفين. في الداخل المحتل، يمثل الضم أداة لحشد القاعدة اليمينية، وتخفيف الضغوط الناتجة عن الاحتجاجات والأزمات الاقتصادية والقضائية، على وقع الفشل العسكري على مدى قرابة عامين في غزة، وتداعياته الأمنية والاقتصادية والاجتماعية على الكيان. إقليمياً، تستغل "إسرائيل" حالة الضعف والتراخي والتفرج العربية القائمة، وتراهن على فتور الرد العربي الذي بات مشلولا وعاجزا ولا يمتلك الإرادة، لا سيما في ظل ما يجري في غزة من قتل وتوحش وحصار وتجويع لم تحرك في العرب أي ساكن، وما دون ذلك سيكون أدعى للخنوع والاستسلام، ولن يصدر من العرب -في ظل هذا الحال- إلا مواقف شكلية وبيانات خطابية لا تتجاوز الحبر الذي كتبت به.

من جهة أخرى يلفت مراقبون إلى علاقة المشروع بمرحلة المفاوضات الحالية، والتي يمكن أن تفضي لوقف النار بغزة ضمن صفقة تبادل، فتكون الضفة مقابل سماح المتطرفين في "حكومة" نتنياهو بتمرير صفقة الأسرى، وهو استنتاج منطقي، لولا التعنت الحاصل من العدو في ملف غزة، ونواياه الواضحة في تهجير سكانها تحت ضغط القتل المباشر بالرصاص والقنابل أو بالتجويع الذي فتك بغزة، وتزداد وطأته يوما بعد يوم.

 

امتداد لسياسة بدأت مع "أوسلو"، وسحق القرارات الدولية:

ليست خطوة الضم مفاجئة لمن يتابع مسار السياسة الإسرائيلية منذ توقيع اتفاق "أوسلو" عام 1993. فعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، مارست "إسرائيل" سياسة «فرض الواقع على الأرض» عبر التوسع الاستيطاني، وعرقلة أي مفاوضات حول الوضع النهائي. ومع كل حكومة يمينية، ازداد المشروع وضوحًا: إدارة الصراع دون حله، واستغلال الوقت لتثبيت السيطرة التامة على الأرض.

يناقض مشروع الضم كل مبادئ القانون الدولي، بدءًا من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر ضم الأراضي بالقوة ونقل السكان إليها، مرورًا بقرارات مجلس الأمن مثل (القرارين 242 و338)، وصولًا إلى المبادئ التي أسست عملية السلام. ومع ذلك، يظل السؤال مطروحًا: هل بقي للقانون الدولي أي وزن إذا اكتفى المجتمع الدولي بالإدانات اللفظية دون إجراءات رادعة وحقيقية؟

إسقاط الوضع القانوني للضفة كأرض محتلة يقطع الطريق على أي حديث جاد عن إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة. تصبح الأرض فعليًا جزءًا من مشروع «إسرائيل الكبرى»، مع تقنين التمييز العنصري (الأبارتهايد) حيث يعيش الفلسطينيون في جيوب محاصرة بلا سيادة ولا حرية حركة ولا موارد.

 

اختبار المجتم عالدولي والمبادرات العربية

يفترض بالقانون الدولي والدول الكبرى والأمم المتحدة أن تتحرك لوقف هذا الخرق. لكن التاريخ القريب يؤكد أن أقصى ما سيصدر هو إدانات وبيانات شجب، دون عقوبات أو ضغوط فعّالة. هذا الفشل الدولي يعزز قناعة "إسرائيل" بأن «الوقت لصالحها»، وأن المجتمع الدولي بات عاجزًا عن فرض أي تراجع.

أما المبادرة العربية للسلام التي طرحتها السعودية عام 2002 كأساس للتطبيع مقابل الانسحاب من الأراضي المحتلة، فإن المشروع الجديد للضم ينسفها من جذورها، وهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها المبادرة العربية للإهانة الإسرائيلية، وأبعد من ذلك فإن المشروع يضع اتفاقيات التطبيع الأخيرة تحت اختبار حقيقي: ويضع أصحابها في مربع التآمر على غزة، والتعاون مع العدو من أجل تصفية القضية الفلسطينية، والمقابل: لا شيء، بكل ما للكلمة من معنى، بل المقابل هو أموال تدفعها أنظمة التطبيع، على شكل استثمارات في "تل أبيب"، أو صفقات مع المجرم الكافر ترامب.

وبخصوص الأمم المتحدة يبقى السؤال مفتوحًا: ما قيمة قرارات الأمم المتحدة إذا لم تُطبق؟ وما فائدة مجلس الأمن إن ظل عاجزًا عن فرض إرادته؟ استمرار إفلات "إسرائيل" من المحاسبة يهدد بفقدان الثقة بالقانون الدولي والمنظمة الدولية كلها، وهي الثقة التي لم تغادر مربع الأمل إلى خانات الثقة.

 

خيارات الفلسطينيين والدور العربي

لم يعد أمام الفلسطينيين سوى إعادة ترتيب البيت الداخلي، وتوحيد الصفوف، وتفعيل المقاومة بكل أشكالها الشعبية والقانونية، لاسيما في ظل تبين فشل مسارات التفاوض، وسقوط الشعارات، فإن خيار المقاومة الشعبية والمسلحة يبقى هو الرد الطبيعي على مشروع الضم الذي يُطبق عمليًا شعار «ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة».

مشروع الضم ليس مجرد قانون جديد في "الكنيست"، بل لحظة فاصلة تكشف أن الاحتلال لا يخشى قانونًا دوليًا، ولا بيانات شجبٍ جوفاء، لحظة تفضح زيف شعار «السلام العادل» الذي لم يكن سوى غطاءٍ لتصفية الحقوق. إنها لحظة اختبارٍ حقيقي لكل من راهن يومًا على مسار التسوية ورفض خيار المقاومة، معتقدًا أن "إسرائيل" ستمنحهم دولة بحدود وحقوق وسيادة. اليوم يتضح أن مشروعهم السلمي، الذي وُصف يومًا بالواقعية، لم يكن سوى مشروع استسلامٍ مؤجلٍ، يُسلّم الأرض والمقدسات للعدو المغتصب على طبقٍ من اعترافٍ وتطبيع. فماذا سيفعلون الآن، و"إسرائيل" تهدم أساس مشروعهم بقرارٍ واحد في "الكنيست"؟ إن لم يدرك هؤلاء أن المقاومة بكل أشكالها باتت الخيار الوحيد لحماية ما تبقى من الأرض والكرامة، فإنهم سيُكملون بأنفسهم ما عجز العدو عن أخذه بالسلاح والقوة.

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

إقرأ أيضاً:

ماذا أراد الكنيست من تصويته على مشروع قانون ضم الضفة؟

أخذت إسرائيل خطوة متقدمة في إطار مخططها لضم الضفة الغربية المحتلة بعد تصويت الكنيست وتأييده مشروع قانون يهدف إلى ذلك، كان قد قدمه أعضاء في الائتلاف اليميني الحاكم، مما يثير تساؤلات بشأن دلالات الخطوة وتوقيتها.

ولا يعد مشروع هذا القانون نافذا، بل هو إعلان موقف، كما لا يعد ملزما للحكومة الإسرائيلية المخولة حصرا باتخاذ خطوة ضم الضفة وغور الأردن إلى إسرائيل.

لكن الخطط الإسرائيلية لم تعد خافية على أحد، في ظل تصريحات مسؤولين إسرائيليين بارزين نيتهم "فرض السيادة" على الضفة الغربية، إذ بدأت -وفق الخبير في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى- قبل الحرب على غزة عبر حزمة من القرارات والقوانين.

وفي تلك الفترة، شرعت إسرائيل في بناء الأساس القانوني لعملية الضم عبر الاستيطان وقضم الأراضي وتهجير الفلسطينيين من الضفة، حسب حديث مصطفى لبرنامج "ما وراء الخبر".

وفي إشارة إلى عملية تحضير الأرضية اللازمة لضم الضفة، أقرت إسرائيل 22 قانونا قبل حرب غزة، وأبرزها قانون فك الارتباط عن قطاع غزة وشمالي الضفة، في وقت تعتمد فيه الحكومة الإسرائيلية على "مليشيات استيطانية إرهابية"، للاعتداء يوميا على فلسطينيي الضفة.

وبناء على هذه التطورات، صار اليمين في المرحلة النهائية لضم الضفة بعدما سرّعت الحرب من العملية، معولا على وجود الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، وقد يقدم على ذلك "عندما ينتهي من تهجير سكان قطاع غزة" كما يقول مصطفى.

وكانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قد وصفت تصويت الكنيست على فرض السيادة على الضفة بأنه إجراء باطل لا شرعية له، وأنه يشكل تحديا للقوانين والقرارات الدولية.

ودعت حماس -في بيان- جماهير الشعب الفلسطيني في الضفة إلى الوحدة والتكاتف وتصعيد المقاومة بكل أشكالها، ودعت في الوقت نفسه المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى إدانة هذه الخطوة الباطلة ووضع حد لرعونة الاحتلال.

إعلان

استكمال لإبادة غزة

ويأتي تأييد الكنيست في إطار جزء من عملية ممنهجة واستكمالا لحرب الإبادة على غزة، عبر مجموعة من القوانين والقرارات السابقة وفق الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي.

ويشير البرغوثي إلى قانون القومية الذي أعطى لإسرائيل "حق تقرير مصير فلسطين التاريخية لليهود"، وقانون آخر يمنع قيام دولة فلسطينية وثالث لضم القدس وتهويدها.

وتكرر الحركة الصهيونية "ما فعلته عام 1948 لكن بطريقة مختلفة بهدف ضم كل فلسطين"، إذ تحولت إسرائيل إلى الفاشية، وبددت أي إمكانية لحل وسط مع الشعب الفلسطيني ولا توجد إمكانية لقيام دولة فلسطينية وتمزيق اتفاق أوسلو.

ووفق البرغوثي، فإن ما يحدث استمرار لما قام به ترامب في ولايته الرئاسية الأولى عندما اعترف بضم القدس لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها، وألغى القنصلية الأميركية التي تتعامل مع الفلسطينيين، مكرسا ضم القدس والجولان في إطار ما عُرف بـ"صفقة القرن".

من يوقف إسرائيل؟

وفي ظل عدم فرض عقوبات عليها، لا تأبه إسرائيل إلى الموقف الغربي باستثناء الموقف الأميركي، إضافة إلى الموقف العربي الذي تخشاه كثيرا "إذا كان موقفا حازما يرافقه خطوات تنفيذية"، حسب مصطفى.

بدوره، أعرب البرغوثي عن قناعته بعدم جدوى تمسك الغرب بـ"حل الدولتين" في ظل عدم فرض عقوبات على إسرائيل بسبب جرائم الإبادة والتجويع والضم والتهويد والاستيطان.

وتفرض هذه التطورات المتلاحقة على الفلسطينيين -حسب البرغوثي- ضرورة إجراء مراجعة شاملة والتخلي عن اتفاق أوسلو الذي وقعت عليه مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 ثم مزقته.

وكذلك وقف كافة أشكال التطبيع مع تل أبيب وقطع العلاقات معها، بعد زوال وهمي "الحل الوسط مع الحركة الصهيونية" و"قيام الولايات المتحدة بدور الوسيط".

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تعمل على تغيير النظام القانوني الذي يحكم الضفة الغربية لتسريع الضم
  • المملكة و9 دول يدينون مصادقة الكنيست الإسرائيلي على إعلان فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية
  • المملكة و9 دول تدين مصادقة «الكنيست» على فرض «السيادة الإسرائيلية» على الضفة الغربية
  • بيان مشترك بشأن مصادقة الكنيست الإسرائيلي على الإعلان الداعي إلى فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة
  • كيف قرأت المقاومة الفلسطينية قرار فرض السيادة الصهيونية على الضفة الغربية؟
  • ماذا أراد الكنيست من تصويته على مشروع قانون ضم الضفة؟
  • ريفييرا غزة والسيادة الإسرائيلية في الضفة يناقشها الكنيست بجدية
  • الكنيست يصوت لصالح مشروع قانون لفرض سيادة إسرائيل على الضفة وغور الأردن
  • عاجل| الكنيست يصوت لصالح مشروع قانون يدعو لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية وغور #الأردن