في الوقت الذي تتعالى فيه صرخات أطفال غزة تحت القصف، وتتعاظم فيه الحاجة لجهود إنسانية حقيقية، خرجت تظاهرة أمام السفارة المصرية في تل أبيب تقودها جماعة محسوبة على "الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني"، تطالب بفتح معبر رفح. مشهد أثار دهشة واستياء العديد من المتابعين، واعتبره خبراء عسكريون واستراتيجيون محاولة مدروسة لتشويه الدور المصري وإرباك المشهد السياسي، في لحظة لا تحتمل العبث أو الاصطفاف خلف أجندات خارجية.


 تظاهرات تخدم إسرائيل وتشوّه الدور المصري

ويرى اللواء نبيل السيد أن هذه التظاهرات، التي قادتها جماعة تُعد امتدادًا فكريًا وتنظيميًا للإخوان المسلمين، تأتي في توقيت شديد الحساسية، وتخدم بشكل مباشر الحكومة الإسرائيلية اليمينية بقيادة بنيامين نتنياهو، عبر خلق انطباع زائف بأن المسؤول عن إغلاق المعبر وتجويع غزة هو مصر، بينما الاحتلال مستمر في قصف المدنيين وفرض الحصار الخانق.

ويؤكد أن الوقوف أمام سفارة دولة عربية كمصر، التي تتحمّل أعباء إنسانية وسياسية ضخمة لدعم الفلسطينيين، لا يخدم سوى أهداف سياسية داخل إسرائيل.

تجاهل الواقع وتعقيداته الميدانية

واتهم السيد كلًا من حركة "حماس" وجماعة "الإخوان المسلمين" بإنكار الجهود التي تبذلها القاهرة يوميًا لإدخال المساعدات الإنسانية، رغم الظروف الصعبة التي تعيق عمل معبر رفح. وأوضح أن العوائق الحقيقية لا تأتي فقط من الجانب الإسرائيلي، بل تشمل فوضى التنظيم وانعدام التنسيق داخل القطاع، مما يعطّل مرور الشاحنات في كثير من الأحيان.

وأضاف أن مصر فتحت المعبر لأقصى طاقته الممكنة، بينما لجأت بعض القوى الفلسطينية إلى التحريض بدلًا من التعاون.

دور مصري لا يمكن إنكاره

وأكد السيد إنه منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر، لعبت مصر دورًا محوريًا في التهدئة ونقل المبادرات الدولية، كما نسّقت بشكل مستمر مع الأمم المتحدة والولايات المتحدة لتأمين دخول المساعدات وتخفيف المعاناة. ورغم المخاطر والضغوط، لم تتخلَّ عن دورها التاريخي تجاه غزة.
 

السياسة لا يجب أن تعمي البصر عن الحقائق

واختتم اللواء نبيل السيد تصريحه بتحذير واضح: "هذه التظاهرات لا تخدم الفلسطينيين، بل تُستخدم كورقة سياسية داخل إسرائيل لتبرير المزيد من العدوان. على القيادات الإسلامية أن تتجاوز خلافاتها وتُفرّق بين الخصومة السياسية والدعم الحقيقي، وألا تُسيء لمن يحملون على عاتقهم عبء إنقاذ غزة من الكارثة".

أجندة سياسية موجهة ضد مصر

ويرى اللواء محمد حمد الخبير العسكري والاستراتيجي، أن ما جرى أمام السفارة المصرية لا يمكن فصله عن سياق أوسع لمحاولات الإساءة إلى مصر ودورها المحوري في دعم القضية الفلسطينية. 

ويوضح أن تجاهل المتظاهرين للسفارات الإسرائيلية والأمريكية، وتجنبهم مؤسسات الحكم في إسرائيل مثل الكنيست ووزارة الدفاع، يعكس انحرافاً متعمداً في الرسائل السياسية، موجهاً الاتهام لجماعة الإخوان المسلمين وحلفائها بتأجيج هذا الخطاب وتدويره، سعياً لإعفاء الاحتلال من جرائمه.

تواطؤ غير مباشر من تل أبيب

ويثير اللواء حمد تساؤلات حول سماح السلطات الإسرائيلية بقيام هذه التظاهرات، رغم القيود المفروضة على نشاط جناح رائد صلاح.

ويشير إلى أن هذا "السماح" قد يعكس تواطؤاً غير معلن بين إسرائيل وبعض هذه الجهات، بهدف تقويض أي دور مصري فعّال في تخفيف المعاناة عن الفلسطينيين، خصوصاً خلال الأزمات. ويرى أن منح المتظاهرين مساحة أمام السفارة المصرية، وليس غيرها، لا يخلو من دلالة سياسية.

تجاهل الدور المصري الإنساني والوسيط

من اللافت، بحسب حمد، أن هذه التظاهرات تتجاهل عمداً الجهود المصرية التي لم تتوقف، بدءًا من فتح معبر رفح لاستقبال الجرحى والمساعدات، مروراً بمبادرات وقف إطلاق النار، وليس انتهاءً بالوساطات التي تلعب فيها القاهرة دوراً مركزياً.

ويرى أن استهداف مصر في هذا التوقيت يخدم مشروعاً إعلامياً مضاداً تديره منصات تابعة لحركات الإسلام السياسي، تسعى لتشويه الصورة وتضليل الرأي العام العربي والدولي.

خلط الأوراق في لحظة فارقة

في ختام تصريحه، يحذر اللواء محمد حمد من خطورة هذه الرسائل "المضللة"، التي تأتي في لحظة فارقة من التصعيد في غزة، مؤكداً أن الهدف ليس نصرة القضية، بل خلط الأوراق وإرباك المشهد، وتحويل الخصومة من الاحتلال إلى الأشقاء. ويؤكد أن هذا النوع من الحملات لا يخدم إلا العدو الإسرائيلي، ويضر بوحدة الصف الفلسطيني والعربي.



في ظل واقع مؤلم يعيشه أكثر من مليوني فلسطيني في غزة، ليس هناك متسع للمزايدات أو تصفية الحسابات. فالمعركة ضد الاحتلال تحتاج إلى وحدة وتنسيق ودعم صادق، لا إلى شعارات تضلل الناس وتحوّل بوصلتهم. ومصر، رغم الضغوط والتهديدات، ما زالت تقف في الصفوف الأمامية لدعم غزة، وتستحق أن يُرفع لها القبّعة، لا أن تُستهدف بسوء النية.

طباعة شارك غزة السفارة المصرية تل أبيب الحكومة مصر

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: غزة السفارة المصرية تل أبيب الحكومة مصر السفارة المصریة هذه التظاهرات

إقرأ أيضاً:

ورقة علمية: إسرائيل تستخدم التجويع والمساعدات كسلاح حرب في غزة بغطاء دولي

في ورقة علمية جديدة أصدرها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، سلّط الباحث ثامر سباعنه الضوء على استخدام الاحتلال الإسرائيلي سياسة التجويع وأدوات المساعدات كسلاح في حربه ضدّ غزة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، محذراً من تحوّل الحصار إلى أداة إبادة جماعية صامتة.

تحت عنوان: "التجويع والمساعدات كسلاح حرب: دراسة حالة غزة في ضوء القانون الدولي الإنساني"، وثّقت الورقة سياسات الاحتلال الممنهجة في تجويع الفلسطينيين، بدءاً من الحصار المفروض منذ عام 2007، وصولاً إلى الانهيار الغذائي الكارثي الذي تعيشه غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

تشير الورقة إلى تقارير أممية ـ من بينها تصنيف "IPC" الصادر في آذار/ مارس 2024 بمشاركة 15 منظمة بقيادة الأمم المتحدة ـ تفيد بأن غزة باتت على شفا مجاعة، حيث يعاني نحو 70% من سكان القطاع من انعدام كارثي في الأمن الغذائي.

وأكدت الورقة أن الاحتلال عمد إلى قصف مخازن الأغذية، وتدمير الأراضي الزراعية والمخابز، ومنع دخول المساعدات وقوافل الإغاثة، إلى جانب استهداف البنية التحتية الحيوية، في مشهد تتكرر فيه "مجازر الخبز" بحق المدنيين المنتظرين للمساعدات.

ورأى سباعنه أن المساعدات نفسها تحوّلت إلى أداة ضغط سياسي، تتحكم بها إسرائيل وحلفاؤها لاستخدامها كورقة مساومة، بدلاً من أن تكون حقاً إنسانياً محايداً. كما وثّق استخدام التجويع كسلاح نفسي بهدف كسر إرادة الفلسطينيين، حيث يشعر 96% من أطفال غزة أنهم قريبون من الموت، بحسب ما ورد في الورقة.

من جهة أخرى، كشفت الورقة عن دعم شعبي وسياسي إسرائيلي واسع لسياسات التجويع، إذ أيّد 68% من الإسرائيليين في استطلاع فبراير/شباط 2024 منع دخول المساعدات إلى غزة، حتى من خلال جهات دولية. كما أنكر مسؤولون إسرائيليون، بينهم نتنياهو، وجود مجاعة، رغم مشاهد الجوع والموت المتكررة.

وفي المقابل، برزت أصوات معارضة خجولة داخل "إسرائيل"، منها صوت الجنرال السابق يائير جولان الذي دان "الاحتفال بوفاة الأطفال"، والكاتب جدعون ليفي الذي شبّه ما يحدث في غزة بمعسكرات الاعتقال النازية.

الورقة خلصت إلى أن سياسة التجويع الإسرائيلية ترقى إلى جريمة حرب، تستوجب المحاسبة الدولية والتعويض، مشددة على أن هدف الاحتلال من هذه السياسة هو الانتقام، وإجبار الفلسطينيين على الهجرة، وتحريضهم على المقاومة، في ظل تواطؤ دولي وصمتٍ عربي.

ودعت الدراسة إلى توثيق الانتهاكات بشكل ممنهج، ورفع دعاوى دولية، وحشد الدعم العالمي لرفع الحصار وتوفير الاحتياجات الأساسية للفلسطينيين في غزة، قبل أن تتحول المجاعة إلى واقع دائم في أكبر سجن مفتوح في العالم.

مقالات مشابهة

  • رسائل مضللة من مظاهرات تل أبيب.. وخبير استراتيجي: دليل على تواطؤ الاحتلال وجهات أخرى لتقويض دور مصر
  • ورقة علمية: إسرائيل تستخدم التجويع والمساعدات كسلاح حرب في غزة بغطاء دولي
  • نقابة الصحفيين: مظاهرات تل أبيب مدعومة من العدو الصهيوني
  • باحث يفضح اعتصام الإخوان في تل أبيب: رفعوا علم إسرائيل
  • متحدث الحكومة الفلسطينية: مظاهرات تل أبيب ضد السفارة المصرية مشهد محزن ومرفوض فلسطينياً
  • الاتحاد يندد بمظاهرات الإخوان أمام السفارة المصرية في تل أبيب
  • أستاذ علوم سياسية: تظاهرات «الإخوان الإرهابية» أمام سفارة مصر في تل أبيب خيانة صريحة واصطفافا مفضوحا مع العدو
  • المؤتمر: مظاهرات الإخوان في تل أبيب خيانة صريحة ومخطط لتشويه مصر
  • حزب المصريين: دعوات التظاهر أمام السفارة المصرية في تل أبيب هدفها زرع الفتنة