هل تطيح انقسامات قسد بالاتفاق مع الحكومة السورية؟
تاريخ النشر: 4th, August 2025 GMT
في تطور ميداني خطير يعيد خلط الأوراق في شمال سوريا، شهدت قرية الكيارية بريف منبج الشرقي قصفا مدفعيا وصاروخيا نفذته قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، أسفر عن إصابة 7 أشخاص، بينهم 4 من عناصر الجيش السوري ووفقا لوكالة الأنباء السورية "سانا".
وأفادت وزارة الدفاع السورية بأن الجيش تصدى لمحاولة تسلل قامت بها مجموعات من "قسد" باتجاه نقاط عسكرية قرب المنطقة، واصفة التحرك بأنه "اعتداء غير مسؤول ولأسباب مجهولة".
وأكدت الوزرة أن قواتها ردت بضربات دقيقة استهدفت مصادر النيران، بما في ذلك راجمة صواريخ ومدفع ميداني في محيط مدينة مسكنة شرق حلب.
يأتي هذا التصعيد المفاجئ بعد أشهر قليلة من إعلان "اتفاق 10 مارس/آذار"، الذي أتاح تنسيقا مشتركا محدودا بين "قسد" والحكومة السورية لتثبيت الاستقرار في مناطق التماس.
ويثير الحادث تساؤلات حول مدى استدامة هذا الاتفاق في ظل التوترات الميدانية والتفاوضية، مع تزايد الضغوط الدولية والانقسامات الداخلية داخل "قسد".
وحاولت التصريحات الصادر عن "قسد" تفسير الحادث كجزء من ديناميكيات المنطقة اليومية، مع التأكيد على استمرار الالتزام بالاتفاق رغم التحديات.
شرارة الأحداث
وأوضح مصدر عسكري في "قسد" للجزيرة نت أن الحادثة بدأت بقذيفة دبابة أطلقت من مناطق سيطرة الحكومة السورية نتيجة ملاحقة عناصر الجيش لمهربين دخلوا مناطق "قسد"، مما دفع قواتهم للرد وتطور إلى اشتباكات أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى.
وأضاف أن هذه الحادثة "عادية" وأنها لا تعرقل اتفاق 10 آذار، حيث وافق قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي على الخطوط العريضة لتنفيذه، لكنه يحتاج إلى وقت أطول.
وأشار إلى ضغوط المبعوث الأميركي توم براك على قيادة "قسد" للاندماج مع قوات الحكومة مع تقديم تنازلات كبيرة.
اجتماع باريسمن جهته، يسلط الكاتب والباحث المتخصص في الشؤون التركية والإقليمية محمود علوش الضوء على الأبعاد السياسية والتفاوضية للتصعيد، مشيرا إلى أن الأطراف تستخدم التوترات لتعزيز مواقعها قبل جولات الحوار المرتقبة.
إعلانوقال علوش للجزيرة نت إن التصريحات المتضاربة بين "قسد" ودمشق تعكس سعي كل طرف لتعزيز أوراقه التفاوضية قبل اجتماع باريس.
وأضاف أنه لا يمكن تحديد الأسباب الدقيقة للتصعيد، "لكن من الواضح أن كل طرف يحاول تحسين موقعه التفاوضي"، معتبرا أن قسد تمر بمرحلة صعبة وتتعرض لضغوط متزايدة، وقد يكون التصعيد أداة لمواجهة هذه الضغوط.
وأكد علوش أن المسار التفاوضي يظل الخيار الأكثر واقعية، مدعوما برعاية دولية، وأن التصعيد لن يغير هذا المسار ما لم يخرج عن السيطرة.
وأشار إلى حرص الولايات المتحدة على إنجاح التفاوض لتجنب تصعيد يعرقل خططها لتقليص وجودها العسكري ويمنع عودة تنظيم الدولة الإسلامية، مع الحفاظ على تفاهماتها مع تركيا.
وشدد على أن بناء ثقة مستدامة بين "قسد" ودمشق معقد، لكن الانخراط الدولي من واشنطن وأنقرة حاسم لنجاح التسوية.
ضغط تفاوضي
بدوره، يكشف ماهر التمران -بصفته مسؤولا سابقا في الإدارة الذاتية- عن الديناميكيات الداخلية لـ"قسد" والتحديات التي تواجهها، وعكست تصريحاته للجزيرة نت تعقيدات المشهد السياسي والعسكري، مع التركيز على دوافع التصعيد وتأثيره على العلاقة مع دمشق.
وقال التمران إن هجوم "قسد" على الكيارية يحمل أبعادا داخلية كضغط تفاوضي لإعادة صياغة اتفاق 10 آذار، وخارجية كرد على "التهديدات التركية" وتراجع الدعم الأميركي.
وأشار إلى أن جناحا متشددا في "قسد" يرى الاتفاق تهديدا لمشروعه، مما يدفعها لتصعيد محدود لفرض شروط جديدة.
واعتبر أن رد الجيش السوري يحمل رسائل سيادية وردعا دون نية تصعيد، بينما تتجنب واشنطن استخدام أدوات ضغط مباشرة على "قسد" خشية الإخلال بالتوازن المحلي.
وأكد التمران أن "قسد" تسعى للحفاظ على استقلاليتها، لكن أي دمج يتطلب خطوات تدريجية وضمانات دولية متوازنة بين واشنطن وموسكو.
وفي السياق، ركّز الكاتب والصحفي السوري قحطان الشرقي على الانقسامات الداخلية في "قسد" وتأثيرها على تنفيذ اتفاق 10 آذار، وأوضح أن هناك توترات بين القيادات المختلفة داخلها، ولها تداعيات على العلاقة مع دمشق والقوى الدولية.
وقال الشرقي للجزيرة نت إن هناك انقساما واضحا داخل قيادة "قسد" بين تيار يدعم الاندماج بقيادة مظلوم عبدي وآخر مرتبط بقادة جبل قنديل يرفضه.
وأوضح أن عبدي وقّع الاتفاق تحت ضغط عسكري تركي ورغبة أميركية، بينما يسعى الطرف الآخر لعرقلته خوفا من فقدان دوره، معتبرا أن التصعيد الأخير يدل على هذا الانقسام، ومشيرا إلى أن مستقبل الاتفاق يعتمد على تفاهمات أميركية تركية.
واختتم بأن "قسد" أمام خيار الالتزام بالاتفاق أو مواجهة ضغوط متزايدة من تركيا وسوريا وحتى واشنطن.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات للجزیرة نت اتفاق 10
إقرأ أيضاً:
شرارة حرب في سوريا؟ اشتباكات عنيفة وقصف متبادل بين الجيش السوري و قسد في ريف حلب
تصاعد التوتر بشكل خطير في ريف حلب الشرقي، مع اندلاع مواجهات عسكرية واشتباكات بالأسلحة الثقيلة بين قوات الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر تعقيداً في الشمال السوري.
فقد أعلنت وزارة الدفاع السورية، مساء السبت، عن إحباط هجوم مباغت شنّته "قسد" على إحدى نقاط الجيش قرب قرية الكيارية في محيط منبج.
وذكرت الوزارة أن وحداتها صدت محاولة التسلل، مؤكدة أن العملية أسفرت عن إصابة أربعة جنود وثلاثة مدنيين، بعد تعرض القرية لقصف صاروخي مفاجئ.
وفي رد مباشر، شنّت قوات الجيش ضربات وصفتها بـ"الدقيقة" على مواقع إطلاق الصواريخ التابعة لـ"قسد"، مشيرة إلى أنها نجحت في تدمير راجمة صواريخ ومدفع ميداني في محيط مدينة مسكنة.
ويأتي هذا التصعيد بعد أيام من احتجاز "قسد" 11 عنصراً من الجيش السوري قرب دير حافر، قبل أن تُفرج عنهم بوساطة من وزارة الدفاع.
كما أفادت تقارير ميدانية بأن الطرفين عززا مواقعهما العسكرية، حيث دفعت "قسد" بتعزيزات من الرقة، في حين رد الجيش السوري بإرسال وحدات إضافية إلى المنطقة.
التطورات المتسارعة في هذا المحور الحساس تعيد إلى الواجهة هشاشة الاتفاقات السابقة بين دمشق و"قسد"، وتطرح تساؤلات حول مصير التفاهمات التي وُقعت قبل شهور بوساطات دولية لتوحيد الإدارة المدنية والعسكرية في الشمال الشرقي.
وفي ظل هذا الوضع المتفجر، يراقب المراقبون الموقف عن كثب، وسط تحذيرات من انزلاق المنطقة نحو جولة جديدة من الصراع قد تكون الأكثر تعقيداً منذ شهور.