غزة- وسط شقة صغيرة متفحمة وجدران متشققة، تتدلى منها الحجارة المهترئة، يجلس عبد الرحمن الجليس، الرجل الستيني، صامتا كمن يحمل فوق كتفيه أثقالا من الحزن والجوع والفقد.

في أقل من 3 أشهر، فقد الجليس ثلاثة من أصهاره (أزواج بناته) في وقائع متفرقة ولكنها جميعا مرتبطة بالجوع الذي يعاني منه قطاع غزة، وكانت النتيجة أن 14 طفلا تيتموا دفعة واحدة، وجاؤوا جميعا إلى حضن الجد، الذي بات يحمل أعباء لا طاقة له بها.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2من الاستعمار والصراعات القبلية إلى غزّة.. تاريخ التجويع كسلاح حربlist 2 of 2هآرتس: منظمة صهيونية كبرى تعترف بالإبادة في غزةend of list

ويبلغ إجمالي عدد أفراد العائلة التي يرعاها الجليس، بالإضافة إلى أحفاده الأيتام، 29 شخصا، يعيشون في الشقة شبه المهدمة التي اتخذها مأوى بعد أن دمر الاحتلال منازلهم في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة.

ورغم خطورة المكان وإمكانية سقوطه على ساكنيه، فإن الجد عبد الرحمن لم يجد مكانا أكثر أمانا ليستر فيه أبناءه وأحفاده، بعد أن أكلت الحرب أرزاقهم، ومزقت قلوبهم، وحرمتهم من المأوى والطعام.

ويقول للجزيرة نت "لا أقول نحن نعيش هنا، بل نحن نموت هنا، إذا حدث قصف مجاور تتساقط علينا بعض الحجارة من السقف"، ويشير إلى بعض أحفاده النائمين على الأرض ويقول "ينامون من شدة الجوع".

عزيزة زوجة الشهيد محمود حسونة تخبز حفنة صغيرة من الطحين لإطعام أطفالها (الجزيرة)فنجان عدس

وفي ركن الغرفة، كانت ابنته عزيزة تعجن قبضة من الطحين لم تكن تملأ كفيها، وضعتها في صحن معدني، وقالت بهدوء يشبه الاستسلام "سأخبز منه رغيفين أو ثلاثة، هذا كل ما لدي".

الحياة اليومية داخل الشقة تُختصر في مشهد متكرر: وعاء كبير من الماء، يُغلى فيه فنجان عدس وبعض الكركم، ويُوزع على 29 شخصا، هذا هو الطعام اليومي.

يقول الجد "نعرف أنه لا يشبع، لكنه يسكت الأطفال قليلا، بعض الأطفال ينام من شدة الإعياء، وبعضهم يبكي دون توقف".

وفي كل صباح ومساء، يتكرر المشهد: بكاء أطفال لا يفهمون السياسة ولا الحصار، يعتقدون أن الطعام موجود في الغرفة المجاورة، ووحده الماء والنوم صار ملاذهم الوحيد.

من شدة الجوع لا يجد الأطفال الأيتام سوى النوم للتخفيف من آلام غياب الطعام (الجزيرة)استشهد مغبرا بالطحين

نزح عبد الله الجليس، زوج لارا ابنة عبد الرحمن، مع أسرته من حي الشجاعية إلى غرب غزة بسبب تهديد القصف، وعندما اشتد التجويع ولم يعد في مأواه الجديد ما يسد رمق أسرته، قرر عبد الله أن يخاطر ويعود إلى منزله القديم ليجلب كيسين من الطحين كان قد خبأهما هناك.

إعلان

وفي يوم 20 أبريل/نيسان الماضي، وصل عبد الله مع شقيقه إلى المنزل، وفعلا حملا الكيسين، وفيما هما ينزلان إلى الشارع، باغتتهما طائرة مسيرة إسرائيلية، فأطلقت على كل منهما رصاصة في الرأس، وأردتهما شهيدين.

المشهد كان صادما، فقد سقط عبد الله مغبرا بالطحين، واختلط الطحين الأبيض بدمه الأحمر القاني، بينما بقي أولاده جائعين.

الجليس يرعى 14 من أحفاده الأيتام وأصغرهم (على اليمين) طفلة عمرها أسبوعان (الجزيرة) استشهد جائعا

أما أمجد أبو شقفة، زوج ابنته نادية، فكان يعيل أطفاله الثمانية وزوجته، إلى جانب والدته، بل وكان مسؤولا عن إعالة عائلتي شقيقيه المعتقلين لدى الاحتلال.

ومع اشتداد الحصار، حاول الحصول على مساعدات من منطقة "نتساريم" التي يسمح الاحتلال بتوزيع بعض المساعدات فيها، فبات هناك يومين كاملين، لكنه عاد بلا شيء.

حين رجع إلى البيت جائعا، طلب من زوجته شيئا يأكله، لكنها لم تجد له أي فتات، فذهب إلى والدته، ولم يجد شيئا أيضا، ليقرر في اليوم التالي العودة إلى "نتساريم" مجددا.

وفي 26 يونيو/ حزيران، تلقى الجد عبد الرحمن اتصالا من أحد أصدقاء صهره، أخبره فيه أن "أمجد كان بجانبي، جاءته رصاصة في رأسه، ومات".

استشهد أمجد جائعا، دون أن يجد ما يسد رمقه، أو يطعم به أولاده الذين ما زالوا حتى اليوم ينتظرون عودته بالطحين، ويسألون "ليش بابا ما رجع؟".

الأطفال لم يجدوا ما يسد جوعهم منذ أيام (الجزيرة)استشهد حاملا ملابس أطفاله

أما أقسى القصص فكانت قصة محمود حسونة، زوج عزيزة، الذي خرج في الأول من يوليو/تموز إلى "نتساريم" أيضا ليجلب ما يمكن من المساعدات، لكنه لم يحصل على شيء، فعاد جائعا وخائب الأمل لأطفاله، غير مدرك أن جيش الاحتلال قد أمر سكان منطقته بالنزوح الفوري.

بعد أن علم بأمر الإجلاء، بدأ يحمل ملابس أطفاله، وأثناء ذلك، باغتته قوات الاحتلال بصاروخ، فاستشهد على الفور، وتركت جسده يشتعل بالنار، وساقه مبتورة.

هنا تدخلت عزيزة، التي لم تخف، رغم أنها حامل في شهرها الثامن، وأقدمت وسط الرصاص والدخان، وسحبت زوجها وقدمه المبتورة من وسط اللهب، وحملته على "توكتوك" معطّل، وجرّته بيديها عبر شارع صلاح الدين نحو المستشفى المعمداني.

وهناك، قالت أمام الصحفيين "جمعت لحم زوجي واخترت أموت معه، ليش قتلوه؟ كان حامل ملابس أولاده، إيش عِمل؟".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات تجويع غزة عبد الرحمن عبد الله

إقرأ أيضاً:

استشهاد فلسطيني وإصابة جنديين في عملية طعن قرب رام الله – تفاصيل ما جرى

استشهد فلسطيني، صباح اليوم الثلاثاء، برصاص قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، بزعم تنفيذه عملية طعن قرب مستوطنة "عطيرت" شمال رام الله بالضفة الغربية المحتلة.

وأفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن الهجوم أسفر عن إصابة جنديين اثنين على الأقل، وذلك على الطريق السريع 465 قرب المستوطنة في منطقة "بنيامين".

وقدمت طواقم نجمة داود الحمراء العلاج اللازم للمصابين، قبل نقلهما إلى مستشفى "شيبا" في تل هشومير لاستكمال العلاج، فيما وصفت إصاباتهما بأنها طفيفة.

وأفاد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بأن القوات وصلت إلى نقطة قرب مستوطنة "عطيرت" عقب تلقي بلاغ عن وجود مشتبه به في المنطقة.

وخلال عملية تفتيش المشتبه، بحسب مزاعم المتحدث العسكري، حاول طعن الجنود المتواجدين في الموقع، الذين ردوا بإطلاق النار عليه، ما أدى إلى مقتله على الفور.

وقرر جيش الاحتلال محاصرة عدد من القرى الفلسطينية شمال رام الله، بعد تقديره أن منفذ عملية "عطيرت" قد خرج منها.

وتهدف هذه الإجراءات العسكرية إلى تحديد مكان المنفذ ومتابعة أي تحركات محتملة له داخل المنطقة، بحسب ما ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية.

ويعد هذا الهجوم الثاني في الضفة الغربية خلال أقل من عشر ساعات، في وقت تستمر فيه العملية العسكرية الواسعة في القرى الخمس بالمنطقة.

وأكدت المصادر أن قوات الاحتلال أطلقت النار على المنفذ فور وقوع الحادث لمحاولة السيطرة عليه وتحَييده، بحسب التقارير الإسرائيلية.

وفي سياق متصل، قامت قوات الاحتلال فجر الثلاثاء بتصفية منفذ عملية الدهس التي وقعت، أمس الإثنين قرب بلدة حلحول في مدينة الخليل، وأسفرت عن إصابة مجندة، وفق ما أفادت به إذاعة الجيش الإسرائيلي.

وأفادت القناة 12 الإسرائيلية نقلا عن مصادر أمنية بأن قوات الكتيبة 202 في جيش الاحتلال قامت، فجر الثلاثاء، بتصفية الفلسطيني الذي نفذ سابقاً عملية دهس شمال مدينة الخليل، والتي أسفرت عن إصابة مجندة إسرائيلية.

وأصيب مساء الإثنين مجندة إسرائيلية في عملية دهس وقعت قرب مستوطنة "كريات أربع" جنوبي الضفة الغربية المحتلة. ووفق بيان سابق لجيش الاحتلال، فقد حدثت العملية عند "مفترق يهودا" في منطقة الخليل، ونقلت المجندة المصابة إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين بالصور: الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية منفذ عملية الدهس قرب حلحول بالفيديو: اقتحامان لمستشفيين في الخليل الأونروا: أغلبية سكان غزة فقدوا القدرة الشرائية بشكل شبه كامل الأكثر قراءة ترامب يبدأ إجراءات تصنيف فروع من الإخوان المسلمين "منظمات إرهابية" أراضي 48: مقتل شابة بإطلاق نار في جت المثلث أبرز عناوين الصحف الفلسطينية الصادرة اليوم الثلاثاء استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس واحتجاز جثمانه عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • استشهاد فلسطيني وإصابة آخر في اعتداءات إسرائيلية جنوب شرق مدينة غزة ونابلس
  • استشهاد 3 فلسطينيين بينهم مصور صحفي في خروقات صهيونية لوقف النار
  • استشهاد صحفي بعد قصفه من مسيرة للاحتلال وسط خانيونس
  • استشهاد فلسطيني وإصابة جنديين اسرائيليين في عملية طعن قرب رام الله
  • أول تعليق من حماس على استشهاد منفذ عملية مستوطنة عطريت
  • استشهاد فتى وشاب برصاص الاحتلال في الخليل ورام الله
  • استشهاد شاب برصاص الاحتلال شمال رام الله
  • استشهاد فلسطيني وإصابة جنديين في عملية طعن قرب رام الله – تفاصيل ما جرى
  • بوتين: الخسائر الكبيرة التي تتكبدها أوكرانيا في القتال مأساة
  • من خلاف بسيط إلى مأساة كبرى.. قصة جنى التي هزت الشروق