حوار : فاطمة الحديدية -

يحظى البن بمكانة ثقافية واجتماعية في عمان؛ حيث يُعد إعداد القهوة وتقديمها من أركان الضيافة العمانية التقليدية، وعلى الرغم من التقدم السريع في كافة المجالات، لا يزال الإنسان العماني محافظًا على هوية وتراث تقديم القهوة العمانية. وقد أضاف انتشار محلات القهوة المختصة مؤخرًا زيادة في الطلب على شرب القهوة، بحيث أصبح الآن جزءًا لا يتجزأ من ثقافة الإنسان العماني المعاصر، بالإضافة إلى فوائدها الجمّة لاحتوائها على مضادات الأكسدة والفيتامينات والمعادن، ومساعدتها على خفض مستويات الكوليسترول.

ومن هنا بدأت انطلاقة شركة مزارع القهوة، «أول شركة عمانية متخصصة بزراعة القهوة في سلطنة عمان معتمدة من جمعية القهوة المختصة»، التي آمنت بتجسيد اندماج الإنسان العماني بالطبيعة، بإدارة الرئيس التنفيذي سعيد الوردي، ومدير عام المشروع عبدالله المفرجي، الذي سيأخذنا في رحلة إنتاج البُن، وبالأخص من نوع «أرابيكا» من عدة سلالات مختلفة.

«البدايات والفكرة»

كيف بدأت فكرة مشروع استزراع البن في جبل شمس عمان؟ وما الذي ألهمكم للبدء به؟

- بدأت فكرة المشروع من إيماننا بأن سلطنة عمان تمتلك مقومات طبيعية غنية وغير مستغلة بالشكل الأمثل، خاصة في المناطق الجبلية مثل جبل شمس وسلسلة جبال الحجر، التي تتمتع بارتفاع عالٍ ومناخ معتدل يشبه إلى حد كبير بيئة زراعة البن في دول مثل اليمن وإثيوبيا.

وما ألهمنا للبدء هو شغفنا بالقهوة أولًا، ورغبتنا في تقديم منتج عماني مميز يحمل هوية محلية عمانية حقيقية. بعد بحث ودراسة، اكتشفنا أن هناك فرصًا واعدةً لزراعة البن العربي في الجبال العمانية، فقررنا أن نكون أوّل من يضع حجر الأساس كشركة تجارية لهذه التجربة الرائدة، بهدف خلق قيمة اقتصادية وزراعية مستدامة في المنطقة.

واستندت دراستنا للمشروع إلى وجود بيانات لدى وزارة الزراعة والثروة الحيوانية، والتوجه العالمي للقهوة المختصة، باعتبار التوجه السابق يركّز على القهوة التجارية فقط وقيمتها محدودة.

وقمنا بمتابعة المزارعين الذين قاموا بتبني التجربة في سنة ١٩٩٨، ووجدنا عينة منها لا تزال شامخة ومنتجة للبن في جبل شمس، في مزرعة الوالد المرحوم علي الخاطري بمنطقة دار العقور بجبل شمس.

لماذا اخترتم البن تحديدًا، رغم صعوبة زراعته خارج موطنه التقليدي؟

- اختيارنا له لم يكن مجرد محصول زراعي؛ بل منتج ذو قيمة ثقافية واقتصادية عالمية. وندرك تمامًا أن زراعة البن تتطلب ظروفًا بيئية دقيقة، لكننا وجدنا أن بعض مناطق سلطنة عمان، خصوصًا جبل شمس، تملك خصائص طبيعية قريبة جدًا من الموطن الأصلي للبن، من حيث الارتفاع ودرجات الحرارة ونسبة الرطوبة.

وما شجّعنا أكثر هو شغفنا بالقهوة، ورغبتنا في أن يكون لعُمان موقعها على خارطة إنتاج البن العربي عالي الجودة عالميًا. نعم، الطريق ليس سهلًا، لكننا نؤمن أن المشاريع الرائدة تبدأ غالبًا من التحديات، وأن القيمة الحقيقية تكمن في خلق شيء استثنائي من بيئة محلية.

«تقنيات إنتاج البُن في ظل الموقع والظروف المناخية»

ما مميزات المنطقة التي اخترتموها لزراعة البن من حيث المناخ والتربة؟

- اخترنا جبل شمس لما يتمتع به من بيئة فريدة على مستوى سلطنة عمان؛ فالمنطقة تقع على ارتفاع يزيد عن 2000 متر فوق سطح البحر، وهذا الارتفاع يُعد من العوامل المثالية لزراعة البن؛ لأنه يساهم في إنتاج محصول عالي الجودة. من ناحية المناخ، تتميز المنطقة بدرجات حرارة معتدلة وتفاوت حراري كبير بين الليل والنهار، مما يسمح لحبوب البن بالنضج بشكل بطيء ومتوازن، وهو ما يمنح البن العماني المحلي طعمه الفريد ونكهته المميزة. أما التربة، فهي جبلية جيدة التصريف وغنية بالمعادن، مما يوفر بيئة مناسبة لنمو أشجار البن دون تعرضها للأمراض والآفات. كل هذه العوامل مجتمعة تجعل من جبل شمس بيئة مثالية لإنتاج بُن عماني محلي بمواصفات عالمية.

ما التحديات المناخية والبيئية التي واجهتموها في المشروع؟ وكيف تم التعامل معها؟ - من التحديات قلة المصادر المحلية بشتلات البن؛ حيث لم تكن هناك مصادر محلية كافية يمكن الرجوع إليها، فاعتمدنا على الاستفادة من التجارب الدولية، واستشارة خبراء من دول أخرى، وبدأنا بإجراء تجارب صغيرة قبل التوسع.

وكذلك من التحديات توفر الشتلات المناسبة: في البداية، كان من الصعب الحصول على شتلات بن تتناسب مع طبيعة المناخ الجبلي، فعملنا على استيراد أصناف مدروسة بعناية، وبدأنا بإنشاء مشتل خاص بنا لتكثير الشتلات محليًا.

كما أن التضاريس الجبلية تعد من الصعوبات التي واجهتنا؛ حيث إن طبيعة جبل شمس الصخرية كانت تحديًا في تهيئة الأرض، فقمنا بتقسيم الأرض إلى مناطق تُزرع تتابعيًا عبر مراحل زمنية، بالاستعانة بشركات استشارية.

وكذلك شح المياه حيث تُعد محدودية الموارد المائية تحديًا كبيرًا، خصوصًا أن شجرة البن تحتاج إلى ري منتظم، خاصة في المراحل الأولى. تعاملنا مع هذا التحدي باستخدام أنظمة ري بالتنقيط عالية الكفاءة، ونعمل حاليًا على دراسة جدوى إنشاء خزانات لتجميع مياه الأمطار.

كل هذه التحديات دفعتنا نحو البحث والتجريب، واليوم نقف على أرضية صلبة، ونؤمن بإمكانية تطوير زراعة البن في سلطنة عمان بشكل فعّال ومستدام.

حدثنا عن مدى تعاونكم مع خبراء أو جهات دولية في مجال زراعة البن؟- نحن فخورون بتعاوننا مع خبراء دوليين مجيدين، من أبرزهم المدرب علي الديواني، المدرب المعتمد لدى جمعية القهوة المختصة، والذي كانت لتوجيهاته الأثر الكبير في اختيار الشتلات وتقنيات الزراعة والتحميص والتقييم.

هذا التعاون أضاف قيمة علمية وعملية كبيرة للمشروع، وساعدنا على الارتقاء بمعايير الإنتاج، لنكون قادرين على المنافسة إقليميًا وعالميًا. كما تلقينا دعمًا من وزارة الزراعة والثروة الحيوانية، التي آمنت بالفكرة، وأتاحت لنا تأجير الأرض الزراعية في الجبل.

«التسويق والاقتصاد»

كيف يتم تسويق البن المزروع محليًا؟ وهل توجد نية للتصدير؟

- نسعى إلى إيجاد نموذج زراعي مستدام يعزز الأمن الغذائي في سلطنة عمان، عبر تطوير البن المحلي بجودة عالية تلبي احتياجات السوق. بدأنا بتسويق المحصول محليًا تحت اسم «محمصة بن المدر»، وهو مصنع مختص بالقهوة المختصة في عمان.

وبالطبع، لدينا نية للتوسع والتصدير؛ إذ نؤمن بأن البن العماني يتمتع بجودة عالية تؤهله للمنافسة عالميًا، خاصة مع تزايد الطلب على المنتجات الفريدة المزروعة بطريقة صحية وآمنة.

* ما توقعاتكم عن إقبال السوق العماني مستقبلًا على البن المحلي مقارنة بالمستورد؟

- نتوقع زيادة الإقبال على البن المحلي بمرور الوقت، مع وعي المستهلكين بأهمية دعم المنتج الوطني وجودته. القهوة المزروعة هنا تحمل نكهة وروحًا تختلف عن المستورد، وهذا ما يفضله عشاق القهوة الباحثون عن تجربة فريدة.

سهولة الوصول إلى المنتج المحلي واستمرارية توفره، بالإضافة إلى الجودة العالية والتخزين المحلي، تجعل من المنتج منافسًا حقيقيًا. كما يسهم دعم المنتجات المحلية في تعزيز الاقتصاد وإيجاد فرص عمل جديدة.

ما رؤيتكم في إسهام المشروع في التنوع الاقتصادي لعمان؟- نؤمن أن مشروع زراعة البن يمثل إضافة نوعية للتنوع الاقتصادي، ويتماشى مع «رؤية عمان 2040» التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط وتعزيز القطاعات الإنتاجية.

ويسهم المشروع في إيجاد فرص عمل بالمناطق الجبلية، وتعزيز سلاسل القيمة المضافة المرتبطة بالقهوة. كما يسهم في رفع كفاءة الموارد وتحفيز الابتكار الزراعي، ويعزز مكانة عمان في الأسواق الدولية.

ما خططكم لمستقبل زراعة البن في عمان خلال السنوات العشر القادمة؟

- نخطط لتوسيع المساحات المزروعة، وتحسين تقنيات الزراعة والري، وتعزيز البحث العلمي لتطوير أصناف مقاومة للمناخ. نطمح لجعل زراعة البن ركيزة في الاقتصاد الزراعي، تساهم في تحقيق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القهوة المختصة زراعة البن سلطنة عمان البن فی جبل شمس

إقرأ أيضاً:

باحثة بجامعة الملك سعود تروي قصة ابتكارها ضمادات طبية باستخدام البن الخولاني

روت بثينة الصغير، الباحثة في جامعة الملك سعود، قصة ابتكارها ضمادات طبية باستخدام البن الخولاني.

وأضافت، بمداخلة لقناة الإخبارية، أن الفرص العلمية تأتي أحيانا من البيئة المحيطة بالباحث، وأظهرت أستاذتي حالة فضول عندي بشأن إمكانية تطبيق تلك الفكرة.

وأكملت، أن الفكرة بدأت بملاحظة علمية بحتة أثناء عملي على دراسة التركيب الكيميائي للبن الخولاني وتأثيره على أنواع من البكتيريا وتبين إحدى أنواع البكتيريا الشديدة المقاومة للمضادات الحيوية تأثرت بقوة بهذا البن، فوظفناه في تطبيق علاجي وصولا إلى الضمادات الطبية.

بثينة الصغير باحثة في جامعة الملك سعود تبتكر ضمادات طبية باستخدام البن الخولاني#برنامج_120 | #الإخبارية pic.twitter.com/4e96RFGJAp

— قناة الإخبارية (@alekhbariyatv) August 2, 2025 جامعة الملك سعودأخبار السعوديةآخر أخبار السعوديةقد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • إطلاق مبادرة لتعزيز التنمية الزراعية والسياحة البيئية في عسير
  • إطلاق أول مشروع لتحويل النفايات إلى طاقة في سلطنة عمان
  • شهيدان بقصف الاحتلال بركسًا زراعيًا جنوب جنين
  • شهيدان بقصف بركس زراعي جنوب جنين
  • باحثة بجامعة الملك سعود تروي قصة ابتكارها ضمادات طبية باستخدام البن الخولاني
  • للمناطق الغامقة.. ماسك القهوة للتفتيح السريع
  • تدشين زراعة ألفي شتلة سدر في الحديدة ضمن مشروع المحميات النحلية
  • مشروع مسام يعلن عن كمية الألغام التي انتزعها في اليمن منذ انطلاقته وحتى نهاية يوليو المنصرم
  • احذر شرب القهوة مع هذه الفيتامينات.. أضرار تهدد جسمك