رصاص بارد في نص ساخن: حين يُكتب قانون التظاهر برائحة النوايا السياسية
تاريخ النشر: 5th, August 2025 GMT
5 أغسطس، 2025
بغداد/المسلة: تمضي السلطة التشريعية في العراق بمحاولة جديدة لرأب الصدع المزمن بين النصوص القانونية وواقع الحريات المهدورة، وذلك عبر التعديلات الجوهرية التي أعلنتها لجنة حقوق الإنسان النيابية على مشروع قانون “حرية التعبير”. فبينما كانت النسخة الحكومية من القانون مثقلة بالقيود والتجريم، وفق نواب، بدت نسخة اللجنة البرلمانية محاولة لخلق توازن بين النظام العام وحرية التظاهر، بين هيبة الدولة وحق المواطن.
وانطلقت التعديلات من نسف المفهوم الأكثر إثارة للجدل: شرط الموافقة المسبقة للتظاهر، الذي يُعد في أعراف القانون المقارن، أداة كلاسيكية لتكميم الأفواه وتقويض الحق الدستوري في الاحتجاج السلمي. واستُبدل هذا الشرط بإشعار إداري بسيط، مما يعكس تحوّلاً باتجاه مدرسة “التنظيم لا التقييد”، وهو ما يتماهى مع المبادئ الديمقراطية التي طالما افتقر لها المشهد التشريعي العراقي، حسب ما يقوله نواب.
واتجهت اللجنة إلى تفكيك الحقول الرمادية في النص الحكومي، عبر حذف تعابير مبهمة كـ”الإخلال بالآداب” أو “النظام العام”، التي طالما استخدمت كأدوات قمع قانوني، تُؤوّل بما يتفق مع المزاج الأمني لا المصلحة الدستورية. كما تم إلغاء العقوبات الجزائية المشددة، وهو إجراء يشير إلى نزعة إصلاحية نحو قانون مدني لا عقابي في تنظيم الحق بالتظاهر.
وأُضيفت نصوص نوعية غير مسبوقة، كتحويل التظاهرة إلى اعتصام، وتجريم استخدام الرصاص الحي، وضمان الحماية القانونية للصحفيين، وهي مكتسبات تضع المشروع في خانة القوانين الحقوقية لا السلطوية.
غير أن المفارقة المربكة، أن هذا النص المُخفّف والمنقّى وُوجه برفض من بعض المنظمات، ما اعتبره رئيس اللجنة ارشد الصالحي نتيجة “لضغوط سياسية” أو لمواقف مُسبقة لا تقرأ النصوص بل تُحاكم النوايا.
ويتضح أن الرفض لم يكن رفضاً للمحتوى بقدر ما كان رفضاً للسياق السياسي، إذ يبقى التنازع بين السلطة والمعارضة قائماً حتى في فضاء التشريعات، ويتحول القانون من أداة تنظيم إلى ساحة صراع رمزي.
واللافت أن الصالحي أعاد التذكير بسيناريوهات دامية، كضحايا تشرين الذين لم يُعترف بهم “شهداء”، في محاولة لاستحضار مشروعية هذا التشريع باعتباره استباقاً قانونياً لفوضى قادمة إن بقيت الساحات بلا ضابط قانوني.
ويبقى القرار الأهم في نهاية المطاف هو سحب المشروع مؤقتاً، مراعاةً للرأي العام ومراهنة على إعادة صياغته في توقيت أكثر نضجاً سياسياً، لكنه سحب لا يخلو من رسائل مضمَرة بأن الدولة إن لم تُشرعن الاحتجاج، ستظل رهينة الرصاص الغامض والطرف الثالث.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
رفض نيابي لإتفاقية الاستثمار بين العراق والسعودية
آخر تحديث: 5 غشت 2025 - 3:22 م بغداد/ شبكة أخبار العراق- أكد رئيس كتلة حقوق النيابية سعود الساعدي، اليوم الثلاثاء، أن قانون تصديق اتفاقية التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمار بين العراق والسعودية منح امتيازات استثنائية وحصرية للجانب السعودي على حساب العراق.وقال الساعدي، في حديث صحفي، إن “الجانب العراقي لن يُعامل بالمثل ولم تُمنح له الاستثناءات ذاتها”، مبيناً أن “الاتفاقية، في حال حصول خلاف بين الطرفين، تتيح اللجوء إلى المحاكم العربية والدولية”.وحذر من “شبهات واحتمالات غسيل أموال”، ضمن هذا الملف، مشيراً إلى أن الاتفاق سيمكن الجانب السعودي من التحكم بأصول عراقية، تشمل أراضي ومياهاً، إضافة إلى تفاصيل تتعلق بحرية التصرف بمساحات كبيرة من الأرض وغيرها من القضايا التي لم تخضع لأحكام قانون الاستثمار أو قانون حماية المستثمر الأجنبي.وأشار الساعدي، إلى أن “أعضاء في مجلس النواب جمعوا أكثر من 50 توقيعاً لرفض إدراج القانون على جدول الأعمال أو المطالبة برفعه”، مؤكداً تقديم كتاب رسمي إلى “رئيس مجلس النواب للمطالبة بإعادة مشروع القانون إلى الحكومة”.يشار إلى أن جلسة البرلمان المقررة اليوم الثلاثاء، شهدت خلافات بين الكتل السياسية بشأن عدد من القوانين، أبرزها اتفاقية الاستثمار مع السعودية وتعديل قانون تعادل الشهادات، في ظل حضور نيابي لم يتجاوز 140 نائباً، ما عرقل التصويت على بعض المشاريع المدرجة ضمن جدول الأعمال.