الهيمنة الرقمية: المعادن والطاقة والبيانات في سباق السيطرة على الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 6th, August 2025 GMT
أبوظبي – الوطن:
كشفت دراسة حديثة صادرة عن مركز تريندز للبحوث والاستشارات أن التحولات الجيوسياسية في عصر الذكاء الاصطناعي لم تعد تقتصر على التفوق التقني أو البرمجي، بل امتدت إلى السيطرة على البنى التحتية المادية، مثل أشباه الموصلات، ومراكز البيانات، والمعادن النادرة، وكابلات الألياف البحرية، التي أصبحت أدوات حاسمة لإعادة صياغة موازين القوى العالمية.
وحذرت الدراسة، التي حملت عنوان “ملامح التحولات الجيوسياسية في عصر الذكاء الاصطناعي.. من الشيفرة إلى السيطرة” من أن الاعتماد المتبادل بين الدول في سلاسل التوريد التقنية يخلق نقاط اختناق استراتيجية، تستغلها القوى الكبرى كأدوات ضغط سياسي واقتصادي. وأبرزت أن الصين تهيمن على تكرير المعادن النادرة بنسبة 70-90%، بينما تتركز صناعة الرقائق الإلكترونية المتقدمة في تايوان وكوريا الجنوبية، ما يعرض الإمدادات العالمية لخطر الاضطرابات الجيوسياسية.
وأشارت الدراسة التي أعدها مكتب تريندز الافتراضي في ألمانيا، إلى أن مراكز البيانات، التي تستهلك طاقة هائلة، قد تصل إلى 9.1% من الاستهلاك الوطني الأمريكي بحلول 2030، مما يزيد الضغط على موارد الطاقة ويطرح تحديات الاستدامة. كما سلطت الضوء على هشاشة كابلات الألياف البحرية التي تنقل 95% من بيانات العالم، بعد أن كشفت تقارير عن تهديدات متعمدة لقطعها، كما حدث في حادثة البحر الأحمر 2024.
وتوقعت الدراسة أن يتشكل “نظام دولي رقمي مزدوج” بين كتلة غربية تقودها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكتلة شرقية بزعامة الصين وروسيا، مع بروز دور للدول المتوسطة، مثل الإمارات والهند، في إعادة تشكيل الخريطة الرقمية.
وبينت الدراسة أن الهيمنة على الذكاء الاصطناعي لم تعد تُقاس بالقدرات الخوارزمية فقط، بل بالسيطرة على الموارد الحيوية مثل الطاقة والمياه والمعادن، مما قد يؤدي إلى “طبقية رقمية” جديدة تزيد التفاوت بين الدول. ودعت إلى ميثاق عالمي يحكم توزيع موارد الذكاء الاصطناعي بشكل عادل، مع تأكيدها أن المستقبل سيكون لمن يمتلك البنية التحتية لا البرمجيات فحسب.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي وعصر الفراغ القادم
مؤيد الزعبي
عندما يصبح الذكاء الاصطناعي هو المهيمن والمحرك الأساسي للاقتصاد، ومع تحوّل اقتصادنا تدريجيًا إلى اقتصاد بلا بشر، سنصل في نهاية المطاف إلى عصر من الفراغ، فراغ لا يشبه البطالة التي عرفناها سابقًا، بل هو فراغ وجودي، حيث لا دور نؤديه ولا حاجة لنا في عجلة الإنتاج بعد أن كنا منهمكين في اللهاث اليومي بين العمل والمسؤوليات، سيصبح الوقت متاحًا بشكل ممل، أكثر مما يُحتمل، وفي خضم هذا التغيّر العميق تُطرح أسئلة جوهرية: ما الذي يعطي حياتنا المعنى إذا لم نعد ننتج؟ ماذا سيحدث للعلاقات الاجتماعية عندما تُنتزع الحاجة للعمل الجماعي؟ وما هو مصير الطبيعة البشرية التي تشكّلت عبر آلاف السنين في بيئة من التحدي والبقاء والكدّ والتعب؟
عزيزي القارئ بعد هذه المقدمة يبرز الآن السؤال الأهم هل الفراغ الوجودي: نعمة أم لعنة؟ لطالما حلمنا نحن البشر بزمن لا نضطر فيه للعمل لنكسب قوت يومنا، لكن لم نكن نتصور أن ذلك قد يتحقق على يد "عقل" غير بشري وأقصد هنا الذكاء الاصطناعي أو حتى الروبوتات، ومع تحقق هذا الحلم يتضح أنه أقرب إلى كابوس وجودي، صحيح أنه في عصر الذكاء الاصطناعي سنتحرر نحن البشر من عبء الوظيفة، لكن هذا سيفقدنا الإحساس بالقيمة الذاتية المرتبطة بالعطاء والإنجاز.
في هذا السيناريو سيصبح الفراغ قاتلًا ليس لأنه مجرد وقت زائد، بل لأنه وقت بلا معنى، وبلا غاية، فالفراغ ليس فقط غياب العمل، بل غياب الحاجة إلينا وحين يشعر الإنسان بأنه غير "مطلوب"، يبدأ بالانحدار في شعور باللاجدوى، وقد يتحول هذا الشعور إلى قلق أو اكتئاب أو حتى إلى موجات من العنف الذاتي أو الاجتماعي، هل أنت متخيل كيف سيكون الفراغ قاتلًا ومرعبًا.
إذا أردنا أن نفهم الأمر بشكل أدق فعلينا أن نتفق بأن العمل بالنسبة لنا سواء وظيفة أو ريادة أعمال أو حتى حرفة لم يكن فقط مصدر دخل، بل كان أيضًا نسيجًا اجتماعيًا يربط بين الناس، علاقات وصداقات تنشأ في مواقع العمل وتصبح أنت جزءا من عائلة أو مجتمع أكبر تتشارك معهم تقريبًا نفس الظروف، وتتعاون معهم وتبني ثقة، وحتى تحديات العمل ومشقته تُشعرك بأن هناك تحديا وإنجازا، وفي غياب ذلك تتعرض العلاقات الاجتماعية للتآكل، وسنصبح نعاني الوحدة والفراغ القاتل.
الأمر أوسع وأعقد من بيئة العمل، فعندما يعتمد كل فرد على آلاته الذكية لتلبية حاجاته، سيقل الاحتكاك البشري، تخيّل مجتمعًا غارقًا أفراده في عزلة افتراضية، يتحدثون إلى مساعدات رقمية أكثر مما يتحدثون إلى بعضهم البعض، يشكون همومهم ومشاكلهم لبرمجيات لا تحس ولا تعقل، وبالنسبة لي لا أستبعد أن يصبح "الذكاء الاجتماعي" مهارة نادرة قد تكون فريدة في مجتمع يعاني ويعيش العزل كعادة جماعية لا مهرب منها.
الطبيعة البشرية مبنية على التطور من خلال التحدي، فمنذ أن كنا صيادين وجامعي ثمار في عصورنا الحجرية والجليدية شكلت الحاجة دافعًا للنمو والتطور، وحتى في العصور الحديثة فالمنافسة والمعاناة كانتا وقودًا للإبداع والاختراع، وبالتالي في عصر يزال فيه التحدي، ويقل فيه الضغط تتآكل هذه الطبيعة، ويصبح الإنسان لا دافع له لا للتطور ولا للتطوير وبالتالي الفراغ الذي نحلم فيه سيكون كابوسًا لا يمكن التعايش معه.
ربما تساءلت في سطور سابقة عن سؤال مهم، ولكن الآن أتساءل تساؤلًا فلسفيًا، هل نستطيع نحن البشر التكيّف مع عالم بلا حاجة وبلا ألم وبلا نقص، أم أننا سنعيد خلق المعاناة لأننا لا نستطيع العيش دونها؟ وما أخاف منه حقيقة أن تظهر أنماط جديدة من "التحديات المصطنعة" مثل الألعاب الافتراضية أو الرحلات الفضائية أو حتى خلق معاناة بوسائل تقنية خداعة، وتبقى ما هي إلا محاولات للهرب من الواقع الجديد: واقع بلا ضرورة حقيقة محفزة، صحيح أن المعاناة صعبة وأن العمل فيه مشقة، ولكن الفراغ أصعب من كل هذا، ومهما حاولنا خداع أنفسنا إلا أن طبيعتنا البشرية ستعاني وستجعلنا نعاني حال غيابها.
قد يقول قائل بأنه لن يكون أمامنا إلا خيار واحد؛ إعادة تعريف الإنسان، فالبعض يرى أنه لم يعد الإنسان ذلك الكائن المنتج، بل عليه أن يصبح كائنًا مُتأملًا، مبدعًا، ولكن أنا شخصيًا ضد هذا التوجه، فذلك سيتطلب تحولات ثقافية وفلسفية عميقة لا يمكن المراهنة عليها خصوصًا وأن الذكاء الاصطناعي سيتوفق علينا في الإبداع والتأمل، وبالتالي لن يكون لنا مكان في ذلك حتى، ولذلك نحن فعلًا أمام معضلة أنصاف الحلول بها كارثة.
الحديث عن عصر ما بعد العمل ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة واقعية علينا الاستعداد لها، فالذكاء الاصطناعي لن يسلبنا فقط وظائفنا، بل سيفرض علينا مراجعة تعريفنا لذواتنا، فهل نكون حين لا نعمل، وهل نستطيع أن نحب، ونتفاعل، وننتمي في غياب الحاجة؟ أشك في ذلك، عزيزي القارئ، ما يبدو في الظاهر تحررًا، قد يكون أعظم اختبار لإنسانيتنا عندما يصبح الفراغ سمًّا قاتلا يهدد وجودنا، ولا تسألني عن الحل فالحل قد يكون صعبًا، ولكن ما هو مهم أن نبني ذكاء اصطناعيا هدفه الأساسي دمج البشر لا إقصاؤهم حينها ربما يكون الفراغ مساحة إضافية لحياتنا نشكل من خلالها توازنًا لعلاقاتنا ولإبداعاتنا، بدلًا من جعل الفراغ قاتلًا لإنسانيتنا وهادمًا لبشريتنا.
رابط مختصر