جريدة الوطن:
2025-08-01@16:29:35 GMT

آفاق بريكس

تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT

حَظِيَتِ القمَّة الخامسة عشرة لمجموعة بريكس في جنوب إفريقيا بتغطية أوسع من سابقاتها في الصحافة العربيَّة، وهذا أمْرٌ مفهوم مع قرار المجموعة قَبول عضويَّة ثلاث دوَل عربيَّة مطلع العام القادم. وقرار توسيع عضويَّة المجموعة مُهمٌّ في حدِّ ذاته؛ لأنَّه يأتي بعد أكثر من عقْدٍ على المرَّة الوحيدة التي ضمَّت إليها عضوًا جديدًا.

فقَدْ تأسَّس تجمُّع دوَل الاقتصادات الصاعدَّة عام 2009 من أربع دوَل هي البرازيل وروسيا والهند والصين، والتي يتكوَّن اسم المجموعة من الأحرف الأولى لتلك الدوَل. وفي العام التَّالي ضمَّت إليها جنوب إفريقيا؛ كَيْ تتمثلَ في المجموعة القارَّات الثلاث غير أوروبا وأميركا الشماليَّة. حتَّى في قرار التوسُّع الأخير راعت المجموعة تمثيل القارَّات الثلاث: السعوديَّة وإيران والإمارات من آسيا ومصر وإثيوبيا من إفريقيا والأرجنتين من أميركا اللاتينيَّة. أمَّا المغالاة في التحليل والتعليقات على القمَّة، حتَّى في بعض صحافة الغرب وليس العرب فقط، فلَمْ تتعلق بتجمُّع بريكس وأعضائه أكثر ممَّا كانت حَوْلَ منافسة أميركا والغرب.
تردَّد قَبل القمَّة أنَّها ستبحث إصدار عملة لدوَل المجموعة على غرار اليورو للاتِّحاد الأوروبي، لكنَّها مدعومة بالذَّهب وذلك للتخلِّي عن استخدام الدولار الأميركي. وبلغ الشَّطط مبلغه لدى البعض بأنَّ تلك ستكُونُ «نهاية الدولار» الذي يتربَّع على عرش النظام المالي العالَمي منذ أكثر من نصف قرن. ورغم أنَّ الدولة المُضيفة نفَتْ أن يكُونَ إصدار عملة موَحَّدة للمجموعة محلَّ مناقشة، إلَّا أنَّ التحليلات لَمْ تتوقف. وبُنيت استنتاجات على مناقشة القمَّة التبادل فيما بَيْنَ أعضائها بالعملات المحلِّيَّة باعتبارها «ضربة قويَّة للدولار» مع أنَّ دوَل المجموعة لدَيْها منذ سنوات نظام مدفوعات للتعامل فيما بَيْنَها بالعملات المحلِّيَّة دُونَ حاجة لحسْمِ سعر الصَّرف على أساس الدولار. حتَّى «بنك التنمية الجديد» الذي أسَّسته بريكس عام 2014 لِيكُونَ بديلًا للمؤسَّسات الدوليَّة التي تهيمن عليها أميركا كالصندوق والبنك الدوليَّيْنِ ما زال التعامل بالدولار يُشكِّل القَدْر الأكبر من محفظته الائتمانيَّة، ولا تتجاوز القروض بالعملات المحلِّيَّة خمس ما يقَدِّمه للدوَل الأعضاء. صحيح أنَّ دوَلًا كثيرة حَوْلَ العالَم، وليس ضِمْن مجموعة «بريكس» فحسب، تحاول التخلِّي عن الدولار في تعاملاتها التجاريَّة، بل وتقلِّل نصيب العملة الأميركيَّة من احتياطيَّاتها الأجنبيَّة، خصوصًا بعدما فعلته أميركا ضِمْن العقوبات على روسيا بسبب الصراع في أوكرانيا. فتجميد الأصول الخارجيَّة الروسيَّة بالدولار جعل أغلب الدوَل تتخوَّف من احتمال تعرُّضها لذلك في أيِّ لحظة إذا لَمْ ترْضَ واشنطن عَنْها. لكن نهاية عصر الدولار لا يزال بعيد المنال حاليًّا.
لا تقتصر أهمِّية الحديث عن عملة موَحَّدة لـ»بريكس» أو تبادل دوَلها بالعملات المحلِّيَّة للابتعاد عن استخدام الدولار على موقف من الولايات المُتَّحدة. إنَّما هي كُلُّها في سياق تصوُّر تكتُّل «بريكس» كمنافس موازٍ لتجمُّعات تغْلب عليها دوَل الغرب مِثل دوَل مجموعة السَّبع الغنيَّة أو حتَّى تجمُّع دوَل العشرين. مع أنَّ التكتُّل الأخير قصدت به الدوَل الغنيَّة ضمَّ دوَل صاعدة لتوسيع قاعدة تحالف اقتصادي عالَمي لا يقتصر على دوَل الغرب الغنيَّة فقط. لكنَّ الانطباع السَّائد، ليس في عالَم الجنوب النَّامي، وإنَّما حتَّى في الشَّمال الغنيِّ هو أنَّ كُلَّ تلك التجمُّعات ما هي إلَّا أدوات لضمان استمراريَّة الهيمنة الأميركيَّة كقوَّة عظمى متفرِّدة وقطب وحيد في العالَم، بَيْنَما هناك توجُّه متنامٍ لأنْ يصبحَ العالَم «متعدِّد الأقطاب». تَقُودُ هذا التوجُّه بالطبع الصين، ومعها روسيا والبرازيل. أمَّا الهند فموقفها مختلف، ليس من تعدُّديَّة الأقطاب ولكن من أن تسلِّمَ زمام القيادة في هذا المنحى لمُنافِستها الصين. وربَّما ترى الهند أنَّ تجمُّع دوَل العشرين، الذي تترأَّس دَوْرته الحاليَّة وتستضيف قمَّته في سبتمبر وتشترك معها فيه الصين، هو نموذج أمثل للتعدُّديَّة القطبيَّة في إدارة شؤون العالَم. وبالتَّالي من الصَّعب تصوُّر أن يُشكِّلَ تجمُّع «بريكس»، وتحديدًا مع توسيع عضويَّته، قطبًا متماسكًا في عمليَّة مستمرَّة لتشكيل عالَم متعدِّد الأقطاب. حتَّى فكرة المنافسة الاقتصاديَّة لا تبدو أساسًا لمناوأة أميركا والغرب. فأغلب تلك الاقتصادات الصَّاعدة تعتمد بشكلٍ كبير على التبادل التجاري مع أميركا والغرب، ولا يتحمل اقتصادها خسارة أسواقها. ولعلَّ العقوبات على روسيا والضغط والقيود على الصين خير شاهد على حاجة «بريكس» وأعضائها المؤسِّسين للتعامل أكثر مع أميركا والغرب.
تبقى أهمِّية تجمُّع «بريكس»، وخصوصًا مع بدء توسيع عضويَّته، في التعاون ما بَيْنَ الدوَل الصَّاعدة فيما بَيْنَها وربَّما علاقتها بشركائها التجاريين حَوْلَ العالَم. بالطَّبع سيظلُّ التوجُّس من أنَّ الصين، باعتبارها الأقوى في بريكس، ربَّما تريد استغلال التجمُّع لمصلحتها الاستراتيجيَّة، سواء داخل دوَل الجنوب أو في صراعها الاستراتيجي مع الشمال وتحديدًا أميركا والغرب. وربَّما يتطلب الأمْرُ من القيادة الصينيَّة التعامل في اتِّجاهين. الأوَّل هو حلُّ خلافاتها مع الهند وإزالة أسباب أيِّ قلق محتمل من نفوذها لدى الأعضاء الآخرين. والثاني الاستمرار في دَوْرها الإيجابي في الجنوب، ليس اقتصاديًّا فقط بزيادة مساهماتها التنمويَّة في البُلدان التي تحتاجها في القارَّات الثلاث، وإنَّما أيضًا بجهد دبلوماسي مِثل ذلك الذي أسْهمَ في المصالحة بَيْنَ إيران والسعوديَّة. كُلُّ ذلك مرهون بالطَّبع بوضع الصين الداخلي من ناحية وقُدْرتها على إصلاح المشاكل التي يعاني مِنْها ثاني أكبر اقتصاد في العالَم، وكذلك بعلاقة الصين بأميركا والغرب.

د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
[email protected]

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: العال م ما ب ی ن الدو ل

إقرأ أيضاً:

شراكة وتعاون بحثي بين «تريندز» و«تركيا اليوم»

أبوظبي (الاتحاد)

وقّع مركز تريندز للبحوث والاستشارات، عبر مكتبه في تركيا، اتفاقية تعاون بحثي مع صحيفة «تركيا اليوم» (Turkiye Today)، المنصة الإخبارية البارزة الناطقة بالإنجليزية، وذلك بهدف دعم التبادل المعرفي، وتطوير مشاريع فكرية مشتركة، وتعزيز شراكاته الدولية.
وقّع الاتفاقية «عن بُعد»، عبر تقنية زووم، كلٌّ من الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، فيما مثّل «تركيا اليوم» رئيس تحريرها السيد عثمان بهاتين ديرليك، بحضور عدد من مسؤولي الجانبين.
وتهدف الاتفاقية إلى تنمية آفاق التعاون في مجالات البحث والتحليل وتبادل المحتوى، إلى جانب دعم المبادرات المشتركة ذات الطابع الفكري والمعرفي، بما يعكس حرص الطرفين على تطوير خطاب إعلامي وبحثي متوازن ومستنير، يعالج القضايا العالمية برؤية تحليلية معمّقة. وتأتي هذه الاتفاقية في سياق استراتيجية «تريندز» لبناء شراكات بحثية نوعية مع مؤسسات دولية مرموقة، بما يُسهم في تعزيز دائرة البحث العلمي عالمياً.
وأكد الجانبان، خلال مراسم التوقيع، أهمية هذا التعاون في فتح آفاق جديدة للحوار المعرفي والتفاعل البحثي، مع التركيز على إنتاج دراسات ومحتوى إعلامي عالي الجودة يدعم مسارات التنمية والاستقرار، واستشراف المستقبل، وإنتاج المعرفة.

أخبار ذات صلة الباراغواي تمنح سفير الإمارات وسام الاستحقاق الوطني «الاتحاد لحقوق الإنسان» تشيد بدور الإمارات في مكافحة الاتجار بالبشر

مقالات مشابهة

  • شبكة بريكس: الإمارات تتصدر قائمة الدول الأكثر استيرادا من زيمبابوي خلال يونيو الماضي
  • برلماني: مصر تسابق الزمن لدعم غزة
  • رضا عبد العال: أزمة في حراسة مرمى الأهلي.. وريبيرو يثق في شوبير
  • رضا عبد العال: غرفة ملابس الأهلي انفجرت.. زيزو دخل برجله الشمال
  • رضا عبد العال يسخر من صفقات الزمالك الصيفية
  • ترامب يهدد برسوم جمركية على مشترين نفط روسيا وسط تحديات دول بريكس
  • الحسيني يبحث مع سفراء دول أمريكا اللاتينية والكاريبي تعزيز التعاون مع المجموعة
  • الخارجية تبحث مع الجانب العراقي آفاق التعاون المشترك
  • الضرائب: نمو الحصيلة 35% بدون فرض أعباء جديدة أو تغيير في الأسعار
  • شراكة وتعاون بحثي بين «تريندز» و«تركيا اليوم»