لجريدة عمان:
2025-12-14@04:25:40 GMT

الفلسفة وأفلام الغرب الأمريكي

تاريخ النشر: 12th, August 2025 GMT

الفلسفة وأفلام الغرب الأمريكي

ماذا لو عدنا إلى مشاهدة الأفلام الكلاسيكية، بدلًا من مشاهدة المسلسلات التلفزيونية بشراهة ونحن نتمدّد فوق أرائكنا، في هذا القيظ الشديد، وتحت المكيفات، كي نحولها – هذه الأفلام – إلى موضوعات فلسفية عميقة على الرغم من سطحيتها الظاهرة في أحيان كثيرة؟ ومن سيصدق أيضا أن الفلسفة في مسلسلات مثل «أصدقاء» أو «صراع العروش» أو «رجال مجانين» تأتي على القدر الفلسفي عينه فيما لو كنّا نقرأ لودفيغ فيتجنشتاين؟ مهما كان عليه أمر الأسئلة السابقة، إلا أنني أقرّ باتفاقي مع كتاب روبرت بيبين – «الفلسفة السياسية في أفلام الويسترن.

إبهام الأسطورة الأمريكية» – على أن بعض الأفلام الهوليوودية الكوميدية كما «أفلام الويسترن» (أفلام الغرب الأمريكي) تتضمن قراءات فلسفية، تقريبًا كما لو كنّا نقرأ أعمال كانط أو هيجل.

روبرت بيبين مفكر أمريكي ينتمي إلى الخط الهيغلي في الفلسفة؛ إذ يعتقد أن مهمتها الأولى تكمن في فهم تحقيق الفكرة في أشكال التاريخ والفن والثقافة. لذلك، بالإضافة إلى شروحاته على المثالية الألمانية، كرّس نفسه لتحليل الأدب («هنري جيمس والحياة الأخلاقية الحديثة»)، والأفلام السوداء في كتابه «القدرية في الأفلام السوداء الأمريكية» [الفيلم الأسود هو الفيلم البوليسي كما فيلم الجريمة] و«أفلام هيتشكوك»، كذلك أفلام الغرب الأمريكي الذي يجمع فيه عددا من مقالاته حول هذا النوع، والتي لا يمكن اعتبارها إلا من أكثر المقالات أصالةً وثراءً في مجال فلسفة السينما.

عندما نتناول فلسفة السينما، لا يكفي فرض مفاهيم فلسفية على الأفلام، كما فعلنا مع أفلام إيريك رومر مثلا، أو القول، كما فعل الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز، إن السينما بحدّ ذاتها شكل من أشكال الفلسفة. بل يجب علينا أيضًا ربط جميع جوانب السيناريو وكتابة الفيلم بقراءة تعتمد على موضوعات ومفاهيم فلسفية. يُحقق بيبين التوازن بين هذه العناصر من خلال تحليل ثلاثة أفلام «ويسترن» عظيمة: «الرجل الذي أطلق النار على ليبرتي فالانس» (1962) و«الباحثون» (1956) لجون فورد، بالإضافة إلى «النهر الأحمر» لهوارد هوكس (1948). تستند قراءته لهذه الأفلام إلى فكرة أن جميعها تقترح شكلًا من أشكال علم النفس السياسي: «كيف يمكن لهذا النوع من الشخصيات أن يؤدي إلى ارتباط سياسي»؟ كان هذا، إلى حدّ ما، السؤال الكلاسيكي الذي طرحه مكيافيلي وهوبز وروسو وهيجل. تُعبّر الأشكال الفنية، وخاصةً الروايات والمسرح، عن الواقع السياسي وكيفية تجربته البشرية. ولا تُستثنى أفلام الغرب الأمريكي. فكثيرًا ما تُقرأ بأسلوب روسو أو هوبز: كيف ننتقل من الطبيعة إلى الحضارة؟ لكن بيبين يرى فيها رسائل أخرى. فهو يرى في «النهر الأحمر» حكايةً عن السلطة (من سيحكم، ومن يملك الحق في ذلك)، بينما يرى في «الباحثون» قصةً عن وعي الشخصيات بذاتها وفهمها لأفعالها.

لنتوقف عند فيلم «الرجل الذي أطلق النار على ليبرتي فالانس»، أشهر أفلام الغرب الأمريكي الأسطورية. الجميع يعرف قصته. يُركز بيبين على المثل السياسي للفيلم: النظام الغربي القديم الجامح يفسح في المجال لمجتمع لم يعد فيه مكان لأمثال ليبرتي فالانس أو توم دونيفونز (حيث يُنظر إلى الشرير النموذجي والطيب النموذجي على أنهما نقيضان). إن الخداع الذي بنى عليه ستودارد مسيرته السياسية، وحتى حياته الشخصية، بزواجه من هالي، لا يُقارن بالنتيجة، وهي تحديث المجتمع ودفع عجلة التقدم. فعبادته للحقيقة، مثل عبادة الصحفي بيبودي، لا تُقارن بالأسطورة التي تحتاجها الحياة السياسية («عندما تصبح الأسطورة حقيقة، انشرها»). بهذا المعنى، من يهتم بمن أطلق النار على ليبرتي فالانس؟ ما دام ستودارد عضوًا في الكونغرس. هذه الموضوعات هي بلا شك موضوعات الفيلم، والشخصيات انعكاسات فردية لنفسية سياسية تتجاوزها. الدرس الهيجلي واضح: الأفعال البشرية الفردية، سواءً أكانت حقيقية أم زائفة، تفلت من البشر، وتقع ضحية لمكر العقل.

ومع أنني أميل كثيرا إلى قراءة بيبين الفيلمية هذه، إلا أنني أتساءل فعلا إن كان من الأفضل قراءة هذا الشريط السينمائي من منظور كانطي أكثر منه هيجلي، باعتباره يتناول الأخلاق الذاتية لا الموضوعية. تُعدّ مسألة تحديد هوية مرتكب جريمة قتل فالانس حاسمة في هذا السياق، وكذلك إشكاليات المساءلة والمسؤولية والمأساة الشخصية التي عاشتها الشخصيات. قد يُفهم الفيلم أيضًا على أنه يتناول حدود الفعل: فالمرء يسعى عمدًا إلى نتيجة معينة، لكن ما يحدث مختلف، والعواقب خارجة عن سيطرتنا إلى حدّ كبير. لا يفتقر ستودارد إلى الشجاعة. إنه مستعد لمواجهة فالانس على الرغم من أنه لا ينوي قتله، وحتى حين قيل له أنه قتله، رفض فعلته لدرجة أنه لم يعد يرغب في الترشح للكونغرس. ولكنه ليس أقل من محتال بالنظر إلى سمعته وحبّ هالي له. إنه يفوز من جميع النواحي، ليس عن جدارة، ولكن لعدم استحقاقه ما يُمنح له. أما دونيفون، فعلى العكس من ذلك، نجده يخسر من جميع النواحي: حبّ هالي، وشرفه، وتقدير مواطنيه (يبدو غريبًا عند دفنه). ففي مشهد تناول شريحة اللحم (الستيك)، حيث يسخر فالانس من ستودارد، يقول الأول لدونيفون: «أنا لا أترك لأحد عناية القيام بمعاركي»، ولكن هذا ما يحدث في النهاية من دون علمه: إذ لم يقم بهذه المهمة بنفسه.

أتخيّل أيضا لو أن بيبين قرأ برتراند راسل أكثر بقليل من قراءته لهيجل، لما كان أخفق في ربط القصة برمتها بالعنوان، «الرجل الذي أطلق النار على ليبرتي فالانس». أيّ قارئ لكتاب [راسل] «في الدلالة» يعلم أن الأوصاف الدقيقة لشكل «الـ F» قابلة للتحليل على النحو التالي: «هناك فرد واحد فقط يمتلك هذه الخاصية أو تلك» (وفي الفيلم، بعد أن أطلقت النار على ليبرتي فالانس). مع ذلك، تُحدّد القصة رجلين قتلا ليبرتي فالانس، الحقيقي دونيفون، والمُزيف ستودارد، لذا فإن الوصف خاطئ، ولا يستند إلى أيّ مرجع. لكن نظرية راسل في الأوصاف تُمكّننا من إعادة إثبات الحقيقة: وصف «الرجل الذي قتل ليبرتي فالانس» يُشير أيضًا إلى الشخص الذي قتل فالانس في الواقع، وليس أي رجل كان هو من قتله. إنها الشائعات، الزيف الذي ينشره المجتمع، لا الواقع، هي التي تختار المرجع، لكن المرجع الحقيقي يبقى هناك، في المجد الذي اغتصبه غيره.

يمكن للمرء أن يرى انتصار الروح الموضوعية هناك، لكنني من جهتي أبدو أكثر حساسيةً تجاه الدرس الأخلاقي الذي تنبثق منه القصة: لا أحد ينال ثمار عمله وألمه، بل يجنيها الآخرون، والجحود هو الجزاء الوحيد، لكن المرء ليس مجرد ضحية لمكر العقل (أو لعبة العناية الإلهية أو القدر)، لأن ما يحدث لك هو أيضًا خطأك إلى حدّ كبير.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الرجل الذی

إقرأ أيضاً:

نيللي كريم تعيش حالة انتعاش فني بـ3 أفلام

تعيش الفنانة نيللي كريم انتعاشة فنية كبيرة فى السينما،  بعدما عُرض لها ثلاثة أفلام دفعة واحدة فى مهرجانين كبيرين، هما مهرجان الجونة فى دورته الثامنة الذى أقيم فى شهر أكتوبر الماضى، ومهرجان البحر الأحمر فى دورته الخامسة المقامة حالياً فى جدة.

ليوناردو دي كابريو يكشف سر نجاحه فى السينما ياسمين عبد العزيز تتصدر التريند.. هل تعيش قصة حب؟ تايلور سويفت تتعثر في اختيار الأفضل من أغانيها الناجحة عبلة كامل مطلوبة على جوجل.. لهذا السبب نقابة المهن التمثيلية تشكر الرئيس السيسي على رعاية كبار الفنانين بروفات ترابيزة تجمع أبطال مسلسل "أنا وهو وهم" وانطلاق التصوير خلال أيام دينا الشربيني تواجه مرضًا خطيرًا في أول ظهور لها مع صدقي صخر.. تفاصيل ابن سائق محمد صبحي يقلب الرواية المتداولة رأسًا على عقب .. تفاصيل أبويا عنده 65 سنة.. نجل سائق محمد صبحي يفجر مفاجأة غير متوقعة عن واقعة الانفعال مهرجان البحر الأحمر السينمائي يعلن عن شراكة استراتيجية للارتقاء بصناعة الرسوم المتحركة .. تفاصيل

وتسجل نيللى تواجدها فى السينما بعد غياب دام عامين منذ فيلم "ع الزيرو" الذى قدمته مع محمد رمضان.

وشاركت نيللى كريم فى مهرجان الجونة بفيلم "هابى بيرث داى"، الذى وقع عليه الاختيار لافتتاح فعاليات المهرجان بعد جولته الدولية الناجحة، إذ حصد ثلاث جوائز بارزة فى مهرجان ترايبيكا السينمائى بنيويورك، تشمل: جائزة أفضل فيلم روائى دولى، جائزة أفضل سيناريو دولى، وجائزة نورا إيفرون لأفضل مخرجة، كما شارك فى عدة مهرجانات عالمية أخرى.

ويشارك في بطولة الفيلم إلى جانب نيللى كريم كل من شريف سلامة، حنان مطاوع، الطفلة ضحى رمضان، وحنان يوسف، وهو من تأليف سارة جوهر بمشاركة المخرج محمد دياب، الذى شارك أيضاً فى إنتاجه إلى جانب عدد من المنتجين منهم أحمد الدسوقى، أحمد عباس، أحمد بدوى، داتارى ترنر، والممثل الأميركى جيمى فوكس.

 مهرجان البحر الأحمر السينمائى

أما فى مهرجان البحر الأحمر السينمائى، فقد حضرت نيللى كريم بفيلمين يعرضان لأول مرة عالمياً، الأول هو فيلم "القصص" الذى ينافس ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان على جوائز اليسر، والثانى هو فيلم "جوازة ولا جنازة" المعروض ضمن برنامج "روائع عالمية"، والذى يضم مجموعة من أهم إنتاجات العام الجديدة فى أول عرض لها بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وتدور أحداث فيلم "القصص" بين عام 1967 ونهاية الثمانينيات، حيث يتتبع العمل رحلة أحمد، عازف البيانو الطموح، الذي تنشأ بينه وبين فتاة نمساوية صداقة من خلال المراسلة، ومع مرور الوقت تتطور هذه العلاقة إلى قصة حب عميقة تتحدى المسافات والظروف السياسية والاجتماعية فى تلك الفترة، بينما يتمسك كل منهما بالأمل فى مستقبل يجمعهما.

أما فيلم "جوازة ولا جنازة" فيتناول قصة تمارا، الشابة التى تنتمى إلى أسرة عريقة فقدت جزءاً كبيراً من مكانتها المادية، وتحاول إنقاذ ما تبقى من استقرار عائلتها وضمان مستقبل ابنها على من زواج سابق، تسعى تمارا لتحقيق ذلك من خلال الاستعداد للزواج من حسن الدباح، رجل الأعمال الثرى الذى يملك واحدة من أكبر إمبراطوريات اللحوم فى الشرق الأوسط وينتمي إلى طبقة "الأثرياء الجدد".

وقبل أسبوع واحد من حفل الزفاف، تقرر العائلتان قضاء سبعة أيام معاً فى منتجع صحراوى لمتابعة التحضيرات النهائية، وخلال هذه الأيام تتكشف التناقضات الكبيرة بين العائلتين، وتتزايد التوترات وسط مظاهر المجاملات الرسمية، ويزداد الوضع تعقيداً بظهور عمر، حب تمارا السابق، الذى يتولى إدارة الترتيبات الفنية للزفاف، بما فى ذلك تصميم تمثال صخري ضخم خصصه للحفل، ومع اقتراب موعد الزواج، يتحول هذا التمثال إلى سبب رئيسى لسلسلة من الأحداث التي تهدد بإفساد اليوم المنتظر.

مقالات مشابهة

  • شاهد / جديد المبدع عيسى الليث .. مساعي الغرب
  • الفلسفة ليست ترفًا… بل مقاومة يومية ضد التفاهة
  • "سِفر عاديم"
  • مسؤول بهيئة الأفلام: 3 أهداف لمبادرة «أفلام للجميع»
  • الفجيرة تستضيف الملتقى الفلسفي لجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية وبيت الفلسفة
  • 2025 بين الخوف والإثارة.. أبرز أفلام الرعب لهذا العام
  • 5 عروض عالمية قبل الكريسماس
  • نيللي كريم تعيش حالة انتعاش فني بـ3 أفلام
  • “كتاب جدة” يستهل ندواته الحوارية بـ”الفلسفة للجميع”
  • مسلسل "الست" وأفلام سير المشاهير