أثار القرار الوزاري رقم (10) لسنة 2025، بتعيين مدير فني لمكتب وزير الزراعة والري للإشراف على قطاع الري والموارد المائية، جدلًا واسعًا، لما يحمله من دلالات تتجاوز الجانب الإداري إلى أبعاد سياسية تمس إعادة توزيع السلطة داخل الجهاز التنفيذي، وتمس موقعًا سياديًا طالما كان أحد أعمدة الأمن القومي السوداني.

فالخطوة التي حوّلت وزارة الموارد المائية إلى وحدة فنية تابعة لمكتب وزير الزراعة، تعني فعليًا تجريد هذا القطاع من استقلاله الفني والسياسي، دون إعلان واضح للمهام والاختصاصات، ودون ضمان لمكانته ضمن الهيكل السيادي للدولة، الأمر الذي أثار مخاوف حقيقية من خلل في الرؤية الاستراتيجية للدولة تجاه أهم مواردها.. حيث اعتبره مراقبون أمرا كارثيا.

وزارة الموارد المائية ليست جهازًا عاديًا؛ فهي من أقدم المؤسسات السيادية في السودان، نشأت أوائل القرن العشرين مع مشاريع كبرى مثل مشروع الجزيرة، وأسهمت على مدى أكثر من مئة عام في إدارة أكثر الملفات تعقيدًا وحساسية، محليًا وإقليميًا، من تشغيل ستة خزانات كبرى ومئات المنشآت الهيدروليكية، إلى إدارة الإمداد المائي لملايين الأفدنة، وقيادة الملفات العابرة للحدود كسد النهضة واتفاقيات حوض النيل.. هذا بخلاف المشروعات الكبرى التي تنتظر التنفيذ مثل كنانة والرهد والسدود الجديدة.

لذلك، فإن اختزالها في إدارة فنية، لا يمكن تفسيره إلا باعتباره تراجعًا خطيرًا عن مبدأ السيادة على المورد المائي، وإضعافًا للاستقرار المؤسسي في قطاع يُعد ركيزة أساسية للأمن القومي. ولا يعني ذلك بأي حال التقليل من كفاءة الباشمهندس د. أحمد حياتي، الذي يُعد من الكفاءات النادرة القادرة على القيادة، كما نراه مرشحًا طبيعيًا لقيادة وزارة الموارد المائية المستقلة متى ما أُعيد الاعتبار لها كمؤسسة سيادية قائمة بذاتها. الإشكال الحقيقي يكمن في تقزيم المؤسسة، لا في اختيار الرجل.

هذا ما أكدته ندوة رابطة خريجي معهد دلفت للمياه، التي شارك فيها أكثر من 118 خبيرًا في مجالي المياه والزراعة، حيث حذّروا من أن أي تفكيك للبنية المؤسسية المستقلة للموارد المائية سيُضعف قدرة الدولة على مواجهة تحديات التغير المناخي، وإدارة الجفاف، ومفاوضات سد النهضة، وإعادة تأهيل البنية التحتية المائية المتضررة من الحرب.

وتزداد خطورة الوضع مع غياب الوزير المختص عن وفد رئيس الوزراء د. كامل إدريس في زيارته الأخيرة للقاهرة، والتي خُصص جانب منها لملف الأمن المائي وسد النهضة ومبادرة حوض النيل. غيابٌ يُقرأ كمؤشر إضافي على تراجع الموقع المؤسسي لقطاع المياه، في لحظة تحتاج فيها البلاد إلى حضور قوي وقرار مستقل في هذا الملف.

هذا الغياب وسط تلك الملفات شديدة الحساسية، لا يمكن قراءته إلا كدليل اخر على هشاشة الموقع المؤسسي لقطاع المياه في الوقت الراهن، الأمر الذي كان من المفترض أن يكون كافيًا لإعادة النظر في ترتيب هذا القطاع الاستراتيجي ضمن هياكل الدولة.

لذلك، يترقب كثيرون ما تردّد مؤخرًا عن احتمال إنشاء وزارة مستقلة باسم “الموارد المائية والبيئة”، باعتبارها خطوة ضرورية لسد الفراغ المؤسسي وحماية أمن السودان المائي. كما يمكن التفكير في بدائل مثل مجلس سيادي للمياه يرتبط مباشرة برئاسة الوزراء أو مجلس السيادة، لضمان استقلالية القرار المائي عن الاعتبارات القطاعية الضيقة.

وهكذا وبحسب #وجه_الحقيقة نصل إلى محطة مؤسفة في “قصة وزارة فقدت مكانتها”. فاختزال وزارة الموارد المائية في إدارة فنية يأتي في لحظة تتعاظم فيها تحديات السودان المائية، من تعقيدات سد النهضة ومفاوضات حوض النيل، إلى آثار التغير المناخي وندرة الموارد . غياب كيان مستقل ومتماسك لإدارة هذا الملف يضعف موقع السودان التفاوضي ، ويقوّض قدرته على تطوير استراتيجيات مستدامة للأمن المائي.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الخميس 14 أغسطس 2025م
[email protected]

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: وزارة الموارد المائیة

إقرأ أيضاً:

وزير الري: 396 نشاطًا تدريبيًا لـ11 ألف متدرب وسد العجز في الوظائف خلال العام المائي 2024- 2025

تلقى الدكتور هاني سويلم وزير الموارد المائية والري، تقريراً من الدكتورة سلوى أبو العلا رئيس مركز التدريب الإقليمي للموارد المائية والري، بشأن موقف الأنشطة التدريبية بمركز التدريب الإقليمى للموارد المائية والري، والمركز الإفريقي للمياه والتكيف المناخي (PACWA) .

واستعرض التقرير ما تحقق من أعمال وأنشطة بمركز التدريب الإقليمى للموارد المائية والري خلال العام المائى 2024/ 2025، حيث تم تنظيم عدد (396) نشاط تدريبي بمشاركة ١١٠٥١ متدرب، وعقد ٦ برامج تدريبية و ٢ جولة دراسية بإيطاليا بمشاركة ١٠٨ متدرب تحت مظلة مشروع "المعرفة المائية" بالتعاون مع الجانب الإيطالي ،  وعقد ٢ برنامج تدريبي بمشاركة ٣٨ متدرب من ١٣ دولة عربية وأفريقية بالتعاون مع منظمة اليونسكو، وتنفيذ التدريب الصيفي لطلاب الجامعات لعدد ١٠٠٢ طالب، وعقد بروتوكول تعاون مع منظمة الفاو لتدريب ١٠٧٩ متدرب (منهم ٤٧١ مزارع و ١٢٠ من الشباب والسيدات الغير عاملات).

وتنفيذ تدريب تحويلي لسد العجز في بعض الوظائف بعدد ٥٥٧ سائق و ٣٥٣ بحار و ٣٢٠ ملاحظ ومشرف .

وفي مجال الاستفادة من ورد النيل .. تم تنفيذ عدد (١٦) نشاط تدريبى بمقر مركز التدريب الإقليمي للموارد المائية والري وفروعه بالمحافظات (كفر الشيخ - دمياط - دمنهور - إسنا) لعدد (٣٩١) سيدة تم تدريبهم على طرق الاستفادة من نبات ورد النيل لإنتاج منتجات ومشغولات يدوية متميزة  .

وزير الري يبحث الموقف التنفيذي للمشروعات التنموية في سيناء والدلتا الجديدة وسيوةالرئيس السيسي يصدق على تعديل بعض أحكام قانون الموارد المائية والري
وقام المركز الإفريقي للمياه والتكيف المناخي (PACWA) بتنفيذ عدد (٢٣) برنامجاً تدريبياً إقليمياً استفاد منها حتى الآن ٤٦٠ متدرب من مختلف الدول الإفريقية، بما يعكس الإقبال المتزايد على برامج المركز وثقة الدول الإفريقية في الدور المصري بمجال التدريب وبناء القدرات .


وقام مركز التدريب الإقليمي بتوقيع عدد (١٠) بروتوكولات وشراكات تعاون مع الجامعات المصرية والدولية ومنظمات المجتمع المدني، كما تم الانتهاء من إجراءات إعتماد شهادة الجودة ISO9001 واعتماد المجلس الأعلى للجامعات وجاري اصدار شهادات الاعتماد .

تطوير المنظومة المائية

وصرح الدكتور سويلم أن أعمال تطوير المنظومة المائية الجارية حالياً تحت مظلة "الجيل الثاني لمنظومة الري 2.0" تتطلب تدريب المهندسين والفنيين بالوزارة على مختلف التقنيات الحديثة فى إدارة المياه، من خلال برامج تدريبية متميزة توفر المهارات المطلوبة لهذه المرحلة من التحول نحو الجيل الثانى لمنظومة الرى ، والتى تتطلب امتلاك مهارات فنية حديثة تتواكب مع تطوير المنظومة، مثل التدريب على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة والنماذج الرياضية وغيرها، وهو ما يتم تقديمه من خلال مركز التدريب الإقليمى للموارد المائية والرى .


كما تم إعداد لائحة للتدريب لكل العاملين بالوزارة والتى تعتمد على تحديد الجدارات اللازمة لكل مستوى وظيفي وتحديد الدورات التدريبية الخاصة بكل جدارة ومستوياتها مع وضع نظام لقياس تلك الجدارات ومعدلات ومؤشرات قياس الاداء الوظيفي ومستويات الكفاءة لكل وظيفة، لتحديد المردود من الدورات التدريبية ليتم تحديثها اولاً بأول لتكون منظومة ديناميكية .


وأضاف سيادته أن مصر تولي إهتماماً بالغاً بتعزيز التعاون مع الأشقاء في القارة الإفريقية من خلال تنفيذ برامج تدريبية تهدف لبناء قدرات الكوادر الإفريقية ونقل الخبرات المصرية في مجالات الإدارة المتكاملة للموارد المائية والتكيف مع التغيرات المناخية، بما يُسهم في تمكين دول القارة من مواجهة التحديات المرتبطة بالمياه والمناخ، من خلال المركز الإفريقي للمياه والتكيف المناخي (PACWA)  الذى تم تدشينه تحت مظلة مبادرة AWARe .


جدير بالذكر أن مركز التدريب الإقليمي للموارد المائية والري يُعد أحد الكيانات الرائدة في مجال التدريب وبناء القدرات في قطاع المياه، وهو جهة معتمدة من الفئة الثانية لدى منظمة اليونسكو، كما يُعد مركزاً مُعتمداً للتدريب القومي من قبل الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، ومُعتمد من المجلس الأعلى للجامعات لتقديم برامج التدريب والاختبارات الخاصة بشهادة أساسيات التحول الرقمي، وذلك في إطار التزامه بتطبيق أعلى معايير الجودة في تصميم وتنفيذ برامجه التدريبية .


كما يضم المركز "معمل للذكاء الاصطناعى" والذى يضم نماذج تطبيقية لإدارة الموارد المائية، والتي تتميز بقدرتها على دراسة عدة عوامل متنوعة بشكل متزامن بما يُمكن المسئولين من إتخاذ القرار المناسب فى إدارة المنظومة المائية، كما يضم المعمل فى مكوناته روبوت سيستخدم في العملية التعليمية سواء على المستوي المحلي او الاقليمي، كما يحتوى المعمل على طائرة درون تعليمي للتدريب على استخدامه في إدارة الموارد المائية .

طباعة شارك وزير الموارد المائية والري الري الأنشطة التدريبية مركز التدريب الإقليمى

مقالات مشابهة

  • إبراهيم شقلاوي يكتب: سويسرا .. فصل جديد من العلاقات السودانية الأمريكية
  • وزير الري: 396 نشاطًا تدريبيًا لـ11 ألف متدرب وسد العجز في الوظائف خلال العام المائي 2024- 2025
  • بعد زيادة مخزون بحيرة سد النهضة.. خبير يكشف موقف حصة مصر المائية
  • مسؤول مصري رفيع بشأن سد النهضة: النيل مسألة حياة ولن نتخلى عن حقنا المائي
  • إبراهيم عثمان يكتب: تكتيكات الصغار
  • مستقبل الأمن المائي المصري بين الدبلوماسية والخيارات الأمنية.. ومصر تحذّر : لا مساس بحصتنا من النيل تحت أي ظرف
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: إدارة الفيضان بين سد النهضة وسدود السودان
  • مصر تؤكد جاهزيتها للدفاع عن حقوقها المائية وتدين سياسة إثيوبيا في «سد النهضة»
  • أحمد موسى: الرئيس السيسي أكد على اتخاذ كل الإجراءات للحفاظ على الأمن المائي