إبراهيم شقلاوي يكتب: الموارد المائية.. وزارة فقدت مكانتها..!
تاريخ النشر: 15th, August 2025 GMT
أثار القرار الوزاري رقم (10) لسنة 2025، بتعيين مدير فني لمكتب وزير الزراعة والري للإشراف على قطاع الري والموارد المائية، جدلًا واسعًا، لما يحمله من دلالات تتجاوز الجانب الإداري إلى أبعاد سياسية تمس إعادة توزيع السلطة داخل الجهاز التنفيذي، وتمس موقعًا سياديًا طالما كان أحد أعمدة الأمن القومي السوداني.
فالخطوة التي حوّلت وزارة الموارد المائية إلى وحدة فنية تابعة لمكتب وزير الزراعة، تعني فعليًا تجريد هذا القطاع من استقلاله الفني والسياسي، دون إعلان واضح للمهام والاختصاصات، ودون ضمان لمكانته ضمن الهيكل السيادي للدولة، الأمر الذي أثار مخاوف حقيقية من خلل في الرؤية الاستراتيجية للدولة تجاه أهم مواردها.. حيث اعتبره مراقبون أمرا كارثيا.
وزارة الموارد المائية ليست جهازًا عاديًا؛ فهي من أقدم المؤسسات السيادية في السودان، نشأت أوائل القرن العشرين مع مشاريع كبرى مثل مشروع الجزيرة، وأسهمت على مدى أكثر من مئة عام في إدارة أكثر الملفات تعقيدًا وحساسية، محليًا وإقليميًا، من تشغيل ستة خزانات كبرى ومئات المنشآت الهيدروليكية، إلى إدارة الإمداد المائي لملايين الأفدنة، وقيادة الملفات العابرة للحدود كسد النهضة واتفاقيات حوض النيل.. هذا بخلاف المشروعات الكبرى التي تنتظر التنفيذ مثل كنانة والرهد والسدود الجديدة.
لذلك، فإن اختزالها في إدارة فنية، لا يمكن تفسيره إلا باعتباره تراجعًا خطيرًا عن مبدأ السيادة على المورد المائي، وإضعافًا للاستقرار المؤسسي في قطاع يُعد ركيزة أساسية للأمن القومي. ولا يعني ذلك بأي حال التقليل من كفاءة الباشمهندس د. أحمد حياتي، الذي يُعد من الكفاءات النادرة القادرة على القيادة، كما نراه مرشحًا طبيعيًا لقيادة وزارة الموارد المائية المستقلة متى ما أُعيد الاعتبار لها كمؤسسة سيادية قائمة بذاتها. الإشكال الحقيقي يكمن في تقزيم المؤسسة، لا في اختيار الرجل.
هذا ما أكدته ندوة رابطة خريجي معهد دلفت للمياه، التي شارك فيها أكثر من 118 خبيرًا في مجالي المياه والزراعة، حيث حذّروا من أن أي تفكيك للبنية المؤسسية المستقلة للموارد المائية سيُضعف قدرة الدولة على مواجهة تحديات التغير المناخي، وإدارة الجفاف، ومفاوضات سد النهضة، وإعادة تأهيل البنية التحتية المائية المتضررة من الحرب.
وتزداد خطورة الوضع مع غياب الوزير المختص عن وفد رئيس الوزراء د. كامل إدريس في زيارته الأخيرة للقاهرة، والتي خُصص جانب منها لملف الأمن المائي وسد النهضة ومبادرة حوض النيل. غيابٌ يُقرأ كمؤشر إضافي على تراجع الموقع المؤسسي لقطاع المياه، في لحظة تحتاج فيها البلاد إلى حضور قوي وقرار مستقل في هذا الملف.
هذا الغياب وسط تلك الملفات شديدة الحساسية، لا يمكن قراءته إلا كدليل اخر على هشاشة الموقع المؤسسي لقطاع المياه في الوقت الراهن، الأمر الذي كان من المفترض أن يكون كافيًا لإعادة النظر في ترتيب هذا القطاع الاستراتيجي ضمن هياكل الدولة.
لذلك، يترقب كثيرون ما تردّد مؤخرًا عن احتمال إنشاء وزارة مستقلة باسم “الموارد المائية والبيئة”، باعتبارها خطوة ضرورية لسد الفراغ المؤسسي وحماية أمن السودان المائي. كما يمكن التفكير في بدائل مثل مجلس سيادي للمياه يرتبط مباشرة برئاسة الوزراء أو مجلس السيادة، لضمان استقلالية القرار المائي عن الاعتبارات القطاعية الضيقة.
وهكذا وبحسب #وجه_الحقيقة نصل إلى محطة مؤسفة في “قصة وزارة فقدت مكانتها”. فاختزال وزارة الموارد المائية في إدارة فنية يأتي في لحظة تتعاظم فيها تحديات السودان المائية، من تعقيدات سد النهضة ومفاوضات حوض النيل، إلى آثار التغير المناخي وندرة الموارد . غياب كيان مستقل ومتماسك لإدارة هذا الملف يضعف موقع السودان التفاوضي ، ويقوّض قدرته على تطوير استراتيجيات مستدامة للأمن المائي.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الخميس 14 أغسطس 2025م
[email protected]
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: وزارة الموارد المائیة
إقرأ أيضاً:
أزمة ملكة جمال الكون.. هل فقدت مسابقات الجمال بريقها؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- الجمال في عين الناظر، وقد أثبتت مسابقة ملكة جمال الكون هذا العام أن ذلك قد يكون جزءًا من المشكلة.
أدّت المعايير الغامضة والذاتية للتصويت في مسابقة ملكة جمال الكون إلى صعوبة التحقق من الادعاءات التي أثيرت حول نتيجة المسابقة الختامية. فلم يعد النقاش يتركّز على أداء ملكة جمال المكسيك، فاطيما بوش، على المسرح؛ بل انتقل إلى اتهامات بالتلاعب بالأصوات، وغياب الشفافية، والمحاباة.
أثار أحد الحكّام، الملحّن اللبناني-الفرنسي عمر حرفوش، سلسلة مزاعم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد استقالته من اللجنة قبل أيام من النهائي. من أبرز ما ذكره أنّ 30 متسابقة جرى اختيارهن مسبقًا عبر تصويت سري من قِبل لجنة غير رسمية، وأن تتويج بوش كان محسومًا مسبقًا بسبب علاقات تجارية بين شريك المالك ورئيس المنظمة، راؤول روشا كانتو، ووالد بوش.
لم تعلّق منظمة ملكة جمال الكون ولا محامي روشا كانتو على تلك الادعاءات، فيما قال روشا كانتو إن أي عقود سابقة مع شركات مرتبطة به تمت عبر مناقصات عادلة قبل أن يصبح شريكًا في ملكية المسابقة.
وتفاقم الجدل خارج قاعة المنافسة، بعدما أعلنت النيابة العامة في المكسيك أن روشا كانتو يخضع للتحقيق بشأن ارتباطات مزعومة بشبكة إجرامية متورطة في تهريب المخدرات والأسلحة وسرقة الوقود. ورغم ذلك، نشر روشا كانتو بيانات وفيديوهات ينفي فيها تمامًا مزاعم حرفوش.
جاءت النتائج لتزيد من حدّة الأزمة؛ فقد أعلنت أوليفيا ياسيه من كوت ديفوار، الحاصلة على المركز الرابع، تخلّيها عن لقب ملكة جمال أفريقيا وأوقيانوسيا، مؤكدة رغبتها في البقاء وفيّة لقيمها، خصوصًا بعدما شعر كثيرون أنها كانت الأحق بالفوز. كما اعترف روشا كانتو بأن قوة جوازات سفر المتسابقات كانت بين "العديد من العوامل" التي أُخذت في الاعتبار.
إلى جانب ذلك، واجهت المسابقة جدلًا مبكرًا بعدما انتقد مدير مسابقة من تايلاند أداء بوش خلال اجتماع تحضيري، ما تسبب في انسحاب جماعي لعدد من المتسابقات.
سمعة المسابقات المثيرة للجدلغالبًا ما تقف مسابقات الجمال عند نقطة التقاء بين السياسة والفخر الوطني، ما يجعلها أرضًا خصبة للفضائح. وما حدث هذا العام في مسابقة ملكة جمال الكون ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من أزماتها.
فخلال السنوات الخمس الماضية وحدها، واجه منظّمون محليون اتهامات تتعلّق بمتطلبات دخول تمييزية (فرنسا)، والتحرّش الجنسي (إندونيسيا)، وكراهية الأجانب (جنوب أفريقيا). وفي مسابقة ملكة جمال الولايات المتحدة للعام 2023، قدّمت الفائزة نويلية فويتج استقالتها عبر منشور غامض يتعلّق بالصحة النفسية، ملمّحة إلى وجود اتفاقية سرّية صارمة. وبعد أيام فقط، تنازلت ملكة جمال المراهقات الأمريكية عن لقبها أيضًا.
أوضحت عالمة الاجتماع هيلاري ليفي فريدمان، مؤلفة كتاب Here She Is: The Complicated Reign of the Beauty Pageant in America، أن الفضائح التي طالت مسابقة ملكة جمال الكون 2025 ليست جديدة إطلاقًا في عالم مسابقات الجمال، وأن الحديث عن التلاعب وتضارب المصالح كان حاضرًا دائمًا.
كما أشارت إلى الصراع الدائم بين محاولات تحديث المسابقات وبين المحافظة على "البريق والفخامة" اللذين يشكّلان عنصر الجذب الأساسي للجمهور، خاصة أن مسابقة ملكة جمال الكون تبقى في جوهرها مشروعًا تجاريًا.
محاولات للتغيير.. وصراع من أجل البقاءأصبحت الفضائح المرتبطة بمسابقات الجمال تحظى باهتمام يفوق اهتمام الجمهور بالمسابقات بحد ذاتها، ما يطرح سؤالًا جوهريًا: هل ما زال أحد يهتم فعلًا بهذه العروض؟
فرغم شهرة مسابقة ملكة جمال الكون باعتبارها الأعرق عالميًا، فإن نهائي هذا العام لم يُعرض على أي قناة تلفزيونية ناطقة بالإنجليزية في الولايات المتحدة، بل بثّ حصريًا عبر الإنترنت. وتصف فريدمان ذلك بأنه تغيير جذري مقارنة بما كان عليه الوضع قبل 20 أو 50 عامًا، إذ أصبحت نسبة المشاهدة متدنية للغاية مقابل ارتفاع كبير في التغطية الإعلامية للفضائح.