المؤرخ البريطاني أليستير هورني، أصدر كتاباً، سمّاه سنة 1973 سنة هنري كيسنجر. ففي تلك السنة كان وزير خارجية أميركا ومستشار أمنها القومي، هو صانع السياسة العالمية بامتياز. الوفاق مع الاتحاد السوفياتي، والانفراج مع جمهورية الصين الشعبية، والاهتمام الخاص الذي أعطاه للشرق الأوسط بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وأدى إلى معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.
سنة غيرت مسارات سياسية عالمية، وطوت صفحات صراع، كتبتها مراحل طويلة من الحروب الساخنة والباردة. أبواب أغلقت وفتحت أخرى.
سنة 2025 يمكن أن نكتب لها عنواناً، على شاكلة ما ذهب إليه المؤرخ البريطاني أليستير هورني، ليكون 2025 سنة الرئيس الأميركي دونالد ترمب. السنوات تتحرك كأرقام على عداد الزمن، بشكل تلقائي، كما تتحرك الدقائق والساعات والأيام والشهور والسنوات والقرون. لكن ما يتكدس على كاهلها من أفعال، بكل ما فيها من تغييرات، لها آثار فاعلة في مسار الشعوب بنسب متفاوتة، وهي التي تضع علامات تلمسها العقول وتراها العيون، وتؤثر في المعادلات والعلاقات الإقليمية والدولية. الرئيس ترمب، وضع اسمه ختماً أحمر، على غلاف هذه السنة التي نحيا في خضمها. منذ اليوم الأول الذي أعلن فيه قراره؛ الدخول في المعركة الانتخابية الرئاسية، للمرة الثانية عن الحزب الجمهوري، تحركت أمامه وخلفه، عواصف عاتية من الاتهامات، ومثل أمام المحاكم، قابلها بقبضات الملاكم المدرع. منذ البداية، كان ترمب يكتب على وهج العواصف، كما تكتب هي على حركاته وقبضات غضبه. نازل غريمه المرشح الديمقراطي، الرئيس جو بايدن في مناظرة مباشرة، فكان الاهتزاز الأول، الذي بشَّر بابتسامة الأمل للمرشح دونالد ترمب. لقد أُغلق على المسن بايدن أمام ترمب، وأيقن الديمقراطيون أن لا مناص من تقديم مرشح رشيق لمواجهة المصارع الملياردير. كامالا هاريس نائبة الرئيس بايدن، هي الخيار الإجباري للاندفاع في مضمار السباق الرئاسي. استطلاعات الرأي العام رفعت مؤشر الأمل لها، وقد كان أداؤها في المناظرة الأولى مع بايدن علامة أمل مضافة. تحرك ترمب بين قاعات المحاكم، وبين الحشود المؤيدة له في حملته الانتخابية، في مختلف الولايات الأميركية. محاولة اغتيال مرعبة. كانت نجاته منها أعجوبة، واجهها بشجاعة وثبات أبهر الآلاف. في الانتخابات الشعبية والمجمع الانتخابي، حقق فوزاً مدوياً رافقه فوز حزبه في الكونغرس. فوزه بالرئاسة للمرة الثانية، سجل به ترمب اقتحاماً لحلبة التاريخ الأميركي، إذ لم يسبقه إلا رئيس أميركي واحد، هو غروفر كليفلاند، الذي تولى الرئاسة مرتين غير متتاليتين. كان شعار حملته الانتخابية، «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى». وبمجرد دخوله إلى المكتب البيضاوي، اندفع ترمب في توقيع عشرات القرارات، تتعلق بشؤون داخلية وخارجية وعرضها على وسائل الإعلام مباشرة. تصريحات ملتهبة صدمت القريب والبعيد؛ منها ضمُ كندا إلى الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك جزيرة غرين لاند، والسيطرة على قناة بنما، أما غزة فالحل الذي قدمه ترمب، هو تحويلها إلى ريفييرا سياحية عالمية. الحروب والاضطرابات التي تهزّ بعض مناطق العالم، وفي مقدمتها الحرب الروسية – الأوكرانية التي قال عنها إنه سيوقفها في أيام قليلة. أصدقاء أميركا طالبهم برفع مساهمتهم المالية في حلف «الناتو». أما ثالثة الأثافي بل رابعتها وخامستها، التي أشعلت نار الاقتصاد العالمي، فكانت إعلانه حرب رفع نسبة التعامل الجمركي على الواردات من دول العالم، وانسحابه من بعض المنظمات الدولية، وإيقاف المساعدات لدول العالم. قدم دعماً عسكرياً حاسماً لإسرائيل في غاراتها على المفاعلات النووية الإيرانية، في حين توصل إلى تفاهم مع الحوثيين الذراع المسلحة لإيران، أوقف غاراتهم على السفن الأميركية. تدخل بقوة في الصدام بين الهند وباكستان ونجح في وقف التصعيد العسكري بينهما. قفزات دونالد ترمب وصرخاته كانت مثل تمايل خيال مآتة في حقل قمح واسع. ترددت بعض الطيور تحسباً، وعاندت أخرى وحامت. عبَر دونالد ترمب طريقه الثاني إلى البيت الأبيض، وسط نيران ترتفع وتتسع، وطالت رأسه وهو يخطب أمام طوفان من مؤيديه. كان ذلك المشهد الذي اخترقت فيه رصاصة أذنه، وسال منها الدم، ورفع يده متحدياً، كلمة الدم التي رسمت ختم وجوده الأحمر على بساط الشوك الطويل. كل رئيس أميركي له تقاسيم وملامح شخصية وسياسية فارقة. فأميركا إمبراطورية تختلف عن كل ما سبقتها من إمبراطوريات عبر التاريخ. قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية، لها حضور ناعم وعنيف في كل العالم. قاتلت وسالمت وتدخلت في قارات العالم، منذ الحرب العالمية الأولى. ورثت الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية بعد الحرب العالمية الثانية. تفردت بقوتها العالمية بعد غروب شمس الاتحاد السوفياتي.
دونالد ترمب في النصف الأول من هذه السنة، حرَّك الدنيا بالوعد والوعيد، وهدد دولاً ومدَّ يد الأمل لشعوب، ولم يخفِ تطلعه لجائزة نوبل للسلام، لكنّ بحراً من الدم وجبالاً من أجساد الأطفال في قطاع غزة، ترتفع صارخة وتمد يد الضمير الإنساني في وجه طموحه العاصف. هناك يُختبر كل عهده، وليس سنة 2025 فحسب.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: دونالد ترمب
إقرأ أيضاً:
فرق الدفاع المدني أثناء عملها لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض جراء الانفجار الذي وقع في محيط مدينة إدلب
فرق الدفاع المدني 2025-08-14Zeinaسابق قطر تحتل المرتبة 12 عالمياً على مؤشر أداء الاستثمار الأجنبي المباشر لعام 2024 انظر ايضاً إزالة السواتر الترابية في مناطق سهل الغاب لتسهيل حركة المرور
حماة-سانا باشرت فرق الدفاع المدني بالتعاون مع قيادة المنطقة في السقيلبية، ومجلس محافظة حماة، ومكتب …
آخر الأخبار 2025-08-14بازار وفاق في طرطوس القديمة يجمع 55 حرفياً لإحياء التراث السوري والتسويق المباشر 2025-08-14الخارجية تشكر لجنة التحقيق الدولية على تقريرها حول أحداث الساحل وتؤكد انسجامه مع تقرير اللجنة الوطنية 2025-08-14الأمن الداخلي في اللاذقية يلقي القبض على المجرم نصر رسلان 2025-08-14اتفاقيات سياحية جديدة تمهّد لانطلاقة استثمارية واسعة في سوريا 2025-08-14المركزي: البت بشكاوى السحب النقدي من الحسابات المودعة بعد الـ 7 من أيار خلال خمسة أيام 2025-08-14إجراءات لحماية النحل في سوريا من الحرارة المرتفعة 2025-08-14قافلة مساعدات إنسانية تضم 31 شاحنة تعبر ممر بصرى الشام نحو السويداء 2025-08-14موفداً من الرئيس الشرع.. الأمين العام لرئاسة الجمهورية ماهر الشرع يزور البطريرك يوحنا العاشر يازجي 2025-08-13الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية في سوريا تعلن تفاصيل عملها 2025-08-13مباحثات قطرية – تركية في الدوحة حول غزة وسوريا وتعزيز التعاون الثنائي
صور من سورية منوعات المهندس السوري الشاب محمد العبود يطلق منصة عربية شاملة لأدوات الذكاء الاصطناعي 2025-08-13 حيوان برمائي نادر يظهر مجدداً في فلوريدا بعد 33 عاماً 2025-08-13
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |