عربي21:
2025-12-13@02:44:30 GMT

لقاء الشيباني التطبيعي.. خطيئة وليس مجرد خطأ

تاريخ النشر: 27th, August 2025 GMT

في الـ19 من الشهر الجاري، قالت وكالة الأنباء السورية "سانا" إن وزير الخارجية والمغتربين السوري أسعد الشيباني "التقى في باريس وفدا إسرائيليا لمناقشة عدد من الملفات المرتبطة بتعزيز الاستقرار في المنطقة والجنوب السوري".

وذكرت الوكالة أن النقاشات التي تمت بوساطة أمريكية تركزت على "خفض التصعيد وعدم التدخل بالشأن السوري الداخلي، والتوصل لتفاهمات تدعم الاستقرار في المنطقة، ومراقبة وقف إطلاق النار في محافظة السويداء"، إضافة لنقاش "إعادة تفعيل اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 بين الجانبين.



كان هذا الإعلان الرسمي الأول عن لقاء مباشر بين الإدارة السورية الجديدة ومسؤولين من "إسرائيل"، بعد أن كان مسؤولون سوريون نفوا عدة مرات حصول لقاءات بين الجانبين، وبعد أن كان الرئيس السوري أحمد الشرع تحدث سابقا -من باريس نفسها- عن لقاءات "غير مباشرة" بين الطرفين.

الحديث هنا ليس عن رفض التفاوض مع العدو من ناحية مبدئية، ولكن عن كونه تفاوضا من موقف ضعف ودون أوراق قوة من جهة، وبشكل مباشر، في حين كان يكفي التفاوض غير المباشر من جهة ثانية، وبالاعتراف بـ"إسرائيل" من جهة ثالثة
وبطبيعة الحال، أثار الإعلان عن اللقاء جدلا واسعا بين من رأى فيه تطبيعا مع دولة الاحتلال وبين من رآه خيارا اضطراريا لدمشق لوقف الاعتداءات "الإسرائيلية" عليها. ولذلك، يهمنا في هذه السطور توضيح ونقاش الأمر بناء على المعطيات الموضوعية، السياق والتوقيت والخطاب والصياغات والمضمون وغير ذلك.

في المقام الأول، لا بد من الإشارة إلى أن هذا هو الإعلان الرسمي الأول عن لقاء مباشر بين مسؤولين "إسرائيليين" والقيادة الجديدة في سوريا، التي لا تقيم علاقات رسمية أو مباشرة مع دولة الاحتلال، وبالتالي فهي خطوة تطبيعية واضحة وفق المعايير المعروفة للتطبيع. كما أن الصياغات التي تضمّنها الخبر المشار له في وكالة الأنباء الرسمية يحتوي على قرائن تطبيعية واضحة، تخرج اللقاء عن كونه "مفاوضات بين طرفين متحاربين دون الاعتراف"، كما سيأتي تفصيله.

ومن الواضح أن هذا المكسب الكبير بالنسبة لـ"إسرائيل" كان مجانيا ولم يقابله مكسب واضح لسوريا، بغض النظر عن الموقف المبدئي من التطبيع. كما أنه من الواضح أن خطاب التهدئة، ثم التفاوض غير المباشر والمباشر أيضا، لم يحمِ الأراضي السورية من الاعتداءات "الإسرائيلية"، بل على العكس تماما، كان جَرُّ السلطة الجديدة في دمشق للتفاوض أحد أهداف هذه الاعتداءات المتكررة. والحديث هنا ليس عن رفض التفاوض مع العدو من ناحية مبدئية، ولكن عن كونه تفاوضا من موقف ضعف ودون أوراق قوة من جهة، وبشكل مباشر، في حين كان يكفي التفاوض غير المباشر من جهة ثانية، وبالاعتراف بـ"إسرائيل" من جهة ثالثة.

في السياق والتوقيت، لا ينبغي إغفال حرب الإبادة التي تشنها دولة الاحتلال على قطاع غزة منذ ما يقرب من سنتين، والتي دفعت دولا عديدة لإعادة النظر في مستوى علاقاتها الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية معها، بينما تذهب دولة مثل سوريا للقاء تطبيعي. وعلى الهامش كذلك، ينبغي الإشارة لتجنب القيادة السورية الجديدة بوضوح اتخاذ أي موقف علني من هذه الإبادة ولو ببيانات بروتوكولية. حتى تصريحات نتنياهو عن "إسرائيل الكبرى" (التي تعني سوريا مباشرة) لم يصدر موقف سوري مندد بها، إلا بموقف جماعي لـ31 دولة عربية ومسلمة بعد اجتماع وبيان مشترك شاركت به دمشق.

والسياق السوري لا يقل أهمية عما سبق، حيث ما زال احتلال مناطق جديدة (غير الجولان) قائما، فضلا عن تحريض حكومة نتنياهو على الشرع وحكومته، ودعوات تقسيم سوريا العلنية، وادعاء حماية الدروز في السويداء. بل ودخل عدد من المستوطنين للجنوب السوري في نفس اليوم الذي عقد فيه لقاء باريس.

وهنا تتبدى الخطيئة الكبرى، من زاوية وطنية سورية محضة، في اللقاء الأخير، حيث تناول الشيباني -وفق البيان والتصريحات اللاحقة- مع الجانب "الإسرائيلي" شؤونا سورية داخلية؛ من قبيل اتفاق السويداء وإدخال المساعدات. ويتسق مع ذلك الصياغاتُ التي تحدثت عن اللقاء بدءا من "إسرائيل" (بدون معقفين طبعا) وليس دولة الاحتلال، مرورا بالنقاش حول "تعزيز الاستقرار في المنطقة"، والحديث عن "خفض التصعيد" وليس "وقف الاعتداءات"، وكأن هناك اشتباكا بين الجانبين وليس مجرد عدوان "إسرائيلي"، وليس انتهاء بـ"مراقبة وقف إطلاق النار في السويداء".

كما من المهم الإشارة للثقة المبالغ بها في "الوسيط" الأمريكي، الذي بدأ مسار رفع العقوبات عن سوريا، لكنه نفسه -وتحديدا إدارة ترامب- الذي اعترف لـ"إسرائيل" بضم الجولان، وأشار خلال الحملة الانتخابية الأخيرة إلى "مساحة إسرائيل الصغيرة التي ينبغي توسيعها".

الحقيقة الساطعة أن إجبار "إسرائيل" على وقف اعتداءاتها وإعادتها لاتفاق فض الاشتباك (فضلا عن مسألة الجولان السابقة على الاعتداءات الأخيرة) لا يأتي بالتفاوض معها، لأن التفاوض يعني التوصل لحلول وسط ترضي الطرفين أو إقامة العلاقة واستدامة التفاوض بالحد الأدنى، بينما الرد على الاعتداءات مسار آخر
قبل كل هذا وما يبدو أنه سببه الرئيس، ثمة إغفال واضح للمتغيرات المتعلقة بالكيان بعد السابع من أكتوبر 2023، حيث تبنت حكومة نتنياهو نظرية أمنية جديدة تسعى لإخضاع وإضعاف وتقسيم كامل المنطقة وليس فقط غزة أو فلسطين، وليس فقط مواجهة التهديدات القائمة وإنما وأد أي تهديد مستقبلي محتمل من أي طرف، وذلك الدافع الأساسي للعدوان على سوريا التي لا تمثل حاليا أي تهديد لها.

في المحصلة، فنقل العلاقة مع دولة الاحتلال إلى مسار رسمي وعلني ومباشر تطبيع واضح ومدان، لا سيما وأنه لا يقوم على أساس عدم الاعتراف، فالتصريحات والصياغات تحمل اعترافا صريحا وتعاملا وتعاونا ورغبة في إبرام تفاهمات. كما أنه استجابة واضحة لاستدراج الاحتلال للقيادة السورية لمربع التفاوض من منطق ضعف، وبالتأكيد فهو لا يحقق أي مصلحة جوهرية لسوريا بل يفرض عليها تطبيعا مجانيا، ويقحم "إسرائيل" رسميا كطرف معنيٍّ بـ"مراقبة تطبيق اتفاق السويداء" وهو شأن داخلي وسيادي، فضلا عن مخاطر هذا المسار في نهاياته المتوقعة في ظل الرغبات/الضغوط الأمريكية والعربية والإقليمية.

والحقيقة الساطعة أن إجبار "إسرائيل" على وقف اعتداءاتها وإعادتها لاتفاق فض الاشتباك (فضلا عن مسألة الجولان السابقة على الاعتداءات الأخيرة) لا يأتي بالتفاوض معها، لأن التفاوض يعني التوصل لحلول وسط ترضي الطرفين أو إقامة العلاقة واستدامة التفاوض بالحد الأدنى، بينما الرد على الاعتداءات مسار آخر يقوم على خطوات سياسية وقانونية وعسكرية وأمنية مختلفة، تتمسك بالحقوق وترفض الاعتراف وتسعى لحشد الدعم واستجلاب الضغط على "إسرائيل" فضلا عن استجماع أوراق القوة على المدى البعيد. 

وعليه، فاللقاء من حيث التوقيت والسياق والمضمون والأسلوب وتوخي المصلحة السورية الخاصة والموقف العربي العام؛ ليس مجرد خطأ وإنما خطيئة بل خطايا، ينبغي وقفها وإعادة النظر فيها قبل أن تصل مرحلة اللاعودة ضمن قطار التطبيع.

x.com/saidelhaj

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه إسرائيل سوريا تطبيعية التفاوض سوريا إسرائيل تطبيع تفاوض مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على الاعتداءات دولة الاحتلال التفاوض مع فضلا عن من جهة

إقرأ أيضاً:

أسرار خفية| لماذا تصر إسرائيل على الاحتفاظ بهذه المناطق السورية؟

قال الدكتور محمد العزبي، خبير العلاقات الدولية، إن تقرير القناة الإسرائيلية 12 لم يكن مجرد مادة إعلامية عابرة، بل اعتراف صريح يفضح جزءًا من الصفقة الكبرى التي يجري تجهيزها لإعادة تشكيل سوريا وتقسيمها إلى مناطق نفوذ.


وأوضح العزبي خلال مشاركته في برنامج "خط أحمر" الذي يقدمه الإعلامي محمد موسى على قناة الحدث اليوم، أن ظهور رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال جولة تفقدية على حدود جبل الشيخ والقنيطرة، وتصريحه بأن هذه المناطق "يجب أن تبقى تحت السيطرة الإسرائيلية"، يؤكد أن الإسرائيليين يعتبرون تلك المناطق جزءًا من أمنهم القومي، ولا ينظرون إليها باعتبارها أراضي محتلة يجب الانسحاب منها.


وأضاف أن الخطير في الأمر ليس التصريح الإسرائيلي نفسه، بل الصمت المريب من أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، الذي لم يصدر عنه أي رد أو رفض أو تعليق على ما جاء في التقرير، رغم أن المناطق التي تتحدث عنها إسرائيل تقع ضمن نطاق نفوذه.


وقال العزبي:" لم نسمع كلمة اعتراض واحدة من الجولاني… الرجل يتعامل وكأن الأمر لا يعنيه، وهذا وحده يكشف وجود تفاهمات أكبر بكثير مما يظنه الناس."


وأكد أن هذا التقرير الإسرائيلي ينسجم تمامًا مع المعلومات التي كشفها هو والإعلامي محمد موسى في وقت سابق، حول وجود صفقة شاملة تسمح بعودة بشار الأسد ضمن تسويات دولية، مقابل تقسيم مناطق السيطرة بين أطراف مختلفة ضمنها الجولاني وإسرائيل وفق مصالح كل طرف.


وأضاف العزبي أن إسرائيل بدأت تمهيدًا إعلاميًا واضحًا لإثبات حقها في البقاء داخل تلك المناطق، خاصة تلك الغنية بموارد المياه والمواقع الاستراتيجية، في الوقت الذي وافق فيه الجولاني وفق الصفقة على تسليم مناطق تضم موارد الغاز والبترول للجانب الإسرائيلي مقابل بقائه في السلطة داخل منطقته.


واختتم العزبي تصريحه قائلاً: "التقرير الإسرائيلي لم يكشف فقط ما يريدونه… بل أكد بالدليل أن ما تحدثنا عنه سابقًا لم يكن تحليلًا، بل معطيات حقيقية. نحن أمام مشروع كامل لإعادة رسم سوريا، والدول الكبرى هي من تدير اللعبة، بينما يبقى الشعب السوري آخر من يعلم."

طباعة شارك الدكتور محمد العزبي خبير العلاقات الدولية تقرير القناة الإسرائيلية 12

مقالات مشابهة

  • إحنا في دولة مش غابة| محمد موسى منفعلا بسبب التعدي على معلم الإسماعيلية
  • وزير خارجية لبنان: إسرائيل تفصل مسار التفاوض عن إطلاق النار وتحضر لتصعيد كبير
  • أسرار خفية| لماذا تصر إسرائيل على الاحتفاظ بهذه المناطق السورية؟
  • نحو 100 قتيل في هجوم الإنتقالي على حضرموت.. ومعلومات تكشف حجم الإنتهاكات التي ارتكبتها مليشياته هناك
  • الشيباني: إلغاء قانون قيصر إنجاز تاريخي وانتصار للحق ولصمود السوريين
  • إعلام إسرائيلي نقلا عن مسؤول: لقاء نتنياهو وترامب المرتقب سيحدد موقف إسرائيل من التصعيد في لبنان
  • مدير معهد فلسطين للأمن: إسرائيل مستمرة في نهجها دون تغيير تجاه الجنوب اللبناني
  • الشيباني: أدعو إلى استخدام الطرق القانونية لوقف الخروقات الإسرائيلية
  • خبير استراتيجي: “نتنياهو” يحاول إبقاء إسرائيل في حالة حرب
  • باحث سياسي: نتنياهو يدرك ضعف موقفه الانتخابي ويسعى لإبقاء إسرائيل في حالة حرب