منازل حرّان المخروطية بتركيا.. تحفة معمارية تاريخية صامدة أمام حرارة الصيف القاسية
تاريخ النشر: 28th, August 2025 GMT
رغم درجات الحرارة المرتفعة التي يشهدها صيف بلدة حرّان بولاية شانلي أورفا التركية (جنوب)، فإن منازل البلدة ذات القباب المخروطية الفريدة وفرت عبر التاريخ ملاذا طبيعيا باردا من حرارة الجو، مجسدة بذلك عبقرية العمارة القديمة في مواجهة الظروف الطبيعية.
وتعتبر بلدة حرّان من أكثر المناطق جذبا للزوار بفضل طرازها المعماري الفريد المتمثل في المنازل المخروطية ذات القباب العالية، وهي منازل تقليدية قديمة تمثل رمزا للبلدة وواجهة بارزة لتراثها الثقافي والتاريخي.
وأُدرجت هذه المساكن على القائمة المؤقتة للتراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، نظرا لقيمتها التاريخية والمعمارية، ولقدرتها الفريدة على توفير بيئة باردة في واحدة من أشد المناطق حرارة في تركيا.
وتشير الدراسات التاريخية إلى أن جذور هذا الطراز المعماري في حرّان تعود إلى أكثر من 200 عام، حيث يرجح أن بدايات تشييده تعود إلى القرن الثامن عشر، بينما استمر استخدامه حتى بدايات القرن العشرين.
وعلى الرغم من أن السكان توقفوا عن بناء هذه المنازل في العقود الأخيرة بعد ظهور مواد البناء الحديثة، فإن عددا منها ما زال قائما حتى اليوم بفضل جهود الحماية والترميم، مما جعلها رمزا متجذرا في هوية المنطقة ومعلما يجذب السياح من مختلف أنحاء العالم.
وهذه المنازل، التي يقدَّر ارتفاعها بنحو 5 أمتار، بُنيت بعناية فائقة باستخدام الحجارة الكلسية دون الحاجة إلى أي ملاط يربط بين الحجارة، وهو ما يعكس عبقرية البناء التقليدي القائم على استغلال المواد الطبيعية المتاحة في البيئة المحلية.
أما جدرانها الخارجية فهي مغطاة بالطين لتوفير طبقة إضافية من العزل، بينما سُوّيت جدرانها الداخلية بخليط خاص من بياض البيض والتراب والتبن وزيت الورد، الأمر الذي جعلها قادرة على الحفاظ على توازن حراري طبيعي حتى في أصعب الظروف المناخية.
وتُعرف منطقة حرّان بارتفاع درجات الحرارة فيها إلى مستويات عالية تلامس أحيانا 50 درجة مئوية خلال أشهر الصيف.
إعلانولذلك فإن وجود مثل هذه البيوت المخروطية يمثل بالنسبة للسكان المحليين والزائرين على حد سواء نعمة كبيرة، إذ إنها تتيح لهم الاستراحة في أجواء أبرد بكثير من الخارج.
آلية طبيعية للتبريدرئيس قسم الآثار في جامعة حرّان، رئيس بعثة التنقيب في الموقع الأثري بالمنطقة البروفيسور محمد أونال، أوضح أن هذه المنازل تُعتبر من الأماكن الأكثر برودة في البلدة، مشيرا إلى أنها صُممت خصيصا لتوفير بيئة ملائمة لمواجهة الحرارة القاسية.
وأضاف أن اسم "حرّان" نفسه مشتق من كلمة "حرّ" في اللغة العربية، وهو ما يعكس شهرة المنطقة بارتفاع درجات الحرارة فيها منذ القدم.
وأوضح أونال أن ارتفاع قباب المنازل المخروطية جعلها أشبه بآلية طبيعية للتبريد، حيث يتمدد الهواء الساخن داخل الغرف ويرتفع إلى الأعلى، لتبقى الأجزاء السفلية أبرد وأكثر ملاءمة للجلوس والعيش.
وأردف قائلا: "درجة الحرارة حاليا في الداخل تتراوح بين 25 و30 مئوية فقط، أي أننا نتحدث عن فرق في الحرارة مع الخارج يبلغ 15 درجة. وهذا الفارق ليس بسيطا، بل يعني أن الحياة تصبح ممكنة في الداخل رغم شدة الحرارة في الخارج".
وأوضح أن نحو 127 منزلا من هذا الطراز لا يزال قائما ومسجّلا رسميا حتى اليوم.
من جانبه، قال الزائر إبراهيم جليك، الذي جاء مع عائلته من ولاية قيصري (وسط تركيا) لزيارة المنطقة، إن حرارة شانلي أورفا كانت خانقة بالنسبة لهم، لكن دخولهم منازل حرّان غيّر تجربتهم تماما.
وأضاف: "سيارة العائلة سجّلت درجة حرارة بلغت 48 مئوية، لكن بمجرد دخولنا إلى هذه المنازل شعرنا وكأننا على قمة جبل أرجييس في قيصري. الجو في الداخل منعش إلى درجة مدهشة ويمنح الإنسان راحة لا توصف".
أما محيا سونماز القادمة من ولاية قاسطمونو (شمال تركيا)، فقد أعربت عن إعجابها الكبير بجمال البلدة، قائلة: "أكثر مكان وجدنا فيه برودة خلال زيارتنا لشانلي أورفا كان داخل هذه المنازل المخروطية. إنها تجربة لا تُنسى بكل المقاييس".
ولفتت سونماز إلى أن منازل حرّان المخروطية بقيت عبر التاريخ شاهدا حيا على عبقرية العمارة التقليدية، حيث تتجسد الحكمة القديمة في مواجهة الطبيعة القاسية بوسائل بسيطة وفعالة.
وختمت حديثها بالإشارة إلى أن هذه المنازل تحولت إلى معلم سياحي بارز يجمع بين التاريخ والثقافة والابتكار الإنساني.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات هذه المنازل حرارة فی إلى أن
إقرأ أيضاً:
تحذير عالمي: حرارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ترتفع أسرع من أي مكان آخر على الأرض!
انضم إلى قناتنا على واتساب
شمسان بوست / متابعات:
قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.
وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.
وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».
وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.
وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.
وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.
وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.
وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.
وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.
ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.