الجزيرة:
2025-12-13@20:20:30 GMT

مسيحيو غزة: باقون في الأرض رغم القصف والتهجير

تاريخ النشر: 31st, August 2025 GMT

مسيحيو غزة: باقون في الأرض رغم القصف والتهجير

غزة- يُضيق الجيش الإسرائيلي الخناق على مدينة غزة في إطار تمهيده لاحتلالها وتهجير سكانها، وذلك في الوقت الذي يواصل فيه عمليته العسكرية في حي الزيتون الذي تتركز فيه الطائفة المسيحية وتتخذ من محيط الكنائس في البلدة القديمة تجمعا لها.

ويرفض مسيحيو غزة التهديدات الإسرائيلية باحتلال المدينة، وأعلنوا بقاءهم في كنائسهم لخدمة من سيبقون بداخلها رغم الأخطار المحدقة بهم وكثافة القصف الجوي والمدفعي في المناطق المحيطة بهم.

رفض التهجير

وكثفت قوات الاحتلال قصفها للبنايات السكنية المجاورة لتجمع الكنائس في البلدة القديمة بمدينة غزة، بهدف دفع الفلسطينيين للنزوح وترك أماكن سكنهم.

وفي إطار رفض مخططات التهجير قررت بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية والبطريركية اللاتينية في القدس بقاء الكهنة والراهبات في مُجمعي كنيسة مار بورفيريوس للروم الأرثوذكس وكنيسة العائلة المقدسة في مدينة غزة لمواصلة رعاية جميع من سيبقون في رحاب المجمعَين، اللذين تحولا لملاذ لمئات المدنيين، من بينهم كبار السن والنساء والأطفال.

وذكرت البطريركيتان، في بيان مشترك صدر في 26 أغسطس/آب الجاري، أن إعلان الحكومة الإسرائيلية نيتها السيطرة على مدينة غزة، "حيث يقيم مئات الآلاف من المدنيين وتوجد كنائسنا"، بمثابة حكم بالإعدام على أشخاص من ذوي الإعاقة يقيمون منذ سنوات طويلة في مجمع كنيسة اللاتين، ويتلقون الرعاية هناك على يد جمعية مرسلات المحبة.

وأضاف البيان "كما هو الحال بالنسبة لباقي سكان مدينة غزة، سيتعين على اللاجئين الذين احتموا داخل أسوار هذين المجمعين أن يقرروا ما سيفعلونه، حيث يعاني الكثيرون منهم من الهزال وسوء التغذية بسبب الصعوبات التي واجهوها خلال الأشهر الماضية".

وشدد البيان على أن إعلان الحكومة الإسرائيلية أن "أبواب الجحيم ستفتح" يتخذ بالفعل أشكالا مأساوية تشير إلى أن هذه العملية ليست مجرد تهديد، بل حقيقة يجري تنفيذها بالفعل، لكن لا يمكن أن يكون هناك مستقبل قائم على الأسر أو تشريد الفلسطينيين أو الانتقام منهم.

إعلان

وتجزم البطريركيتان بأن هذه ليست الطريقة الصحيحة، ولا يوجد أي مبرر للتهجير الجماعي المتعمّد والقسري للمدنيين.

وأكد البيان ضرورة إنهاء دوامة العنف، ووضع حد للحرب، لعدم وجود مبرر لاحتجاز المدنيين الفلسطينيين كأسرى ورهائن في ظروف مأساوية، كما ناشدت البطريركيتان المجتمع الدولي أن يتحرك لإنهاء هذه الحرب العبثية والمدمرة.

الاحتلال استهدف كافة كنائس ومساجد قطاع غزة منذ عدوانه في 2023 (مواقع التواصل)لا حصانة لأحد

وأسوة بحال جميع سكان غزة، يرفض المسيحيون ترك منازلهم ويفضلون الموت داخلها على إجبارهم على إخلاء المدينة.

وتقيم نور عياد في منتصف العقد الثالث من عمرها في حي تل الهوا جنوب مدينة غزة بعدما دمر الاحتلال منزلها، وترفض فكرة النزوح إلى جنوب القطاع تحت وطأة التهديدات الإسرائيلية.

وتقول نور، للجزيرة نت، إنه لا يوجد مكان آمن في قطاع غزة. وتعرضت للقصف في وقت سابق من الحرب خلال وجودها داخل الكنيسة، في الوقت الذي يدعي فيه الاحتلال أن ما يجري خطأ غير مقصود.

وفقدت نور خلال الحرب زوجها المصاب بمرض الكلى بسبب قلة الرعاية الصحية نظرا لتدمير الجيش الإسرائيلي المستشفيات، وتصر على البقاء مع أطفالها الأربعة داخل مدينة غزة رغم تهديدات الاحتلال المتواصلة باحتلال المدينة، وذلك لأن طريق النزوح صعب جدا ولا يمكن احتماله.

وتشدد نور على أن الاحتلال لا يفرق بين مسيحي ومسلم ويواصل قتله لجميع فئات الشعب الفلسطيني دون وجود حصانة لأحد، قائلة "احنا (نحن) أولاد الأرض".

وتعرض عدد من المسيحيين لتهديدات عبر اتصالات تلقوها من ضباط المخابرات الإسرائيلية الذين هددوهم بالقتل لأنهم يرفضون النزوح وقالوا لهم "بسببكم الناس موجودة وراح نقتلكم".

قتل وتجويع

وقصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على قطاع غزة 3 كنائس رئيسية بشكل مباشر، واستهدفت بعضها أكثر من مرة، ما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة منها وإلحاق أضرار جسيمة بمبانيها التاريخية ومرافقها الخدمية.

وبحسب البيانات الحكومية الرسمية، التي حصلت عليها الجزيرة نت، فإن الجيش الإسرائيلي استهدف خلال عدوانه، كنيسة القديس بورفيريوس للروم الأرثوذكس، وكنيسة العائلة المقدّسة (اللاتين/الكاثوليك) وكنيسة المعمدانيين الإنجيلية في غزة.

وطال الاستهداف الإسرائيلي رجال الدين المسيحيين، في إطار سياسة ممنهجة للقضاء على التنوع الديني والوجود التاريخي الأصيل في القطاع، حيث أسفرت الاعتداءات المباشرة وغير المباشرة عن استشهاد أكثر من 20 فلسطينيا مسيحيا، بينهم نساء وأطفال وشيوخ.

وتجاوزت نسبة الشهداء المسيحيين 3% من إجمالي عدد المسيحيين في غزة، بينهم قساوسة وعاملون في الخدمة الدينية، في انتهاك صارخ للحماية التي يمنحها القانون الدولي الإنساني لرجال الدين ودور العبادة.

وتشير البيانات الخاصة إلى تعمد الاحتلال الإسرائيلي استهداف التجمعات السكنية المسيحية في محيط الكنائس، كما دمر مدارس ومؤسسات مسيحية ومنازل آمنة كانت ملاذا للأسر.

وزادت سياسة الحصار والتجويع معاناة المسيحيين بحرمانهم من المساعدات الإنسانية والمواد الأساسية.

دور العبادة لم تسلم من التدمير الإسرائيلي من بينها مئات المساجد و3 كنائس في قطاع غزة (الجزيرة)تواصل المجازر

ورفضت معظم الطائفة المسيحية في غزة النزوح إلى جنوب القطاع منذ بداية الحرب، وفضلوا البقاء داخل المدينة.

إعلان

كما أن عددا كبيرا منهم رفضوا إجلاءهم إلى خارج القطاع رغم حملهم جوازات سفر عربية وأوروبية، رغم تعرضهم للقتل والتجويع على مدار عامين من الحرب.

وارتكب الجيش الإسرائيلي في الأسابيع الأولى من حربه على غزة مجزرة مروعة عندما استهدف بالصواريخ الحربية باحات المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) التابع لمطرانية القدس الأسقفية أدت لاستشهاد أكثر من 470 فلسطينيا من المرضى والنازحين داخل أسواره.

وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023 قصفت الطائرات الحربية كنيسة بورفيريوس مما أدى إلى انهيار مبنى مجلس وكلاء الكنيسة بالكامل والذي كان يؤوي عددا من العائلات الفلسطينية المسيحية والمسلمة التي لجأت إلى الكنيسة بحثا عن مكان آمن، واستشهد 18 فلسطينيا حينها بالإضافة لفقدان آخرين.

وفي 17 يوليو/تموز من العام الجاري استهدفت الطائرات الإسرائيلية كنيسة العائلة المقدسة في مدينة غزة مما أدى لاستشهاد 3 أشخاص.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات الجیش الإسرائیلی مدینة غزة قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

مسيحيو لبنان.. هويات مشرقيّة صغيرة بين محدودية التمثيل وتحديات الوجود

يشبه لبنان متحفاً حيّاً للطوائف، وفسيفساء مذهبية فريدة من نوعها في محيطه العربي. وقد اتسم تاريخه بالتداخل بين الدين والسياسة، والصراعات على النفوذ وحفظ الهوية، ما جعل منه حالةً فريدةً في الشرق الأوسط، أو ربما استثناءً تاريخياً في تشكيله الطائفي المتنوّع الذي يتجاوز الصورة التقليدية لطوائفه الكبرى المعروفة، والتي لعبت أدواراً محورية منذ استقلاله، مروراً بالحرب الأهلية، وصولاً إلى مرحلة ما بعد الطائف. إذ تختزن ذاكرة هذا البلد الصغير تنوعاً مذهلاً لطوائف ومذاهب، بقي بعضها مجهولاً للكثيرين، تُشكّل جزءاً لا يتجزأ من نسيجه الاجتماعي والثقافي والتاريخي. وفي ظلّ تجاهل إعلاميّ معتاد، بقيت هذه الطوائف في الظلّ، رغم ما تحمله من إرث غنيّ وقصص غير مروية، ودورٍ لا يُستهان به في تشكيل الهُوية اللبنانية، والتأثير على المشهد السياسي والاجتماعي.

من هنا، يخصص موقع "عربي 21" سلسلة مقالات بعنوان "لبنان متحف طوائف الشرق الأوسط" وخصص هذه الحلقة للأقليات المسيحية في لبنان: اللاتين والآشوريين والكلدان، في محاولةٍ جادة وعميقة لإلقاء الضوء على هذه الجماعة، واستكشاف خصائصها وتاريخها وتراثها، والتعرف إلى الدور الذي لعبته وتلعبه اليوم في الواقع اللبناني، بعيداً من الصور النمطية والأحكام المسبقة.

هذه السلسلة ليست مجرد بحثٍ معرفي، بل هي جولةٌ بين مكوّنات مجتمعٍ زاخر بالتنوع، لا يزال رغم صراعاته قادراً على البقاء كأحد أغنى نماذج التعددية في الشرق الأوسط.

تُشكل طوائف اللاتين والآشوريين (السريان الشرقيون) والكلدان جزءًا هامًا وإن كان ضئيلاً من الفسيفساء المسيحية اللبنانية. تتشارك هذه الطوائف في الانتماء إلى المظلة المسيحية، لكنها تتباين في أصولها التاريخية، طقوسها الليتورجية، وواقعها الديموغرافي.

الخصائص الاجتماعية والدينية

تعود نشأة طائفة اللاتين التابعة للكنيسة الكاثوليكية في روما إلى البعثات التبشيرية الأوروبية والإرساليات وكذلك إلى وجود بعض الرعايا الأجانب في لبنان (تجّار، دبلوماسيون، موظفون) الذين يتبعون الطقس اللاتيني. وتُعد هذه الطائفة الأصغر ديموغرافيًا ويتركز أبناؤها في بيروت الكبرى وضواحيها، ويغلب على فئة منهم الاندماج الاجتماعي والمهني ضمن النخب المتعلمة ويُعرَفون بالتوجه نحو التعليم العالي والمهن الحرة. ومن أشهر عائلات اللاتين في لبنان: كفتاوي (أصلها keftago)،  إسكندر، كتانة، منصور، غنطوس، ريشا، الداية، بوشي، سبيللا (Spella)، سيستو (Sisto).

تُشكل طوائف اللاتين والآشوريين (السريان الشرقيون) والكلدان جزءًا هامًا وإن كان ضئيلاً من الفسيفساء المسيحية اللبنانية. تتشارك هذه الطوائف في الانتماء إلى المظلة المسيحية، لكنها تتباين في أصولها التاريخية، طقوسها الليتورجية، وواقعها الديموغرافي.
فيما تعود أصول الآشوريين وهم السريان الشرقيون إلى سوريا والعراق وماردين في تركيا وهي طائفة أصيلة لها امتدادات تاريخية جاءت إلى لبنان في موجات لجوء تاريخية، أبرزها بعد مذابح سيفو عام 1915 وعملية سميل 1933. يتبع أبناء طائفة الآشوريين إلى الطقس السرياني الشرقي (الذي يُعرف خطأً بـ "النسطوري") وهي تُمثل أكبر الأقليات الثلاث التي يتناولها هذا البحث. يتركز أبناؤها في زحلة، وبلدة "الفاكهة" في البقاع الشمالي، وبيروت وبعض ضواحي المتن (مثل سدّ البوشرية والجدَيدة وسن الفيل والدورة) و يتميزون بالحفاظ على لغتهم السريانية الشرقية. ومن أشهر العائلات الآشورية في لبنان: يونان، خوري آغا، قاشا، عائلة كيوركيس/ كوركيس، بايتو، شمعون، مراد.

أما الكلدان فهم بالأصل طائفة سريانية شرقية مثل الآشوريين، لكن الطائفة انفصلت عن كنيسة المشرق واتّحدت مع الكرسي الرسولي (الفاتيكان، روما). وفدوا إلى لبنان بشكل أساسي من العراق في موجات هجرة ولجوء متتابعة، آخرها بعد الحرب الأميركية –البريطانية على العراق في العام 2003 وما تلاها. للكلدان في لبنان وجود ملحوظ خصوصاً في قضاء المتن (مناطق الدورة والجدَيدة وعين الرمانة) وكذلك في مدينة بيروت. ويتميزون بالحفاظ على طقوسهم الكلدانية الخاصة ولغتهم السريانية الآرامية الحديثة. ومن أبرز عائلات الكلدان في لبنان: حكيم، تفنكجي، قصارجي، سـاكي، حنّاوي، تيغو، ورده، موصلي، ترزيخان، كوبلي، زريفة.

إذاً، يمكن تلخيص نقاط الاختلاف الجوهرية بين الطوائف الأقلية الثلاث بأنها تباينٌ لا أكثر، تباين الأصول والطقوس الليتورجية إذ ما زالت طائفة اللاتين متأثرة بالطقس الغربي (الروماني) الذي يجعلها في نظر البعض "أجنبية" وغير أصيلة في المشرق، فيما يتأثر الآشوريون والكلدان بطقوس شرقية (سريانية) مستوحاة من أصولهم المشرقية القديمة ومن تاريخهم المرتبط باللجوء القسري من المشرق رغم أن الكلدان اختاروا الاندماج مع الكنيسة الكاثوليكية، بينما الآشوريون لم يختاروا ذلك.

الأدوار السياسية

من الاستقلال إلى الطائف مروراً بالحرب الأهلية اللبنانية، بقي الدور السياسي لهذه الطوائف الثلاث، محكومًا بـ تحالفاتها الإقليمية والتحاقها بالمظلة المارونية الأكبر، نظرًا لضآلة حجمها، أو محكوماً بتأثير شخصياتها الذين يشغلون مواقع مهنيّة حساسة أو يمتلكون ثروات.

ومن خلال تعداد المحطات المفصلية في تاريخ لبنان السياسي والاجتماعي يتبين أن الطوائف الثلاث ركزت على حماية وجودها وتثبيت مؤسساتها أكثر مما ركزت على لعب أدوارٍ قيادية مؤثرة في مسار الأحداث.

ففي مرحلة السعي للاستقلال (1920 ـ 1943) كان دور اللاتين يتمحور حول الوجود الدبلوماسي والثقافي الغربي وتأثيره. كان بعض أفرادهم يعمل في مؤسسات الدولة الحديثة أو الإرساليات الأوروبية، ما ساهم في صقل النخب اللبنانية. فيما تركز دور الآشوريين على تثبيت وجودهم كلاجئين والسعي للحصول على الجنسية اللبنانية والحقوق الكاملة، بالاعتماد على دعم بعض القوى المسيحية الأكبر فيما اقتصر دور الكلدان على الاندماج الاقتصادي والاجتماعي، من دون دور سياسي فاعل ومستقل نظراً لمحدودية توزعهم الديمغرافي وقلّة عددهم.

أما خلال سنوات الحرب الأهلية (1975 ـ 1990) فلم تنتج أي من الطوائف المذكرو ةحزباً سياسياً خاصاً بها أو ميليشيا خاصة، لكن برزت بعض الشخصيات اللاتينية في مواقع تحالفات داخل الأحزاب المسيحية الأكبر من دون أن يُعرفوا بنحوٍ مباشر على أنهم لاتين، أما الطائفة ككل، فمالت إلى الابتعاد عن الانخراط المباشر، رغم أن بيروت الشرقية التي يتمركز فيها اللاتين تعرّضت للقصف والاشتباكات.

فيما انخرطت فئة من شباب الآشوريين في أحزاب القوات اللبنانية وغيرها من الميليشيات المسيحية للحماية الذاتية، خصوصاً في مناطق المتن (مثل الجدَيدة). كما شكلوا بعض التنظيمات الصغيرة للمطالبة بحقوقهم.

وبقي وضع الكلدان هشًا بسبب ضعف التنظيم الداخلي للطائفة وتفاقم الهجرة لذلك انخرط الكلدان بشكل محدود جدًا في حماية مناطقهم، لكن دورهم كان هامشيًا مقارنة بالطوائف الكبرى.

وأخيراً، خلال مرحلة الطائف (1990) وما تلاها تجلّى دور اللاتين بشكل أساسي من خلال النخب المتعلمة في القطاع المصرفي وسلك القضاء والمناصب الدولية، مستفيدين من الاندماج في النسيج المهني اللبناني من دون تشكيل قوة تصويتية مستقلة ومؤثرة.

بينما كثّف الآشوريون جهودهم للمطالبة بترسيم هويتهم السريانية ضمن القانون، والمطالبة بمقعد نيابي خاص بهم لتعزيز تمثيلهم كطائفة عابرة للحدود. وركز الكلدان على الدفاع عن حقوق المهاجرين الجدد من العراق وسوريا، والعمل على تأمين الإقامة وتسهيل الاندماج، مستفيدين من الدعم الكنسي.

رغم انتماء هذه الطوائف إلى المظلة المسيحية اللبنانية، فإن حضورها السياسي ظلّ هامشيًا عبر مختلف المراحل ولم تُنشئ أي منها تنظيماً خاصاً يحميها في بلد الطوائف والمحاصصة،تجدر الإشارة إلى أن التمثيل النيابي لهذه الطوائف الثلاث غير مباشر رغم أن القانون اللبناني يخصص مقاعد مباشرة للطوائف الـ 18 المعترف بها رسميًا في الدستور. لذلك يتم إدراج التمثيل النيابي للاتين ضمن خانة "الأقليات" المسيحية التي تتشارك في مقاعد محددة أو تتوزع على لوائح الأغلبية في دوائر بيروت فيما يصوّت اللاتين المسجلون في الدوائر الانتخابية الأخرى ولا سيما المتن من دون تخصيص طائفي. ويُذكر أن الطائفة اللاتينية تحظى بمقعد في مجلس بلدية بيروت (مخصّص لطائفة اللاتين في القيد البلدي).

أما الآشوريون والكلدان فليس لهم مقعد مباشر كأفراد لكن، تم إقرار مقعد مخصص لـ "السريان الكاثوليك والأرثوذكس" وكنا قد تحدثنا عنهم في مقال سابق، لذلك ينظر أبناء الطوائف السريانية الأخرى إلى مقعد "السريان" كاسم جامع يمثل هويتهم المشرقية الواسعة (الآشوريون، الكلدان، السريان).

لا بدّ من الإشارة إلى أن المقعد الذي يُشار إليه أحيانًا بـ "مقعد الأقليات المسيحية" في بيروت الأولى (دائرة الأشرفية، الصيفي، الرميل) هو مقعد يتنافس عليه عدد كبير من الأقليات، بما في ذلك اللاتين والكلدان والآشوريون والأرمن الكاثوليك وغيرهم.

الواقع والتحديات

تواجه هذه الأقليات المسيحية الثلاث تحديات عميقة تهدد استمراريتها وتأثيرها في المجتمع اللبناني، وهي تحديات مشتركة لكل الأقليات المسيحية المشرقية. وتتمثل بـ:

-ـ الهجرة والنزيف الديموغرافي: إذ يسجل الآشوريون والكلدان أعلى معدلات الهجرة، بسبب الظروف الاقتصادية في لبنان، وبعضهم ينظر إلى لبنان بوصفه محطة عبور (ترانزيت) للهجرة إلى أميركا وأوروبا وأستراليا، حيث توجد تجمعات كلدانية وآشورية أكبر وأكثر دعمًا واحتضاناً. فيما تستمر فئة من اللاتين في الهجرة لأسباب مهنية أو لعودة الأصول إلى أوروبا.

ـ الاندماج السياسي مقابل الحفاظ على الهوية: يواجه الآشوريون والكلدان تحدّيًا بين الاندماج الكامل في المجتمع اللبناني (لغةً وثقافةً) وبين الحفاظ على لغتهم السريانية/الآرامية وطقوسهم الشرقية الخاصة. كما أنهم يطالبون بـ اعتراف سياسي أوضح يمنحهم تمثيلاً نيابيًا صريحًا.

ـ صعوبة التعبير السياسي المستقل: نظرًا لضآلة العدد، تجد هذه الأقليات صعوبة في تشكيل قوة تصويتية مستقلة، مما يضطرها إلى التحالف مع الطوائف المسيحية الكبرى (كالموارنة والروم الأرثوذكس) أو الذوبان فيها، الأمر الذي يقلل من ظهور قضاياهم الخاصة على الأجندة الوطنية.

ـ التحديات الاقتصادية والاجتماعية: أزمة لبنان الاقتصادية أثرت بشكل خاص على الكلدان والآشوريين، الذين يعتمدون على شبكات دعم اجتماعي أقل رسوخًا مقارنة بالطوائف اللبنانية الكبرى.

في الخلاصة، رغم انتماء هذه الطوائف إلى المظلة المسيحية اللبنانية، فإن حضورها السياسي ظلّ هامشيًا عبر مختلف المراحل ولم تُنشئ أي منها تنظيماً خاصاً يحميها في بلد الطوائف والمحاصصة، ولعل هذا ما يجعل التحديات المستقبلة أكثر صعوبة ومصيرية من تلك التي تواجهها الطوائف الكبرى التي لا تخشى تآكل وزنها الديموغرافي. وفي ظل غياب تمثيل سياسي واضح يعكس خصوصيتها، تعيش الأقليات المسيحية  ولا سيما اللاتين والآشوريون والكلدان أزمة وجودية قد تهدد استمرار حضورها التاريخي في لبنان كمكوّن أصيل من فسيفسائه الطائفية.

مقالات مشابهة

  • إصابة طفلة برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي في رفح
  • الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لإخلاء قرية في جنوب لبنان قبل القصف
  • 4 شهداء ومصابون باستهداف طائرات الاحتلال سيارة في مدينة غزة
  • شهداء ومصابون باستهداف طائرات الاحتلال سيارة في مدينة غزة
  • شهداء ومصابون باستهداف سيارة في مدينة غزة
  • مسيحيو لبنان.. هويات مشرقيّة صغيرة بين محدودية التمثيل وتحديات الوجود
  • حماس: تقرير العفو الدولية مغلوط ويتبنى الرواية الإسرائيلية
  • ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة
  • حل لغز القراءات الغريبة التي سجلتها مركبة “فوياجر 2” لأورانوس عام 1986
  • استشهاد فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي في رفح