تعالوا أحكي لكم حكاية كيس الشيبسي
تاريخ النشر: 2nd, September 2025 GMT
كل هذا الضجيج الذي حدث خلال الأيام الماضية عن ترند «كيس الشيبسي» هذا الترند المدفوع وفقًا لما قاله المؤرخ البريطاني فرانسيس ستونور ساوندرز في كتابه العبقري الكاشف لحقيقة ما يجري حولنا الآن وعنوانه: «من يدفع للزمار».
وقبل الدخول فيما أود طرحه، يجب أن أؤكد أنني لا أقلل من شأن فعل بريء بسيط قامت به ابنتنا «هايدي، فتاة الشيبسي» وبارك الله لها فيما رزقت به، ربما كان أهلها طيبيون يستحقون رزقًا أنعم الله عليهم به، لكن كل هذا الضجيج الغير مبرر الذي حدث شوَّه فعل الفتاة الجميلة، وحَّوله من فعل خير تلقائي بريء إلى تطبيق عملي علني لنظرية مؤامرة تحاك ضد وطننا منذ فترة طويلة.
الكتاب الذي نتحدث عنه اليوم، يكشف جانبًا خفيًا من الحرب الباردة التي نمر بها منذ سنوات طوال، حيث يؤكد «فرانسيس ستونور» أن المعركة لم تكن فقط بالصواريخ والدبابات، بل أيضًا بالكتب، المسرحيات، اللوحات الفنية، والمجلات الفكرية، وحاليًا طبعًا ما يضاف للتطور التكنولوجي الذي حدث، السوشيال ميديا.
فقد صدر هذا الكتاب عام 1999، ويتناول بالتفصيل كيف موّلت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) أنشطة ثقافية وفنية وأدبية في أوروبا والعالم خلال الحرب الباردة للتأثير على المثقفين والرأي العام، ويكشف كيف استخدمت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) الثقافة والفن والإعلام كسلاح ناعم خلال الحرب الباردة لمواجهة الاتحاد السوفيتي.
وأوضح الكتاب كيف تستخدم أجهزة المخابرات العديد من المحاور لتطبيق تدمير الأوطان، وعلينا أن نطبق ما جاء في «من يدفع للزمار» على ما نعيشه اليوم من أحداث ومؤامرات تسعى حثيثة لهدم أوطاننا، مثل: التمويل الخفي، وهو ما نراه اليوم من قضايا غسل الأموال كما حدث مؤخرًا في قضايا مشاهير برنامج «التيك توك» الذين يحاكمون في قضايا غسل أموال بملايين الدولارات.
كذلك آخرين ألقي القبض عليهم وهم نماذج اشتهرت فجأة دون أن يكون لها قيمة حقيقة في المجتمع، بل أن تأثيرها على الوطن والمواطنين غاية في الخطورة، حيث يحظى بالشهرة والمال يمتلكها الأحمق والجاهل والتافه، وليس شرطًا أن يكون مميزًا في عمل ما أو ذو موهبة حقيقية، أو حقق إنجازًا في مجال ما.
كذلك التأثير على الفنون، وهو ما نراه ونتعجب له من دعم للفنانين الذين يظهرون بشكل غير لائق، مثل الفنانون الرجال الذين يرتدون ملابس النساء، والفنانات العاريات بشكل مهين للمرأة، واللاتي يتلفظن بألفاظ خارجة، وإيحاءات لا أخلاقية، جميع هؤلاء مدعومون بشكل مباشر أو غير مباشر.
ناهيك عن الإعلام المأجور والسوشيال ميديا، تلك التي ظهرت في السنوات الأخيرة مع تطور وسائل التكنولوجيا، وما تعج به من برامج تدعو للثقافة الغربية وتعمل على تغييب الوعي وتتفيه العقول وتشويه القيم العربية وتهميش بالرموز أصحاب القيمة، والمساس بكل ما هو مقدس.
هذا إضافة إلى استقطاب المثقفين، فالكثير من الأدباء والفلاسفة شاركوا دون أن يدركوا أن التمويل مصدره مخابراتي، وما تلى ذلك من استبعاد المثقفين والمبدهين الحقيقيين واستبدالهم بالعامة والغوغاء وأصحاب المصالح، وفي حالة من غياب المثقفين الحقيقيين، والمفكرون والمبدعون، وأصحاب الرسالات، تعم الفوضى ويُشوَّه الوعي، وتُختذل الأحلام، وتنفرط الأوطان، وهنا، حذار من ساحة تكتظ بالتافهين، وأبواق تعح بالكاذبين، ومنصات يعتليها المنافقون والمنتفعون والفاسدون والمضللون.
وإن كان «تريند الشيبسي» قد انتشر بطريقةٍ عفوية على اعتبار أنه شيء جميل وإيجابي، فلماذا لم ينتشر «تريند» الطفلة النابغة المصرية «سوسن أحمد » التي أنهت المرحلة الثانوية في سن 9 أعوام، ثم التحقت بكلية بروارد في سن 10 أعوام، وتخرجت في ديسمبر 2021 بدرجة الزمالة في العلوم البيولوجية بمعدل تراكمي مثالي 4.0 (أي الدرجة الكاملة) وبذلك أصبحت في سن 12 عامًا أصغر خريجة جامعية في تاريخ كلية بروارد بولاية فلوريدا الأميركية، كما صمّمت «سوسن » النابغة المصرية، برنامجًا تعليميًا مخصصًا يتماشى مع قدراتها الفائقة.
يذكر أن «سوسن» تساعد زملاءها في دراستهم مما جعلهم يلقبونها بـ «الحبيبة» وهو خير دليل على أنها فتاة استطاعت أن تنجح في حياتها العملية والاجتماعية بتفوق نادر، بينما تسعى لمواصلة تعليمها في جامعة فلوريدا حيث تنوي دراسة البرمجة «بايثون» الكيمياء، وعلم الأحياء، مع توجه خاص نحو الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في الطب، لماذا لم يتحول تفوقها إلى «تريند»؟!
أذكر أيضًا الطفل المعجزة « جونى ماجد » الحاصل على المركز الأول على العالم فى الرياضيات في مسابقة عالمية أقيمت في دولة سنغافورة.
«جوني » طالب بالصف الثالث الابتدائى بإحدى المدارس الخاصة بمحافظة القاهرة، لماذا لم يتحول تفوقه إلى «تريند»؟!
نموذج آخر لشاب من محافظة اسمه «إسماعيل رسلان» الذي كان يستقل سيارة ميكروباص في طريقه لمنزله ووجد تجمع كبير من الأهالي طلب من السائق أن يتوقف، فوجد ميكروباص سقط في الترعة وداخله «15» طفلاً كانوا في طريقهم إلى الحضانة، لم يفكر إسملعيل لحظة بينما يقف الناس يشاهدون غرق الميكروباص ألقى بنفسه فورًا إلى المياه وبحوزته الموبايل الخاص به وحافظة نقوده وأوراقه الشخصية، واستطاع أن ينقذ «14» طفل وطفلة.
وحين بدأ يخرج من المياه صرخت طفلة صغيرة «صاحبتي لسه جوا يا عمو» فعاد لمياه الترعة مرة أخرى يبحث عن الطفلة الأخيرة، لكنه وجد الميكروباص فارغًا، ظل يبحث وفجأة صرخ في الناس يطلب المساعدة فقد وجد الطفلة تحت الميكروباص، وتطوع شخصين ونزلوا معه إلى مياه الترعة واستطاعوا أن يحركوا الميكروباص ووجدوا الطفلة قد فارقت الحياة تحت الميكروباص.
إسماعيل حمل الطفلة وبكى وظل يقول «يارتنى قدرت أنقذها» وفي مساء هذا اليوم حرص إسماعيل على حضور عزاء الطفلة، حاول الأهالي أن يعوضوا إسماعيل عن الموبايل والأموال التي فقدها أثناء إنقاذ أبنائهم لكنه رفض بشدة.
لماذا لم تتحول شهامة وإنسانية «إسماعيل» إلى «تريند»؟!
الكثير الكثير من النماذج المشرفة ذات القيمة الحقيقية العميقة والنبيلة، لماذا لم تصبح «تريند»؟!
هنا يظهر المغزى من ظهور «تريند الشيبسي» وما يشبهه من «تريندات تافهة» مدفوعة وممولة من قبل لجان خفية، لا أحد يعرف كيف ظهرت ولكننا نعرف يقينًا، إلى أين تنتهي لو استمر الأمر على ذلك.
هنا نقول يا سادة أن لنا أوطان نذوب فيها عشقا، وننصهر شوقا في تراب شوارعها وأزقتها وحواريها، فلا تتركوا أسافلها أعاليها.
اقرأ أيضاًحكاية «طفلة الشيبسي» والعجوز.. الصغيرة «هايدي» تعطي الكبار دروسا في الإنسانية
«فتاة الشيبسي».. تنصيب الطفلة هايدي «سفيرة الرحمة» بالمجلس القومي للطفولة والأمومة
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: تريند الشيبسي طفلة الشيبسي
إقرأ أيضاً:
صهاريج عدن.. حكاية حضارة أمة أدركت نعمة الماء وقيمته في مواجهة تحديات الزمن
يمانيون/محسن علي
على سفوح جبل شمسان الشاهق، وفي قلب مدينة كريتر التاريخية بمحافظة عدن جنوبي اليمن (الخاضعة حاليا تحت سيطرة الفصائل المسلحة الموالية لدويلة الإمارات)، تقف “صهاريج الطويلة” كشاهد صامت على عبقرية هندسية يمنية فريدة تمتد جذورها لآلاف السنين، ونظام متكامل لإدارة الموارد المائية وحماية المدينة من الكوارث الطبيعية، مما يجعلها واحدة من أروع الأعمال المعمارية المائية في العالم، وتحفة فنية منقوشة في الصخر، تروي حكاية حضارة أمة أدركت قيمة الماء ونعمته في مواجهة تحديات الزمن وضرورة التكيف مع بيئة قاسية.
جدل النشأة وعبقرية البناء
يحيط الغموض بتاريخ بناء صهاريج عدن، حيث تتعدد آراء المؤرخين والباحثين تشير بعض التقديرات إلى أن تاريخها يعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، في عهد مملكة سبأ، بينما ترجح دراسات أخرى أن من شيدها هم الحميريون، وهناك من يرى أنها نتاج تطور عبر مراحل زمنية متلاحقة، بدءًا من العصور القديمة مرورًا بالعصر الإسلامي، ورغم غياب النقوش التي تحدد تاريخًا دقيقًا، يتفق الجميع على أن هذه المنظومة هي نتاج تراكم معرفي وهندسي فريد.
خطط عبقرية لأهداف استراتيجية
تقع الصهاريج في وادي الطويلة، وهي منحوتة في الصخور البركانية الصلدة لجبل شمسان، أو مبنية بالحجارة والجص المقاوم للماء، وقد صُممت بطريقة عبقرية تضمن تجميع مياه الأمطار الغزيرة التي تهطل على الجبل، وتوجيهها عبر سلسلة من القنوات والسدود إلى الصهاريج المتتابعة.
وظيفة مزدوجة الحماية والتخزين
تكمن العبقرية الهندسية لصهاريج عدن في وظيفتها المزدوجة والحيوية للمدينة، فكانت تعد المصدر الرئيسي لتزويد سكان عدن بالمياه العذبة للشرب والزراعة، وكذلك لتزويد السفن العابرة في الميناء، خاصة في مدينة عانت تاريخيًا من شح المصادر المائية،
والأهم من ذلك، أنها كانت تعمل كمنظومة دفاعية لحماية مدينة كريتر من السيول الجارفة التي تتدفق من جبل شمسان، فبدلاً من أن تجتاح السيول المدينة وتدمرها، كانت الصهاريج تستقبلها وتخفف من اندفاعها وتخزنها، مما يجنب المدينة كوارث دمار الفيضانات الطبيعية.
الأرقام تتحدث.. السعة والترميم الحديث
تشير التقديرات التاريخية إلى أن العدد الأصلي للصهاريج كان يتراوح بين 50 إلى 55 صهريجاً، لكن معظمها طُمر أو أصابه الخراب والأضرار عبر العصور، أما الصهاريج القائمة والمكتملة حالياً، فيبلغ عددها نحو 18 صهريجاً، بسعة تخزين إجمالية تصل إلى حوالي 20 مليون جالون (ما يعادل تقريباً 75,700 متر مكعب، و90مليون لتر ).
وبعد أن اندثرت الصهاريج وأصبحت مطمورة بالكامل تقريبًا، أعيد اكتشافها بشكل كبير من قبل الغزو والاحتلال البريطاني لمدينة عدن عام 1856م، يؤكد بعض المؤرخين أن التعديلات التي تمت حينها من قبل مهندسين بريطانيين تحت مزاعم الترميم غيرت من وظيفتها الأساسية كمصارف لتوجيه المياه إلى خزانات لتجميعها.
مخاطر البناء العشوائي والبسط
وبينما تؤكد التقارير والأخبار المتداولة أن صهاريج عدن تواجه خطر الانهيار ليس بفعل القذائف، بل بفعل معاول الإهمال والبناء العشوائي منذ العام 2015م، تشير بعض المصادر إلى أن عمليات البسط والتجريف تتم بشكل علني على أيدي قيادات وعناصر مدعومة من قبل متنفذين يتبعون ما يسمى بالمجلس الانتقالي الممول من دويلة الاحتلال الإماراتي، مما يعيق محاولة أي جهود للحماية والترميم جراء الاعتداءات من المتنفذين، وقد أثارت ظاهرة الإهمال والبناء العشوائي حفيظة المواطنين والمثقفين، مما أدى إلى إطلاق نداءات وبيانات لإنقاذ الموقع من التدمير الممنهج لهذا المعلم الأثري.
بين القيمة التراثية وتحديات الواقع
على الرغم من صمودها لآلاف السنين ومن أبرز المعالم التاريخية والأثرية والسياحية في اليمن، تواجه الصهاريج اليوم عدة تحديات خطيرة تهدد بقاءها ووظائفها على رأس ذلك: الإهمال وغياب الصيانة وتراكم النفايات والأوساخ، مما يهدد بانسداد قنوات التصريف ويؤثر على سلامة المنشآت التاريخية التي لم تخضع لترميم شامل منذ عقود، بالإضافة إلى انتشار البناء والتوسع العمراني غير المنظم في محيطها، إلا أن التهديد الأكبر الذي واجهته بعد عام 2015 تمثل في الإهمال المتعمد من قبل حكومة الفنادق وأدواتهم واستمرار التعديات العشوائية التي تفاقمت حتى اليوم.
واقع صهاريج عدن اليوم تعد صورة مصغرة لتحديات الحفاظ على التراث في مناطق الغزو والاحتلال، فبعد أن صمدت المنظومة الهندسية لآلاف السنين في وجه الطبيعة، أصبحت مهددة بالزوال بسبب الإهمال والفوضى العمرانية والدمار المتعمد منذ أن جثم تحالف العدوان في السيطرة العسكرية الميدانية عليها تحت مزاعم التحرير، وكذلك يفعلون.
#صهاريج_عدن#معالم_تاريخية_وأثرية_يمنية