morizig@hotmail.com

إن أهم ما جاءت به الشرائع السماوية على المستوى الاجتماعي والسياسي هي تلك الحقوق والمباديء الدستورية الخالدة التي لا يختلف على نبلها وصحتها إثنان ولو إختلفت توجهاتهما الفكرية والعقدية، وذلك لأنها حقوق دستورية عامة تصلح لكل زمان ومكان وجنس ودولة، والشاهد على عالميتها أن الأنبياء أنفسهم لم يختلفوا عليها بل دعوا أقوامهم لها بالرغم من إختلاف الزمان والمكان بينهم.


والشريعة الدستورية تختلف من الشريعة القانونية في الشكل والمضمون، فالأولى {أي الدستورية} هي الأصل الثابت الجامد المحكم الذي يرسي المباديء العامة للحكم، والثانية {أي القانونية} هي التابع المتحرك أو الفرع المرن الذي ينظم ويراقب تنزيل تلك المباديء على أرض الواقع. ففي الشريعة الدستورية نجد أن الله تعالى أوصى بمباديء أساسية كحدٍ أدنى لبناء المجتمعات الإنسانية عموماً وبالأخص المجتمع المسلم أو مجتمعات الرسالة أيّاً كان زمانها ومكانها.
فالقاريء الذي يقرأ القرآن بنظارة الدستوريين يجده يفيض بتلك المباديء فيضاً، وبجد فيه مباديء دستورية شديدة الوضوح وأخرى مستنبطة بالإجتهاد من روح النصوص، وعند الفحص والتأمل سيجدها جميعاً تصلح لتكون بنوداً دستورية في دستور أي دولة من الدول بأي صياغة من الصيغ الحقوقية في أي زمان من الأزمنة.
فمثلاً نجد القرآن الكريم يأمر بإقامة العدل في المجتمع ويترك للمجتمع الكيفية والآلية التي يحقق بها ذلك العدل مراعياً إختلاف الزمان والمكان. ويأمر بالشورى ويترك للناس تطوير مواعينها وآلياتها التي تواكب العصر، ويأمر بالقضاء على الفساد ومحاربته ويترك للمجتمع الكيفية والآلية التي يحارب بها الفساد. ويأمر بالتراحم ويترك للمجتمع الكيفية والآلية التي تحقق له التكافل والتراحم. وينهى عن البغي ويأمر بمحاربة البغاة بالكيفية والآلية التي يراها المجتمع. وهكذا هو المنوال القرأني في كل المباديء الدستورية التي جاء بها وجاءت بها من قبله الكتب السماوية المعروفة لتؤكد وحدانية المصدر ووحدانية المبدأ، والمباديء التي جاءت بها الأديان كثيرة جداً ومتجانسة ليس هذا مكان إحصائها.
والشريعة الدستورية جعلت من بعض السلوكيات الفردية والجماعية جرائم، وبالتالي لا يحق لبرلمان أي شعب مؤمن أن يخرجها من دائرة الجريمة الى دائرة المباح. فمثلاً جعلت الشريعة الدستورية القتل جريمة، والميسر جريمة، وشرب الخمر والمخدرات جريمة، وجعلت الزنا واللواط والسرقة والقذف وإشانة السمعة جرائم. وهذه الجرائم يجب أن يُنص عليها في الدستور كمباديء عامة ومن ثمّ تفرع لها القوانين التي تتضمن عقوباتها التعزيرية المدنية بكل وضوح بهدف إصلاح نفوس من قام بها.

الشريعة القانونية:
أما الشريعة القانونية فتتمثل في القوانين الجنائية والمدنية التي تتفرع من النصوص الدستورية لتنظيم حياة الناس الإقتصادية والإجتماعية والروحية والتعليمية والصحية والأمنية....الخ. هذه القوانين تعتبر إنعكاس لروح الدستور ومبادئه وقيميه وأصوله. وإذا أحصينا القوانين الموجودة فعلاً في المجتمع المسلم فسنجد أن 95% منها قوانين مدنية بمعنى أنها إجتهادات قديمة متجددة من وضع البشر في إطار الشريعة الدستورية. ومن الفهم الخاطيء جداً الإعتقاد أن كل القوانين هي وحي رباني لا يجوز المساس بها، أو أن كل القوانين موجودة في كتاب الله العزيز! ومن يبحث عن قوانين تنظيم حركة المرور مثلاً فلن يجدها في أي كتاب من الكتب السماوية، ولكن قطعاً سيجد لفكرة التنظيم وتسهيل حياة الناس قاعدة شرعية دستورية تستند إليها.
فإذن الشريعة الدستورية هي وحي رباني من غير شك ولا مراء، أما القوانين والعقوبات المتفرعة منها فمعظمها مدنيٌ إجتهادي يستند على أصل من أصول تلك القواعد الدستورية العامة، ولهذه نجد أن هذه الإجتهادات التشريعية قابلة للصواب والخطأ على مستوى الفكرة والتنفيذ معاً. ومن طبيعة القانون - كوسائل وآليات- المرونة والتغير، وفي رأيي الخاص أنّ التغيير يشمل حتى العقوبات الشرعية المنصوص عليها في القرآن الكريم، فهي في نظري قابلة للتجديد بحكم طبيعتها القانونية المتفرعة المتحركة، ولي مقال بهذا الخصوص بعنوان "اجتهاد جديد في مفهوم العقوبات الشرعية" وضحت فيه حججي فاليراجعه من شاء الإستزادة.
فإذن كل القوانين بالإستقراء نجدها قابلة للإجتهاد والتغيير بحكم المكان والزمان، أما الشريعة الدستورية على مستوى المباديء والقيم والأحكام الدستورية فلا مجال فيها للإجتهاد اللّهم إلا إجتهاداً في الكيفية والألية أو زيادة قيم غير متعارضة مع الدين فرضها الزمان وأجمع عليها الناس، وفي هذه الحالة تعتبرالشريعة الدستورية هي الحد الأدنى الذي تبنى عليه أي زيادة.
وقد يعمل مجتمع غير مسلم بالشريعة الدستورية وهو لا يشعر، وذلك ليس بغريب لأن مباديء هذه الشريعة الدستورية متأصلة في النفس البشرية التي فطرها خالقها تعالى عليها. فكل إنسان سوي الفطرة بغض النظر عن دينه أو فكره تجده يحب العدل ويكره الإستبداد، وينفر من القتل ويشمئز من الفساد .....الخ، ولكن الفارق بيننا وبين هذا الإنسان السوي هو أننا نتعبد ونتقرب لله تعالى بهذه المباديء على أنها رزق ولطف بنا منه، وهداية لنا ورحمة بنا، وهنا لا ندعي أننا قد توصلنا إليها علي علم عندنا. وحتى تتضح الفكرة نقول: لا شك أننا كلنا نأكل ونشرب، ولكن منا من يتقرب الى الله بهذا الأكل والشرب حمداً وشكراً، ومنا من يمر على هذه النعم مرور الكرام ولا يلتفت لصاحبها ولا يعبده شكراً وحمداً على نعمه وآلائه. هذا هو الفرق بين جعل العادة عبادة وبين حجاب العادة للعبادة.

الشريعة الدستورية والحكم المدني:
ومن أهم ما يجب أن يعرفه الشباب عن الشريعة الدستورية هو أنها تجعل الحكم مدنياً يستشار فيه الشعب وجوباً وليس منةً أو تصدقاً عليه. والشعب هو الذي يختار من يحكمه، ويختار مواعين الحكم، ووسائل الحكم، وفترة الحكم، ويصحح الإجتهادت الخاطئة، ويرفض القوانين الضارة بمصلحته، ويحاسب على كل صغيرة وكبيرة أي شخص مهما كانت مكانته، وكل ذلك في ظل مباديء دستورية ربانية عادلة لا تتبدل ولا تتغير ولا تجور ولا تحابي وولا تقصي ولا تظلم أحدا.  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

الدستورية تفصل اليوم فى قانون الإيجار بشأن إخلاء الأماكن المؤجرة.. تفاصيل

تصدر المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار بولس فهمى، اليوم الأحد، حكمها فى  الدعوى المطالبة بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (18)من قانون إيجارات الأماكن الصادر بالقانون رقم 136 لسنة 1981، و"اليوم السابع" يوضح في النقاط التالية نصوص المواد التي سيتم الكم فيها من قبل المحكمة الدستورية اليوم.

وتطالب الدعوى أولاً : بعدم دستورية صدر الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنه من إطلاق عبارة " لا يجوز للمؤجـر أن يطلب إخلاء المكـان، ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد،... "، لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها فى غير غرض السكنى، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

مادة 18 - لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد إلا لأحد الأسباب الآتية:


( أ ) الهدم الكلى أو الجزئى للمنشآت الآيلة للسقوط والإخلاء المؤقت لمقتضيات الترميم والصيانة وفقا للأحكام المنظمة لذلك بالقوانين السارية.


(ب) إذا لم يقم المستأجر بالوفاء بالأجرة المستحقة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تكليفه بذلك بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول دون مظروف أو بإعلان على يد محضر ولا يحكم بالإخلاء إذا قام المستأجر قبل إقفال باب المرافعة فى الدعوى بأداء الأجرة وكافة ما تكبده المؤجر من مصاريف ونفقات فعلية،
ولا ينفذ حكم القضاء المستعجل بطرد المستأجر من العين بسبب التأخير فى سداد الأجرة إعمالا للشرط الفاسخ الصريح إذا ما سدد المستأجر الاجرة والمصاريف والأتعاب عند تنفيذ الحكم وبشرط أن يتم التنفيذ فى مواجهة المستأجر.


فإذا تكرر امتناع المستأجر أو تأخره فى الوفاء بالأجرة المستحقة دون مبررات تقدرها المحكمة حكم عليه بالإخلاء أو الطرد بحسب الأحوال.


(جـ) إذا ثبت أن المستأجر قد تنازل عن المكان المؤجر, أو أجره من الباطن بغير إذن كتابى صريح من المالك للمستأجر الأصلى, أو تركه للغير بقصد الاستغناء عنه نهائيا وذلك دون إخلال بالحالات التى يجيز فيها القانون للمستأجر تأجير المكان مفروشا أو التنازل عنه أو تأجيره من الباطن أو تركه لذوى القربى وفقا لأحكام المادة 29 من القانون 49 لسنه 1977


(د) إذا ثبت بحكم قضائى نهائى أن المستأجر استعمل المكان المؤجر أو سمح باستعماله بطريقة مقلقة للراحة أو ضارة بسلامة المبنى أو بالصحة العامة أو فى أغراض منافية للآداب العامة.


ومع عدم الإخلال بالأسباب المشار إليها لا تمتد بقوة القانون عقود إيجار الأماكن المفروشة.







مشاركة

مقالات مشابهة

  • الدستورية تفصل اليوم فى قانون الإيجار بشأن إخلاء الأماكن المؤجرة.. تفاصيل
  • عثمان ديمبيلي يحتفل بالكأس رفقة زوجته وعائلته
  • جمال عبدالرحيم: قانون 180 لسنة 2018 يحتوي العديد من النصوص غير الدستورية
  • إدريس كامل يؤدي اليمين الدستورية رئيسا لوزراء السودان
  • جمال عبدالرحيم: قانون 180 لسنة 2018 بحتوي العديد من النصوص غير الدستورية
  • كامل إدريس يؤدي اليمين الدستورية رئيسا للوزراء في السودان
  • نقابة الفنانين تعلن خطة عملها في العام الحالي والأولوية لتعديل القوانين والنهوض بالاستثمار
  • العلاقة الإيجارية ليست ملكية .. محام بالنقض يوضح تفاصيل حكم الدستورية
  • سنتخذ الإجراءات القانونية.. أول رد من الجامعة الحديثة بشأن وقوع مشاجرة
  • الذبح في عيد الأضحى….دليل للاتباع الصحيح وفق الشريعة