مسؤولون لـ"الرؤية": إجراءات مُحكمة لمنع الاحتكار.. والاندماجات تُعيد تشكيل الأسواق
تاريخ النشر: 1st, June 2025 GMT
الرؤية- ريم الحامدية
أكد مختصون في وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار أن التركيز الاقتصادي لا يجب أن يتحول إلى احتكار، مشيرين إلى أن مسار الاندماجات والاستحواذات والمشروعات المشتركة في السلطنة بات يشكل منعطفًا حاسمًا في إعادة تشكيل خارطة السوق العمانية.
وأكدت التحليلات المبكرة لخبراء المنافسة ضرورة وجود إطار قانوني رادع يحول دون سيطرةٍ مفرطةٍ لجهاتٍ محدودةٍ على الحصة السوقية، وهو ما يتوافق مع توجُّهات الدولة نحو تنويع الاقتصاد وضمان أمن استثماري يعزز من فرص المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وفي تصريحات خاصة لـ"الرؤية"، بيَّن أحمد بن سالم الراسبي المدير العام لمركز حماية المنافسة ومنع الاحتكار بوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، أن التشريعات المُنظِّمة لهذه العمليات تجسّد حرص السلطنة على خلق بيئة اقتصادية متوازنة تحمي المستهلكين وتفتح المجال أمام المستثمرين على حد سواء، مؤكدًا أن التزام الشركات بهذا النظام لا يقتصر دوره على ضبط المنافسة فحسب؛ بل يُسهم في تأمين نموٍ مستدام يخدم كافة الأطراف الاقتصادية
وأكد المدير العام لمركز حماية المنافسة ومنع الاحتكار بوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، أن التركيز الاقتصادي- بما يشمله من اندماجات واستحواذات ومشروعات مشتركة- بات من أبرز الظواهر التي تُعيد رسم خارطة السوق في سلطنة عُمان، مؤثرًا بشكل مباشر على درجة التنافس بين المنشآت.
وأوضح الراسبي أن سلطنة عُمان، وفي ظل توجهاتها نحو التنويع الاقتصادي، أدركت مبكرًا أهمية وجود إطار قانوني يُنظم هذه العمليات ويحُد من الممارسات التي قد تؤدي إلى إساءة استغلال الوضع المهيمن أو تقويض حرية الدخول إلى السوق. وأكد أن قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار يُعد الإطار الذي يضع معايير واضحة لرقابة عمليات التركيز الاقتصادي، بما يضمن حماية بيئة السوق ومصالح المستهلكين.
وشدد الراسبي على أن التزام الشركات بالمنظومة القانونية للمركز لا يحمي السوق من الاختلال فحسب، بل يُهيئ الأرضية لنمو مستدام يخدم الجميع من مستهلكين، ومستثمرين، وشركاء تجاريين. وأضاف المدير العام لمركز حماية المنافسة ومنع الاحتكار بوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، أن السوق النزيه ليست مسؤولية الدولة فقط، بل هي مسؤولية مشتركة تتطلب يقظة تشريعية، واستجابة تنظيمية، وتعاونًا جادًا من القطاع الخاص.
من جانبها، أوضحت وهيبة بنت راشد الهنائية الباحثة الاقتصادية بمركز المنافسة ومنع الاحتكار بوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، أن التركيز الاقتصادي لا يتجلى فقط في الاندماجات أو الاستحواذات؛ بل يشمل كذلك المشاريع المشتركة، التي تُنشأ بهدف التكامل أو التوسع. وقالت إن هذه العمليات غالبًا ما تسعى لزيادة الحصة السوقية وتحقيق الكفاءة، لكنها قد تُشكل تهديدًا للمنافسة إذا لم تخضع لضوابط تنظيمية واضحة. وبيّنت أنه من هنا، يأتي دور مركز حماية المنافسة ومنع الاحتكار، الذي يقوم بجهود رقابية وفنية وقانونية لضمان أن هذه العمليات لا تُخل بتوازن السوق.
وقال سلطان بن ناصر المعولي رئيس قسم الرقابة على طلبات التركيز الاقتصادي بمركز المنافسة ومنع الاحتكار، إن تقديم الطلب للمركز يُعد إجراءً قانونيًا إلزاميًا لأي صفقة من شأنها أن تُحدث تغييرًا جوهريًا في هيكل السوق، مشددًا على أهمية التقديم المبكر لتجنّب رفض الصفقة أو فرض الغرامات. وأوضح أن الامتثال لهذه الإجراءات لا يعكس فقط التزام المنشآت بالشفافية؛ بل يُسهم أيضًا في خلق بيئة جاذبة للاستثمار المحلي والأجنبي، ويدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي تمثل العمود الفقري لأي اقتصاد ديناميكي.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: حمایة المنافسة ومنع الاحتکار الترکیز الاقتصادی
إقرأ أيضاً:
غرامة إنتل تعود للواجهة.. فصل جديد في أطول معارك الاحتكار الأوروبية
بعد أكثر من 15 عامًا من الجدل القانوني، عادت قضية الاحتكار التي تلاحق شركة إنتل منذ عام 2009 إلى دائرة الضوء من جديد، بعدما أفادت وكالة رويترز بأن الشركة الأميركية العملاقة ستضطر لدفع غرامة كبيرة مرتبطة بممارسات منافية للمنافسة تعود إلى أوائل الألفية.
وبرغم أن إنتل نجحت في تقليص جزء من المبلغ، فإن الحكم الأخير يؤكد أن الصراع القانوني بين الشركة والمفوضية الأوروبية لم ينتهِ بعد.
بداية القصة: سوق مشتعل وحرب معالجاتفي عام 2009، كانت سوق الحوسبة المحمولة تمر بنمو سريع، وكانت أجهزة الكمبيوتر المحمولة الصغيرة، أو ما كان يُعرف حينها بـ"النتبوك"، تسيطر على اهتمام المستهلكين.
وسط تلك المنافسة المحمومة بين الشركات المصنعة للمعالجات، اتهم الاتحاد الأوروبي شركة إنتل بارتكاب انتهاكات واضحة لقوانين مكافحة الاحتكار.
التحقيقات أثبتت في ذلك الوقت أن إنتل مارست ضغطًا غير قانوني على المصنعين، عبر خصومات سرية تهدف إلى تهميش منافستها الأبرز AMD.
ولم تتوقف المخالفات عند هذا الحد؛ فقد قدمت الشركة مدفوعات مباشرة لشركات مثل إتش بي وأيسر ولينوفو بين عامي 2002 و2006 بهدف إبطاء أو إيقاف إنتاج أجهزة تعمل بمعالجات AMD، وهي ممارسات صُنفت ضمن "القيود الصريحة" التي تضرب المنافسة في صميمها.
غرامة أولى تُلغى.. وغرامة ثانية تصمدعندما فرض الاتحاد الأوروبي الغرامة الأولى في 2009، بلغ حجمها 1.06 مليار يورو، وهي واحدة من أكبر الغرامات في تاريخ قضايا الاحتكار الأوروبية، لكن رحلة القضية داخل أروقة القضاء الأوروبي كانت طويلة ومعقدة. ففي عام 2017، طالبت أعلى محكمة أوروبية بإعادة تقييم القضية، معتبرة أن التحليل الاقتصادي للضرر الذي لحق بالمنافسين لم يكن كافيًا.
وفي تطور مهم عام 2022، ألغت ثاني أعلى محكمة في أوروبا الحكم المتعلق بالخصومات الخفية، وهو ما أيدته محكمة العدل الأوروبية العام الماضي، ليتم إسقاط هذه الغرامة الضخمة بالكامل.
لكن الغرامة الثانية المتعلقة بالقيود الصريحة كانت أكثر صلابة من الأولى. فقد ثبتت المحاكم الأوروبية هذا الجزء من القضية في عام 2023، ما دفع المفوضية إلى فرض غرامة جديدة قيمتها 376 مليون يورو. إنتل لم تستسلم وقدمت طعنًا جديدًا، لكنها لم تنجح سوى في تقليص المبلغ إلى 237 مليون يورو فقط.
لماذا استمرت القضية كل هذه السنوات؟السبب بسيط ومعقد في آنٍ واحد: قضايا الاحتكار في أوروبا تخضع لمراجعات دقيقة للغاية، وتشمل تقييمات اقتصادية وتحقيقات فنية وشكاوى من المنافسين ومرافعات قانونية طويلة. كما أن الشركات العملاقة مثل إنتل تمتلك القدرة على الطعن في كل قرار تقريبًا، ما يطيل مدة النزاع لسنوات قد تمتد لأكثر من عقد كما يحدث الآن.
هذه القضية تحديدًا كانت فريدة بسبب طبيعتها، إذ تضمنت شقين مختلفين:
الأول يتعلق بمنح خصومات سرية للمصنعين بشرط عدم استخدام معالجات AMD، والثاني يتعلق بمدفوعات مباشرة لإيقاف خطوط كاملة من الأجهزة. الأول سقط لعدم كفاية الأدلة الاقتصادية، أما الثاني فظل قائمًا باعتباره ممارسة واضحة تخالف قوانين المنافسة.
بالرغم من أن الحكم الأخير يلزم إنتل بدفع غرامة جديدة، إلا أن الطريق لم يُغلق تمامًا. فلا تزال أمام الشركة والمفوضية الأوروبية فرصة للجوء إلى محكمة العدل الأوروبية، ولكن فقط للطعن في الجوانب القانونية، وليس في تقييم الوقائع نفسها.
بمعنى آخر، القضية تبدو وكأنها وصلت إلى محطتها قبل الأخيرة، لكنها ليست النهاية الكاملة بعد. فإنتل لم تحصل على البراءة الكاملة، والمفوضية لم تحقق انتصارًا مطلقًا. وبين هذا وذاك، تستمر واحدة من أطول معارك الاحتكار في تاريخ التكنولوجيا.
معركة تتجاوز الغراماتهذه القضية ليست مجرد أرقام وغرامات، بل درس مهم في كيفية تعامل الاتحاد الأوروبي مع عمالقة التكنولوجيا. فالاتحاد يسعى دائمًا إلى ضمان سوق تنافسية عادلة، خصوصًا في القطاعات التي تحدد مستقبل الاقتصاد الرقمي.
واليوم، ورغم مرور أكثر من 20 عامًا على بداية الأحداث، ما زالت آثار تلك الممارسات تُذكر الجميع بأن القرارات التي تتخذها الشركات الكبرى قد تظل تطاردها لعقود.
إنتل ربحت بعض الجولات وخسرت أخرى، والغرامة انخفضت لكنها لم تُلغَ. القضية التي بدأت بممارسات تعود إلى 2002 انتهت الآن بحكم جديد، ربما يكتب الفصل قبل الأخير في هذه الملحمة القانونية.