10 شتنبر، 2025

بغداد/المسلة: فتحت عملية إطلاق سراح الباحثة الإسرائيلية الروسية إليزابيث تسوركوف الباب واسعاً أمام أسئلة حساسة تتجاوز قصة خطف فردي، لتلامس طبيعة توازن القوى في العراق ومكانته بين صراع النفوذ الإقليمي والحسابات الدولية. وجاء الإعلان المتزامن من رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني والرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليؤشر إلى أن القضية لم تكن محلية فقط، بل تحولت إلى ملف تفاوضي متعدد الأبعاد تتقاطع فيه الرسائل الأمنية والسياسية.

رهائن السياسة

ووضعت حادثة الاختطاف وما تلاها من إفراج العراق في قلب معادلة معقدة، حيث تتحول حياة الأفراد إلى أوراق مساومة بين فاعلين محليين ودوليين. وأبرزت تصريحات السوداني حرصه على تثبيت صورة الدولة العراقية القادرة على ضبط الأمن ورفض تحويل أراضيها إلى ساحة تصفية حسابات، بينما عكست مداخلة ترامب توظيف الحدث كمنصة لتأكيد التزامه بحماية المواطنين والضغط على حركات أخرى مثل حماس عبر خطاب رمزي متشدد.

معركة السرديات

وأنتجت القضية روايات متباينة حول هوية تسوركوف ودورها في العراق. فبينما وصفتها المصادر الغربية بباحثة أكاديمية في إطار أطروحتها بجامعة برينستون، ركزت أوساط عراقية على نشاطها في تتبع الفصائل المسلحة والتيار الصدري، ما منح عملية اختطافها أبعاداً أمنية واستخبارية إضافية. وأسهم هذا التضارب في تشكيل سردية مزدوجة: باحثة شابة من جهة، و”عنصر مراقبة” محاط بالشكوك من جهة أخرى، وهو ما غذّى حساسية الملف داخلياً.

حسابات النفوذ

وأظهرت طريقة إدارة الملف أن الفصائل العراقية ما زالت تمسك بمفاتيح ضغط على الدولة المركزية، وأن تحرير الرهينة لم يكن مجرد إنجاز أمني بقدر ما كان اختباراً لعلاقة بغداد مع واشنطن وتل أبيب وموسكو في آن واحد. وفرضت الواقعة نفسها ضمن سياق الصراع الأمريكي الإيراني الممتد على الأرض العراقية، حيث يتحول كل ملف إنساني إلى مرآة لحرب أوسع على الشرعية والنفوذ.

رسائل ما بعد الإفراج

وأعاد الإفراج عن تسوركوف التذكير بضعف الحماية التي يحظى بها الباحثون الأجانب والصحفيون في العراق، وأعاد طرح أسئلة حول قدرة بغداد على حماية سمعتها في الخارج، خصوصاً مع تزايد الانتقادات الدولية حول بيئة الخطف والتهديد. كما بدا لافتاً أن واشنطن لم تتردد في ربط هذه القضية بمصير رهائن آخرين في غزة، ما يعكس سعيها لاستثمار الحدث في ساحة أوسع من حدود العراق.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: فی العراق

إقرأ أيضاً:

قنصلية أمريكية عملاقة في أربيل: حصن يعزز نفوذ واشنطن بكردستان ضد نفوذ طهران في بغداد

11 دجنبر، 2025

بغداد/المسلة: يبرز تشكيل الحكومة الجديدة في بغداد كساحة حيوية لتوازن القوى الإقليمية، حيث ترى الدول المؤثرة في العراق مجالاً استراتيجياً للحد من نفوذ طهران.

وينعكس هذا التوتر مباشرة على هوية رئيس الوزراء المقبل، وشكل الائتلاف الحاكم، وبرنامجه السياسي والاقتصادي خلال الأربع سنوات المقبلة، في ظل انتخابات نوفمبر التي أكدت سيطرة الإطار التنسيقي الشيعي على ثلث المقاعد النيابية.

ومع ذلك، يفرض التوازن الصعب تحدياته، إذ تسعى دول مثل الولايات المتحدة ودول الخليج إلى حكومة تتبنى سياسة خارجية متوازنة، بعيداً عن الإنحياز الكامل لإيران.

و يتجلى هذا في ضغوط واشنطن لنزع سلاح الفصائل المسلحة المدعومة من طهران، مقابل مخاوف أوروبية من تهديدات الطاقة، حيث يُعتبر العراق مفصلاً أمنياً واقتصادياً يضمن تدفق النفط إلى الأسواق العالمية.

من جانب آخر، يعكس التنافس الإيراني-السعودي صراعاً أعمق، يمتد إلى الولايات المتحدة مقابل إيران، وتركيا أمام دول الخليج.

وتدعم الفصائل المسلحة الشيعية التحالف مع طهران، مما يعقد مفاوضات الإطار التنسيقي مع الكتل السنية والكردية، بينما تسعى أنقرة إلى تعزيز نفوذها عبر اتفاقيات مائية وطاقة مع بغداد، في محاولة للحد من التمدد الإيراني.

في الوقت نفسه، يظهر رضا إقليمي متزايد عن مسار العراق الحالي، خاصة في انفتاحه الاقتصادي مع دول الخليج، الذي يشمل صفقات نفطية واستثمارات سعودية وإماراتية.

ويعزز ذلك الرضا الأمريكي الواضح من استمرار الشراكة الأمنية والاقتصادية مع بغداد، حيث أكد مبعوثو الرئيس ترامب التزامهم بدعم حكومة تكبح الفصائل الإيرانية المتحالفة.

ثم إن افتتاح قنصلية أمريكية عملاقة في أربيل، كأكبر قنصلية أمريكية في العالم، يحمل رسالة حاسمة بأن واشنطن تنوي تكريس وجود طويل الأمد في العراق، مع التركيز على إقليم كردستان كنقطة ارتكاز إضافية.

و يغطي المجمع الواسع 206 آلاف متر مربع بتكلفة 800 مليون دولار، ويرمز إلى انتقال قوات أمريكية من بغداد إلى الشمال، لتعزيز الاستقرار أمام تهديدات داعش المتبقية والفصائل المعادية.

ويواجه السياسيون العراقيون مفترق طرق يحدد ما إذا كانت الحكومة المقبلة ستعمق التوازن الإقليمي أم تعيد إشعال الصراعات، وسط آمال شعبية في إصلاحات اقتصادية حقيقية. يبقى الرهان كبيراً على قدرة بغداد على التنقل بين الضغوط الخارجية، لتحقيق استقرار يفوق التوازنات الراهنة.

 

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • غوتيريش: نغلق اليوم إحدى صفحات التعاون مع العراق ونفتح أخرى
  • الأمين العام للأمم المتحدة: نقدر التزام الحكومة العراقية بالمضي قدما في خطط التنمية
  • مخاوف إنسانية وسياسية بعد الرحيل الأممي عن العراق
  • غوتيريش في بغداد وبعثة الأمم المتحدة قبل المغادرة: العراق يقود خطة “مارشال”
  • رئيس الجمهورية لبزشكيان: أي عرقلة تواجه إيران هي بمثابة عداء لنا
  • إلغاء تفويضات العراق 1991-2002: ثمرة نهج هادئ يحول العراق من ملف أمني إلى شريك استراتيجي
  • للعام الـ11 على التوالي.. أوروبا تجدد حظر الطائرات العراقية في سمائها
  • إشاعات العقوبات مكشوفة: توازنات الحكومة الإقليمية تثمر عن رسائل أمريكية إيجابية
  • السفارة الأمريكية: إشراك الفصائل في حكومة العراق الجديدة لا يتوافق مع الشراكة
  • قنصلية أمريكية عملاقة في أربيل: حصن يعزز نفوذ واشنطن بكردستان ضد نفوذ طهران في بغداد