المسلة:
2025-10-08@02:50:54 GMT

التغيير المطلوب في العراق

تاريخ النشر: 10th, September 2025 GMT

التغيير المطلوب في العراق

10 شتنبر، 2025

بغداد/المسلة:

إبراهيم العبادي

يلقي الموسم الانتخابي في العراق بظلاله الثقيلة على الحياة العامة، إذ يتعرض الجمهور العراقي لسيل من الرسائل الإعلامية المباشرة والمبطّنة، هدفها خلق استعداد نفسي وذهني لدى الفرد والجماعة الأكبر التي ينتمي إليها، للذهاب إلى صناديق الاقتراع والتصويت لصالح هذا التيار أو ذاك الحزب.

تشير استطلاعات الرأي، العلنية منها والسرية، إلى ارتفاع نسبي في أعداد الناخبين المستعدين للمشاركة، مقارنة بالدورة السابقة التي شهدت نسبة مشاركة متدنية اعتُبرت دليلاً على تراجع ثقة العراقيين بالنظام السياسي وبالقوى التي تديره. ومع ذلك، لم تتراجع طموحات السياسيين، بل بدا واضحًا وجود سباق محموم ورغبة جامحة في استخدام المال السياسي والتأثير النفسي والإعلامي للحفاظ على ما تبقى من “المقبولية الشعبية” واستثمارها في معركة النفوذ والسلطة.

كان من المتوقع – في ضوء التراجع المقلق في نسب المشاركة خلال آخر دورتين انتخابيتين – أن تدفع هذه الأزمة القوى السياسية إلى مراجعة جادة لخياراتها واستراتيجياتها، والاقتراب أكثر من هموم الناس واحتياجاتهم. لكن ما يحدث في الغالب هو العكس تمامًا: ازدراء صريح لمطالب الجمهور، واعتماد تكتيكات قديمة تقوم على استحضار الهواجس الطائفية والمخاوف من “المجهول”، وتعبئة الجماعات باتجاه مزيد من الانغلاق والهويات الفرعية.

القلق الحقيقي لدى الجمهور مختلف تمامًا عمّا تروّجه الحملات الانتخابية. المواطن العراقي العادي يعيش حالة إحباط عميق، وشعورًا متناميًا بأن الطبقة السياسية لا تمثله واقعيًا. هذا الفراغ استثمره بعض المغامرين في ترويج خطاب التغيير “الحتمي”، ولو عبر العنف والصدام. وهنا يتساءل كثير من العراقيين: هل التغيير الذي يروَّج له جاد أم مجرد وهم جديد؟ بعضهم يخشى عودة الفوضى ومشاهد الدماء، والبعض الآخر مقتنع بأن النظام السياسي “ممسوك” من الداخل والخارج، وأن لا مجال لتغيير إرادي في بنية الأداء السياسي، ما دامت هناك مصالح داخلية وخارجية مترسخة لا تريد التغيير ولا تسمح به.

العراق، في الحقيقة، بحاجة إلى تغيير عميق، لكنه تغيير سلمي وداخلي بالدرجة الأولى، يطال هياكل السلطة وطريقة إدارة الدولة. المطلوب هو انتقال من “النمط الرعوي” في الحكم إلى إدارة حديثة تضع العراق على سكة دولة قادرة على مواجهة تحديات الأمن والتنمية والاقتصاد. أما ما يروَّج له من دعوات لانقلابات أو تدخلات خارجية فليس سوى أوهام إعلامية لا تستند إلى وقائع موضوعية.

الخطر الأكبر الذي يهدد العراق ليس غزوًا خارجيًا جديدًا، ولا حتى عودة تنظيم إرهابي كداعش، بل يكمن في انعدام القدرة على القراءة الواقعية للتحديات: المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية، التباعد المتسع بين القوى السياسية والجمهور المحبط، تآكل الثقة بالزعامات والوجوه المتكررة، وضعف الإرادة في مواجهة تحديات الأمن والتنمية. ويضاف إلى ذلك استمرار الاعتماد المفرط على الريع النفطي الذي تحتكره القوى النافذة عبر الهيمنة على الوزارات والمؤسسات، بينما المجتمع العراقي – الفتي والمتزايد بسرعة – يقذف سنويًا بمئات الآلاف من الشباب الباحثين عن عمل، والحكومة مثقلة بعجز مالي وبيروقراطية مترهلة عاجزة عن الاستجابة.

إن التغيير المطلوب لا يبدأ من صناديق الاقتراع وحدها، بل من تغيير العقل السياسي الذي ما زال غارقًا في التفكير الاستحواذي قصير النظر، ومن الانتقال إلى رؤية بعيدة المدى توازن بين المصالح وتستشرف المستقبل. فالزمن هو الخصم الحقيقي للطبقة السياسية الحالية، والسنوات الضائعة تهدر فرصًا ثمينة لمعالجة أزمات متراكمة.

يكفي أن نقرأ تحذيرات المؤسسات المالية العالمية: وكالة “رويترز” نقلت عن بنك “جي بي مورغان” توقعاته بانخفاض سعر برميل النفط إلى خمسين دولارًا في الربع الأخير من عام 2026، في وقت ما زال فيه الساسة يقدّمون وعودًا بمزيد من التوظيف ويضغطون على الموازنات لتوزيع مكاسب انتخابية قصيرة الأمد. هذه المفارقة الصارخة تعكس عجزًا في التفكير الاستراتيجي، وتكشف هشاشة الوعود مقارنة بحجم التحديات المقبلة.

العراق يواجه اليوم فسادًا مستشريًا، واقتصادًا متواضع الأداء، وضعفًا في جذب الاستثمارات، وتردّدًا لدى المستثمرين بسبب هشاشة البيئة السياسية والأمنية. إن من يفكر في المستقبل عليه أن يستحضر الأرقام والوقائع: أعداد متزايدة من الشباب تدخل سوق العمل، أزمات مرشحة للتفاقم، مجتمع لم يعد يحتمل الانتظار. الطريق إلى بناء دولة حقيقية يبدأ من العقول المفكرة والخطط الذكية، ويمر بخلق بيئة آمنة جيوسياسيًا واقتصاديًا، ويتطلب الكف عن المغامرات الخطابية والرهانات على الهويات الضيقة.

التغيير في العراق ليس ترفًا ولا خيارًا مؤجلاً، بل ضرورة وجودية تمليها معادلات الواقع. وما لم تدرك القوى السياسية هذه الحقيقة، فإنها ستدفع – ومعها المجتمع بأسره – ثمن الإصرار على تجاهل الخطر الأكبر: ضياع الزمن وضياع الفرص.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

العراق وأمريكا يتباحثان بشأن الغاز التركمانستاني

7 أكتوبر، 2025

بغداد/المسلة: صرّحت وزارة الكهرباء العراقية، الثلاثاء، أنها لا تزال تواصل المباحثات مع الجانب الأمريكي بشأن استيراد الغاز التركمانستاني، مشيرة إلى أنها ستلجأ الى عدة بدائل في حال فشل المفاوضات مع واشنطن بهذا الصدد.

هذا وقررت الحكومة العراقية، تعليق العمل بعقد استيراد الغاز المبرم مع تركمانستان بسبب معارضته من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لتضمنه بنداً يتيح لإيران الحصول على ربع الكمية الموردة عبر أراضيها، وفقا لما نشرته وكالة “رويترز” للأنباء في شهر أيلول/سبتمبر الماضي وذلك نقلا عن مسؤولين عراقيين.

وقال المتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد موسى، إن استيراد الغاز التركمانستاني محل بحث لاستحصال الموافقات من الجانب الامريكي لاقناعهم بأن استيراد الغاز هو لسد الحاجة المحلية ريثما يبدأ الإنتاج الوطني للغاز، وان ذلك لا يؤثر على العقوبات المفروضة على إيران باعتبار أن العقد يتعامل مع دولة تركمانستان.

وكان من المقرر أن تُصدّر تركمانستان الغاز إلى العراق عبر إيران، الواقعة بين البلدين، بموجب اتفاق مبادلة الغاز، و بموجب هذا الاتفاق، ستستلم إيران الغاز وتُزوّده للعراق، إلا أن هذا يُشكّل انتهاكًا للعقوبات الأمريكية على طهران، ويتطلب موافقة واشنطن، لكن الموافقة لم تأتِ قط، وكثّفت إدارة الرئيس الأمريكي ترامب حملتها للضغط الأقصى على طهران.

وذكرت رويترز، أن محاولة العراق لتخفيف نقص الكهرباء المزمن باستخدام الغاز من تركمانستان عبر إيران المجاورة فشلت، تحت ضغط من الولايات المتحدة مما ترك بغداد تبحث جاهدة عن بدائل للحفاظ على استمرار الكهرباء.

وأضاف موسى ان، البدائل لدينا كثيرة، منها ما يجري الآن العمل عليه من انشاء منصات لتحميل الغاز المسال في ام قصر وخور الزبير والموانى العراقية الاخرى، متوقعا أن تدخل هذه المنصات الخدمة قبل دخول ذروة الصيف المقبل، خاصة أن هناك تفاهمات مع الجانب القطري والعماني لشراء الغاز منهما لحين اكتمال إنتاج الغاز المحلي”.

وتابع المتحدث باسم الكهرباء العراقية القول ان الوزارة “وقعت مجموعة من العقود لإنتاج المحطات الدورة الحرارية التي تعمل على الوقود المحلي، فضلا على المحطات الدورة المركبة التي لا تحتاج الى وقود”.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • مجلس السلام
  • العراق الأول عربيا في توقعات نمو الاقتصاد لعام 2026
  • الحكيم: ثقتي بالقانون الانتخابي
  • العراق وأمريكا يتباحثان بشأن الغاز التركمانستاني
  • السوق العراقي: جائزة النفط في قبضة القوى العظمى
  • مسلة الأخبار: موجز احداث العراق والعالم
  • أمانة بغداد ترصد المئات من المخالفات بالدعاية الانتخابية وغراماتها تستقطع من الكيان السياسي
  • العراق يتصدر العرب باقتناء الذهب
  • السوداني أم المالكي.. ام بديل جديد؟ معركة الإطار تُعِيدُ شبح الشلل إلى بغداد
  • مسلة الأخبار