يكفي لنا أن ننظر فقط إلى ماضينا وإلى الأشياء الجميلة المستحيلة في حضارتنا، لنتأكد أننا ملوك الأرض، أعظم حضارة في العالم، لم ولن تندثر أبداً وما زلنا على تواصل مع الأسرة الحادى والعشرون ومازال الحديث مستمر عن ملوك هذه الأسرة ، ودائما للحديث بقية.
لذلك هيا بنا نتعرف على ملك جديد فى هذه الأسرة وهو مؤسسها الملك سمندس (حدج خبر رع ستب ان رع).
وقد حظي الملك سمندس بعدة القاب منها:
نسو بيتى حج خبر رع ستب ان رع، (بالإنجليزية: nsw-bity hd hpr rc stp n rc). ويعني معبود الشمس صانع التاج الابيض..وهذا اللقب فيه إشارة إلى سيطرته على مصر العليا. ولقب: مري امون نسو با نب جد، (بالإنجليزية: mry imn ns(w) b3 nb dd). وبه إشارة إلى ان اصل هذا الملك يرجع إلى مدينة منديس. أيضا اتخذ لقب «انه حورس الثور القوي محبوب رع».
وعند توليه للعرش قيلَ انه عزل رمسيس 11 من منصبه وتولى الحكم هو في الشمال.
ويقال انه على الارجح قد تزوج من ابنه رمسيس 11 لذلك كان له الحق في الاستيلاء على عرش البلاد. ويقال وهذا راى خطا: انه ابنا لحريحور فتقاسموا معا في الاستيلاء على عرش مصر.
و كان سمندس يقيم في تانيس حيث كان يحكم مصر السفلى ويتاجر مع آسيا، ثم أصبح ملكا بعد اختفاء الملك رمسيس الحادي عشر وأسس الأسرة الحادية والعشرين التانيسية (نسبة إلى تانيس)، ودر السلام إلى نصابه داخل البلاد، وذلك إذا ما اعتقدنا في الألقاب الرنانة التي أسبغها على نفسه. وربما استمرت فترة حكمه حوالي ربع قرن، ولكنه للأسف الشديد ترك آثارا نادرة للغاية. وقد سرقت آنيتان من الأواني الكانوبية التي كانت تحتوي على أحشائه من الجبانة الملكية بتانيس والتي ربما كان "سمندس هو أول من دفن بها.
و يقول مانيتون ان هذا الملك قد حكم حوالى 26 عام..قد حكم حوالى 21 عام فقط باعتباره ملكا ع الشمال وقد قضى في ما يقرب من 4-5 سنوات في حكم البلاد من الشمال إلى الجنوب. ومن الادله التي تثبت فترة حكمه على عرش مصر من الشمال والجنوب: اللقب الذي اتخذه وهو «حج خبر رع» والذي يعني معبود الشمس صانع التاج الابيض..فهذا يعني انه قد حكم إلى جانب الشمال الجنوب أيضا.
وقد وجد له نقش على عمود في قرية (الدبابية) يذكر انه كان يعيش في منف وينتقل من حين لاخر إلى طيبة إلى جانب اهتماماته البالغه في ترميمات معبدي الكرنك والاقصر.
و قد قيل أن فترة حكم سمندس قد تعاصرت مع فترة حريحور في الجنوب، ويبدو انه قد توصل الطرفان إلى نوع من الاتفاق فيما بينهم على تقاسم السلطة والالقاب بصورة ودية. وكان مضمون الاتفاق ان يعترف كهنة الجنوب بشرعية الملوك الشماليين في مقابل ان يعترف هؤلاء الملوك بتثبيت حق أبناء «حريحور» وخلفاؤه في قياده الجيش ومنصب الكاهن الأكبر لامون.
وقد تعزز هذا الاتفاق فيما بين الاسرتين الطيبية والتانسية حيث: تزوج باى نجم الأول حفيد حريحور من ابنة سمندس. ولكن كان لهذا الوضع سلبياته أيضا لقد تزعزع هذا الوضع بين المصريين بان ليس لهم ملك واحد. لم يكن هناك من يتحمل المسئولية فلا منهما يلقى بالمسئولية على الآخر. كما ان تسبب ذلك في انهيار علاقة مصر بالعالم الخارجي.
أما عن وفاته لا يعرف حتى الآن اين دفن، لكن بالكشف على اوانى كانوبية تحمل اسمه في تانيس فيعتقد انه دفن في تانيس
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
منال الشرقاوي تكتب: «يلا بابا!» فيلم يصالح الماضي
في فيلمها «يلا بابا!» (2024)، تمزج المخرجة اللبنانيةإنجي عبيد بين سيرة ذاتية متشظية وسينما الطريق لتصوغ عملًا يتجاوز حدود الوثيقة إلى فضاء التأمل الإنساني والسياسي في آنٍ معًا. يروي الفيلم رحلةً حقيقية بين أب وابنته، بحثًا عن مصالحة بين الماضي والحاضر. وعلى مئة دقيقة، ينطلق من فكرة بسيطة ظاهريًا -رحلة من بروكسل إلى بيروت- لكنه يتحول تدريجيًا إلى مختبر بصري للذاكرة والهوية والعبور.
تنتمي أنجي عبيد إلى جيل لبناني عاش خارج الوطن، لكنه ظل مشدودًا إليه عبر الذكريات والصور. فمنذ اللقطة الأولى، يتبدى أن الفيلم لا يسعى إلى استعادة الماضي بقدر ما يسعى إلى تفكيك الذاكرة وإعادة كتابتها على الطريق. حين تعيد أنجي المسار الذي قطعه والدها منصور قبل نحو أربعين عامًا، لا تعيد فقط خطوط الجغرافيا لكنها تستدعي خرائط عاطفية وتاريخية.
تتحول السيارة إلى كبسولة زمنية تُعلق الزمن بين لحظتين، ماض محفور في الذهن وحاضر يسعى إلى المصالحة. وبأسلوب بصري يعتمد على كاميرا داخلية متأملة، يصوغ المصور Thomas Szacka-Marier إطارًا حميمًا يكشف رهافة العلاقة بين الأب والابنة، حيث تصبح العدسة وسيطًا بين البوح والسكوت. في كثير من المشاهد، تترك أنجي الكاميرا تسجل صمت والدها وهو يحدق عبر الزجاج الأمامي، فيتحول هذا الصمت إلى لحظات مواجهة غير منطوقة.
يعتمد توماس سزاكا-مارييه على إضاءة طبيعية وزوايا منخفضة تُحاكي نظرة الرفيق لا المراقب، فيما يوظف داني أبو لوح إيقاعَ المونتاج لتكثيف الصمت وتحويله إلى زمن سردي بديل.
العلاقة بين الأب والابنة – بين التوثيق والعلاج الذاتي
ينتمي «يلا بابا!» إلى تيار الوثائقي الذاتي (Autobiographical Documentary) لكنه يستعير من سينما الطريق هيكلها المفتوح ومساحتها الوجودية ليصوغ رحلة داخلية بقدر ما هي جغرافية.
في السيارة، تُرغم المسافة القريبة الجسدين على مواجهة رمزية ومباشرة...منصور، حامل ذاكرة المنفى والرحيل؛ وأنجي، ابنة الغربة، الساعية إلى جذور في زمن العولمة.
الحوار بينهما يتأرجح بين الحميمي والوجودي، بين النبرة الأبوية والبحث عن الندية.
هنا تبرز عبيد في إدارتها للمسافة البصرية والعاطفية؛ فالكاميرا، وإن كانت شاهدة، إلا أنها تتحول في لحظات إلى مرآة داخلية تُعيد تشكيل السلطة بين الأب والابنة.
يذكر هذا التكوين بأعمال في الوثائقي الذاتي مثل Stories We Tell لسارة بولي، وNobody’s Business لِـآلان برلينر، حيث يتحول التوثيق إلى فعل اعتراف ومصالحة مع الذات والآخر.
جغرافيا الطريق – سرد بصري بين أوروبا والشرق الأوسط
تتخذ أنجي الطريق كخريطة سردية للهوية. فكل محطة من الرحلة -من بلجيكا إلى ألمانيا، من البلقان إلى تركيا فسوريا ولبنان- تفتح طبقة من المعنى.
تلتقي تحولات أوروبا السياسية (الهجرة، الحدود، الحرب) مع التحولات المكانية والوجدانية للمنطقة العربية.
من خلال هذا التوازي، يقدم الفيلم نقدًا ضمنيًا للعلاقة بين الذاكرة الفردية والتاريخ الجمعي؛ فذاكرة الأب ليست معزولة عن سرديات المنفى اللبناني، وذاكرة الابنة تنفتح على سؤال الانتماء الهجين في أوروبا المعاصرة.
هكذا يصبح الطريق أرشيفًا متحركًا، يحمل آثار الزمن وصدى الحروب وصور المهاجرين العابرين الذين يعيدون صياغة الجغرافيا الإنسانية المعاصرة.
أسلوب التصوير والمونتاج – بين التأمل والإيقاع الداخلي
اختارت المخرجة أسلوب تصوير مقتصد، حيث الكاميرا داخل السيارة هي عين الرقيب والمشارك في آن واحد. هذا التقييد المكاني يولد توترًا بصريًا ولغويًا، فكل نظرة وكل صمت يصبح حدثًا دراميًا. وفي بعض المشاهد، كانت سيارة أخرى ترافق الرحلة لتلتقط اللقطات الخارجية، مما أضفى بعدًا بصريًا إضافيًا يُكمل العزلة الداخلية للمقصورة بلقطات من الخارج تُراقب الرحلة من مسافة.
يستثمر المونتير Dani Abo Louh هذا التوتر بإيقاع غير خطي، يتيح للزمن النفسي أن يسبق الجغرافي.
تُستخدم لحظات الصمت كأداة سردية توازي الحوار، فتتجلى المشاعر عبر اللقطات العابرة للمدن والطرقات أكثر مما تتجلى في الكلمات.
هنا يتجلى الحس الشعري للفيلم؛ إنه وثائقي الطريق الذي يتحول إلى قصيدة بصرية، حيث الحنين والاغتراب يمتزجان مع ضوء المساء الأوروبي وذاكرة المشرق.
في عروض الفيلم ضمن مهرجانات مثل BRIFF (بروكسل) وصوفيا السينمائي الدولي ومهرجان إسطنبول للأفلام الوثائقية، بدا واضحًا أن العمل يتجاوز خصوصيته الثقافية نحو كونية التجربة الإنسانية.
فـ«يلا بابا» يُقرأ بوصفه رحلة رمزية لأجيال تبحث عن معنى العودة والانتماء في عالم تتبدل حدوده وهوياته باستمرار.
وقد أضاف عرض الفيلم في مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط بُعدًا آخر لتلقيه، إذ جاء في فضاء عربي متوسطي يعيد وضع الرحلة في سياق جغرافي وثقافي متقاطع بين الشرق والغرب.
تفاعل الجمهور العربي في الإسكندرية مع الفيلم كان محملًا بالحس الوجداني والنوستالجيا تجاه فكرة العودة، وبالرغبة في قراءة العلاقة بين الأجيال من خلال منظور إنساني وعاطفي قريب من التجربة اليومية.
وهكذا يتبدى أن قوة «يلا بابا» تكمن في قدرته على التحرك بين الحميمي والكوني، بين العائلة والتاريخ، وبين الفردي والجماعي، ليغدو العمل مساحةً مشتركة للتأمل في معنى الهوية والانتماء عبر البحرين -المتوسط والإنساني.
«يلا بابا!» فيلم طريق يتحول إلى فعل مصالحة عبر الصورة، حيث تمتزج الرحلة بالبوح، ويصبح الطريق مساحةً لاستعادة الذات وإعادة بناء العلاقة مع الآخر.
تمزج أنجي عبيد بين التوثيق والبوح الذاتي لتخلق عملًا يُعيد تعريف معنى العودة والرحلة في آن واحد.
وحين تصل الكاميرا إلى بيروت، تبدأ الحكاية من جديد؛ إذ يتحول السفر إلى تأمل هادئ في الذات والعودة، فتغدو الذاكرة صورة نابضة بالحياة، والصورة مساحة مفتوحة للمصالحة والبحث عن الجذور.