يوسف المنسي: القدوة الحقيقية تُرى بالسلوك ولا تُقال في الشعارات
تاريخ النشر: 17th, October 2025 GMT
في ظل ما يشهده العالم من تحديات فكرية وسلوكية، تبرز قضية القدوة كأحد المحاور الجوهرية التي تُسهم في بناء شخصية الإنسان، خاصة بين فئة الشباب الذين أصبحوا يواجهون فراغًا في النماذج الملهمة التي يمكن أن يُحتذى بها.
هذا ما أكده الدكتور يوسف محمد المنسي، واعظ بمجمع البحوث الإسلامية، في حديثه لبرنامج "صباح الخير يا مصر" المذاع على القناة الأولى والفضائية المصرية.
يرى الدكتور المنسي أن مفهوم القدوة في الإسلام يتجاوز النظرة الضيقة التي تحصرها في القادة والزعماء فقط، وهو ما يقع فيه كثير من الشباب عند بحثهم عن من يمثلون لهم قدوة. فالإسلام، بحسب تعبيره، يقدم تصورًا أوسع وأعمق؛ حيث إن القدوة ليست مجرد صورة رمزية أو مركز قيادي، بل هي تجسيد حيّ لقيم وسلوكيات تُترجم إلى واقع ملموس في حياة الإنسان.
النبي محمد ﷺ.. النموذج الأكملفي هذا السياق، أشار الدكتور المنسي إلى النموذج الأعظم للقدوة في التاريخ الإسلامي، وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جسّد القيم القرآنية سلوكًا ومعاملةً. واستشهد بما قالته السيدة عائشة رضي الله عنها حين سُئلت عن أخلاقه، فقالت: "كان خلقه القرآن". كما استدل بالآية الكريمة:
"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" [الأحزاب: 21]، ليؤكد أن الإسلام لا يطرح القدوة كنظرية أخلاقية مجردة، بل كواقع يُعاش ويُقتدى به.
وفي تحليله لطبيعة القدوة، أوضح الدكتور المنسي أن القدوة ليست حكرًا على من وُلدوا بصفات معينة، بل هي تقاطع بين ما وصفه بـ"الاصطفاء الإلهي" و"الجهد البشري". فبعض الأشخاص قد يكونون مهيئين فطريًا ليكونوا قدوات، لكن ذلك لا يُغني عن أهمية العمل الدؤوب على الذات والسعي نحو التزكية.
التزكية.. طريق الوصول إلى القدوةاستشهد الدكتور المنسي بقول الله تعالى:
"ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها" [الشمس: 7-9]، ليبيّن أن التزكية، من منظور علماء السلوك، هي الجهد الذي يبذله الإنسان في تهذيب نفسه وتنقية قلبه وتعديل سلوكه. وبذلك فإن القدوة ليست هبة تُمنح دون سعي، بل هي نتيجة طبيعية لمجاهدة النفس وسعيها نحو الكمال الأخلاقي والروحي.
اختتم الدكتور المنسي حديثه بدعوة موجهة للمجتمع بكل مكوناته، وخصوصًا لأصحاب الفكر والعقول، لإعادة النظر في كيفية بناء القدوة الصالحة، والتمييز بينها وبين القدوة الزائفة التي قد تُجمّل بالمظاهر لكنها تفتقد الجوهر. إن القدوة الصالحة، كما وصفها، هي من تُلهِم الآخرين بفعلها لا بقولها فقط، وتجمع بين الصفاء الداخلي والإنتاج الحقيقي في المجتمع.
نحو مجتمع يقتدي بالخير
إن بناء أمة قوية متماسكة لا يمكن أن يتم دون أن تتوفر فيها نماذج حقيقية يُحتذى بها، نماذج تعكس القيم وتترجمها إلى أفعال. والقدوة في الإسلام ليست فقط مسؤولية فردية، بل هي مسؤولية جماعية تبدأ من الأسرة، وتنتقل إلى المدرسة، ثم إلى المجتمع كله، حيث يكون كل فرد قدوة في موقعه وسلوكه.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: صباح الخير يا مصر محمد المنسي السلوك
إقرأ أيضاً:
رسائل الإسلام للتجار والاعتدال في البيع والشراء
قالت دار الإفتاء المصرية انه جاء عن جابرٍ -واللفظ له- ومثله عن عثمان وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رَحِمَ اللهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى»، وفي روايةٍ «وَإِذَا قَضَى» رواه البخاري.
وبينت ان السَّماحة: هي السُّهولة واليُسر، وبحسب موقع الشَّخص تكون تفاصيلُ صفةِ التَّسامح فيه، ويشير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث إلى أربع حالاتٍ من حالات المطالبة بالمسامحة؛ نظرًا لعِظم المسامحة وأجرِها فيها، وهذه الأربع هي:
1- حالة البيع.
2- وحالة الشراء.
3- وحالة الاقتضاء.
4- وحالة القضاء.
واشارت الى ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو بالرَّحمة وإسباغ النعمة لهؤلاء المتسامحين، مما يؤذِنُ برضا الله عنهم ووصول جزيل الأجر والثواب إليهم.
كيف تكون السماحة فى البيع
وأوضحت أن حالة المتصف بالسماحة فى البيع تكون كالتالى: يبيع بسماحةٍ وبطيب نفسٍ، ويبذل ما عنده، ويعطي ولا يُمارِي ولا يُجَارِي ولا يغش ولا يخدع، وفيه سماحة في بيعه وعطائه فليس عنده تعنُّت، فلا يكون شحيحًا بسلعته، مستقصيًا في ثمنها، مُغاليًا في الرِّبح منها، مُكثرًا من المساومة فيها، بل يكون كريم النفس، راضيًا بيسير الربح، مُقِلًّا من الكلام.
فإذا وجد المحتاج الذي لا يقدر على دفع المال فإنَّه يعطيه ويتسامح معه بطيبِ نفسٍ وبطيب خُلقٍ، فرحم الله عبدًا سمحًا إذا باع سمحًا إذا اشترى، فيشتري ولا يبخس السِّلعة قدرَها ولا يجادل كثيرًا، ولا يخاصم في ذلك، ولا يرفع صوته ولكن فيه سماحة في شرائه، وعلى قدر ما يكون الإنسان كذلك على قدر ما تكون المعاملة بينه وبين الله سبحانه على ذلك.
وتابعت: فلا تظنَّ أبدًا أن إنسانًا يكون سمحًا في العطاء وأن الله يضيِّقُ عليه في الرِّزقِ فهذا مستحيلٌ، ولا يكون أبدًا، والجزاءُ من جنسِ العملِ، فالإنسانُ الذي يشح ويبخل فهذا يضيِّقُ الله تبارك وتعالى عليه، حتى وإن كان رزقه أمام الناس واسعًا لكن تجده خائفًا على المال مستشعرًا بالفقر وبأن المال سيضيع منه.
فصاحب البذلِ وصاحب السماحة تجد الله سبحانه وتعالى يوسِّع عليه في الرِّزق حتى وإن كان رزقه ضيقًا ولكنه يعطيه في قلبه غنى يشعر من خلاله أنه غني.
كيف تكون السماحة فى الشراء
وكشفت عن ان حالة المتصف بالسماحة في الشَّراء تكون كالتالى: إذا اشترى الشيءَ دفع فيه ثمنَ ما يماثله فلا يكثر من الجدال، أن يكون سهلًا في كياسة، فلا يدقق في الدانق والملِّيم، خصوصًا إن كانت السلعة شيئًا هينًا كفجلةٍ أو بصلةٍ، والمشتري غنيًّا، والبائع فقيرًا معدمًا، ولا يسأم البائع بالأخذ والرد، وتعطيله عن المشترين الآخرين، أو مصالحه الأخرى، ولا يكثر التقليب في البضاعة بعد أن سبر غورها، ووقف على حقيقتها.
ويحكي صلى الله عليه وآله وسلم أن رجلاً فيمن كان قبلنا لم يُقَدِّم خيرًا قط، ولم يعمل صالحًا قط، إلا أنه كان سمحًا إذا باع، سمحًا إذا داين، سمحًا عند استيفاء حقِّه، فلما مات قال الله تعالى: "نحن أحقُّ بالتجاوز منه، تجاوزتُ عنه، وعن تقصيره في حقِّي، يا ملائكتي، تجاوزوا عنه، وأدخلوه الجنة. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟"
وعن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «أَدْخَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ رَجُلًا كَانَ سَهْلًا مُشْتَرِيًا، وَبَائِعًا، وَقَاضِيًا، وَمُقْتَضِيًا» رواه أحمد
فَرحمه الله سبحانه وجزاه الله الجنة على ذلك؛ لأن فيه يسر وسهولة ولين، إذا اشترى السلعة أو باعها تجده سهلاً.
رسائل الإسلام إلى التجار
من رسائل الإسلام للتجار:
الابتعاد عن جميع أنواع الغش والتدليس والخداع والكذب في التجارة، فلا تغش في التجارة، ولا تطفف الكيل والميزان، فلا تُخفي عيوب السلعة ومساوئها، فعن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -ﷺ - مرّ على صُبْرَة طعام، فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ ، قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غشّ فليس مني رواه مسلم ".السماحة في البيع والشراء: قال رسول الله عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما أنَّ رسول الله ﷺ الله عليه وسلم قال:رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى"، فينبغي على التاجر أن يتق الله ويرفق بالناس فلا يفحش في الغلاء بأسعار سلعته.عدم احتكار السلع: فلا يحتكرن التاجر سلعة ويخفيها عن الناس حتى يكسب أضعاف ربحها من حرام، قال ﷺ "لا يَحتكِرُ إلا خاطِئ"، وقال أيضا ﷺ " أيضا : "المُحتكِرُ مَلعُونٌ "، فيجب على الإنسان تحسين علاقته بربه، حتى يهون عليه عناء وشقاء الدنيا، فعلى الفرد أن يتخذ الدنيا قنطرة ووسيلة للآخرة.الابتعاد عن تلقي الركبان؛ أي انتظار الحضري التاجر البدوي على الطريق؛ لشراء البضاعة منه بسعر زهيد قبل دخوله إلى السوق. الابتعاد عن اليمين الكاذبة، وكثرة الحلف بالله -تعالى-، فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كثرة الحلف في البيع والشراء وغيرها من أمور الحياة، فكثرة الحلف تُذهب البركة من التجارة.البركة في التجارةوقال الدكتور يسري جبر، من علماء الأزهر الشريف، إن مراعاة الضوابط الفقهية للبيع والشراء، إلى جانب الصدق والإحسان، هي ما يحقق البركة في البيوع، ويجعل المعاملة موافقة للشرع ومباركة من الله تعالى.
وأوضح الدكتور يسري جبر أن الحديث الشريف: "فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما" يدل على أن الغش والكذب لا يتركان أثرًا محمودًا، بل ربما يحرم الإنسان من السلعة أو المال بسبب سوء النية.
وبيّن الدكتور يسري جبر أن من فقه الحديث مسألة "ما لم يتفرقا"، حيث اختلف العلماء في المقصود بها؛ فالإمام مالك يرى أن التفرق يكون بالأقوال، فإذا أتم الطرفان عقد البيع بالإيجاب والقبول وتم تحديد السلعة والثمن وتوفرت الشروط، انعقد البيع حتى لو جلسا بعد ذلك في حديث آخر، بينما يرى الشافعية أن التفرق يكون بالأبدان، أي أن لكل طرف حق التراجع ما داما في مجلس العقد، فإذا افترقا بالأجساد لزم العقد.
أجمل ما قيل في البيع والشراءوأكد الدكتور هاني تمام، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، أن الحديث الشريف "رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع سمحاً، وإذا اشترى سمحاً، وإذا اقتضى" يحمل في طياته دعوة واضحة للتعامل بالرحمة واللطف في البيع والشراء، مشيراً إلى أن التجارة التي تقوم على المعاملة الحسنة والأخلاق الرفيعة ليست فقط سبيلًا لكسب الرزق، بل هي أيضًا باب للرحمة والغفران من الله عز وجل.
وقال الدكتور هاني تمام، خلال تصريح: "عندما تبيع وتشتري بالسموحة واللطف والمعروف، فأنت بذلك تقترب من ربك، وتعبد الله بأفعالك وأخلاقك.. كل عباداتك من صلاة وصوم وغيرها لا غنى عنها، ولكن الغرض من ذلك هو أن يرحمك الله، فها هو النبي يبين لنا أن الرحمة تشمل معاملاتنا اليومية".
وأضاف: "ليس المقصود أن تخسر في البيع، بل أن تكسب بأسلوب حسن، وبهذا الأسلوب ترتفع قيمة السعر أو الربح، لكن الأهم أن يترتب على ذلك رحمة الله، ورضاه، والغفران، والدخول إلى الجنة.. فالتعامل بالسموحة ليس فقط تجارة رابحة دنيوياً، بل هو تجارة رابحة أخروياً".
وأشار إلى أن الأحاديث النبوية تؤكد ذلك بقوله: "غفر الله لرجل سمح إذا باع سمحاً، وإذا اشترى سمحاً، وإذا اقتضى"، وذكر كذلك الرواية التي تقول: "دخل الجنة رجل سمحاً إذا باع سمحاً، وإذا اشترى سمحاً، وإذا اقتضى".
وأكد على أن حسن الخلق والمعاملة بالمعروف في البيع والشراء هي السبيل لتحقيق البركة في الرزق، والرحمة من الله في الدنيا والآخرة.