بينما تنشغل الأنظار بالمواجهات الدبلوماسية الساخنة بين واشنطن وبكين في آسيا، تتجه الأنظار الآن نحو القارة السمراء، حيث يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يسعى لعقد "صفقته الكبرى التالية" هناك، وفقا لمقال تحليلي في مجلة نيوزويك الأميركية.

وأضاف الكاتب توم أوكونور في مقاله أن أفريقيا وُضعت في ذيل أولويات السياسة الأميركية برغم أنها تضم أكثر من 1.

5 مليار نسمة وتزخر بثروات معدنية نادرة تشكل شريان التكنولوجيا الحديثة في العالم، مبرزا أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض ببراغماتيته المعهودة تفتح الباب أمام مقاربة جديدة عنوانها "التجارة لا المساعدات" كما يرغب في ذلك الأفارقة أنفسهم.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2فرقاطة فرنسية ترسو في غانا للمشاركة في مناورات عسكريةlist 2 of 2موقع أميركي: هل ينجح التعاون بين أميركا وتركيا في أفريقيا؟end of list

وهو نهج يعتمد على الصفقات لا الشعارات، في مواجهة منافسة شرسة من الصين وروسيا اللتين سبقتا واشنطن إلى ترسيخ نفوذهما في القارة، يوضح الكاتب.

إستراتيجية شاملة

وذكر أن محللين يرون أن أفريقيا لم تحظ حتى الآن بإستراتيجية أميركية شاملة، على الرغم من أنها تضم 13 من أسرع 20 اقتصادا نموا في العالم، وتحتوي على نحو 30% من احتياطيات المعادن الحيوية عالميا.

في المقابل، ضاعفت الصين حضورها هناك خلال العقود الأخيرة، حتى باتت علاقاتها التجارية مع القارة تتجاوز 240 مليار دولار، مقابل 47 مليارا فقط للولايات المتحدة.

ونقل الكاتب عن الخبير في الاقتصاد الأفريقي لاندري سيني، من معهد بروكينغز، قوله إن نهج ترامب القائم على الصفقات المباشرة والمصالح المتبادلة قد يجد صدى إيجابيا لدى القادة الأفارقة الذين يفضلون الشراكات الواضحة على المساعدات المشروطة.

ويضيف أن "اتفاق السلام الأخير بين الكونغو الديمقراطية ورواندا يجسد هذا النهج البراغماتي الجديد، لكنه يتطلب من واشنطن أن تتعامل مع أفريقيا كشريك فاعل لا كساحة تنافس".

لاندري سيني، من معهد بروكينغز، يقول إن نهج ترامب القائم على الصفقات المباشرة والمصالح المتبادلة قد يجد صدى إيجابيا لدى القادة الأفارقة الذين يفضلون الشراكات الواضحة على المساعدات المشروطة.

ميدان صراع جديد

وأوضح توم أوكونور أن أفريقيا تحتفظ بثروات ضخمة من المعادن الإستراتيجية مثل الكوبالت والليثيوم والعناصر الأرضية النادرة، الضرورية لصناعة السيارات الكهربائية والرقائق الدقيقة.

إعلان

وتسيطر الصين اليوم على نحو 85% من عمليات معالجة هذه المعادن عالميا، وتمتلك حصة في 15 من أصل 19 منجم كوبالت في الكونغو الديمقراطية، التي تنتج 80% من الإمدادات العالمية.

في مواجهة هذا الواقع، يدعو سيني إلى إنشاء مراكز معالجة إقليمية في أفريقيا، لتأمين سلاسل التوريد العالمية وخلق فرص عمل محلية.

ويشير سيني إلى أن مشروع "ممر لوبيتو" الذي يربط ميناء أنغولا بالدول الغنية بالمعادن مثل الكونغو وزامبيا، مثال على إمكانات الشراكة الأميركية الأفريقية في البنية التحتية.

ويقول الكاتب أوكونور إنه برغم أن الصين قدمت مؤخرا قرضا بقيمة 1.4 مليار دولار لتحديث خط السكك الحديدية بين تنزانيا وزامبيا، فإن واشنطن تراهن على مشاريع أكثر استدامة، تجمع بين الاستثمار والحوكمة والمسؤولية البيئية، وهي معايير تميز الشركات الأميركية عن نظيراتها الصينية، بحسب بيتر فام.

وبيتر فام هو الذي شغل منصب المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى مناطق البحيرات الكبرى والساحل في أفريقيا في إدارة ترامب الأولى.

سباق نفوذ

ويشرح أوكونور أن المنافسة في أفريقيا لم تعد مقتصرة على الصين، إذ استعادت روسيا أيضا حضورها في القارة من خلال صفقات أمنية ودفاعية، خصوصا في دول الساحل التي شهدت سلسلة انقلابات أطاحت بنفوذ فرنسا التقليدي.

وقد توسعت عمليات ما يُعرف بـ"الفيلق الأفريقي" التابع لمجموعة فاغنر السابقة في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى ومالي، مما عزز موقع موسكو كفاعل أمني بديل للغرب.

بيد أن فام يرى أن هذا التقدم الروسي بلغ "ذروته"، وأن المشكلات الاقتصادية في الصين تحدّ من قدرتها على الاستمرار في الإنفاق السخي.

ويضيف أن "هذا لا يعني التراخي من جانب واشنطن، لكنه يفتح نافذة سانحة لإعادة التوازن"، مشيرا إلى أن المشاركة الأميركية الذكية يمكن أن تخدم أيضا رؤية ترامب لـ"جعل أميركا عظيمة مجددا".

يوضح الكاتب أنه بينما ترفع الصين شعار "الاستثمار دون شروط سياسية"، وتقدم موسكو "الأمن مقابل الولاء"، تحتاج واشنطن إلى خطاب جديد يجمع بين النفوذ الاقتصادي والقيم الديمقراطية.

ورقة واشنطن

إلى جانب التعدين والطاقة، يقول الكاتب إن مراقبين يرون أن التحول الرقمي يشكل ساحة واعدة للشراكة الأميركية الأفريقية.

فالقارة التي يبلغ متوسط عمر سكانها 19 عاما تشهد طفرة في الابتكار التكنولوجي وريادة الأعمال، وهي مجالات يمكن أن تستفيد من خبرة الشركات الأميركية في الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية.

ونقل عن الباحث في مجلس العلاقات الخارجية إبنيزر أوباداري قوله إن "الولايات المتحدة تمتلك ميزة ناعمة في أفريقيا، فصورتها الإيجابية لدى الشعوب الأفريقية تمنحها أفضلية على الصين وروسيا، شرط أن تقدم بديلا حقيقيا يقوم على الفائدة المتبادلة والاحترام".

لكنه ينتقد ما يراه غموضا في إستراتيجية ترامب الأفريقية، معتبرا أنها تفتقر إلى رؤية مترابطة مع أهداف السياسة الخارجية الأميركية الأوسع.

ويوضح الكاتب أن أوباداري يتفق مع آخرين على أن التحدي الأكبر أمام إدارة ترامب هو إقناع القادة الأفارقة بأنها تختلف عن القوى المنافسة.

فبينما ترفع الصين شعار "الاستثمار دون شروط سياسية"، وتقدم موسكو "الأمن مقابل الولاء"، تحتاج واشنطن إلى خطاب جديد يجمع بين النفوذ الاقتصادي والقيم الديمقراطية.

وتشير تقارير -بحسب الكاتب- إلى أن عددا متزايدا من الدول الأفريقية، رغم تقاربها الظاهري مع موسكو وبكين، بدأ يتواصل خلف الكواليس مع واشنطن سعيا إلى توازن في علاقاته الخارجية، خاصة مع تراجع المساعدات الصينية وتزايد أعباء الديون.

إعلان

في المقابل، يرى بعض النشطاء الأفارقة في عودة ترامب إلى المشهد الدولي فرصة لتصحيح مسار العلاقة مع واشنطن.

ويذكر أوكونور أنه من الواضح أن أفريقيا أصبحت ساحة التنافس الكبرى المقبلة في لعبة النفوذ العالمي، حيث تتقاطع فيها المصالح بين القوى التقليدية والناشئة.

وبالنسبة لترامب، فإن "الصفقة الكبرى التالية" لن تكون مجرد اتفاق تجاري، بل اختبارا لقدرة الولايات المتحدة على إعادة بناء حضورها في القارة.

وكما يقول الباحث سيني، يتابع أوكونر في مقاله بنيوزويك، إن "نجاح أميركا في أفريقيا لن يقاس بحجم الاستثمارات وحده، بل بقدرتها على احترام الوكالة الأفريقية والتعامل مع القارة كقوة صاعدة، لا كأرض للفرص الضائعة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات أن أفریقیا فی أفریقیا

إقرأ أيضاً:

محلل: ترامب يتبنّى الأزمة في السودان بالتنسيق مع القاهرة والرياض

أكد الدكتور السماني عوض، المحلل السياسي السوداني، أن الأحداث التي شهدتها جنوب كردفان ومدينة الفاشر وجدت تفاعلًا دوليًا واسعًا بعد فترة طويلة من الصمت تجاه الانتهاكات التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع في ولايات السودان المختلفة.
 

وزير الخارجية: نتحرك بقوة لإنهاء الحرب في السودان وحماية مستقبل الدولةمقـ.تل عشرات المتمردين والموالين لهم في حقل نفط بالسودان


وأوضح أن ما جرى في الفاشر وكالوجي وعدد من مناطق جنوب وغرب كردفان أطلق حراكًا دوليًا ملحوظًا، حيث أدانت العديد من الدول الصديقة هذه الفظائع وطالبت بضرورة وقف الجرائم المرتكبة بحق المدنيين والأطفال.

وأشار السماني عوض، خلال مداخلة عبر الإنترنت مع الإعلامية هند الضاوي، عبر شاشة "القاهرة والناس"، إلى أن الهجوم الذي استهدف روضة للأطفال، وخلّف عدد ضحايا من الأطفال وعدد من المصابين يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، مؤكدًا ضرورة تحرك المجتمع الدولي لإدانة هذه الأعمال ومحاسبة مرتكبيها.

وتحدث السماني عوض، عن العقوبات الأمريكية المفروضة على قوات الدعم السريع، موضحًا أن هذه الإجراءات لا يمكن أن تحقق أثرًا حقيقيًا ما لم تمتد لتشمل الدول التي تدعم المليشيا بالسلاح والمال.

واعتبر أن فرض واشنطن عقوبات على عدد من قادة الدعم السريع وبعض الشركات المرتبطة بهم خطوة إيجابية في اتجاه تقليص الدعم العسكري الخارجي الذي تتلقاه المليشيا.

وشدد السماني عوض، على التحركات الأمريكية حول الملف السوداني، شهد تحرك من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأعلن تبنّيه هذا الملف، مؤكدًا أنه سيعمل بالتنسيق مع الولايات المتحدة ومصر والدول الفاعلة لإيجاد حل للأزمة، مشيرًا إلى أن الإجراءات التي بدأت بهذا الاتجاه تضمنت فرض عقوبات على قيادات الدعم السريع، إلى جانب تنبيه عدد من الدول وفتح قنوات اتصال مع أخرى داعمة للمليشيا للضغط نحو وقف الدعم العسكري واللوجستي.

طباعة شارك السودان الفاشر مليشيا الدعم السريع

مقالات مشابهة

  • موجة جديدة من الانقلابات العسكرية بأفريقيا تحت مجهر مؤتمر الجزيرة للدراسات
  • سباق القواعد والنفوذ في أفريقيا.. من يملك القرار في القارة؟
  • أسئلة النزاعات المسلحة بأفريقيا في منتدى مركز الجزيرة للدراسات
  • الجزيرة للدراسات ينظم مؤتمر أفريقيا وتحديات الأمن والسيادة لنقل القارة من الهامش للمركزية
  • القوات الأميركية تصادر شحنة عسكرية متجهة إلى إيران من الصين
  • صدع يضرب ضفتي الأطلسي| ترامب يهدد بالتصعيد ضد أوروبا.. وقادة القارة العجوز يتعهدون بالاستقلال عن واشنطن
  • البيت الأبيض: ترامب محبط بشدة من أوكرانيا وروسيا
  • زيلينسكي يكشف عن مقترح أميركي بشأن دونيتسك
  • وثيقة سرية أميركية: الصين قد تدمر القوات الأميركية في أي حرب على تايوان
  • محلل: ترامب يتبنّى الأزمة في السودان بالتنسيق مع القاهرة والرياض