مختصّ جنائي للجزيرة نت: الجثامين التي سلَّمها الاحتلال مُشوَّهة وعُذِّبت حتى الموت
تاريخ النشر: 21st, October 2025 GMT
غزة- سلَّمت إسرائيل جثامين 165 شهيدا كانت محتجزة لديها في حوادث منفصلة، ومن أماكن مختلفة من قطاع غزة منذ اندلاع حرب الإبادة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وذلك ضمن صفقة تبادل الأسرى في اتفاق وقف إطلاق النار بالقطاع، بين المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال قبل أقل من أسبوعين.
وكشف عضو "لجنة إدارة الجثامين" ومختصّ الأدلة الجنائية، سامح حمد، في حوار خاص مع الجزيرة نت، عدم خلو جثمان واحد من بين الجثامين المفرج عنها من آثار تعذيب شديد أفضى إلى الموت، وأخرى تشير المعاينة إلى أن أصحابها تعرضوا للإعدام الميداني.
ونشرت اللجنة صورا لهذه الجثامين على موقع "صحتي" التابع لوزارة الصحة في غزة، لإتاحة الفرصة للأهالي للتعرف عليها وتحديد هويتها، بعد امتناع الاحتلال من إرفاق قائمة بالبيانات الشخصية للشهداء.
وظهر أصحاب الجثامين -وفق المختصّ حمد- وهم معصوبو الأعين ومقيدو الأيدي من الخلف، وآخرون بحبال تلتف حول رقابهم، وجثامين بعظام وأطراف مهشّمة، وجروح غائرة في الرأس والبطن والرقبة وجلد ممزق ومحترق، ووجوه مشوهة.
وفي ما يلي نص الحوار كاملا:
كم عدد جثامين الشهداء الأسرى التي سلمها لكم الاحتلال عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر؟
تسلَّمنا حتى اليوم 165 جثمانا لشهداء كانت محتجزة لدى الاحتلال الإسرائيلي في حوادث منفصلة ومن أماكن مختلفة من قطاع غزة خلال عامين من حرب الإبادة الإسرائيلية.
ما هو عدد الجثامين المقرر تحريرها بموجب صفقة تبادل الأسرى واتفاق وقف إطلاق النار؟حسب ما أبلغتنا اللجنة الدولية للصليب الأحمر، من المفترض أن تفرج إسرائيل عن 450 جثمانا بموجب الصفقة واتفاق وقف إطلاق النار.
هل لديكم رقم محدد لأعداد الجثامين المحتجزة لدى الاحتلال؟تشير البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة والمكتب الإعلامي الحكومي وجهاز الدفاع المدني إلى أن زهاء 10 آلاف مواطن فقدت آثارهم خلال الحرب، ولا يُعرف مصيرهم، ولا نعرف بشكل دقيق ومحدد كم من هؤلاء المفقودين هم عبارة عن جثامين لشهداء محتجزة لدى الاحتلال، الذي ينتهج سياسة الغموض والإخفاء في هذا الملف الإنساني.
بكل تأكيد، وكان يفترض أن يضغط الصليب الأحمر باتجاه تسلم البيانات الشخصية للشهداء مع الجثامين، فشهداؤنا ليسوا أرقاما.
كما كان يفترض أن يُسلم الاحتلال اللجنة الدولية للصليب الأحمر جهازا للفحص الفوري للحمض النووي "دي إن إيه"، ولكنه تنّصل من التزامه، ولم يصلنا هذا الجهاز غير المتوفر في القطاع.
استنادا لهذا الواقع، كم عدد جثامين الشهداء التي تم التعرف على هويتها؟حتى اللحظة، جرى التعرف على 31 جثمانا فقط، وبطرق بدائية، حيث لا تتوفر لدينا أجهزة ومقومات للتعامل مع الجثامين، والاحتلال زاد الأمر تعقيدا، إذ وصلتنا جثث الشهداء مبتورة أصبع الإبهام من اليدين، اليمنى واليسرى، ومبتورة الأصبعين الكبيرين من القدمين، مع علامات أعلى الفخذ تشير إلى أن الاحتلال أجرى فحوص الحمض النووي لكل جثة، ويمتلك البيانات الخاصة بكل جثمان.
المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع #غزة يتهم جيش الاحتلال بسرقة أعضاء من جثامين فلسطينيين ويدعو إلى تشكيل لجنة تحقيق دولي#حرب_غزة #إنفوغراف pic.twitter.com/lLQ9E2NvWe
— قناة الجزيرة (@AJArabic) October 19, 2025
ما هي الآلية المتبعة من طرفكم لمحاولة كشف هوية الجثامين؟كما أسلفت، ننتهج طرقا بدائية، حيث قمنا بتصوير كل جثمان ونشر الصور بدقة عالية على موقع "صحتي" التابع لوزارة الصحة، وذلك بعد توثيقها وفحصها من الطب الشرعي والأدلة الجنائية.
ويتم الفحص بالمعاينة العينية الظاهرية، وتحديد العلامات الفارقة في جسد كل شهيد، والمرفقات الشخصية المتعلقة بكل جثمان كالملابس والهاتف النقال أو خاتم الزواج، ونمنح كل جثمان رمزا خاصا (كود).
كما خصصنا قاعة في مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس لعرض صور الجثامين على شاشة كبيرة أمام حشود من ذوي المفقودين، ممن يتلهفون لمعرفة مصير أبنائهم، وفي حالة التشخيص وتطابق العلامات وتحديد الهوية يتم استكمال الإجراءات لتسليم الجثمان لذويه من أجل إكرامه بالدفن.
يأتينا يوميا ما بين 300 إلى 500 شخص من ذوي المفقودين لمشاهدة الصور على أمل أن تهدأ قلوبهم المتلهفة لمعرفة مصير أبنائهم، إذا ما كانوا شهداء لدفنهم، أو أسرى لدى الاحتلال ليدعو لهم بالحرية.
الشهيد بهاء الدين صادق الخطيب، من مدينة رفح جنوبي قطاع غزة وعمره (45 عاما)، تسلَّمنا جثته في 18 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ومن معاينة جثمانه يرجح أنه تعرّض للتصفية والإعدام في الميدان.
كان نحو 60 شخصا من ذويه في قاعة العرض، التي ضجّت بالصراخ والبكاء، ما بين تأكيد أن الجثمان هو للشهيد الخطيب، وبين إنكار لهول المشهد وحالة الجثمان.
تأكد في النهاية أنه الشهيد الخطيب، وهو أسير محرر في صفقة "وفاء الأحرار1" المعروفة باسم "صفقة شاليط"، وكان قد تعرض سابقا لمحاولة اغتيال إسرائيلية تركت علامة على جسده، إضافة لآثار عملية جراحية في ساقه اليمنى، وقد حسمت زوجته هويته بالتعرف عليه من ملابسه.
إعلان ما هي أبرز العلامات التي عاينتموها على جثامين الشهداء، وتشير "للتعذيب الجسدي والإعدام الميداني"؟لابد من الإشارة هنا إلى أن الاحتلال يُسلّمنا جثامين الشهداء في أكياس بلاستيكية، وبشكل مهين لا يليق بحرمة الأموات، وهذه الأكياس مع عوامل الطقس تترك آثارا على الطبقة الجلدية وتطمس معالم الجسد، أو بعض علامات التعذيب.
ويمكن رصد أبرز العلامات والآثار على جثامين الشهداء بالتالي:
تعصيب العيون. تكبيل الأيدي من الخلف بأصفاد بلاستيكية، وكذلك تكبيل الأرجل. طعنات بأدوات حادة في الوجه والصدر والرقبة. احمرار شديد وكأنه أثر حروق. جرح قطعي بمنطقة البطن يُؤشِّر ربما لجريمة سرقة أعضاء، أو عملية جراحية أفضت للموت، ويصعب علينا تحديد السبب بدقة لأن الجثامين في وضعية صعبة لتجميدها في ثلاجات بدرجة 180 درجة مئوية تحت الصفر. لدينا جثمان لشهيد معلق في رقبته حبل مشدود، يشير لتعرضه للخنق والشنق.عقدنا اجتماعا في لجنة إدارة الجثامين، وتم التوافق على مواراة جثامين الشهداء المجهولين الثرى يوم غد الأربعاء، والتي مضى عليها 5 أيام في مجمع ناصر الطبي دون التعرف عليها.
وستخصص للدفن مقبرة جماعية في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، وسيكون لكل شهيد في هذه المقبرة قبر خاص به مع شاهد مرفق به الكود وما يتوفر من معلومات حوله وفق قاعدة بيانات.
برأيك، لماذا يحجب الاحتلال بيانات الشهداء ويسلم جثامينهم مجهولة؟يمعن الاحتلال في ارتكاب جرائمه ضد الفلسطينيين أحياء، وحتى بعد استشهادهم، ويتعمد امتهان كرامة الشهداء، وهو يدرك أنه بحجب البيانات يزيد من ويلات وعذابات ذوي المفقودين، ويعلم أنه لا يتوفر في غزة أي مقومات للتعامل مع هذه الجثامين وفحصها وتحديد هويتها، وبالتالي يتم دفنها في مقابر جماعية كما قرّرنا دون نظرة وداع.
تتألف لجنة إدارة الجثامين المفرج عنها، من طرف الاحتلال، من وزارات الصحة والأوقاف والشؤون الدينية والداخلية والعدل والنيابة العامة، إضافة إلى ممثل عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ولدينا مستشار قانوني، ومؤكد أن هذا الملف الإنساني المهم سيأخذ حقه القانوني، حيث سيتم إعداده بشكل متكامل يمكن استخدامه في المحافل المختصة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات اللجنة الدولیة للصلیب الأحمر جثامین الشهداء لدى الاحتلال قطاع غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
أسرى محررون يروون للجزيرة نت شهادات العودة من الموت
غزة- في واحدة من أوجع حكايا الأسرى المحررين في صفقة التبادل قبل أيام، تنفس الأسير محمود أبو فول الحرية لكنه لم يرها، حيث خرج من سجون الاحتلال الإسرائيلي لا يحمل سوى آثار التعذيب على جسده، وعينين مطفأتين إلى الأبد.
خرج الشاب العشريني إلى النور دون أن يعرفه، وعانق والدته دون أن يبصر وجهها، حرّ لكن بألم مقيم، على كرسي متحرك، بقدم واحدة وبصر مفقود وذاكرة مثقلة.
فقد أبو فول بصره في غرف التحقيق بعد أن لفق له ضباط المخابرات تهما لا صلة له بها، ويقول للجزيرة نت "طلبوا مني أن أعترف بتهم لا أساس لها من الصحة، وعندما رفضت انهالوا على رأسي ضربا حتى فقدت الوعي، ولما أفقت حاولت فتح عينيّ مرارا، لكنني لم أرَ شيئا، كل شيء كان أسود، فأدركت أني صرت أعمى".
تعذيب جسدي ونفسي
لم يتوقف تعذيبه الجسدي والنفسي عند ذلك، ففي أقبية التحقيق أيضا كسر الضابط عموده الفقري وعظام قفصه الصدري، وحُرم من العلاج والجراحة اللازمين حتى تدهورت حالته الصحية، لتضيف إسرائيل لجسده خسارة جديدة، كان أولها ساقه المبتورة التي فقدها قبل سنوات في عدوان سابق على غزة.
لم يصدّق كلام السجان بأن اسمه ضمن قوائم الأسرى المقرر الإفراج عنهم، فظنها إحدى خدع التحقيق تماما ككذبة تصفية عائلته التي أخبره بها المحقق ونفاها له أحد الأسرى الذين وصلوا إلى السجن مؤخرا، لكن رجاء واحدا كان يجتاح تفكيره "ليتني أستعيد بصري للحظة فقط لأراهم".
وبينما خرج أبو فول لا يرى أحدا، كان الأسير المحرر ناجي الجعفراوي يُبصر كل شيء إلا ما كان يتوق لرؤيته، فقد خرج ليبحث عن وجه شقيقه الصحفي الشهيد صالح الجعفراوي، ليباغته أحدهم وهو يهمّ بالنزول من الحافلة عقب وصوله إلى مجمع ناصر الطبي جنوب القطاع بأنه "استُشهد قبل ساعات".
يقول الجعفراوي "كنت أتفحص وجوه حاملي الكاميرات، وكنت متأكدا أن وجه صالح سيكون أول من أراه من أحبتي، لكنني لم أتوقع أن أصطدم بفقده الذي أنساني فرحة الإفراج"، ليتقاطع عرس ميلاد حريته مع عزاءٍ لم يمهله حتى نظرة الوداع.
إعلانويضيف أن الأسرى الذين دخلوا السجن مؤخرا كانوا يحدثونه عن شقيقه وتأثيره على وسائل التواصل الاجتماعي، وعن وصوله للمليونية وبلوغ صوته للعالم ونجاحه في فضح الاحتلال وجرائمه، مما كان يُسليه ويخفف عنه ألم السجن، ويزيد من شوقه لرؤيته وعناقه.
وفي إضاءة على زاوية من السجن المعتم، يحدّث الجعفراوي الجزيرة نت عن إصرار الأسرى وتطويعهم فترة أسرهم بما يخفف عنهم ثقل الوقت، فقد حولوا زنازينهم إلى "مقرأة من نور" بدلا من أن تكون قبرا مظلما، "فانتصرت إرادتهم على إرادة السجان"، حيث تمكن أسرى غزة في أقسامهم من تحويل المحنة إلى منحة، خلسة وبالخفاء، فحوّلوا جدران السجن إلى قرآن مفتوح.
ويشرح "كان لدينا مرهم طبي نستخدمه في علاج الجرب، وكنا نكتب بطرفه المدبب على جدران المعتقل سوَرا من القرآن الكريم، ويلتزم باقي الأسرى بحفظها".
أُسر الجعفراوي 20 شهرا وكان له دور كبير خلالها في منح الأسرى إجازة الإقراء بالسند المتصل عن النبي، وتقديم دورات فقهية في غرف السجن، ويقول "لم أكن وحدي، ففي كل غرفة كان هناك أسرى يشحذ بعضهم همم بعض لتدارس القرآن، فالوقت في السجن طويل، والانغماس في هذه المتعة كان ينسينا همومه". ويشير إلى أن كل هذه الأمور كانت تتم في الخفاء، وأن اكتشافها من قبل الجنود كان يعرّضهم لعقوبات قاسية ومؤلمة.
عقاب وأهوال عاشها الأسرى تحدث عنها للجزيرة نت الأسير المحرر عماد الإفرنجي المشهور في غزة بـ "كبير الصحفيين"، الذي لم تشفع له سنه التي تجاوزت الـ50، ولا نحول جسده أمام الجنود ليتركوه وشأنه.
"أين كنت يوم السابع من أكتوبر؟ هل تناولتم الحلويات حينها؟"، أول سؤالين كان يوجههما جنود الاحتلال للتحقيق مع المحتجزين والمرضى الذين كانوا في مجمع الشفاء الطبي قبل اقتيادهم إلى معسكرات الاعتقال، بحسب الإفرنجي، الذي تحدّث عن أقسى مرحلة مر بها الأسرى حين كانوا في سجن سدي تيمان المعروف بالعربية بأنه "معسكر قهر الرجال".
ويقول إن أصعب ما كان فيه هو "قمعة الكلاب"، حيث يُجمع الأسرى في مكان ضيق مسيج، معصوبي الأعين ومكبلي الأيدي ويُؤمرون بالنوم على بطونهم، ثم يبدأ الجنود المدججون بالسلاح والكلاب بالمشي على ظهورهم، ويتابع "هذا هو الأكثر رعبا، أن يسيل لعاب الكلب على أحدنا ويتبوّل على الآخر"، ثم ينتقون 3 من الأسرى عشوائيا يهشمون عظامهم ثم ينصرفون.
يعود الإفرنجي بالذاكرة وهو يسرد هذه التفاصيل الموجعة ثم يضيف متنهدا "نحن عائدون من جهنم حرفيا، وليس أصعب من الموت إلا أنه كان متوقعا في أية لحظة بأشنع الطرق".
ويذكر شهادته على ما حصل مؤخرا مع أسير يدعى إسلام السرساوي اتهمته مجندة بسبّها زورا، فاقتاده الجنود إلى قفص حديدي وعزلوه فيه، ثم تناوبوا على ضربه، كما استمروا في إعطائه حبوبا زعموا أنها مسكنات علاجية، ليفقد على إثرها حياته بعد أيام.
ولفت إلى أن الزنازين تضج بالصحفيين، مما يؤكد خشية إسرائيل من حرب الرواية الفلسطينية، ويذكر من ذلك التحقيق معه على مقابلة كان قد أجراها مع رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة الشهيد يحيى السنوار حين أفرج عنه في صفقة وفاء الأحرار عام 2011.
إعلانويختم مؤكدا "نحن خرجنا من السجن أكثر إيمانا بقضيتنا، وأكثر عنادا بمفاعيل الكلمة في هذا العالم"، داعيا الصحفيين إلى الاستمرار في التوثيق والتأريخ لكل محطات وتفاصيل "المسلسل الوحشي الذي سينتصر فيه المظلوم حتما".