#نور_على_نور
د. #هاشم_غرايبه
قال المفكر الاسلامي د. محمد غورماز، أنه دعي لإلقاء الجمعة في أحد المساجد، ولما صعد الى المنبر، لفت نظره عبارة منقوشة على جدار المسجد كتب فيها: ” أول ما يطلع في سماء القلب نجم الحكمة، ثم قمر العلم، ثم شمس المعرفة، فبضوء نجم الحكمة تشاهد حقائق الأشياء، وبضوء قمر العلم تشاهد عالم المعنى، وبضوء شمس المعرفة تشاهد حضرة المولى.
قال: استغرقت في التأمل في هذه العبارات، لدرجة أنني نسيت ما حضرته موضوعا للخطبة، فقلت خطبتي اليوم قصيرة لكنها تغني عن كتاب، واكتفيت بقراءة لهم ما هو مكتوب على الحائط.
حقيقة هذه العبارة تلخص العلاقة بين الحكمة والعلم والمعرفة، فلطالب العلم لا بد من متطلب أساسي وهو أن يمتلك الحكمة أولا، والتي هي أساسا موهبة من الخالق، لذلك قال تعالى: “يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ”[البقرة:269]، لأن الحكمة هي النور الأول الذي يتبين فيه المرء حقيقة ما يبحث عنه، وأين يجده، وكيف يصل اليه، ولهذا تجد أن الحكمة يهبها الله للأنبياء والمصلحين والعلماء مبكرا، لأنها متطلب أساسي للعلم.
من هنا نفهم الفارق الهائل بين العالم الرباني، الذي تدرج من الحكمة الى العلم حتى وصل الى المعرفة، والعالم الدنيوي الذي نال الشهادات العلمية بالحفظ وتعلم علوم من سبقوه قفزا عن الحكمة، فلم يوصله علمه الى المعرفة، ظل جاهلا، وإن حوى عقله معلومات مدهشة، لا يختلف كثيرا عن جهاز حاسوب.
هذا هو تفسير لماذا أن عقل هؤلاء العلماء حل لهم كثيرا من المسائل الحياتية، وأنال بعضهم جوائز نوبل، لكنه قصر عن الاجابة الأزلية للإنسان: لماذا أنا موجود، وتجاوز مسألة هامة وهي أنه هل يعقل أن الانسان الذي تميز عن سائر الكائنات بالعقل بتلك القدرات الباهرة، يتساوى بالمسؤولية عن نتائج أفعاله الاختيارية، مثله مثل تلك الحيوانات والنباتات العجماء التي لا تملك عما فطرت عليها تغييرا!؟.
لذلك رأينا أن العلماء المسلمين، الذين كانوا لا يقلون ابداعا ولا مساهمة في الحضارة البشرية عن العلماء الغربيين الحالين، كان أحدهم موسوعة علمية، وبارعا في استنباط الحلول، وفي الوقت نفسه ذا باع طويل في الفقه والتفسير وعلوم الدين، لم يؤخره علمه هذا عن بحوثه وتجاربه في الفيزياء أو الكيمياء أو غيرها، بل كان علمه الديني القاعدة االتي وجهته وحفزته، لأنها مثلت المسار المنطقي الذي ابتدأ بالحكمة ثم العلم، لذلك سريعا ما أوصله عقله الى نهاية المراد وهو المعرفة الصحيحة، واكتسبها بلا عناء، لأنها تحققت باتباعه الهدى الذي أنزله الله على رسوله الكريم.
الفارق هائل بين من توقف عند مرحلة العلم، ومن استكمل طلب العلم حتى وصل الى مرحلة المعرفة، فذلك هو العالِم الحقيقي، فهما كمثل شخصين تقدما بطلب لدراسة الطب في احدى الجامعات المرموقة فقبلا، بقي الأول في بيته، فيما سافرالآخر والتحق بالجامعة، لا يحق للأول الادعاء بأنه طبيب، ولو مكث عشرين عاما في بيته، فيما يحق ذلك للآخر ان اكمل متطلبات الجامعة.
ليس كل علماء الغرب ملحدون أو لا أدريون، فمن سلكوا المسار المنطقي هذا، وصلوا الى القناعة الإيمانية، لكن ما منعهم من التصريح بها خوفهم من مجتمعهم المحكوم بالرأسمالية الشرسة، التي حصرت الدين باتباع تعاليم خادمتها المطيعة (الكنيسة)، والتي ألغت تشريعات الدين، وحرّفت تعاليم الأنبياء والمرسلين، فصوّرت الله بالصورة التي كانت في خيالات البشر قبل نزول الرسالات، والتي هي لا منطقية يرفضها العقل، وهي أنه كالبشر يموت ويحيا أو يتزوج وينجب، مما كان له الأثر في إعاقة الوصول الى المعرفة الصحيحة. مقالات ذات صلة صورٌ ومشاهد من غزة بعد إعلان انتهاء العدوان (4) 2025/10/22
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: نور على نور هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
قرية كاملة يولد سكانها عمياناً.. لغز وراثي يحير العلماء
#سواليف
في #أعماق_الصحراء، وبعيداً عن #مظاهر #الحياة_الحديثة، تقف #قرية #دالي_كوامبي النائية كأحد أكثر #المواقع #غرابة على #وجه #الأرض؛ حيث يشهد سكانها منذ قرون #ظاهرة_وراثية #استثنائية تتمثل في ولادة واحد من كل اثنين تقريباً #فاقدي_البصر، في مجتمع يعيش عزلة شبه كاملة عن العالم الخارجي.
وتقع القرية على بُعد نحو 1000 كيلومتر من العاصمة الموريتانية نواكشوط، وتوصف بأنها الأكثر عزلة في البلاد، مما يجعل الوصول إليها مهمة شاقة للباحثين والرحالة.
ووفقاً للخبراء، فإن هذه العزلة القاسية ساهمت في انتقال اضطراب جيني نادر عبر الأجيال يجعلهم يصابون بالعمى، نتيجة الانغلاق الجغرافي وغياب التنوع الجيني.
ورغم ذلك، يشير سكّان القرية إلى تفسير مختلف تماماً لهذا العمى؛ إذ يؤكد عمدة القرية أن الأمر يعود إلى نبوءة قديمة مضى عليها عشرة أجيال، تحدثت عن ميلاد رجل صالح فاقد للبصر، وأن العمى أصبح قدراً ملازماً لأهل القرية منذ ذلك الحين.
وبينما يتمسك السكّان بهذا الاعتقاد، يرى الباحثون أن القرابة الداخلية والانعزال الممتد لقرون يلعبان الدور الحاسم في استمرار الظاهرة.
مقالات ذات صلةورغم التحديات التي يفرضها فقدان البصر، طوّر السكان قدرة لافتة على التأقلم، إذ يتحرك الأهالي داخل البيوت والطرقات الرملية بدقة مدهشة، مستندين إلى حاسة السمع واللمس والذاكرة المكانية، وإلى شبكة تضامن مجتمعي متينة تشكّل العمود الفقري لحياتهم اليومية.
أيضاً القرية تفتقر إلى الكهرباء والإنترنت ومعظم مقومات الحياة الحديثة، ومع ذلك، يواصل الأهالي حياتهم وفق أساليب تقليدية متوارثة، ويعتمدون على تعاونهم العميق لتجاوز قسوة البيئة الصحراوية وظروف الإعاقة البصرية، بل ويستقبلون الزوار النادرين بترحاب دافئ، مشاركينهم قصصهم ومعتقداتهم التي نسجتها الأجيال.
وحتى الآن، لا تزال “دالي كوامبي” محوراً لبحوث علمية ووثائقيات دولية، في محاولة لفهم هذا اللغز الوراثي الفريد، رغم تأكيد الخبراء أن العزلة الطويلة هي العامل الأبرز في انتقال الخلل الجيني عبر الزمن.