جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-14@06:01:41 GMT

حين ضحكت العبارة

تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT

حين ضحكت العبارة

 

 

وداد الاسطنبولي

شعورٌ رائع أن تتحوّل بعض العبارات، وإن حملت في طيّاتها شيئًا من الألم أو السخرية بوقعها على المسامع، إلى شرارة تأمل. فبعض الكلمات يفور دمك منها، أو تغيّر ملامحك، أو تجعلك تتذمّر من قائلها، ومع ذلك تبقى عالقة في الذاكرة.

الغريب أنَّي سمعت مقولة مليئة بالسخرية فقادتني هذه العبارة إلى التأمل والتعلّم.

اسمعوا:

مكتبي يُلاصق مكتب زميلي في شعبة المشتريات، وتعودتُ منه بعض المهاترات واللفتات التي تذيب الثلج وتزعج الخاطر أحيانًا، ويشهد الله أني اعتدتُ على ذلك. ربما الروتين اليومي يرسم هالة سلبية عند البعض. في البداية كانت ردة فعلي نصف ابتسامة، ثم صرت أجاريه فيما يقول كلما وجدتُ عبارة تليق أو تتساوى مع عباراته. إلا أنَّ هذه العبارة بالذات نفذت إلى ذهني، والتقطها عقلي، ورست في ذاكرتي. أرددها مرارًا وأضحك بقوة كلما أفاقت من نومها في نفسي.

وكما قلت آنفًا، تدعو بعض العبارات إلى التأمل. وبالفعل، جعلتني هذه المقولة أتأمل أسبوعًا كاملًا، تثير ابتسامتي كلما تذكرتها. وكلما رأيت زميلي في الممرات أقول له: "ماذا قلت ذاك اليوم؟" فيبتسم ويقول: "أعجبتك!".

أرد: "نعم".

ويرددها ضاحكًا، بينما أتعلم أنا من خلفها أن بعض العبارات يختبئ وراءها وجع إنساني، أو يأس، وربما عجز أمام تعقيدات الحياة.

لقد فتحت مقولته مساحة للكتابة، والحمد لله أنه يتلفظ بها بفكاهة ليخفّف بها توتره الداخلي.

أتضحكون على المقولة؟ أم تتأملونها مثلي؟

يقول:" إذا لم تستطع إسعاد نفسك، فعكّر مزاج الآخرين".

وبما أني أعمل في مكتب خدمي وأرى أصنافًا من النَّاس وأنواعًا من العقليات، كنت أرد أحيانًا سريعًا قائلة:

"إلا أنا، يكفيني ما فيني! ما هذه الأنانية التي تريد أن تسحبني بها إلى حزنك؟"

ثم أبتَسِم.

لكن حين تأملتها وجدتُها مفارقة ساخرة، نعم، لكنها أيضًا مرآة لحال الكثيرين. شعور جميل أن تتذمّر ثم تبتسم ثم تتأمل. فليست كل الكلمات دعوة حقيقية لإيذائنا، بل أحيانًا هي سلوك سلبي لا يعرف أصحابه كيف يصنعون السعادة لأنفسهم.

في الحقيقة، كثيرون يمرّون بهذه الحالة دون أن يدركوها؛ يظنون أنهم يمزحون أو يفرّغون ضجرهم بكلمة عابرة، لكنهم في العمق يعلنون حاجتهم لمن يشاركهم العجز عن الفرح. وكأنّ النفس حين تثقلها الحياة تبحث عن توازنها، لا بالابتسامة؛ بل بتوزيع ما تحمله من عُتمة على الآخرين. والمفارقة أن هذا "التعكير" يصبح وسيلة غير مباشرة للتنفيس؛ فبدل أن يصرخ المرء: "أنا متعب"، يطلق نكتة لاذعة تصيب من حوله بعدوى المزاج.

وربما لا نحتاج أن نعكّر مزاج أحد، بل أن نربّت على كتف أنفسنا، ونمنحها بعض العذر؛ فهذا هو السبيل السليم في هذا الزمن، فالضجر والأفعال السلبية ليست طريقًا للراحة، مهما توهّمنا ذلك.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

كردفان على صفيح ساخن: مسيرات تغيّر موازين المعركة حول الأبيض وقصف أممي يوسّع دائرة النزاع

وتبرز مدينة الأبيض في قلب هذا التصعيد باعتبارها خط الإمداد الأهم للجيش شمالًا وجنوبًا، ما جعلها هدفًا مباشرًا لهجمات متكررة.

وخلال تطور ميداني لافت، استهدفت مسيّرة محيط مدخل الأبيض، موقعة قتلى وجرحى بين المدنيين، بينما ردّ الجيش بسلسلة غارات جوية مكثفة على تحركات «الدعم السريع» في مناطق بارا وأم سيالة وأم قرفة، مسببًا خسائر كبيرة في العتاد والأفراد.

التصعيد تجاوز الخطوط المحلية مع تعرّض قاعدة لبعثة الأمم المتحدة في كادوقلي لقصف أسفر عن سقوط ضحايا، في سابقة أثارت تحذيرات دولية من اتساع رقعة الحرب. الحكومة السودانية عدّت الهجوم خرقًا فاضحًا للقانون الدولي، فيما سارعت «الدعم السريع» إلى نفي أي صلة لها بالحادثة.

وبحسب مؤشرات ميدانية، فإن الطرفين يدفعان بتعزيزات عسكرية كبيرة نحو محاور التماس في شمال وجنوب كردفان، مع ترجيحات بانفجار جولات أعنف من القتال، خصوصًا مع سعي الجيش لفتح طرق استراتيجية تربط الأبيض بالدَلَنج، مقابل اعتماد «الدعم السريع» على سلاح المسيّرات لإرباك الدفاعات وإحداث ضغط إنساني داخل المدن.

إنسانيًا، خلّفت المواجهات موجة نزوح جديدة من الأبيض وكادوقلي والدلنج، ترافقت مع ارتفاع غير مسبوق في تكاليف السفر وتدهور الأوضاع المعيشية، فضلًا عن تفشي أمراض وبائية ونقص حاد في الغذاء والدواء، بحسب مصادر طبية.

وفي موازاة ذلك، شهدت ولايات عدة مسيرات حاشدة مؤيدة للجيش، عبّر المشاركون فيها عن دعمهم الكامل للقوات المسلحة ورفضهم للتدخلات الخارجية، مطالبين بتحرك دولي أكثر صرامة تجاه ما يجري في السودان.

ومع استمرار هذا التصعيد، تبدو كردفان مقبلة على مرحلة أكثر تعقيدًا، حيث تختلط الحسابات العسكرية بالتداعيات الإنسانية، وسط مخاوف متزايدة من انزلاق الإقليم إلى مواجهة مفتوحة يصعب احتواؤها.

مقالات مشابهة