شفق نيوز/ دعا معهد أمريكي، اليوم الجمعة، حكومتي بغداد واربيل الى تقوية موقفها التفاوضي في الملفات "الجامدة" مع أنقرة، فيما يتعلق بصادرات النفط وتدفقات المياه وحزب العمال الكوردستاني، في حين حث العراق وتركيا على تحويل خلافاتهما هذه الى فرصة للتكامل والاعتماد المتبادل بدلاً من الصراع والاستغلال.

زيارة أردوغان والنفط

وذكّر "معهد الشرق الأوسط" الأمريكي في تقرير تحت عنوان "هل يمكن ان يختلط النفط والماء"، ترجمته وكالة شفق نيوز "بموجة النشاط الدبلوماسي الأخير بين بغداد وانقرة واربيل والتي جرت في وقت متزامن تقريباً، من خلال زيارات وزيري الخارجية والطاقة التركيين الى العراق، ووزير النفط العراقي إلى تركيا، وذلك فيما يبدو تحضيراً للزيارة المتوقعة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى العراق، والتي تعتقد مصادر عراقية أنها قد تتم في ايلول/سبتمبر الحالي".

وبعد الاشارة الى ملفات المياه وحزب العمال الكوردستاني وصادرات النفط، قال التقرير الامريكي ان "نتائج الزيارات هذه كانت متواضعة حول هذه الملفات حيث لم يتم طرح أية أفكار جديدة، وجرى تكرار مواقف ومطالب قديمة وتعبيرات عن الامل".

ومع ذلك، اعتبر التقرير أن "هناك فرصة أمام العراق لتغيير الأمور وتعزيز موقفه التفاوضي، على الاقل فيما يتعلق بقضية تصدير النفط، أو أكثر من ذلك".

وبعدما ذكّر التقرير بداية بملف صادرات النفط العالقة الى تركيا، اشار الى ان "تسييل هذا النفط يعتبر ضروريا من اجل تنفيذ ميزانية العراق لعام 2023 البالغة 150 مليار دولار والتمكن من السيطرة على العجز الهائل البالغ 48 مليار دولار، في حين ان خسائر تركيا المباشرة تعتبر اقل، اذ تتراوح قيمتها بين 2 مليون الى 3 ملايين دولار يوميا من الرسوم مقابل عبور النفط"، مضيفا أن "ذلك يبعد احتمال قدرة بغداد على الاستفادة من هذا الملف بتنشيط تجارة النفط والغاز".

ملف المياه والأمن

أما الملف الثاني المهم بالنسبة للعراق، فهو المياه، إذ استعرض التقرير "التحديات المناخية والمائية التي تواجه البلد الذي يشهد عاماً جافاً آخر واختفاء البحيرات والاهوار مع تضاؤل كمية المياه المتدفقة الى نهري دجلة والفرات من جارتي المنبع تركيا وإيران".

أما القضية الثالثة فهي "تتعلق بالأمن، وخصوصا فيما يرتبط ووجود حزب العمال الكوردستاني على الاراضي العراقية الممتدة من السليمانية ومخمور شرقا، الى جبال قنديل الوعرة في الشمال، وصولا الى سنجار بالقرب من الحدود السورية غربا، حيث تشن تركيا العديد من الضربات الجوية لإضعاف الحزب داخل العراق، تؤكد على انه يتحتم على بغداد او اربيل اتخاذ اجراءات لإنهاء (فيروس) الحزب".

لكن التقرير اشار الى ان "لدى العراق مشاكله الخاصة مع حزب العمال الكوردستاني، الذي يجتذب وجوده ووجود الجماعات التابعة له أعمالا عسكرية من جانب تركيا بما يزعزع استقرار منطقة سنجار التي مزقتها الحرب في محافظة نينوى".

وذكر التقرير بموقف وزير الخارجية التركي هاكان فيدان حيث كرر الحجة القائلة بأن "وجود الحزب يجب ان ينتهي، سواء بتعاون بغداد او أربيل"، لكن التقرير اعتبر أن "المشكلة هي انه لا توجد قوة أو ارادة سياسية لأي من بغداد او اربيل، بالتحرك بشكل حاسم، حيث ان قدرتهما على التحرك معقدة بسبب الكلفة المادية والسياسية وصعوبة محاربة مقاتلين متحصنين بحرب عصابات، بالاضافة الى ان مسلحي وحدات مقاومة سنجار، يتمتعون بدعم محلي قوي في سنجار اذ ينظر اليهم على انهم يدافعون بشكل شرعي عن مجتمع الاقلية الايزيدية".

وتابع التقرير ان "الاحزاب الحاكمة في اربيل لا تنظر الى حزب العمال الكوردستاني بعين واحدة، اذ بينما يعتبر الحزب الديمقراطي الكوردستاني في اربيل حزب العمال الكوردستاني عدوا، فان الاتحاد الوطني الكوردستاني في السليمانية يظهر متعاطفا، ان لم يكن داعما، بالاضافة الى ان هناك ادلة متزايدة على التعاون بين وحدات مقاومة سنجار والفصائل المدعومة من إيران في قوات الحشد الشعبي، والتي دعمت الهجمات ضد القوات التركية المتمركزة في العراق".

ورأى التقرير أن "التقدم فيما يتعلق بالمياه، كان ايضا مخيبا للامال، حيث احتفى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بالاتفاقية الجديدة لتشكيل لجنة مشتركة للمياه، وهو تفاهم اقل بكثير من ان يتناسب مع حجم الازمة البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي تتكشف الآن".

واضاف التقرير ان "الامر لم يقتصر على أن أنقرة لم تقدم اي التزامات باطلاق المزيد من المياه بما ينقذ المجتمعات التي تعتمد على نهر الفرات، بل ان تشكيل هذه اللجنة هو مجرد اعادة صياغة لاتفاق تم التوصل اليه في العام 2021 في عهد حكومة مصطفى الكاظمي".

وحول ملف النفط، قال التقرير ان "المحادثات الاخيرة لم تسفر عن اتفاق، وان المماطلة التركية كانت شديدة الوضوح"، مذكراً بأن المسؤولين الاتراك قالوا "انهم بحاجة الى مزيد من الوقت من أجل فحص خط الأنابيب وصهاريج التخزين في ميناء جيهان على البحر المتوسط للتأكد من عدم وجود أضرار تسبب بها زلزال 6 فبراير/شباط الماضي، علما بأنه من الصعوبة تصديق هذا الموقف لأن النفط ظل يتدفق طوال 46 يوما بعد الزلزال، ولم يتوقف التدفق سوى في 25 مارس/آذار الماضي، بعد ساعات من إصدار المحكمة الجنائية الدولية حكمها لصالح العراق".

واعتبر التقرير أن "تركيا تستخدم خط الأنابيب كورقة مساومة لانتزاع تنازلات بشأن التعاون النفطي والأمني من اربيل وبغداد، في ظل تقارير تتحدث عن وجود شروط تركية من بينها تخفيض مبلغ التعويضات التي يجب أن تدفعها (التي حددتها المحكمة الجنائية الدولية بمبلغ 1.5 مليار دولار)، وتخفيضات كبيرة باسعار النفط، واسقاط جميع المطالبات ضدها، وزيادة رسوم نقل النفط الى 7 دولارات لكل برميل (مقارنة بحد اقصى قدره 1.18 دولار أمريكي وفق معاهدة خطوط الأنابيب الحالية التي تم تجديدها في العام 2010)، الى جانب تعويض تكاليف صيانة خطوط الانابيب".

نفوذ العراق غير المستخدم

وبرغم كل ذلك، أكد التقرير انه من "المفارقات أن قرار تركيا بإطالة أمد وقف صادرات النفط العراقية، قد ادى الى اعادة ترتيب مصالح بغداد واربيل بحيث تريد بغداد، لاول مرة منذ فترة طويلة، ان يصل نفط أربيل الى الأسواق الدولية بنفس الرغبة التي لدى اربيل نفسها".

وأوضح التقرير الامريكي انه "في ظل تعرض مصالح بغداد واربيل المتبادلة للخطر، وفي ضوء التقارب الاخير في مواقفهما بشأن ادارة الموارد النفطية، والذي انعكس في موافقة اربيل في نيسان/ابريل على السماح لشركة تسويق النفط الحكومية (سومو) بالتعامل مع صادراتها النفطية، فان بامكان الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان ان يقلبا الطاولات لمصلحتهما".

وتابع قائلا ان "بامكان بغداد واربيل أن تصبحا في موقف أقوى بكثير فيما يتعلق بالنفط مما تتصور أنه حاليا، خصوصا في ظل اتخاذ خطوات فنية اضافية وفق الاتفاق السياسي الذي تم التوصل اليه في نيسان/ابريل"، مضيفا ان "المفتاح قد يكون من خلال تعزيز الاستفادة من النفط المنتج في كركوك واقليم كوردستان داخل العراق نفسه، من خلال المصافي المتوفرة المصافي، ومن خلال محطات الطاقة وان بدرجة اقل".

ورأى التقرير ان "اي استراتيجية شاملة يتحتم عليها ان تنظر الى النفط الخام باعتباره سلعة قابلة للاستبدال، حيث تتدفق البراميل الى اي مكان يولد العائد الاقتصادي الأكبر، وهي استراتيجية قد تتضمن عدة تكتيكات، من بينها ضمان استخدام الطاقة القصوى لمصافٍ نفطية من بينها بازيان ونينوى ودوكان في اقليم كوردستان، والتي بمقدورها معالجة نحو 230 الف برميل يوميا من النفط، وذلك بهدف استيعاب أكبر قدر ممكن من الإنتاج بما يلبي احتياجات السوق المحلية، وربما أيضا تصدير فائض المنتجات المكررة".

اما التكتيك الثاني، فيتمثل بـ"استخدام الشاحنات لنقل النفط المنتج من اقليم كوردستان الى المصافي و/او محطات الطاقة في وسط وجنوب العراق، وهوما يمكن ان يحل مكان المواد الخام القادمة من الحقول الجنوبية، ويوفر المزيد من هذا النفط بهدف التصدير".

وبحسب التقرير فإن "تكلفة النقل، على سبيل المثال من خلال رحلات بالشاحنات على 240 ميلا من كركوك الى مصفاة كربلاء التي تم بناؤها حديثا والتي تبلغ طاقتها 140 الف برميل يوميا، ستكون اقل من مبلغ 7 دولارات للبرميل والذي تطلبه تركيا".

ومن باب المقارنة، قال التقرير أن "تكلفة نقل النفط الخام العراقي عبر الشاحنات الناقلة لمسافة 600 ميل من كركوك الى مصافيها في الزرقاء، تبلغ 6.80 دولارا للبرميل".

اما التكتيك الثالث، فقد ذكر التقرير انه "يتحتم على المسؤولين في بغداد واربيل النظر في التخطيط للمستقبل من أجل ضمان توفر البنية التحتية الملائمة للسماح بتدفق 150 ألف برميل اضافية من النفط المنتج في كوردستان نحو مجمع مصفاة بيجي التي قد يعاد تشغيلها قبل نهاية العام 2024".

وخلص التقرير الى القول ان "لدى حكومتي بغداد واربيل القدرة على التكيف التي ستظهر مع عملية التحول هذه، في ظل استمرار انقرة في منع الصادرات، مضيفا ان بامكان بغداد واربيل تحويل النفط من قضية تتطلب تعاون انقرة، الى ورقة مساومة خاصة بهما".

وايضا، اعتبر التقرير ان "بامكان بغداد واربيل ان تقدما النفط بسعر مخفض الى تركيا اذا قامت تركيا بالمثل بشروط معقولة لاستخدام خط الأنابيب على المدى الطويل، وأظهرت المزيد من التعاون في معالجة أزمة المياه في العراق".

وفي المقابل، قال التقرير إن "هناك مكاسب بإمكان تركيا أن تجنيها"، مضيفاً بالقول إنه "في ظل تحول اربيل وبغداد بشكل أكبر نحو أن تكونا على الصفحة نفسها فيما يتعلق بادارة صادرات الطاقة، فإن تراجع حالة عدم اليقين يمكن أن يساعد العراق على الاستثمار في زيادة الإنتاج من كركوك للحصول على المزيد من تدفق النفط عبر تركيا لجعل مشروع خط أنابيب العراق أكثر ربحية".

والى جانب ذلك، قال التقرير إن "تلبية ما يحتاجه العراق من المياه، من شأنها أن تخلق ظروفا أكثر ملاءمة لاشراك الشركات التركية في تطوير انظمة الري في العراق، بما يصب في مصلحة الدولتين المتشاطئتين، مضيفا أن "بغداد قد تدرس ايضا امكانية اعطاء الضوء الاخضر لاحياء مخططات سابقة تتعلق ببيع غاز كوردستان إلى تركيا".

وختم التقرير بالقول إن "قضية حزب العمال الكوردستاني، قد تكون في المستقبل المنظور، مستعصية على الحل، غير ان ذلك يجب ألا يمنع الجارتين من تحقيق تقدم في قضايا أخرى، ويتحتم على العراق وتركيا أن يتطلعا إلى وفرة النفط والمياه، على أنها بمثابة فرصة للتكامل والاعتماد المتبادل بدلا من الصراع والاستغلال".

ترجمة: وكالة شفق نيوز

المصدر: شفق نيوز

كلمات دلالية: العراق هاكان فيدان تركيا محمد شياع السوداني انتخابات مجالس المحافظات بغداد ديالى نينوى ذي قار ميسان اقليم كوردستان السليمانية اربيل نيجيرفان بارزاني إقليم كوردستان العراق بغداد اربيل تركيا اسعار الدولار روسيا ايران يفغيني بريغوجين اوكرانيا امريكا كرة اليد كرة القدم المنتخب الاولمبي العراقي المنتخب العراقي بطولة الجمهورية خانقين البطاقة الوطنية مطالبات العراق بغداد ذي قار ديالى حادث سير عاشوراء شهر تموز مندلي العراق تركيا حزب العمال الکوردستانی بغداد واربیل فیما یتعلق التقریر أن التقریر ان المزید من من خلال الى ان

إقرأ أيضاً:

هل يمرر البرلمان الليبي اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا؟

طرابلس/أنقرة – بعد أن ظلت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقّعة بين ليبيا وتركيا معلّقة لما يقرُب من 6 سنوات، يُعاد اليوم فتح هذا الملف الذي تعتبره اليونان تعديا على نطاقها البحري، وسط تحركات أوروبية لكبح أي خطوة ليبية نحو التثبيت القانوني للاتفاق.

وأكد عضو مجلس النواب الليبي عبد المنعم العرفي، للجزيرة نت، أن البرلمان يتجه للمصادقة على الاتفاقية في أقرب جلسة، مبينا أن من أبرز النقاط المراد تعديلها هي بند يمنح تركيا حق الموافقة المسبقة قبل تعاقد ليبيا مع شركات دولية كبرى.

يُذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الليبي السابق فائز السراج وقّعا، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، في إسطنبول، مذكرة تفاهم حول تحديد مجالات الصلاحية البحرية، بهدف حماية حقوق البلدين النابعة من القانون الدولي.

ووفقا للمذكرة، "قررت تركيا والحكومة الليبية العمل على تحديد المجالات البحرية في البحر المتوسط بشكل منصف وعادل، والتي تمارسان فيها كافة حقوق السيادة، مع الأخذ بعين الاعتبار كافة الظروف ذات الصلة".

أردوغان (يمين) والسراج وقعا عام 2019 في إسطنبول مذكرة ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا (الأناضول) ضغوط أوروبية

من جانبها، أشارت النائبة في البرلمان الليبي ربيعة بوراص إلى ضغوطٍ أوروبية تمارس بوضوح لثني المجلس عن المضي نحو المصادقة، مؤكدة للجزيرة نت أن اللجنة الفنية لا تزال تراجع نصوص الاتفاقية، وتعمل على إعداد بروتوكول تنفيذي بالتنسيق مع الجانبين المصري والتركي.

وأرجع عضو مجلس النواب صالح إفحيمة، في حديث للجزيرة نت، أسباب الرفض الأوروبي إلى اعتبارات سياسية واقتصادية لدول بعينها لا يمكن فصلها عن المشهد الجيوسياسي في شرق المتوسط.

أما النائب علي الصول فقال للجزيرة نت إن البرلمان سيمرر الاتفاقية إذ كانت تخدم المصلحة الوطنية الليبية أولا، وتراعي المصالح الإقليمية دون أن تُخضع القرار الليبي لأي توازنات مفروضة أو ضغوط دولية.

بدوره، أشار الباحث في العلاقات الدولية والمتخصص في السياسات الخارجية المقارنة أحمد العبود إلى خوض ليبيا -قبل 2011- ثماني جولات تفاوضية مع اليونان، وأكثر من 11 جولة مع تركيا دون التوصل إلى اتفاق، بناءً على تقدير دبلوماسي رأت فيه أن توقيع أي تفاهم آنذاك لا يخدم المصلحة الوطنية.

إعلان

وأضاف للجزيرة نت أن مجلس النواب كان قد رفض مذكرتي التفاهم الموقعتين بين حكومة الوفاق وتركيا عام 2019، لكنه يرى الآن أن مذكرة ترسيم الحدود تمنح ليبيا ومصر امتدادا أوسع في مناطقها الاقتصادية الخالصة، مستندة إلى مبدأ قانون أعالي البحار الذي يعتبر اليابسة هي الأساس في الترسيم، رغم عدم توقيع أنقرة عليه.

ووفق العبود، فإن التفاوض مع اليونان لا يصب في صالح ليبيا، مرجعا السبب لاعتمادها على الجزر كمرجعية قانونية في الترسيم، مما قد يقتطع أجزاء واسعة من المياه الليبية لصالحها.

ونبّه إلى أن المصادقة على الاتفاقية قد تفتح الباب أمام التزامات إستراتيجية، لا سيما إذا بدأت عمليات التنقيب الفعلي عن الغاز والنفط، قائلا إن أنقرة قادرة على حماية مصالحها الاقتصادية، "في حين تُقيّد ليبيا بحظر التسليح وضعف في البنية الدفاعية".

محور خلاف

بدوره، أوضح النائب إفحيمة أن الاتفاقية كانت ولا تزال محور خلاف بين حكومتي طرابلس وبنغازي، مما انعكس سلبا على موقف ليبيا أمام مختلف القضايا الدولية، وفي حال رفض البرلمان الاتفاقية ستنتهي حالة الاستقطاب ويُعاد رسم مسار التوافق الموحد بشأن قضايا السياسة الخارجية.

وبرأي الباحث الأكاديمي في الدراسات الإستراتيجية والسياسية محمد مطيريد، فإن اتفاقية 2019 جاءت في سياق تثبيت نفوذ حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، لكن تبدّل المعادلات الإقليمية والتقارب المتنامي بين أنقرة وسلطات شرق ليبيا جعلا البرلمان أقرب إلى المصادقة بالنظر إلى ما تتيحه الاتفاقية من مكاسب إستراتيجية واقتصادية للدولة الليبية.

ويرجّح، للجزيرة نت، أن البرلمان قد يُعارض تمريرها إذا أصر الجانب التركي على الصيغة الحالية دون التعديلات المطلوبة.

من جانبه، أكد أستاذ العلاقات الدولية مسعود السلامي، للجزيرة نت، أن توجه البرلمان نحو المصادقة على الاتفاقية يعود إلى 3 عوامل:

حماية الثروات البحرية الليبية من التوسع اليوناني. التقارب التركي مع شرق البلاد الذي عزز مناخ الثقة وأعاد ترتيب الأولويات. التفاهم التركي-المصري الذي خفّف تحفظات القاهرة.

من جانبها، سارعت أنقرة إلى تأكيد تمسكها بالاتفاق ورفضها الانتقادات الأوروبية، بعدما جدد الاتحاد الأوروبي، في ختام قمته التي عُقدت ببروكسل نهاية الأسبوع الماضي، رفضه له مؤكدا أنه "انتهاك للحقوق السيادية لليونان وقبرص ولا يتوافق مع قانون البحار".

وأوضحت وزارة الخارجية التركية أن مذكرة التفاهم الموقعة بين أردوغان والسراج تتوافق تماما مع القانون الدولي، مشددة على أن أنقرة لن تسمح بانتهاك حقوقها ومصالحها المشروعة.

وقال المتحدث باسم الخارجية أونجو كيتشالي، في بيان رسمي، إن النتائج التي اعتُمدت في القمة الأوروبية الأخيرة تعكس استمرار اليونان وإدارة جنوب قبرص اليونانية في محاولاتهما فرض مطالب "متطرفة ومخالفة للقانون الدولي ومبدأ العدالة، على الاتحاد الأوروبي".

موقف سياسي

ووصف كيتشالي الموقف الأوروبي بأنه متحيز وذو دوافع سياسية، معتبرا أن إثارة قضية حساسة ذات أبعاد قانونية وفنية مثل ترسيم الحدود البحرية في هذا السياق لا يخدم السلام والاستقرار الإقليميين.

إعلان

وأضاف البيان "ينبغي على الاتحاد دعوة جميع أعضائه إلى الالتزام بالقانون الدولي بدلا من تبني ادعاءات لا أساس لها من الصحة القانونية"، مؤكدا أن تركيا ستواصل الدفاع بحزم عن حقوقها بشرق المتوسط في إطار القانون الدولي.

وكان الجانبان التركي والليبي قد وسّعا نطاق المذكرة الأولى في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2022، من خلال توقيع مذكرة تفاهم جديدة تمنح أنقرة حقوقا إضافية للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في المياه الإقليمية الليبية وداخل الأراضي الليبية. وأثارت هذه الخطوة اعتراضات شديدة من جانب اليونان، التي وصفت المذكرتين بأنهما "باطلتان".

وشرعت تركيا في ترجمة اتفاقها البحري مع ليبيا إلى خطوات عملية، ففي 25 يونيو/حزيران الماضي وقّعت شركة النفط التركية مذكرة تفاهم مع المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا لإجراء مسوحات زلزالية مشتركة ضمن المناطق البحرية المشمولة بالاتفاق.

أثارت هذه التطورات غضب أثينا والاتحاد الأوروبي، غير أن أنقرة قابلت هذه الضغوط بتكثيف تحركاتها الدبلوماسية مع ليبيا. ففي اليوم التالي للقمة الأوروبية، استقبل وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار نظيره الليبي في إسطنبول، حيث ناقشا فرص التعاون في استكشاف النفط والغاز.

وأكد بيرقدار "قدرة البلدين على الاستفادة من خبراتهما من خلال تعاون ملموس يعود بالنفع المتبادل"، في إشارة إلى مضي أنقرة وطرابلس قدما في مشاريع التنقيب المشتركة.

يرى المحلل السياسي عمر أفشار أن المصادقة المحتملة من البرلمان الليبي تمثل مكسبا إستراتيجيا كبيرا لأنقرة، إذ ستمنح الاتفاق ثقلا سياسيا وقانونيا داخل ليبيا وعلى المستوى الدولي، وتساعد في إفشال ما تعتبره تركيا محاولات لعزلها عن معادلات الطاقة في شرق المتوسط.

وقال للجزيرة نت إن هذه الخطوة قد تستخدم كورقة ضغط دبلوماسية ضد المواقف الأوروبية الرافضة. لكنه حذر من أن التطور قد يؤدي إلى تصعيد التوترات مع الاتحاد الأوروبي. وأكد أن أنقرة ستسعى إلى استثمار هذا المكسب مع إدارة تداعياته لتجنب مواجهة مفتوحة في شرق المتوسط.

مقالات مشابهة

  • اعتقالات جديدة تطال 3 رؤساء بلديات في تركيا
  • تركيا: السلطات تنفّذ جولة جديدة من الاعتقالات بحق رؤساء بلديات معارضين
  • مجلس بغداد يصوت بالأغلبية على إبقاء العلوي محافظاً
  • بيان تركي عن شأن داخلي عراقي.. من يفتح باب الانتخابات أمام أنقرة؟
  • هل يمرر البرلمان الليبي اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا؟
  • ارتفاع اسعار الدولار في بغداد واربيل مع الإغلاق بنهاية الأسبوع
  • دمشق بين أنقرة وتل أبيب.. هل تخسر تركيا ورقتها السورية؟
  • حماس في أنقرة.. تحركات دبلوماسية مكثفة مع تركيا لوقف العدوان على غزة
  • مباحثات سورية أردنية لتعزيز التعاون بمجالي الطاقة والمياه
  • الأونروا في تركيا: تحرك دبلوماسي لمحاولة إعادة التوازن لقضية اللاجئين