هل يقود ارتفاع الدين الداخلي العراق نحو أزمة مالية خطيرة؟
تاريخ النشر: 29th, October 2025 GMT
ما يزال الجدل محتدما في العراق، جرّاء ارتفاع غير مسبوق في حجم الدين الداخلي خلال الأعوام الثلاثة الماضية من عمر حكومة محمد شياع السوداني، ليصل إلى 91 تريليون دينار، وهو الأعلى في تاريخ البلاد.
وأوضح البنك المركزي العراقي في بيانه، الأسبوع الماضي، أن هذا الدين الداخلي يتوزع بين 56 تريليون دينار متراكمة حتى نهاية عام 2022، و35 تريليون تمثل ديون الأعوام 2023 و2024 و2025، مشيرا إلى أن معظمه يقع ضمن الجهاز المصرفي الحكومي.
وأكد البنك، أنه يعمل على إعداد رؤية متكاملة للاستدامة المالية للسنوات المقبلة، تهدف إلى دعم توجهات الحكومة في الإصلاح الشامل وتنويع مصادر الدخل وتعظيم الإيرادات غير النفطية، كبديل عن الاعتماد الأحادي على النفط، بهدف تجنب تفاقم العجز المالي.
يأتي ارتفاع الدين الداخلي مع تحذيرات من تراجع أسعار النفط إلى ما دون 60 دولارا للبرميل الواحد، في بلد اقتصاده ريعي وتعتمد موازنته المالية على صادراته النفطية بنسبة تصل إلى 95 بالمئة.
"مأزق كبير"
تعليقا على ذلك، قال الخبير الاقتصادي العراقي، صلاح العبيدي، إن "ارتفاع الدين الداخلي سيؤرق الحكومة العراقية المقبلة، رغم أن البعض يحاول التخفيف من وطأتها، لكن الأمر خطير جدا، لأن الحكومة الحالية أرادت أن تحقق منجزا على حساب اقتصاد العراق".
وأضاف العبيدي لـ"عربي21" أن "أغلب مشاريع الحكومة الحالية (تنتهي ولايتها في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل) لم تكن مدروسة بعناية، وأنها اعتمدت على الديون الداخلية، وبالتالي أدخلتنا في مأزق كبير جدا".
ولفت إلى أن "أغلب الحكومات السابقة كانت تترك فائضا من الأموال، ما عدا الحكومة الحالية، فإنها مديونة بشكل كبير جدا، وأن الكثير من المتعاقدين يطلبون الدولة أموال كبيرة، وأن الأسباب الرئيسة وراء ارتفاع الديون، كان التفكير بتحقيق منجزات، لكن بلا دراسة اقتصادية صحيحة".
وتابع: "صحيح أن الدين الداخلي حتى الآن 43 بالمئة، ولم يصل إلى 63 بالمئة، بالتالي نحن ضمن الطبيعي، لكن هذه القفزات السريعة في ثلاثة أعوام، تشكل خطورة على الاقتصاد الوطني، والناس لا تشعر به حاليا كونها تريد منجز أمامها، ولا تعرف ما وراء التل".
من جهته، قال الخبير الاقتصادي، ضرغام محمد علي، إن "الاعتماد الحكومي في سد العجز كان بقصر على الاقتراض الداخلي عبر طرح سندات خزينة، وهذه يفرض بأجل قصير، لكن بدأت تأخذ وقت أطول".
وأوضح محمد علي لـ"عربي21" أن "هذه السياسة الحكومية ضاعف الديون الداخلية، وأن عدم قدرة الموازنة المالية للسنوات الثلاث الأخيرة على سد مبالغ هذه السندات، سببه أن هناك عجز متكرر سنويا".
وأكد الخبير أن انخفاض أسعار النفط مؤخرا ضاعف قيمة العجز، لأن تقديرات الموازنة لسعر البرميل كان مبالغ فيها، وهذا جعل الحكومة تعتمد على الدين الداخلي، ما أدى إلى عجز المصارف المحلية عن تلبية الدين الداخلي بعد انخفاض احتياطاتها.
وفي هذه النقطة، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة المعقل العراقية، نبيل المرسومي، إن المقلق في بيان البنك المركزي، أن يكون هناك عجز فعلي في الموازنة العامة بأكثر من 35 ترليون دينار خلال السنوات الثلاث الأخيرة في الوقت الذي كان فيه متوسط اسعار النفط بنحو 75 دولارا للبرميل وبصادرات أكثر من 3.3 مليون برميل يوميا.
وتابع المرسومي عبر تدوينة على "فيسبوك" أن المقلق أيضا، أنه "جاء في الوقت الذي كان هناك فائض من الأموال في وزارة المالية بأكثر من 22 ترليون دينار"، مؤكدا أن "الأكثر قلقا أن هذا العجز تم تمويله من الاقتراض الداخلي الذي أصبح الأعلى في تاريخ العراق بأكثر من 91 ترليون دينار".
وبلغت أسعار النفط العراقي، في التعاملات الأسبوعية بالأسواق العالمية حتى يوم 28 تشرين الثاني الجاري، 67.53 دولارا للبرميل، بينما سجل خام البصرة الثقيل 65.68 دولارا للبرميل.
وبلغت القيمة الإجمالية للموازنة الثلاثية لأعوام 2023 و2024 و2025 نحو 198 تريليون دينار عراقي للعام 2023، بعجزٍ مقدّر بحوالي 64 تريليون دينار، مع اعتماد سعرٍ للنفط عند 70 دولارا للبرميل وصادراتٍ يومية بنحو 3.5 ملايين برميل، على أن تُحدَّث الجداول سنويا وفق المتغيرات الاقتصادية وأسعار النفط العالمية.
معالجات صعبة
وبخصوص الإجراءات الحكومية المتوقع اتخاذها لخفض الديون الداخلية، قال الخبير صلاح العبيدي، إن "الحكومة المقبلة أمامها تحديدات كبيرة، وقد طرح بعض الخبراء مقترحات عدة للحل، خصوصا موضوع تغيير سعر صرف العملة المحلية، وهذا أمر مرجح في المرحلة المقبلة".
وأضاف العبيدي أن "البعض يتحدث عن تأخير منح الرواتب مدة 45 يوما بدلا من شهر، وهذا يمس حياة المواطن بشكل مباشر، لذلك فإن على الحكومة التفكير في آليات أخرى من شأنها تعظيم موارد الدولة، وذلك من دون المساس بشكل مباشر بقوت المواطنين".
واقترح الخبير الاقتصادي أن تلجأ الحكومة إلى أملاك الدولة الكثيرة جدا، التي تسيطر عليها الأحزاب أو مشغولة ببدلات إيجار زهيد جدا، إضافة إلى أن بعض هذه المباني باهض الثمن، وإذا جرى تحويلها إلى مشاريع استثمارية فإنها تجلب عائدات مالية مرتفعة.
وشدد العبيدي على ضرورة "سيطرة الدولة على الجمارك، لأنها اليوم غير معروف أين تذهب عائداتها. الأمر الآخر هو محاربة الفساد واسترداد أموال الدولة، وثمة مقترح متداول حاليا هو استرجاع المبالغ مقابل إعطاء 20 بالمئة منها لقاء غلق القضية".
وشدد العبيدي على ضرورة أن تفكر الحكومة المقبلة في تعضيد موارد الدولة بعدم الاعتماد على النفط، وإنما بتوفير بيئة حقيقية وآمنة للاستثمار، وحينها سيأتي المستثمر ويشغّل الأيدي العاملة ويصبح ثمة صناعة وطنية، وهذه من التحديات الكبيرة جدا.
وتوقع الخبير الاقتصادي أن تواجه الحكومة المقبلة ضغوطات دولية تبدأ بوضعها على المسار الصحيح بعيدا عن الأجندات الخارجية، وكذلك وضع آليات للحفاظ على البنك المركزي والعملة الوطنية وغيرها من المسائل.
وأكد العبيدي أن الحكومة المقبلة تواجه واقعا صعبا جدا، ولاسيما قضية رواتب الموظفين، لذلك من المهم العمل على إعادة هيكلة للتعيينات، وكذلك إجراء تقشف في الرئاسات الثلاث وتقليص الإيفادات الخارجية والصرف والتخصيصات الهائلة جدا.
من جانبه، وصف الخبير الاقتصادي، ضرغام محمد علي، اقتراح البعض تغيير سعر الصرف للعملة العملية ورفع أسعار الوقود والضرائب وتأخير دفع الرواتب، بأنها حلول "الفاشلين"، التي يلجأ إليها "عديمي الرؤية دائما"، وذلك بالضغط على الشارع، وهذا يفقد الحكومة شعبيتها.
وبين محمد علي أن "هناك موارد يجب تفعيلها، منها وضع تأشيرات الدخول وخصوصا ما يتعلق بالسياحة الدينية، وكذلك متابعة أموال العراق المهربة في الخارج، وتفعيل قانون من أين لك هذا، ومتابعة عقارات وأراضي الدولة المنهوبة".
ودعا الخبير العراقي إلى "إعادة تقييم أسعار الأراضي التي سلمت إلى المستثمرين بأسعار زهيدة وذلك بتواطؤ المسؤولين، وضرورة تحميل المستثمر فرق السعر، وكذلك الاستفادة من عقارات الدولة المسيطر عليها من الأحزاب والشخصيات السياسية وإعادة تقييم المباع منها، وهذه تورد مبالغ كبيرة للدولة".
الأمر الآخر، دعا محمد علي إلى المضي في إكمال "طريق التنمية" والذي يعتبر مشروعا مهما جدا ومفيدا إذا اكتمل، لأن الخطوات التنفيذية الحالية ضعيفة حتى الآن ولا ترتقى إلى المستوى المطلوب.
وبخصوص المنافذ الحدودية وأموال الجمارك، أكد محمد علي أنه "من الصعب جدا السيطرة عليها، لأن الأحزاب تعتاش عليها وتمول منها حملاتها الانتخابية وكل شيء، لذلك مادام الفساد بهذه القوة والزخم ومدعوم خارجيا وداخليا، فإن العراق لن يستطيع النهوض باقتصاده، لأنه لا يقوم على أسس فاسدة".
وأكد الخبير العراقي أن "ارتفاع الديون مؤثر حاليا على الواقع الاقتصادي، وأن تغيير سعر الصرف الذي أقدمت عليه الحكومة الحالية كان بشكل متعجل كان خطيئة كبرى، ولم يستفد منه المواطن نهائيا، لأن سعر الصرف الموازي حاليا أصبح يعادل سعر الصرف ما قبل تغييره".
ولفت إلى أن تغيير سعر الصرف عام 2023، صب في صالح الفاسدين، ولم يستفد منه الاقتصاد العراقي بشيء، ولم تنخفض نسب التضخم أو يتحقق الهدف المرجو منه، وإنما كان دعاية انتخابية فاشلة مما أدى إلى تضرر الاقتصاد بشكل كبير، وأن الحكومة تدفع فرق سعر الصرف من حسابها.
وحذر محمد علي من أن تلاعب الحكومة المقبلة بسعر الصرف من شأنه أن يسبب "دمارا للاقتصاد العراقي"، خصوصا أن الأداء الحكومي في الاقتصاد ضعيف جدا ومرتجل، ويعبّر عن عدم وجود رؤية استراتيجية، إضافة إلى غياب أي ضبط لإيقاع الفساد.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية العراق السوداني البنك المركزي العراقي النفطية اقتصاده العراق اقتصاد نفط السوداني البنك المركزي العراقي المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الخبیر الاقتصادی الحکومة المقبلة الحکومة الحالیة دولارا للبرمیل تریلیون دینار الدین الداخلی أسعار النفط سعر الصرف تغییر سعر محمد علی إلى أن
إقرأ أيضاً:
زعيم إطاري:إيران من تعين رئيس الحكومة المقبلة
آخر تحديث: 28 أكتوبر 2025 - 1:38 م بغداد/ شبكة أخبار العراق- أكد الزعيم الإطاري النائب عامر فايز العامري ، الثلاثاء، أن الحديث عن الولاية الثانية لرئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني ما يزال مبكراً، مشيراً إلى أن نتائج انتخابات 11 تشرين الثاني المقبل والتحالفات السياسية التي ستعقبها هي التي ستحسم هوية رئيس الحكومة المقبلةبالتنسيق مه الجانب الايراني صاحب القرار الاول في هذا الامر.وقال العامري في حديث صحفي، أن “نتائج الانتخابات وما سينتج عنها من تحالفات وتوافقات سياسية ستكون هي المحدد الأساسي لهوية رئيس الوزراء المقبل بالتنسيق مع إيران صاحبة القرار الأول في هذا الامر ”، لافتاً إلى أن “الحديث عن ولاية ثانية للسوداني قبل ظهور نتائج الانتخابات أمر سابق لأوانه، لأن البوصلة السياسية ستُرسم بعد إعلان النتائج النهائية وما ستفرزه التوافقات بين الكتل”.