صراحة نيوز- بقلم / عاطف أبو حجر
يبدو أن الفراعنة لم يعودوا من باطن الأرض، بل من باطن الإنترنت. فبين ليلةٍ وضحاها، امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بصورٍ لملوكٍ وملكاتٍ جدد، لا يحملون صولجان الحكم، بل هاتفًا بكاميرا ذكاءٍ اصطناعيٍّ خارق، قادرٍ على تحويل أيّ مواطنٍ بسيط إلى “رمسيس الرابع عشر” خلال ثوانٍ معدودة.
نصفُ الشعب العربي تقريبًا ظهر في الأيام الأخيرة مرتديًا الزيَّ الفرعوني في صوره المنشورة بواسطة الذكاء الاصطناعي، وكأنهم ملوك وملكات مصر القديمة. ترى الموظف الذي كان بالأمس يشتكي من الراتب، اليوم جالسًا على عرشه الذهبي بجانب نمرٍ متأمل، ينظر إلى الأفق وكأنه يخطط لغزوةٍ جديدة.
أما ربّات البيوت، فقد تحوّلن إلى “كليوبترا” بنسخة فلتر الجمال، و”نفرتيتي” بنظرةٍ غامضة تشبه منشور “صباح الخير”، ولكن من ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد.
ولأن الترند لا يكتمل دون لمسةٍ من الخيال الجامح، ترى البعض بجانب نمرٍ أو أسدٍ، وكأنهم في إعلانٍ لسيرك أو فيلم مغامرات. أحدهم يبتسم للأسد بثقةٍ مصطنعة، وآخر يضع يده على كتف النمر كأنه صديقه من أيام المدرسة. المشهد برمّته يبدو كأن “ملكة الفراعنة” افتتحت معرضًا جديدًا للموضة اسمه: “كليوباترا آند فريندز”.
في الواقع، ما يحدث ليس مجرد حبٍّ للحضارة المصرية — التي هي فخر الأمة بلا شك — بل هو مزيجٌ طريف من الغرور الرقمي وحب الظهور الحضاري. وكأن الشعوب العربية اتفقت فجأة على العودة إلى الجذور، ولكن عبر تطبيقٍ مدفوع الاشتراك.
ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه بجرأةٍ فرعونية:
هل هذا مهرجانٌ فرعونيٌّ أم حملةٌ انتخابيةٌ لتوت عنخ آمون؟
هل نحن أمام صحوةٍ حضاريةٍ حقيقية أم أمام فلترٍ جديدٍ في زمن السوشيال ميديا؟
وكما أن هناك ترند الفراعنة، فأنا من هنا أعلن رسميًا إطلاق ترند أجدادنا الأنباط. لا نريد أهراماتٍ ولا مومياوات، فنحن لدينا مدينةٌ منحوتةٌ بالصخر بدقةٍ تجعل أي مهندسٍ يبكي من الغيرة. تخيّل لو عاش الأنباط في زمننا هذا، لتحولت المدينة الوردية إلى “مول البتراء” تُباع فيه التذاكر عبر تطبيقٍ خاص، وأنظمة الريّ تعمل بالواي فاي، والنقوش على الصخور تتحول إلى شعاراتٍ تجاريةٍ لحملاتهم التسويقية. كانوا فعلاً أوائل روّاد الأعمال قبل اختراع كلمة “ستارت أب”.
في كل الأحوال، يبدو أن الذكاء الاصطناعي قد منحنا فرصةً لنعيش مجدنا القديم — ولو على شاشة الهاتف — قبل أن يعود الفراعنة الحقيقيون ويسألوننا بدهشة:
“من الذي سمح لكم بارتداء هذا التاج؟”
وأولكم أنا!
المصدر: صراحة نيوز
كلمات دلالية: اخبار الاردن الوفيات أقلام مال وأعمال عربي ودولي منوعات الشباب والرياضة تعليم و جامعات في الصميم ثقافة وفنون نواب واعيان علوم و تكنولوجيا اخبار الاردن الوفيات أقلام مال وأعمال عربي ودولي نواب واعيان تعليم و جامعات منوعات الشباب والرياضة توظيف وفرص عمل ثقافة وفنون علوم و تكنولوجيا زين الأردن أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام
إقرأ أيضاً:
مصر من الأهرامات للمتحف الكبير..عرش الفراعنة الجديد
افتتاح المتحف المصرى الكبير فرصة لانطلاق ثورة السياحة العالمية لمصر ونقطة تحول فى التاريخ: تجمع كل العصور»
لم تعد مصر مجرد وجهة تاريخية عريقة؛ بل تحوّلت إلى ظاهرة حضارية متكاملة تمتد جذورها لأكثر من سبعة آلاف عام قبل الميلاد. إنها الدولة التى تمتلك ما يفوق ثلث آثار العالم، وتجمع ببراعة فائقة بين عظمة الماضى ورفاهية المستقبل. هذا الثراء الهائل يشمل كنوزاً لا تُحصى، بدءاً من المعالم الخالدة مثل الأهرامات الشامخة وأبو الهول، ومروراً بالمعابد الأثرية على ضفاف النيل، وصولاً إلى أصول السياحة الدينية فى مسار العائلة المقدسة ورمزية الكنيسة المعلقة وقلعة صلاح الدين وقلعة قايتباى البحرية، بالإضافة إلى الجمال الطبيعى لشواطئ البحرين الأحمر والأبيض.
لتحويل هذا الإرث غير المسبوق إلى قوة دافعة للاقتصاد، فلا بد أن تتبنى مصر الآن استراتيجية وطنية للسياحة تقوم على إعادة هيكلة شاملة لآليات التسويق والدعاية. فلم يعد يكفى الاعتماد على التاريخ وحده، بل يجب عرض كل معلم ضمن منظومة متطورة تخدم السائح المعاصر. وفى هذا السياق، يبرز المتحف المصرى الكبير كـ«قاطرة» حضارية تمثل نقطة تحول حاسمة.
هذا المتحف، الذى يتربع على هضبة الجيزة، يتجاوز كونه متحفاً؛ إنه مؤسسة ثقافية تُقدم تجربة غامرة وغير مسبوقة باستخدام أحدث تقنيات العرض والذكاء الاصطناعى. أن المجموعة الكاملة لكنوز الملك توت عنخ آمون، المعروضة لأول مرة فى التاريخ، إلى جانب تمثال رمسيس الثانى والدرج العظيم، تشكل مغناطيساً سياحياً عالمياً يُتوقع أن يستقبل ملايين الزوار سنوياً، ما يجعله المحور الرئيسى فى تنشيط سياحة الثقافة والمؤتمرات، ودعم النمو الاقتصادى للبلاد.
ولأن المستقبل يكمن فى دمج العراقة بالابتكار، فإن مصر تروّج لوجهات تنموية حديثة مثل مدينة العلمين الجديدة. هذه المدينة الذكية على ساحل البحر المتوسط تمثل الجانب الترفيهى والمعاصر فى التجربة المصرية، حيث تتكامل الشواطئ الساحرة والمرافق الفاخرة لتلبية تطلعات سياحة الرفاهية والسياحة الشاطئية الذكية. إنها تمثل شهادة على قدرة مصر على خلق وجهات عالمية من الطراز الأول.
لبناء جسور التواصل بين هذه الكنوز القديمة والإنجازات الحديثة والجمال الطبيعى، يجب أن تنطلق خطة دعائية عالمية قوية ومبتكرة ترتكز على محورين: الاختراق الرقمى والمادى عبر توزيع مواد ترويجية عالية الجودة وفلاشات رقمية (أو QR Codes) فى مراكز التجمعات السياحية والمطارات حول العالم، والانتشار الجماهيرى الواسع من خلال استثمار ضخم فى الإعلانات التلفزيونية على القنوات الفضائية الدولية، وتزيين الميادين العالمية ووسائل النقل برسائل مرئية قوية تعرض هذا التنوع السياحى الذى لا مثيل له.