ماذا سيتغير في نيويورك بعد فوز ممداني بمنصب العمدة؟
تاريخ النشر: 5th, November 2025 GMT
في أعقاب مداهمة منزل أحد أبرز ممولي حملة إريك آدامز، اجتمع عدد من القادة التقدميين والنقابيين في نيويورك سرا في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، داخل قاعة صغيرة في لونغ آيلاند سيتي، لوضع خطة للإطاحة بالعمدة الذي اعتبره اليسار خصما شرسا، وكان بين الحضور مراقب المدينة براد لاندر، ورئيس حي بروكلين أنطونيو رينوسو، وعضوة مجلس الشيوخ جيسيكا راموس، وحضر أيضا شخص لم يتوقع أحد وجوده: زهران ممداني، النائب الشاب عن كوينز.
بحسب تقرير موسع لشبكة "CNN"، شكل ذلك الاجتماع الشرارة الأولى لصعود ممداني، الذي سيصبح أول عمدة مسلم وأصغر من يتولى المنصب منذ قرن، ومع أن الحاضرين لم يكونوا يعلمون أنه يفكر في الترشح، إلا أن ممداني شارك بحماس في النقاشات، مقترحا أن يرتكز أي ترشح تقدمي على قضية تجميد الإيجارات وجعل النقل العام مجانيا، حيث كان ينتمي لحركة "الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا"، واستفاد من تنظيمها القوي لتأسيس حملته.
في صيف 2024، أبلغ ممداني قادة "حزب العائلات العاملة" قراره خوض السباق، مستلهما تجربة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز في كسر المنظومة السياسية، ومتبنيا خطة تقوم على طرق مليون باب واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي كسلاح انتخابي.
حين وقف على المسرح في بروكلين مساء فوزه، أعلن بثقة: "ضد كل الصعاب، فعلناها"، متعهدًا بأجندة جذرية لمعالجة أزمة المعيشة، من مجانية الحافلات إلى متاجر البقالة الحكومية.
وأثار فوز ممداني جدلا حول مستقبل الحزب الديمقراطي، فأنصاره يرونه تجسيدا لتيار تقدمي صاعد قادر على إعادة الحيوية للسياسة، بينما يعتبره منتقدوه انعكاسا لتوجهات يسارية مفرطة لن تنجح خارج نيويورك.
Muslim New Yorkers erupted in celebration following the news of the prejected victory of Zohran Mamdani - NYC's first ever Muslim mayor.
This is a win for America, Muslims and Palestine. A massive slap to Israel and American Islamophobes. pic.twitter.com/ONA9Vq1RKz — Robert Carter (@Bob_cart124) November 5, 2025
من السرية إلى الانتصار
توضح شبكة "CNN" أن حملة ممداني اعتمدت على تنظيم ميداني هائل أكثر من اعتمادها على الإعلانات.
وبعد فوزه في الانتخابات التمهيدية على أندرو كومو وكيرتس سيلوا، واجه مرحلة عصيبة حيث توقفت حركة الناخبين ولم تُجدِ الرسائل التقليدية، فلجأ إلى فيديوهات ساخرة تحاكي برامج تلفزيونية مثل "ذا باتشلر" و"سرفايفر" لجذب الشباب، ورغم القلق الذي انتاب مستشاريه في نهاية الصيف، أعاد نشاطه بزخم بعد إجازة زواجه وبدأ التواصل مع رجال الأعمال لتهدئة مخاوفهم من سياساته.
السيناتور بيرني ساندرز، الذي دعم ممداني منذ البداية، شعر بالقلق من ضعف الانضباط التنظيمي داخل الحملة، فنصح الفريق بالتركيز على أول مئة يوم من الحكم قائلا: "سيحاولون سحقكم، أعطوا الناس نتائج فورية"، حتى الرئيس الأسبق باراك أوباما اتصل به عشية الانتخابات، مشجعا إياه على التركيز على الخدمات العامة والإدارة الفعالة، في مكالمة وصفها مصدر للشبكة بأنها "ودية ومليئة بالاحترام المتبادل".
ما بعد الفوز
فور إعلان النتائج، بدأ فريق ممداني تحضير مرحلة الانتقال، وتداول المقربون قائمة بأسماء مرشحين لمناصب عليا في الإدارة الجديدة، أحد المفاجآت كانت إعلانه في مناظرته الأخيرة أنه سيطلب من مفوضة الشرطة جيسيكا تيش البقاء في منصبها، رغم أنه لم يناقشها بالأمر مسبقا، ما أثار دهشة عدد من مساعديه المحتملين.
أما براد لاندر، مراقب المدينة وأحد أوائل الداعمين له، فقد وجد نفسه مستبعدا من الدائرة المقربة، فبعد أن بنى تحالفه مع ممداني ضد كومو، بدأ الأخير ينأى بنفسه عنه معتبرًا أنه "لطيف لكن غير فعال"، وفق مصادر مقربة. ومع اقتراب الانتخابات، سرت أنباء أن لاندر يفكر بخوض سباق جديد للكونغرس ضد النائب دان غولدمان، بعدما علم أنه لن يحصل على منصب في إدارة ممداني.
التحولات القادمة في نيويورك
تعهد زهران ممداني بإطلاق ما وصفه بـ"ثورة خدمية شاملة" تهدف إلى جعل المدينة أكثر عدالة وقدرة على استيعاب سكانها، وفي مقدمة وعوده جعل التنقل بالحافلات العامة مجانيا عبر جميع أنحاء المدينة، وتجميد الإيجارات بشكل فوري مع فرض رقابة صارمة على المالكين المقصرين في صيانة العقارات.
كما أعلن عن خطة لإصلاح نظام السكن عبر إعادة هيكلة مكتب العمدة لضمان محاسبة مالكي العقارات، وتوسيع نطاق الإسكان الدائم بتكلفة تتناسب مع دخول السكان.
وتتضمن خطته كذلك إنشاء شبكة من متاجر البقالة المملوكة للمدينة لتوفير المواد الغذائية بأسعار في متناول المستهلكين، إضافة إلى توفير رعاية مجانية وشاملة للأطفال من عمر ستة أسابيع حتى خمس سنوات.
وتعهد بمضاعفة إنتاج المساكن مستقرة الإيجار والمبنية بأيدٍ نقابية إلى ثلاثة أضعاف، في إطار برنامج يهدف إلى دعم الطبقة العاملة وتعزيز النمو الاقتصادي المحلي القائم على العدالة الاجتماعية.
لكن هذه الخطط ستصطدم بمعارضة شديدة من المحافظين والقطاع الخاص، فقد أعلن المرشح الجمهوري كيرتس سيلوا أنه سيعتبر نفسه "عمدة في المنفى"، متعهدا بقيادة احتجاجات سلمية ضد أي "تجاوزات اشتراكية" من إدارة ممداني.
من جهته، حذر الملياردير جون كاتسيماتيديس، أحد داعمي ترامب، من أن فوز ممداني "يخفي شيئا آخر سنكتشفه قريبا"، في إشارة إلى احتمال مواجهته لضغوط اتحادية أو سياسية، ومع ذلك، يرى التقدميون أن فوزه يمثل "رسالة وطنية" للديمقراطيين حول قدرة الجيل الجديد على تعبئة الناخبين عبر القضايا الاجتماعية لا عبر التحالفات التقليدية.
تحالفات وتصدعات
في الأيام الأخيرة من الحملة، لعبت شخصيات بارزة دورا محوريا في ترجيح الكفة لصالح ممداني، فقد شارك ساندرز في مهرجان ختامي بملعب فوريست هيلز، بينما أرسل النائب عن كاليفورنيا رو خانا رسائل دعم إلى الجالية الهندية المسلمة في كوينز، مؤكدا أن "فوز ممداني لحظة تاريخية تعكس التعدد الأمريكي الحقيقي"، حتى والدة العمدة الجديد، المخرجة الهندية ميرا ناير، حضرت المهرجان الأخير ووقفت بجانب ابنها في لحظة رمزية جمعت بين السياسة والثقافة.
أما داخل الإدارة الأمريكية، فقد راقبت واشنطن عن كثب صعود ممداني، إذ ترى فيه بعض الدوائر الديمقراطية نواة لتيار تقدمي قد يؤثر على الانتخابات الوطنية المقبلة، بينما يخشى آخرون من أن خطابه الراديكالي يعمّق الانقسام داخل الحزب.
ختام مرحلة وبداية أخرى
عشية فوزه، تذكر ممداني الاجتماعات السرية التي انطلقت منها رحلته السياسية قبل عامين، وقال لأحد مساعديه إنه "صوت لنفسه على خط حزب العائلات العاملة لا على الخط الديمقراطي، وفاء لمن بدأوا المسار معه".
وبعد فوزه، أعلن أن أولويته "إعادة تعريف ما يعني أن تكون مدينة نيويورك عادلة وقادرة على احتضان الجميع".
لكن ما ينتظر ممداني الآن لا يقل صعوبة عن الطريق الذي قاده إلى المنصب، فبين ضغوط وول ستريت، ومعارضة الجمهوريين، وتوقعات التقدميين العالية، تبدو ولايته اختبارا فاصلاً لمستقبل اليسار الأمريكي في واحدة من أكبر مدن العالم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية نيويورك زهران ممداني ترامب نيويورك أخبار ترامب زهران ممداني المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فوز ممدانی
إقرأ أيضاً:
خبر سيء.. قلق إسرائيلي متزايد بعد فوز ممداني بمنصب عمدة نيويورك
شكل إعلان فوز زهران ممداني عمدة لنيويورك خبرا سيئا في أوساط دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي اعتبرت هذا الحدث جزءً من توجه أوسع يسعى لتحدي حقها في العالم، لأننا أمام تطور سيضيق الخناق عليها داخل أكبر حليف لها حول العالم، وعي الولايات المتحدة.
كوبي باردا، دمؤرخ السياسة والجيوستراتيجية الأمريكية، في الكلية متعددة التخصصات، أكد أنه "بعد أقل من جيل من هجمات 11 سبتمبر، حدث هذا الأمر المهم في نيويورك، أهم مدينة اقتصادية في العالم، ورمز الغرب الحر، التي شهدت واحدة من أعنف الهجمات المسلحة في التاريخ، وتتمثل بتسليم عمادتها لشخصية مسلمة، وقد بنى حملةً ركزت على انتقادات لاذعة لدولة الاحتلال، ومحاولة إسكات الدعوات العنيفة لعولمة الانتفاضة الفلسطينية، وهي عبارة ترمز إلى أكثر من مجرد شعار".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21" أن "انتخاب ممداني، الذي بنى جزءًا كبيرًا من رصيده السياسي على مواقف معادية لإسرائيل، هو جزء من توجه أوسع، يسعى لتحدي حق الدولة اليهودية الوحيدة في الوجود، وليس من قبيل الصدفة أن يحدث هذا في مدينة تضم واحدة من أكبر الجاليات اليهودية في العالم، وقد أعلن بالفعل عن نيته إلغاء التعاون الأكاديمي بين جامعة كورنيل الأمريكية، ومعهد التخنيون الإسرائيلي، وهو مشروع يهدف لتسريع نمو الشركات الناشئة في المدينة".
وأوضح أن "ممداني تحدث علانية عن وقف الاستثمارات الأمريكية في السندات الإسرائيلية، وتقليص الوحدات البلدية لمكافحة معاداة السامية باسم "توسيع نطاق مكافحة الإسلاموفوبيا"، وغيرها من الخطوات التي تدل على رؤية عالمية واضحة للغاية".
وزعم أنه "بعيدًا عن مسألة موقفه من دولة الاحتلال، يعكس انتخاب ممداني ظاهرةً أوسع نطاقًا بكثير، فهو شخصية شعبوية من أقصى اليسار، مع أن منصب عمدة نيويورك يُعدّ من أهم المناصب في الولايات المتحدة، حيث توظف المدينة مئات آلاف الأشخاص بشكل مباشر وغير مباشر، وميزانيتها تفوق ميزانية دول بأكملها، وعندما يُسند هذا المنصب إلى شخص شغل حتى الآن منصب عضو تشريعي مبتدئ، بخبرة محدودة في إدارة أنظمة بهذا الحجم، فإن النتيجة المتوقعة هي هزة أرضية حقيقية".
وأشار أن "ممداني قدم سلسلة مقترحات بنبرة واضحة: مواصلات عامة مجانية، وإسكان عام مدعوم، وإنشاء سلسلة متاجر سوبر ماركت في المدينة تُخفّض أسعار السلع الأساسية، وجمع التمويل من خلال فرض ضرائب على الأثرياء، وتخفيضات في ميزانيات الشرطة، وهي خطوة قد تُنفّر الشركات والسكان المستقرين".
وأضاف أنه "على خلفية نية الرئيس خفض الميزانيات الفيدرالية للمدينة بشكل كبير، تظهر هنا صيغة تُذكّر بما شهده البريطانيون بعد رفع الضرائب في لندن، أي ظاهرة "هجرة" الأثرياء نحو دبي، وقد تكتشف نيويورك مدى سرعة عملية مماثلة في بلدها، حيث سيشهد العام المقبل استعدادات لانتخابات التجديد النصفي، وقد يكون الديمقراطيون سعداء بهذه الليلة، لكن الانتخابات في نيويورك تُشير أيضًا إلى صدع، أو ربما إلى شقاق أعمق، داخل الحزبين".
وأشار أنه "بينما يُواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ترسيخ قبضته على اليمين، يُدفع اليسار أكثر فأكثر نحو التوجه التقدمي، ففي انتخابات عام 2024، تمكن ترامب من زيادة قوته في 49 ولاية من أصل 50 ولاية مقارنة بعام 2020، كما حسّن إنجازاته في ولاية نيويورك بنسبة 11 نقطة مئوية، لكن نتائج انتخابات الليلة تنقل الرسالة المعاكسة ومفادها أن الأفكار الاشتراكية، ذات النكهة الشيوعية أحيانًا، تنجح في تسخير جيل شاب متحمس يتدفق على صناديق الاقتراع، مع التركيز على زيادة التصويت المبكر بنسبة مئة في المائة".
وأكد أن "رسالة فوز ممداني في عمدة ولاية نيويورك تعني أن دولة الاحتلال لم تعد إجماعًا، وهذا يثير السؤال، هل هذه هي الطريقة التي سيختارها الديمقراطيون للمضي قدمًا، وهل يكمن الحل في التطرف التقدمي، أم العودة إلى مركز عاقل يسعى للتوافق، لأن انتخابات الليلة أرسلت إشارة لدولة الاحتلال، وعلى عكس الحملات السابقة، أصبحت قضية العلاقات معها تدريجيًا أمريكية داخلية، وتقسم الجماهير، وتتطلب استجابة سياسية، فإذا كان دعمها حتى وقت قريب أمرًا بديهيًا، فقد أصبح اليوم موضع نقاش عام حقيقي".
تكشف هذه القراءة الإسرائيلية القلقة من فوز ممداني أن ما حدث الليلة في نيويورك ينبغي أن يُثير قلقًا في تل أبيب، وربما في الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، على أن يكون العام المقبل اختبارًا ليس فقط لأمريكا بقيادة ترامب وميداني، بل أيضًا للعلاقات بين دولة الاحتلال وأحد حلفائها التاريخيين، وهي علاقات لم يعد من الممكن اعتبارها أمرًا مفروغًا منه، وهنا سر القلق الحقيقي الإسرائيلي من فوز ممداني.