في لحظة بدت فيها توقعات الاقتصاد العالمي وكأنها تتحرك فوق أرض رخوة تكشف أحدث تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وفق تقرير مطول نشرته وكالة بلومبيرغ أن العالم أظهر قدرة مفاجئة على الصمود خلال عام شهد "ارتجاجات سياسية وتجارية"، أبرزها ما سماه التقرير "صدمة رسوم التحرير" التي أعلنها دونالد ترامب في أبريل/نيسان الماضي، قبل أن يتراجع عنها جزئيا لإفساح المجال لمفاوضات تجارية.

وبحسب تحليل "بلومبيرغ"، فإن التناقض بين التوقعات والنتائج كان العنوان العريض لكل من تقديرات صندوق النقد الدولي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتوقعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي صدرت اليوم الثلاثاء، إذ توصل الطرفان إلى خلاصة واحدة مفادها أن النشاط الاقتصادي العالمي كان أقوى بكثير مما قدّره الاقتصاديون قبل أشهر قليلة فقط.

نمو أميركي أقوى رغم الرسوم

وتُظهر مراجعة "بلومبيرغ" أن توقعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لمعدل نمو أميركا تغيرت 3 مرات هذا العام، ففي يونيو/حزيران الماضي توقعت المنظمة تباطؤ النمو إلى 1.6%، لترفع المستوى إلى 1.8% في سبتمبر/أيلول، ثم تعلن الثلاثاء أنه سيصل إلى 2% مع نهاية العام.

التوسع السريع لمراكز البيانات يرفع دور التكنولوجيا لكنه يفرض مخاطر تصحيح مالي بفعل التقييمات المتضخمة (رويترز)

وتنسب "بلومبيرغ" إلى تقرير المنظمة قوله إن "الاقتصاد العالمي كان مرنا هذا العام رغم المخاوف من تباطؤ أكثر حدة بفعل الحواجز التجارية المرتفعة وعدم اليقين الكبير".

لكن المنظمة حذرت في الوقت نفسه من أن "ارتفاع الرسوم سيغذي تدريجيا زيادة الأسعار ويقلل نمو استهلاك الأسر واستثمارات الشركات".

استثمارات الذكاء الاصطناعي تمنع انكماشا أميركيا

وتكشف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية -وفق ما نقلته "بلومبيرغ"- أن الزخم الاقتصادي في أميركا كان سيبدو "أضعف بكثير" لولا الإنفاق الضخم على الذكاء الاصطناعي وبناء مراكز البيانات.

إعلان

وتقدّر المنظمة أنه من دون هذا الإنفاق كان الاقتصاد الأميركي سيتراجع بنسبة 0.1% في النصف الأول من العام.

وتحذر المنظمة من أن توسع القطاع التقني "يحمل مخاطره الخاصة"، فالتقييمات المرتفعة وحالة التفاؤل المرتبطة بالذكاء الاصطناعي قد تؤدي إلى "تصحيحات سعرية مفاجئة" وربما موجة بيع قسرية للأصول.

وتضيف المنظمة أن توقعاتها تبقى "خاضعة لمخاطر كبيرة"، وهو توصيف نقلته "بلومبيرغ" حرفيا في تقريرها.

وفي الإفادة الصحفية نفسها التي تابعتها "بلومبيرغ"، حذر توماس كروزه كبير مسؤولي الاستثمار في "أموندي جيرماني" من أن السيناريو الأساسي لديهم يشير إلى "نمو قوي"، لكنه أوضح أن احتمال تحقق هذا السيناريو لا يتجاوز 60%، مقابل 30% لاحتمال الهبوط، وهي نسب تعكس درجة القلق من المفاجآت الاقتصادية.

الصين في مواجهة "ركود مؤلم"

وتنقل "بلومبيرغ" في القسم البحثي من التقرير أن الصين تواجه "ركودا مؤلما" في سوق العمل، وفق مذكرة بحثية من "جافيكال".

وكتب مدير أبحاث الصين لدى المؤسسة أندرو باتسون أن "الطلب على العمالة تراجع منذ 2022″، وأن البيانات تشير إلى أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم "يعمل دون طاقته".

عمال مصنع زيكر في نينغبو بالصين يسرّعون إنتاج المركبات الكهربائية عبر اعتماد تصميم رقمي وتقنيات ذكاء اصطناعي في تطوير النماذج (رويترز)خلاصة مشهد العام

ومن خلال مراجعة "بلومبيرغ" بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وصندوق النقد الدولي والتقديرات الخاصة بالأسواق الآسيوية يتضح أن:

المرونة الاقتصادية كانت أقوى من التوقعات. الرسوم الجمركية تظل خطرا قادما. الذكاء الاصطناعي يعزز النمو، لكنه يفاقم هشاشة الأسواق المالية. الصين تواجه أزمة توظيف ضخمة تهدد جيلا كاملا.

ويؤكد تقرير "بلومبيرغ" أن العالم لم يتجاوز منطقة المخاطر بعد، لكنه رغم كل الاضطرابات أثبت أن لديه قدرة على امتصاص الصدمات أكبر مما افترضت كل مؤسسات التوقعات خلال العام.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات منظمة التعاون الاقتصادی والتنمیة

إقرأ أيضاً:

لماذا تتراجع الهجرة العمالية إلى الدول الغنية؟

انخفضت الهجرة العمالية (الهجرة المرتبطة بالعمل) إلى الدول الغنية بأكثر من الخُمس العام الماضي، مع ضعف أسواق العمل وتشديد بعض الدول قواعد التأشيرات، منها أستراليا وبريطانيا، وفق بحث جديد أجرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).

وأظهرت بيانات المنظمة، التي تتخذ من باريس مقرًا لها، والتي تضم 38 اقتصادا غنيا وناشئا، أن الهجرة المرتبطة بالعمل انخفضت بين عامي 2023 و2024، حتى قبل أن تقلل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض من عدد الوافدين إلى الولايات المتحدة.

وحسب البيانات التي سلط عليها الضوء تقرير لموقع الجزيرة الإنجليزي، فإنه بعد عدة سنوات من النمو المطرد في أعقاب جائحة كورونا، انخفض عدد الأشخاص المقبولين للعمل الدائم في جميع دول منظمة التعاون بنسبة 21% العام الماضي، ليصل إلى حوالي 934 ألفا.

ويعود جزء من الانخفاض إلى تشديد سياسات التأشيرات، ويظهر ذلك بشكل أوضح في بريطانيا، إذ انخفض صافي الهجرة بأكثر من 40% في عام 2024، لكن حتى في الحالات التي لم تشهد أي تغيير في السياسات، انخفضت هجرة العمالة في معظم دول الاتحاد الأوروبي، لتصل إلى ما دون مستويات عام 2019.

ضباط شرطة على ظهور الخيل خلال احتجاج مناهض للهجرة أمام فندق نيو بريدج في نيوكاسل بإنجلترا (غيتي)لماذا تتراجع الهجرة العمالية؟

يقول رئيس قسم الهجرة الدولية في المنظمة، جان كريستوف دومون إنه يمكن إرجاع هذا التراجع إلى وضع اقتصادي عالمي "أقل ملاءمة".

وفي أبريل/نيسان، خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي 0.5% إلى 2.8% لعام 2025، مشيرا إلى الحرب التجارية للرئيس دونالد ترامب كعامل مُقيّد.

في غضون ذلك، شددت دول أخرى كانت تقليديا من بين أكبر مستقبلي المهاجرين قواعد الدخول؛ فعلى مدار العامين الماضيين، اتخذت كندا وأستراليا وبريطانيا تدابير للحد من الهجرة المتعلقة بالعمل.

إعلان

في سياق آخر، أشار دومون إلى أن حصول عدد كبير من الأوكرانيين على الحماية المؤقتة في أوروبا خفف من نقص العمالة في عدة قطاعات، ما قلّل الطلب على العمال الأجانب.

وحسب أحدث البيانات الصادرة عن المنظمة، يُقدر أن 5.1 ملايين أوكراني فرّوا من بلادهم عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 2022 يعيشون الآن في الدول الأعضاء في المنظمة، اعتبارًا من يونيو/حزيران 2025.

ماذا عن أنواع الهجرة الأخرى؟

سجّلت المنظمة انخفاضًا بنسبة 13% في عدد الطلاب الدوليين الجدد الوافدين إلى دول المنظمة بين عامي 2023 و2024، ولعبت سياسات التأشيرات الأكثر صرامة في بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا دورا رئيسيا، مدفوعةً بمخاوف بشأن الاحتيال في الهجرة، بالإضافة إلى الضغط على أسواق الإسكان المحلية.

في المقابل، استمرت الهجرة لأسباب إنسانية في الارتفاع، فقد ارتفعت طلبات اللجوء في الولايات المتحدة بشكل حاد في الأشهر الأخيرة من إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، وشهدت بريطانيا زيادة حادة في عدد الوافدين غير النظاميين على متن قوارب صغيرة من دول الاتحاد الأوروبي في الأشهر الأخيرة.

وتعني هذه الزيادات أنه على الرغم من انخفاض هجرة العمالة والطلاب، فإن إجمالي الهجرة الدائمة إلى الاقتصادات المتقدمة في عام 2024 انخفض 4% فقط عن ذروته في العام السابق.

مع ذلك، تجاوز عدد الوافدين الجدد إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، البالغ 6.2 ملايين، المسجل في عام 2024 مستويات ما قبل الجائحة بنحو 15%، وظلت حركة العمالة المؤقتة، التي تنطوي على تأشيرات لا تؤدي إلى الاستقرار الدائم، ثابتة عند حوالي 2.3 مليون. ويظل هذا أعلى من مستويات عام 2019.

كيف تغيرت أعداد الهجرة؟

استقر 6.5 ملايين شخص في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 2023، وهو رقم قياسي، ويمثل زيادة بنحو 10% عن الرقم القياسي السابق البالغ 6 ملايين شخص انتقلوا في عام 2022، وكانت أكبر زيادة في بريطانيا.

وشهد ما يقرب من ثلث دول المنظمة مستويات قياسية من الهجرة في عام 2023، بما في ذلك كندا وفرنسا واليابان، واستقبلت الولايات المتحدة 1.2 مليون مهاجر قانوني دائم، وارتكز ترامب في حملته الانتخابية لعام 2024 على الحد من الهجرة.

ورغم الجدل السياسي الدائر، وجدت دراسة أجراها بنك الاستثمار "غولدمان ساكس" أن الهجرة ساهمت في معظم مكاسب التوظيف في كندا ونيوزيلندا والسويد وألمانيا وبريطانيا في عام 2023، وأضافت أكثر من 4 ملايين وظيفة في الولايات المتحدة.

ماذا يحمل المستقبل؟

أشار دومون إلى أن الهجرة الإجمالية إلى دول المنظمة قد تتراجع قليلا في عام 2025، لكنها ستظل مرتفعة تاريخيا على الرغم من سياسات الهجرة الأميركية الأكثر صرامة، كما أكد على أن معدل التوظيف بين المهاجرين لا يزال قويا في أسواق العمل.

في بريطانيا، على سبيل المثال، بلغ معدل التوظيف بين العمال المولودين في الخارج حوالي 76%، وهو رقم يتجاوز قليلا المعدل المسجل للأشخاص المولودين في البلاد.

وعزا ذلك إلى برامج التأشيرات الموجهة نحو الوظائف التي تتطلب مهارات عالية، وجزئيًا إلى أن المهاجرين ذوي المهارات المحدودة كانوا طوعًا "يسدون الفجوات" في الوظائف التي لا يرغب بها مواطنو المملكة المتحدة.

إعلان

ونقل موقع الجزيرة الإنجليزي عن كبيرة أخصائيي الهجرة في منظمة العمل الدولية، فابيولا ميريس قولها: "نحن بحاجة إلى إعادة النظر في بعض القضايا المتعلقة بنقص العمالة المحلية في مجالات مثل الزراعة والبناء والصحة (حيث يتركز العمال المهاجرون عادةً). من الواضح أن الحد الأدنى للأجور وظروف العمل جزء من الأمر".

وأضافت أن "الهجرة ستظل على الأرجح جزءا مهما من السياسة الانتخابية حول العالم، وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة. إنها تثير الكثير من المشاعر المحمومة".

مقالات مشابهة

  • محمود محيي الدين: تحسن نسبي في الأداء الاقتصادي ومعدلات النمو بمصر
  • لماذا تتراجع الهجرة العمالية إلى الدول الغنية؟
  • السعودية تراهن على الاستثمار والتنويع الاقتصادي رغم ارتفاع الدين العام إلى 32.7%
  • رئيس جهاز حماية المنافسة يشارك في المنتدى العالمي للمنافسة التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)
  • المدير العام لجهاز المخابرات يقود وفد السودان في مؤتمر الجريمة المنظمة بصربيا
  • منظمة التعاون الاقتصادي ترفع توقعات النمو العالمي لعام 2025
  • وزير الخارجية يلتقي وزيرة التعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية
  • الرياضة اليمنية 2025.. عام الصمود والإنجازات
  • منظمة التعاون الإسلامي تحيي يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني