صحيفة البلاد:
2025-12-03@18:11:11 GMT

قبل عرضها على سبيستون

تاريخ النشر: 3rd, December 2025 GMT

قبل عرضها على سبيستون

أصبحنا نعيش زمنًا يكتب فيه الإنسان نسخته من الواقع مع القص والحذف وإعادة ترتيب الحقائق، بحسب ما يرغب الجمهور ومتابعوه، ثم يعيش علي هذه النسخة المعدلة كما لو كانت هي الحقيقة المطلقة له، الألم، الفشل، الخيانة، الانكسار النفسي، أصبحت كلها تقدم بشكلِ معدل يجعلها أوجاعًا قابلة للهضم، أكثر جمالًا، وأقل إيلامًا، نكذب علي أنفسنا ثم نصبح ضحايا هذه النسخة المزيفة التي صنعناها.

لم تعد المشكلات تعاش كما هي علي حقيقتها؛ فالصراعات اليومية وخيبات الأمل والانكسارات الشخصية ولحظات الألم العميق، كلها أصبحت تحول إلي نسخ مسلية تصلح للمشاهدة والتفاعل، وكأنها حلقة من مسلسل كرتوني يعرض على شاشة أطفال، مشاكل موجعة تقدم علي شكل ترفيه يضحك المشاهد علي موقف مؤلم أو يتفاعل مع جرح شخص آخر بلا وعي بما يعنيه هذا الألم حقًا. الخطورة هنا لا تكمن فقط في الكذب، بل في تصديقه، نصنع عالمًا مصفي تسقط فيه التفاصيل المعقدة، نخفي منها القاسي ونستبدله بالمبسط، ونعيد ترتيب كل موقف وكل خطأ يغسلنا من المسؤولية، تحول الألم الذي يجب أن يعلمنا إلي مادة تستهلك بلا وعي، إنها ظاهرة حقيقية، وليست استعارة، ففقدان الوظيفة، صراع العلاقات، الضغوط المالية والنفسية، كلها أصبحت أمورًا قابلة للتصغير والتبسيط، والنتيجة ليست ضحكًا بريئًا علي الألم، بل هو نوع من الانفصال عن الواقع، نحن نصنع من جروحنا عرضًا للجمهور، ونستهلك آلام الآخرين بنفس الطريقة، كل شيء قابل لأن يضحك ويسلي طالما يضمن التفاعل والمشاهدة، لكن ما نفعله هو تهرب من مواجهة الواقع، نسخر من صعوبة الحياة بدلًا من أن نواجهها، نحول أعمق لحظاتنا الإنسانية إلي نسخة معدلة لجني الأرباح، حين يتحول الألم إلي مادة للعرض، نفقد القدرة على قراءة الحقيقة في أنفسنا وفي الآخرين، وهذا الانزلاق يجعل المجتمع هشًا، ناقمًا، يعيش مقارنات دائمة، لأنه يربي أجيالًا تعتقد أن واقع الأخرين يمكن أن يكون لطيفًا دائمًا عكس واقعهم المر، وأن كل موقف صعب يمكن أن يختصر إلي مقطع مسلٍ ومبسط، في هذا العالم لم يعد الصمت، التفكير، أو الصبر أدوات للتقييم، بل القدرة علي تنسيق النسخة وتقديمها بأفضل صورة، وحصد المزيد من التفاعل عليها هو الهدف، وهكذا يتحول الواقع لكرتون موجع، لكنه مضحك ويسلي من يراقبه، قبل أن تعرض حياتنا علي شاشة المجتمع، علينا أن نقف ونسأل أنفسنا هل نعيش حقًا، أم نعيش نسخة مزيفة مهيأة للآخرين كي يضحكوا، الحقيقة لا يمكن تلوينها لتصبح أكثر قبولًا، ولا يمكن تحويلها إلي مشهد مضحك، مواجهة الواقع كما هو بكل قسوته وتعقيده هي وحدها ما يمنح القدرة علي التعامل مع الألم بصدق، وفهم أنفسنا بعمق، دون الانصياع لعرض مبسط يشبه أي حلقة كرتون تعرض علي “سبيستون”.

NevenAbbass@

المصدر: صحيفة البلاد

إقرأ أيضاً:

إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة

 

 

تتكرر في الخطاب العربي عبارة مفادها أن إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة وهي جملة ليست مجرد شعار عاطفي بقدر ما هي خلاصة عقود من التجربة السياسية والعسكرية في المنطقة.
فكلما حاولت الأطراف العربية اختبار مسارات التهدئة أو تقديم مقاربات دبلوماسية لاحتواء الصراع، كانت النتيجة تثبت أن ميزان القوة وحده هو الذي يفرض الإيقاع على الطرف الإسرائيلي وأن الحسابات الاستراتيجية في تل أبيب لا تتغير إلا تحت ضغط حقيقي يهدد مكاسبها أو يربك منظومتها الأمنية. هذا الإدراك تبلور عبر سنوات طويلة بدءا من الحروب التقليدية في القرن الماضي وصولا إلى المواجهات الحديثة التي تتداخل فيها السياسة بالميدان والإعلام بالضغط الدولي.
يتجلى مفهوم القوة هنا بمعناه الواسع، فلا يقتصر على الأبعاد العسكرية البحتة، بل يشمل القدرة على فرض معادلات جديدة سواء كانت سياسية أو قانونية أو اقتصادية أو أخلاقية.
فإسرائيل، التي شكلت لنفسها رواية قائمة على التفوق الأمني والدعم الدولي، لا تقدم على مراجعة سياساتها إلا عندما تواجه لحظة كشف حقيقية تظهر حدود هذا التفوق. وفي كل مرة تظهر فيها هذه الحدود تتسع مساحة النقاش العالمي حول عدالة القضية الفلسطينية وتتعاظم الانتقادات الدولية للممارسات الإسرائيلية ويتراجع التأييد غير المشروط الذي اعتادت تل أبيب اعتباره ضمانة دائمة.
ومع ذلك فإن لغة القوة في سياق الصراع لا تعني الانزلاق إلى منطق العنف وحده بل توظيف عناصر التأثير كافة في معادلة واحدة متماسكة. فالقوة هنا هي أيضاً قوة الرواية التي تكشف حجم الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني وقوة الصمود الشعبي الذي يواجه سياسات القمع وقوة المواقف القانونية التي تستند إلى الشرعية الدولية وقوة التحالفات التي يمكن أن تغير شكل التوازنات الإقليمية.
هذه العناصر مجتمعة تظهر لإسرائيل أن العالم لم يعد كما كان وأن تجاهل الحقوق الفلسطينية لم يعد خيارا قابلا للاستمرار.
كما أن متغيرات السنوات الأخيرة، أثبتت أن الساحة الإسرائيلية نفسها، لم تعد كتلة صلبة، فالتصدعات الداخلية تتسع والصراعات السياسية تتعمق والنقاشات الأخلاقية حول كلفة الاحتلال تزداد حضورا داخل المجتمع الإسرائيلي ذاته. كل ذلك يشكل شكلا آخر من أشكال الضغط الذي يعيد صياغة مفهوم القوة ويضعه في إطار أكثر تعقيدا مما اعتادت عليه المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية.
وحين تجد تل أبيب نفسها أمام واقع قوامه التحديات الخارجية والداخلية معا، يصبح تغيير السلوك أمرا مرجحا لا نتيجة قناعة، بل استجابة لحقائق لا يمكن تجاهلها.
إن جوهر الرسالة التي يكررها الواقع هو أن الصراع لا يمكن أن يحسم بسياسة الأمر الواقع وأن تجاهل الحقوق المشروعة لشعب بأكمله ليس قدرا محتوما. فالقوة التي تفهمها إسرائيل ليست مجرد ضغط عسكري، بل منظومة أوسع قادرة على إعادة التوازن وفرض احترام القواعد الأساسية للعدالة. ومع كل تطور جديد يتضح أن الطريق نحو حل عادل لا يمر عبر الاستسلام للأمر الواقع، بل عبر امتلاك عناصر القوة التي تفرض على الطرف الآخر أن يصغي وأن يفكر وأن يدرك أن استمرار الصراع على النحو القائم لم يعد ممكنا مهما طال الزمن.

مقالات مشابهة

  • ألم العصعص.. لماذا يحدث وما أفضل طرق التعامل معه؟
  • 80 فيلمًا عالميًا في انتظار عرضها بمهرجان المنصورة الدولي لسينما الأطفال
  • نائب محافظ بني سويف يناقش عددا من ملفات التقنين قبل عرضها على اللجنة العليا للبت
  • استبدلوا الآلام بالأفراح
  • لماذا نشعر بآلام أسفل الظهر.. تفاصيل
  • شاهد بالصور.. “ننسي الناس نعيش في دنيا برانا”.. الفنانة توتة عذاب تبهر المتابعين في أحدث ظهور لها
  • أمين معلوف إثر فوزه بجائزة أدبية في المكسيك: نعيش في أكثر عصور التاريخ إثارة
  • إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة
  • لماذا تزداد آلام المفاصل بعد سن الأربعين؟