أفادت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية أن سويسرا لا تزال تستقبل المليارات من الدولارات وتكنزها في بنوكها، رغم أنها ما فتئت تدعي أنها تعمل على تغيير سلوكها إلى الأفضل، كونها ملاذا لأموال الدول والأفراد من كل بقاع العالم.

وأشارت الصحيفة إلى أن سويسرا -التي وصفتها بأنها "مهووسة بالسرية"- كانت دوما مثل "ثقب أسود" في قلب أوروبا، استغله المتهربون من الضرائب والحكام الفاسدون.

والأسبوع الماضي، وعدت سويسرا بجمع معلومات حول من يملك شركاتها الوهمية، وإلزام المحامين بالإبلاغ عن اشتباههم بعمليات لغسل الأموال، في إطار سعيها إلى التخلص من سمعتها كملاذ للأموال المشبوهة.

وتعد سويسرا -حسب الصحيفة البريطانية- الدولة الأوروبية الوحيدة التي ليس لديها سجل وطني للملكية، "مما يجعلها مركز جذب لأصحاب النفوذ والمجرمين، الذين يسعون لإخفاء أصولهم".

ولطالما ظلت المقاطعات والأقاليم السويسرية تعمل كصناديق ودائع آمنة للأجانب، الذين ساورهم القلق بشأن حالات عدم الاستقرار، إلا أن قطاع الأعمال فيها لم ينطلق إلا في القرن الـ20.


جزيرة سلام

ووفقا لصنداي تايمز، فقد وجدت سويسرا نفسها خلال الحربين العالميتين، كأنها جزيرة سلام. كما كانت في أوقات السلم ملاذا ضريبيا محاطا بحكومات تحاول سداد الديون التي تكبدتها إبان الحرب.

وقد كان بمقدور الفرنسيين الأثرياء دفع ضريبة الدخل الجديدة التي فُرضت في 1914 أو إيداع أموالهم في مصارف جنيف. أما الأثرياء الألمان فقد كان بوسعهم الإسهام في دفع التعويضات المفروضة على بلدهم في 1919، أو إيداع أموالهم في زيورخ.

وكلما زادت معدلات الضرائب، زاد عدد الأشخاص الذين فضلوا الانسحاب من النظام الضريبي، خاصة بعد 1934، عندما أصبح إفشاء المواطنين السويسريين للمعلومات المصرفية للأجانب جريمة.

وغداة الحرب العالمية الثانية، كانت 2.5% من ثروات الأسر الأوروبية مخبأة في البنوك السويسرية؛ وبحلول السبعينيات، بلغت النسبة 5%، حسبما أوردت صنداي تايمز في تقريرها.

وأصبحت الخدمات المصرفية الصناعة الأكثر أهمية في سويسرا، مما جعلها عرضة للاستغلال من قبل كل من استطاع تحمل تكاليف خدماتها أيا كانت صفتهم.

وتقول صنداي تايمز إن ثلاثة أشخاص فقط كانوا على دراية بوجود حساب مصرفي، هم صاحبه واثنان من موظفي البنك، وكان من مصلحتهم أن يبقى الأمر على ذلك الحال.

وللمفارقة، فقد أصبحت هذه السرية ذائعة الصيت.


وبحلول ستينيات القرن الماضي، لم يكن يتوجب على المرء حتى زيارة سويسرا للتعامل مع بنوكها، فقد كان لديها فروع في جميع أنحاء العالم ترحب بتحويل أموال العميل إلى مقرها الرئيس.

وطبقا لصنداي تايمز، فإن معرفة وجود أموال مشبوهة مودعة في سويسرا شيء، وإثبات ذلك بالدليل شيء آخر.

وتنقل الصحيفة في تقريرها عن أحد المدعين الأميركيين السابقين قوله في إحدى جلسات الاستماع أمام الكونغرس في 1969، إنه "بإمكان الحكومة السويسرية، من الناحية الفنية، رفع السرية المصرفية" عن بنوكها، لكن الأمر يتعلق بكيفية القيام بذلك.

ونسب التقرير الصحفي عن مصرفي في بنك "يو بي إس"، يُدعى برادلي بيركينفيلد، أنه أخبر المسؤولين الأميركيين عن الحيل التي استخدمها هو وزملاؤه لمساعدة عملائه على التهرب من الضرائب الأميركية، التي تضمنت إخفاء الماس في أنابيب معجون الأسنان لتهريبه عبر الحدود، لكن صبر واشنطن كان قد نفد ففرضت غرامات ضخمة على البنوك السويسرية الرئيسة التي كانت تعاني من آثار الأزمة المالية.


وعمدت واشنطن إلى تغيير قوانينها لإجبار تلك البنوك على الكشف عن أي مواطن أميركي استعان بخدماتها.

وحذت دول كبرى حذو الولايات المتحدة، مما يعني أن الأيام التي كان الأوروبيون يعبرون فيها الحدود بهدوء لإيداع أموالهم في سويسرا -أو الثقب الأسود القابع وسطهم كما يصفها التقرير- قد ولّت.

وقد بات من الصعب على سويسرا الحفاظ على حيادها، فقد كان موقفها هذا مسوغا عندما كانت محاطة بدول تقاتل بعضها بعضا، لكنها اليوم مطوقة بالاتحاد الأوروبي، مما يجعل الحياد يبدو "منحرفا".

وأضحت سويسرا عضوا في الأمم المتحدة في 2002. وفي العام الماضي انضمت إلى العقوبات الغربية على الكرملين بعد إقدام روسيا على غزو أوكرانيا. ومنذ ذلك الحين جمدت سويسرا ما يتجاوز قيمته 6 مليارات من الجنيهات الإسترلينية من الأصول الروسية، واضعة الأخلاق قبل المصالح التجارية، حسب تعبير الصحيفة البريطانية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: صندای تایمز

إقرأ أيضاً:

لماذا تعد سويسرا من بين أسرع الدول ارتفاعا بدرجات الحرارة؟

تتأثر سويسرا بشكل خاص بتغير المناخ، حيث ترتفع درجات الحرارة المتوسطة بوتيرة أسرع من معظم البلدان الأخرى. وتُظهر البيانات طويلة المدى أن الاحتباس الحراري يتسارع بمعدل أسرع بمرتين من المتوسط العالمي، وهو ما يؤثر خصوصا على ذوبان الثلوج والأنهار الجليدية.

كان يونيو/حزيران 2025 ثاني أكثر الشهور حرارة في سويسرا منذ بدء قياس درجات الحرارة عام 1864. كما سُجِّلت درجات حرارة قصوى في دول أخرى، من أوروبا إلى الولايات المتحدة.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4مفاهيم مناخية.. ما العلاقة بين الاحتباس الحراري وتغير المناخ؟list 2 of 4ما نقاط التحول المناخية ولِم هي خطيرة؟list 3 of 4الأمم المتحدة: ذوبان الأنهار الجليدية يهدد معيشة ملياري شخصlist 4 of 4ذوبان الأنهار الجليدية يهدد نظما بيئية فريدةend of list

يؤثر ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ الناجم عن أنشطة الإنسان على جميع مناطق الكوكب، ومع ذلك، ترتفع درجات الحرارة في بعض الدول أكثر من غيرها. ففي سويسرا، يتسارع الاحتباس الحراري بمعدل أسرع بمرتين من المتوسط العالمي، وفقا للمكتب الاتحادي للأرصاد الجوية وعلم المناخ (ميتيو سويس).

كما يؤثر ارتفاع درجات الحرارة في سويسرا على السكان والأنشطة الاقتصادية والمناظر الطبيعية وذوبان الثلوج والأنهار الجليدية. وتُشكل موجات الحر الشديدة والمتكررة خطرا صحيا جسيما، كما تُهدد الحرارة المحاصيل الزراعية والنشاط السياحي. وفي الجبال، تذوب الأنهار الجليدية والتربة الصقيعية، ويتزايد خطر الكوارث الطبيعي.

وكان ارتفاع درجة الحرارة في سويسرا ملحوظا بشكل خاص بين عامي 2015 و2024. وانتهت هذه الفترة بتسجيل البلاد أعلى 3 سنوات حرارة على الإطلاق (2022 و2023، و2024). وكان متوسط درجة الحرارة في هذه الفترة أعلى بمقدار 2.3 درجة مئوية من متوسط الفترة من 1951 إلى 1980.

وتُعدّ سويسرا من أسرع دول العالم ارتفاعا في درجات الحرارة وفقا لبيانات الأمم المتحدة. وتندرج ضمن هذه الفئة أيضا دول البلطيق، وروسيا، ودول أوروبا الوسطى، ودول الخليج العربي. وتتصدر القائمة مجموعة من الجزر المغطاة بالجليد، تُعرف باسم سفالبارد، والتابعة للنرويج.

إعلان

ويعزى ارتفاع درجات الحرارة في سويسرا بشكل أسرع من البلدان الأخرى لكونها دولة غير ساحلية، ولا تستفيد من تأثير المحيطات العازل، القادر على امتصاص كميات كبيرة من الحرارة. عالميا، ترتفع درجة حرارة القارات أكثر من المحيطات.

كما يلعب ارتفاع جبال الألب وتضاريسها دورا محوريا. إذ يذوب الثلج والجليد بوتيرة أسرع فأسرع، مما يُقلل من قدرة الأرض على عكس ضوء الشمس إلى الفضاء، أو ما يُسمى "تأثير البياض".

وتميل الأسطح المكشوفة، مثل التربة والصخور التي تنطلق بفعل انحسار الأنهار الجليدية، إلى امتصاص المزيد من الحرارة. وهذا يُسرّع من ارتفاع درجة حرارة البلاد بشكل عام.

يقول أود أونترسي، عالم الأرصاد الجوية في "ميتيو سويس"، إن "النسبة الكبيرة من المناطق الجبلية هي من بين العوامل الرئيسية التي تفسر ارتفاع درجة حرارة سويسرا بشكل أسرع من البلدان الأخرى".

وتشير البيانات إلى أن درجات الحرارة ارتفعت في جميع مناطق سويسرا. لكن حرارة الجانب الشمالي من جبال الألب زادت أكثر من المناطق الجنوبية، ويُعزى ذلك إلى أن شمال جبال الألب كان يتميز قبل عام 1940 بشتاء أكثر برودة وجفافا، قبل أن تقل برودتها.

ولحقت المناطق الواقعة شمال جبال الألب، والتي بدأت بظروف أكثر برودة، بالمناطق الجنوبية، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع أكبر في درجات الحرارة في الشمال بأكثر من 3 درجات مئوية، مقارنة بالجنوب (أكثر من 2.7 درجة مئوية) على مدى الـ150 عاما الماضية.

ويرى باحثون أن جهود مكافحة الضباب الدخاني ربما ساهمت أيضا في ارتفاع درجات الحرارة في سويسرا وأوروبا عموما. فالجسيمات الملوثة في الغلاف الجوي، أو الهباء الجوي، تحجب جزءا من ضوء الشمس، وقد يكون لها تأثير تبريدي على المناخ.

وفي سويسرا، تراجعت تركيزات الهباء الجوي في الأراضي المنخفضة بشكل كبير على مدى الـ60 عاما الماضية، ويرى عالم الأرصاد الجوية أود أونترسي أن ذلك أدى إلى انخفاض الضباب والغيوم على ارتفاعات منخفضة فوق الهضبة، مما أدى إلى زيادة الإشعاع الشمسي.

وتشهد سويسرا جراء الحرارة الزائدة ذوبانا سريعا للأنهار الجليدية بسبب التغيرات المناخية، حيث فقدت أنهارها الجليدية حوالي 10% من حجمها بين عامي 2022 و2023. وكان انهيار نهر بيرش الجليدي في جبال الألب تحذيرا مقلقا حول خطورة ارتفاع درجات الحرارة في البلد السياحي.

وتشير البيانات إلى أن درجات الحرارة في سويسرا ستستمر في الارتفاع بشكل أسرع من أي مكان آخر، وسيتعين على البلاد التكيف مع مناخ مختلف بشكل متزايد عن الماضي.

مقالات مشابهة

  • إيكاد: سفينة "إترينتي سي" التي استهدفها الحوثيون كانت متجهة لميناء جدة السعودي وليست إلى إسرائيل
  • ترامب: الولايات المتحدة كانت ميتة وأصبحنا الاقتصاد الأفضل في العالم
  • لماذا تعد سويسرا من بين أسرع الدول ارتفاعا بدرجات الحرارة؟
  • الصرامي: مشاركة الهلال في كأس العالم للأندية كانت فاخرة
  • الخوذة التي تقرأ المستقبل.. الإمارات تُطلق أول جهاز توليدي بالذكاء الاصطناعي
  • إعلامي رياضي: مشاركة الهلال في مونديال الأندية كانت بمستوى فاخر ومشرّف
  • أسود الأطلس يحافظون على المركز 12 لأقوى منتخبات العالم في تصنيف الفيفا
  • شاهد | استهداف وإغراق السفينة (ETERNITY C) التي كانت متجهة إلى ميناء أم الرشراش في فلسطين المحتلة
  • تايمز: هل انتهت العلاقة الأخوية بين ترامب وبوتين؟
  • نيويورك تايمز: لومر الكارهة للإسلام أداة فظة في يد ترامب