موقع 24:
2025-05-14@08:46:14 GMT

"الاستعلاء والإنكار".. آفة الاستعمار الحديث

تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT

'الاستعلاء والإنكار'.. آفة الاستعمار الحديث

من المبكر الحكم على الأسلوب والمنهج الذي سيحكم مصائر الانقلابات الأخيرة التي حدثت في غرب ووسط أفريقيا طوال العامين الماضيين، لا سيما حالتي النيجر والغابون، وهما الأحدث.

صحيح هناك عناوين كبرى تتشارك فيها تلك الانقلابات كأسلوب للحل، مثل إعلان فترة انتقالية، ووجود مجلس عسكري حاكم، وضغوط دولية ترفض مبدأ الانقلابات، وعقوبات إفريقية وتهديدات بتدخل عسكري إفريقي يخص النيجر تحديداً، لكنه يتوارى نتيجة رفض قوى إفريقية وازنة، فضلاً عن تعقيدات كبرى تواجه أي عمل عسكري غير مضمون النتائج.

هذا إلى جانب التاريخ الفرنسي في هذه الدول، سواء في أثناء المرحلة الكولونيالية والاستعمار المباشر، أو ما بعد الاستقلال الصوري الشكلي منذ ستينات القرن الماضي، والذي حافظ على كل مظاهر النفوذ الفرنسي، وأهم ما فيه استغلال ثروات تلك الدول في ظل حكومات وطنية، ظلت مرتبطة ثقافياً ومصلحياً مع الدوائر الفرنسية المختلفة، بحيث أصبحت تلك الانقلابات الأخيرة كرد فعل على ديمومة النهب والفساد والاستعلاء الفرنسي والغربي عامة، والذي لم يتوقف رغم الاستقلال الشكلي والديمقراطيات العاجزة. ومع كل هذه العناصر المشتركة، يظل لكل حالة مسارها الخاص داخلياً وخارجياً.

خصوصية المسار ذات صلة وثيقة بالبيئة الخارجية الدولية، وحالة المنافسة الحادة بين أقطاب دولية كبرى على ثروات إفريقيا، على رأسها الصين، وروسيا حتى ما قبل التورط في الحرب الأوكرانية قبل عام ونصف عام، في وقت يتراجع فيه النفوذ الفرنسي، جنباً إلى جنب مع ارتباك أمريكي وانحسار أوروبي، رغم الحرص الشديد على محاصرة تمدد الصين اقتصادياً، وروسيا عسكرياً وأمنياً، في كثير من دول القارة السمراء.

وفي الإجمال، ثمة بيئة دولية إفريقية تتشكل فيها معادلات جيو-سياسية وجيو-إستراتيجية جديدة، من شأنها أن تقدم بعض عناصر تفسير حدوث تلك الانقلابات، كما تشكل مساراً مستقبلياً لن يخلو من اضطرابات قد تكون حادة، إلى أن يتحقق ما يشبه التوافق بين الأقطاب الدولية بشأن صيغة جديدة لإدارة العلاقات الدولية بشكل عام، تراعي مصالح الكل، وإن بنسب متباينة، وفقاً لطبيعة كل موقع على حدة.. ولعل استدعاء خبرة تأثير سياسة الوفاق الدولي بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة 1972 وما بعدها، والتي أسست إطاراً تعاونياً بين القطبين في مجالات الحد من التسلح، والتعاون لإحداث تسويات لكثير من الحروب الأهلية الإفريقية التي سادت قبل ذلك، قد يساعد في توقع بعض احتمالات المستقبل.

هذه المقاربة التاريخية تقود إلى نتائج عدة، أبرزها أن إفريقيا الآن -وليست فقط دول الانقلابات في غرب القارة ووسطها- معرضة أكثر لمزيد من الإغراءات والتدخلات والمراجعات الإستراتيجية، والتحدي الأكبر هنا يتعلق بالنخب الإفريقية نفسها، وكيف تقابل هذا التحدي من أجل نهضة بلدانها وبناء علاقات متوازنة مع كل الأقطاب الدولية، وتحقيق الأمن الداخلي، وبناء نموذج حكم لا يقصي أحداً من الإثنيات والتيارات السياسية الموجودة، والتوظيف الأمثل للثروات الوطنية، والعدالة في توزيع المردود.

شق كبير من التحدي البنيوي الذي تواجهه بعض دول غرب إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء في اللحظة الجارية، مرتبط بمواجهة التنظيمات الراديكالية الإسلامية، سواء داعش أو المجموعات الفرعية التابعة للقاعدة، والتي تنشط في دول كثيرة، بما فيها دول تبدو مستقرة نسبياً، كنيجيريا التي تواجه تحدي جماعة بوكو حرام منذ أكثر من عقدين، ولم تحقق الكثير في تلك المواجهة، رغم فارق الإمكانات بين الدولة والجماعة.

والوضع أكثر تحدياً بالنسبة للدول الأقل إمكانات، والأكثر تخلفاً اجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً، كما هي الحال في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، وغيرها.. وهي دول حصلت على دعم فرنسي ووجود عسكري مباشر، ولكنها لم تحقق الكثير، بل أثارت حنق وغضب فئات واسعة من شعوب تلك البلدان، ونموذج عملية "سيرفال" التي استبدلت إلى "برخان" الفرنسية الفاشلة لمكافحة الإرهاب التي استمرت عقداً كاملاً في منطقة الساحل الإفريقي ليس ببعيد، ما دفع فرنسا إلى الهروب بعيداً، وترك مالي ومصيرها للقدر، وتدخلات الآخرين، وعلى رأسهم روسيا والجماعات المسلحة ذاتها.

المردود العكسي للتدخلات العسكرية الفرنسية في دول مستعمراتها السابقة، فضلاً عن مشاعر الغضب الشعبي نتيجة نهب الثروات والحكم الفاسد المدعوم فرنسياً وغربياً، يفترض مراجعات إستراتيجية كبرى ذات قابلية للتحقق على أرض الواقع.. وهو ما لم يحدث عملياً، رغم الإعلان عن حدوث ذلك، وآخرها ما أعلنه الرئيس ماكرون نفسه في فبراير (شباط) الماضي عن ضرورة تغيير سياسة التعامل مع إفريقيا، والتخلي عن الأبوية والاستعلاء في العلاقة مع الأفارقة، وإنهاء قواعد الوجود العسكري الفرنسي، وأفرقة القواعد العسكرية، والتحول إلى نموذج تشاركي يقوم على توفير التدريب والتسليح للجيوش الإفريقية.. ومن قبل أعلن الرئيس الأسبق ساركوزي، في 2007، عن تأسيس شراكة جديدة مع إفريقيا وقطع سياسات الماضي، كذلك أعلن الرئيس هولاند عن انتهاء سياسة إفريقيا الفرنسية، والبدء في علاقات تقوم على الاحترام المتبادل.

الرئيس ماكرون نفسه كرر هذه المعاني في مناسبات مختلفة، لكنه أيضاً قدم تفسيرات لمواقف فرنسية عكست معاني متناقضة لم تخلُ من الاستعلاء القديم، كالتفسير الذي قدمه أمام مؤتمر السفراء الفرنسيين، 28 أغسطس (آب) الماضي، شرح فيه دور عملية "برخان" وتضحيات الجنود الفرنسيين، فيما سمَّاه بقاء دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو في حدودها الراهنة، كما أنه حمَّل الانقلابات العسكرية مسؤولية تدهور الأوضاع التنموية في بلدانها، متناسياً أن فرنسا ذاتها تُعد مسؤولة عن كثير من الحالات الانقلابية، ومسؤولة مباشرة عن تدهور الأوضاع الاقتصادية في مستعمراتها السابقة، حتى بعد الحصول على الاستقلال.. وليس خافياً موقف الرئيس ماكرون من المطلب الجزائري المشروع للحصول على الأرشيف الوطني الجزائري الذي سلبته فرنسا عند خروجها من الجزائر، وما زالت ترفض إعادته لأصحابه الأصليين، ما يكشف فشل تطبيق دعوات المراجعة، وبناء علاقات جديدة تستند إلى الاحترام المتبادل.

الاستعلاء والاستغلال ليسا فقط آفة الاستعمار الكولونيالي المباشر، بل الآفة الأكبر في الاستعمار المالي والاقتصادي الذي تمارسه دول استعمارية عدة لم تستطع أن تتخلى عن عاداتها الكولونيالية القديمة، رغم كثرة حديثها عن التحضر والقيم الإنسانية.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني

إقرأ أيضاً:

مدبولي: تكافل وكرامة أحد أعظم برامج الدعم الاجتماعي في تاريخ مصر الحديث

كتب- أحمد الجندي:

أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن برنامج "تكافل وكرامة" يعد من أبرز إنجازات الدولة المصرية في مجال الحماية الاجتماعية، مُشيرًا إلى أنه يُعتبر من أعظم البرامج التي تم إطلاقها في تاريخ مصر الحديث لتحقيق العدالة الاجتماعية.

جاء ذلك في كلمته التي ألقاها خلال الاحتفال الرسمي بمناسبة مرور 10 سنوات على انطلاق البرنامج، حيث أوضح أن إطلاق "تكافل وكرامة" يعكس التزام الدولة المصرية بالوفاء بوعودها تجاه الفئات الأكثر احتياجًا. وقال مدبولي: "عشر سنوات كانت مصر فيها عند كلمتها، وعد بالتكافل ووعد بالحفاظ على الكرامة الإنسانية."

وأشار رئيس الوزراء إلى أن "تكافل وكرامة" لم يكن مجرد وسيلة لصرف مساعدات مالية، بل كان خطوة استراتيجية تهدف إلى الاستثمار في العنصر البشري، حيث اعتمد البرنامج على نظام المشروطية، الذي يشترط في المستفيدين تلبية بعض الشروط كالتعليم والرعاية الصحية.

وأضاف مدبولي أن الدولة اختارت مواجهة التحديات المتعلقة بالحماية الاجتماعية بدلًا من تجاهلها، مؤكدًا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي أصر على أن يكون هذا الملف جزءًا أساسيًا من بناء الدولة المصرية الحديثة.

اقرأ أيضًا:

الحرارة تسجل 40 درجة.. نصائح مهمة من الأرصاد للمواطنين

أضاحي العيد 2025.. التموين تبدأ طرح الخراف الحية ابتداءً من 20 مايو

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

مصطفى مدبولي مجلس الوزراء برنامج تكافل وكرامة تاريخ مصر الحديث

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الأخبار المتعلقة حدث في 8 ساعات| مدبولي يفتتح محطة الصب الجاف ببورسعيد..والإسكان تطرح محال أخبار " العقود حق الانتفاع".."الوزراء" عن أراضي المنطقة الاقتصادية لقناة السويس أخبار مدبولي عن تنمية المناطق الواقعة حول قناة السويس: إصرار القيادة السياسية أخبار بدء تصنيع أول عربة مترو بمصنع نيرك خلال شهر أغسطس 2025 أخبار

إعلان

إعلان

أخبار

مدبولي: "تكافل وكرامة" أحد أعظم برامج الدعم الاجتماعي في تاريخ مصر الحديث

روابط سريعة

أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلاميات

عن مصراوي

اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصية

مواقعنا الأخرى

©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا

البنزين المغشوش.. البترول: 2000 جنيه للمتضرر من تلف الطرمبة لكن بشرط 870 شكوى.. البترول تعلن نتائج تحاليل "البنزين المغشوش" على مستوى الجمهورية 27

القاهرة - مصر

27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية أسعد الشيباني: نشارك هذا الإنجاز شعبنا السوري الذي ضحّى لأجل إعادة سوريا إلى مكانتها التي تستحق، والآن بدأ العمل نحو سوريا العظيمة، والحمد لله رب العالمين. (تغريدة عبر X)
  • التحول إلى الري الحديث.. ورشة عمل بمعهد بحوث الاقتصاد الزراعي
  • فخ لخنق المقاومة
  • وزير الخارجية السيد أسعد الشيباني لـ سانا: نرحب بتصريحات الرئيس دونالد ترامب الأخيرة بشأن رفع العقوبات التي فُرضت على سوريا رداً على جرائم الحرب البشعة التي ارتكبها نظام الأسد.
  • شحادة اطلع الرئيس عون على خطة وزارة الدولة لشؤون التكنولوجيا والمشاريع التي تعمل عليها
  • سعد زغلول يواجه الاستعمار برسالة احتجاج.. صوت مصر يدوي في مؤتمر الصلح
  • بعد الحديث عن اشكال في قصر عدل طرابلس.. هذا ما فعله مطر
  • الصّدي يوضح: الحديث عن تلكؤ الحكومة هو مجرد إفتراء
  • بنين تستعيد من فنلندا كرسيا ملكيا منهوبا منذ الاستعمار
  • مدبولي: تكافل وكرامة أحد أعظم برامج الدعم الاجتماعي في تاريخ مصر الحديث