موت السياسي التقليدي
تراجع الأيديولوجيات حلقة في إطار سلسلة ظواهر تطوق عنق السياسي التقليدي لتوصله للفناء.
في سياق وضع معادلات لحل أزمات العالم دلت الحصيلة على أن أسوأ النتائج هي تلك التي وضعها السياسيون.
وصل الإصلاحيون إلى السلطة في اللحظة التي تفوق فيها عدد التكنوقراط على الأيديولوجيين في هيئات صنع القرار المركزية.
جعلت العولمة تفسير الظواهر يحتاج لمنظور خارج إطار الفهم التقليدي الذي كان يؤطره السياسي للمجتمع، وأصبح التفسير يعتمد على تكامل معرفي.
يتراجع الانخراط بالأحزاب السياسية عالميا لحساب المجتمع المدني، ونسبة العضوية في هيئات المجتمع المدني تصل إلى 20 ضعفا لعدد المنخرطين في الأحزاب عالميا.
الكاريزما التي سيطرت على عقول المجتمعات كأحد مقومات النفوذ السياسي تتراجع من كاريزما القلب لتتجه نحو كاريزما العقل أي نحو الذهول أمام الانجازات المعرفية.
* * *
يشكل تراجع الأيديولوجيات (وهو ما نبه له بريجنسكي في نظرية التقارب، ودانيل بيل في نهاية الأيديولوجيا، وهنتينغتون في صراع الحضارات، وغورباتشوف في كتاب البيريسترويكا..) حلقة في إطار سلسلة ظواهر تطوق عنق السياسي التقليدي لتوصله للفناء.
وتبدو الحلقات الأخرى في ظواهر مثل:
1. التعقيد التقني الهائل في الحياة جعل التكنوقراطي المتخصص في جزئيات محددة هو صانع القرار وليس على السياسي إلا التنفيذ،وعندما أجريت دراسة على الاتحاد السوفياتي وأخرى على الصين تبين لي أن ميخائيل غورباتشوف ودينغ هسياو بنغ وصلا إلى السلطة في اللحظة التي تفوق فيها عدد التكنوقراط على الأيديولوجيين في هيئات صنع القرار المركزية..
والتكنوقراطي هو عالم أو خبير في علم الاجتماع أو الاقتصاد أو الحاسوب أو الفيزياء أو الكيمياء أو الطب أو الفلسفة.. الخ.
2. أن نسبة الانخراط في الأحزاب السياسية تتراجع عالميا لحساب هيئات المجتمع المدني، ويقول أنتوني غِدِنز أن نسبة العضوية في هيئات المجتمع المدني في العالم تصل إلى 20 ضعفا لعدد المنخرطين في الأحزاب،كما أن النسبة تتزايد
3. أن الكاريزما التي كثيرا ما سيطرت على عقول المجتمعات كأحد مقومات النفوذ السياسي تتراجع من كاريزما القلب (الارتباط الوجداني بفعل مقومات الشخصية الكاريزمية) لتتجه نحو كاريزما العقل أي نحو الذهول أمام الانجازات العلمية، ومع تكاثر المخترعين بطريقة هندسية أضحى العدد يفوق القدرة على المتابعة والعد، لكنه قتل كاريزما الزعيم السياسي، فليس غريبا أن القيادات الكاريزمية تتلاشى تدريجيا، وهي أحد أعمدة الدور السياسي التقليدي.
4. أن العولمة جعلت تفسير الظواهر يحتاج لمنظور يخرج عن إطار الفهم التقليدي الذي كان يؤطره السياسي للمجتمع،وأصبح التفسير يعتمد على تكامل معرفي، وهو ما قتل احتكار السياسي والأيديولوجي للتفسير.
5. تشير نتائج دراسة العالم الأمريكي المذهل بكمنستر فولر (وأنا أعتقد أنه من أهم علماء القرن العشرين، وهو الذي كتب عام 1938 كتاب تسعة مسارات للوصول للقمر Nine Chains to the Moon) أن اللعبة العالمية ألتي انشأها في كندا وشارك فيها آلاف العلماء والقادة لوضع معادلات لحل أزمات العالم دلت على أن أسوأ النتائج هي تلك التي وضعها السياسيون، وهو ما جعلني أتنبه لهذه المسألة فقمت بوضع كتاب كامل عنها وهو كتاب "تحول المسلمات في نظريات العلاقات الدولية"".
مظاهر كثيرة تشير كلها في خاتمة المطاف إلى أننا نقف على حافة قبر السياسي التقليدي.. وهو ما لا يفهمه القادة والحزبيون العرب حتى الآن.
*د. وليد عبد الحي أستاذ العلاقات الدولية، باحث في الاستشراف والمستقبليات
المصدر | facebook.com/walid.abdulhayالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: العولمة تكنوقراط الصين الأحزاب السياسية الاتحاد السوفياتي المجتمع المدنی فی هیئات وهو ما
إقرأ أيضاً:
اليمن: «الحوثي» يستخدم معاناة المدنيين للابتزاز السياسي
أحمد مراد (عدن، القاهرة)
أخبار ذات صلةاعتبرت الحكومة اليمنية أن ميليشيات الحوثي تعمد إلى عرقلة كافة المبادرات الإنسانية وتستخدم معاناة اليمنيين أداة للابتزاز السياسي، وتسعى إلى قلب الحقائق وتضليل المجتمع الدولي بهدف شرعنة الانقلاب المسلح، مشيرةً إلى أن الميليشيات تمارس يومياً انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني من خلال اختطاف موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والدبلوماسيين، وتهديد الملاحة البحرية والتجارة الدولية.
وقال معمر الإرياني، وزير الإعلام اليمني، إن رسالة ميليشيات الحوثي إلى مجلس الأمن الدولي، المليئة بالأكاذيب، تمثل محاولة مفضوحة لقلب الحقائق وتضليل المجتمع الدولي، بهدف شرعنة انقلاب مسلح رفضه الشعب اليمني وأدانه مجلس الأمن بقراره 2216.
وأوضح الإرياني في تصريح نشرته وكالة الأنباء اليمنية «سبأ»، أن «الميليشيات الحوثية، التي تدعي السعي للسلام، تمارس يومياً انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، من خلال اختطاف موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والدبلوماسيين، واقتحام ونهب مقرات المنظمات الدولية، وتهديد الملاحة البحرية والتجارة الدولية».
وأكد الإرياني، أن ادعاءات الميليشيات الحوثية بوجود «حصار» على مناطق سيطرتها ليست سوى ستار لتغطية نهبهم لإيرادات الدولة، وفرض الجبايات غير القانونية، وسرقة المساعدات الإنسانية، وافتعال الأزمات لخدمة أجندتهم التخريبية، بينما تعمد الميليشيات إلى عرقلة كافة المبادرات الإنسانية، وتستخدم معاناة اليمنيين أداة للابتزاز السياسي.
وحذر محللون يمنيون من خطورة الانتهاكات الممنهجة التي تمارسها ميليشيات الحوثي بهدف بسط نفوذها وسيطرتها في مختلف مناطق اليمن، وتكريس مشروعها، عبر استغلال كل الأزمات والفرص الممكنة، وذلك على حساب مصالح البلاد ومعاناة السكان.
وأوضح المحلل السياسي اليمني، محمود الطاهر، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن ميليشيات الحوثي تمضي في طريقها نحو تكريس نفوذها وسيطرتها على بعض مناطق اليمن، من خلال استغلال كل الأزمات والفرص الممكنة لتوسيع نطاق مشروعها، وذلك على حساب مصالح الوطن، ومن دون أي اعتبار أو اهتمام بمعاناة ملايين اليمنيين المتضررين من ممارساتها العدائية.
وأوضح المحلل السياسي اليمني، ورئيس مؤسسة «اليوم الثامن» للإعلام والدراسات، صالح أبو عوذل، أن ميليشيات الحوثي تعمل على تعزيز مشروعها التخريبي في اليمن والمنطقة، عبر ممارسات عدائية تؤكد سعيها للهيمنة وتوسيع نفوذها باستخدام أدوات العنف والتجنيد الطائفي.
ونوه أبو عوذل، في تصريح لـ«الاتحاد»، بأن جماعة الحوثي تحولت من مجرد حركة تمرد محلية، إلى تهديد إقليمي يستهدف أمن واستقرار المنطقة برمتها، حيث لا تقتصر ممارساتها على الداخل اليمني، بل تتسع لتشكل تهديداً مباشراً لحركة الملاحة الدولية، مشدداً على ضرورة التعامل مع الحوثي باعتبارها مصدراً لزعزعة الاستقرار الإقليمي.