عربي21:
2025-05-16@17:37:06 GMT

أهمية التفكير السليم والنظر الصحيح

تاريخ النشر: 7th, September 2023 GMT

جاء في معاجم اللغة أن الفكر هو إعمال النظر في الشيء، أو بمعنى آخر أن الفكر هو حركة الذهن، وكما أورد الجرجاني (ت 816ه) في تعريفاته: "الفكر ترتيب أمور معلومة للتأدّي إلى المجهول"، أي أنه الطريقة أو المنهجية التي يسلكها العقل في البحث والنظر للوصول إلى المجهول من الحقائق، ويمكن القول بأنه التصور الإجمالي والتفصيلي لواقع ما من حيث كنهه، وعوامل تكوينه، ومآلاته، وطرق تحسينه، وعلاج آفاته.



وقد ورد في كتاب الله تعالى قوله، عز وجل: (وَیَتَفَكَّرُونَ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَـٰذَا بَـٰطِلا سُبۡحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ) (آل عمران: 191).

قال ابن كثير: أي يفهمون ما فيهما من الحكم الدالة على عظمة الخالق وقدرته، وعلمه وحكمته، واختياره ورحمته، وقال أبو سليمان الداراني: إني لأخرج من منزلي، فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله علي فيه نعمة، أو لي فيه عبرة، وعن الحسن البصري أنه قال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة، وقال سفيان بن عيينة: الفكرة نور يدخل قلبك.

وعليه يمكن القول إن منهجية التفكير تعني تحرر العقل في بحثه ونظره من المؤثرات العاطفية، بأن يعطي الإنسان لعقله حرية العمل والحركة، ولا يقيده برغباته العاطفية والمصلحية، ليقوم العقل بدوره خير قيام، وليؤدي وظيفته على أحسن وجه، ويستطيع الإنسان بعد ذلك أن يعتمد على حكم عقله، وأن يثق بحصيلة فكره.

لذا نجد أن للفكر والتفكير أهمية كبيرة في نمو الحياة أو ارتكاسها، كما ذكر الدكتور عبد المجيد النجار، فبقدر ما يكون الفكر سليمًا في التزامه بقواعد النظر الصحيح بقدر ما يكون موصلاً إلى الحق الذي يُنمّي الحياة، ويحدث العكس بالعكس. وهو ما نبه إليه القرآن الكريم بطرق شتى، وبيانات مباشرة، وغير مباشرة في طرفي السداد والفساد، كما قال تعالى في الطرف الأول: (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (آل عمران: 137)، إشارة إلى منهج التقصّي الواقعي للآثار للوصول إلى العبرة بمآلات المعاندين المكذبين، وكما قال تعالى في الطرف الثاني: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنْ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنُ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أَوْلَيْكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُم أَضَلُّ أُولَيكَ هُمُ الْغَفِلُونَ) (الأعراف: 179).

وإنّما شابه هؤلاء الأنعام لعدم توجيه عقولهم في المنهج الصحيح من التفكير، فهم مثلها في أنها لا تقيس الأشياء على أمثالها، ولا تنتفع ببعض الدلائل العقلية، فلا تعرف كثيرًا مما يُفضي بها إلى سوء العاقبة.

وإذا تأملنا الحضارة الإسلامية في دورتها الأولى نجد أنها كانت ثمرة في وجه من وجوهها لثورة منهجية في الفكر الإنساني أحدثها في العقول التوجيه القرآني بأسس جديدة للتفكير أسسها في تلك العقول، لعل من أبرزها قاعدة الواقعية التي بها يسلك العقل في البحث عن الحقيقة مسلك التقصي للواقع الكوني والإنساني، ومن ثم نشأت العلوم التجريبية والاجتماعية التي نهضت بالتحضّر الإسلامي إلى الذروة، بل وكانت سببًا في التحضر الغربي القائم اليوم، وقد كان الفكر الإنساني من قبل غارقًا في مسلك اليونان المتنكّب عن الواقع والموغل في التجريد، أو في المسلك الغنوصي المتنكب عن الواقع أيضًا والموغل في التروحن، كما قال محمد إقبال.

والمتأمل في الوضع الإسلامي اليوم من حيث منهجية التفكير التي عليها المسلمون يدرك بحق أن الأزمة التي تعانيها الأمة الإسلامية هي في قدر كبير منها أزمة فكرية تتمثل في عطالة الفكر الإسلامي عن إنتاج سبل التنمية، وعطالته بالتالي عن إحداث النهضة؛ ذلك أن هذا الفكر أصابه من الانحراف عن خصائصه الأصيلة التي تكونت بالدفع القرآني ما عطّل فيه القدرة على تبين المسالك الصحيحة سواء في مستوى الفهم لإدراك الحقيقة النظرية، أو في مستوى التخطيط لرسم المشاريع العملية.

المتأمل في الوضع الإسلامي اليوم من حيث منهجية التفكير التي عليها المسلمون يدرك بحق أن الأزمة التي تعانيها الأمة الإسلامية هي في قدر كبير منها أزمة فكرية تتمثل في عطالة الفكر الإسلامي عن إنتاج سبل التنمية، وعطالته بالتالي عن إحداث النهضة إذا كان الأمر كذلك فإن جسم هذه الأمة لا تدبّ فيه الحياة الحضارية إلا بتسديد الفكر الذي يرسم طريق حياتها، ويوجه سيرها، وكيف لسفينة أن تقلع بأمان وربّانها لا يملك من خصال الخبرة ما يقدر به على أن يوجهها الوجهة الصحيحة للإقلاع؟!

وتسديد الفكر الإسلامي يتمثل بصفة عامة في صياغته مجددًا على خصال منهجية يمارس من خلالها البحث والتوجيه والمعالجة لشؤون الأمة، بحيث تكون تلك الخصال أُسسًا ثابتة فيه يصدر عنها صدورًا أصليًا لا صدورًا عارضًا يثبُت حينًا ويتخلّف حينًا آخر.

ولا شك أن ذلك يستلزم تربية للعقل طويلة الأمد حتى تصير تلك الخصال مطبوعة فيه فيكون الفكر إذن متكيفًا، بحسبها، ولكن هذه التربية لیست بعسيرة المنال في الوقت القصير لو وجهت همم المربين والدعاة والمفكرين لتنشئة العقول عليها، ألا ترى كيف أن التربية القرآنية صاغت عقول المسلمين في بضع سنين على تلك الخصال، فتوجّه الفكر وجهته التي قلب بها الحياة إلى ما نعلم من الشهود الحضاري.

وإذا كانت الخصائص التي من شأنها أن تسدّد الفكر ليصل إلى الحق، ويرسم طرق النجاح متعدّدة المظاهر ومتنوعة في طبيعتها، فإنها في معرض تعدّدها وتنوعها ترجع إلى جملة من الخصائص الأساسية التي إذا تحققت مجتمعة ضمن الفكر بها أن يسلك المسلك الصحيح المثمر في علاج واقع الأمة، فتكون وصفاته العلاجية قادرة على أن تشيع العافية في هذا الواقع، فتدب الحركة الحضارية فيه من جديد. وهذا ما سنتناوله في المقال القادم بحول الله.

twitter.com/drgamalnassar
موقع إلكتروني: www.gamalnassar.com

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تراجع عرب رأي أوضاع مقالات مقالات مقالات رياضة رياضة سياسة رياضة مقالات رياضة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ر الإسلامی

إقرأ أيضاً:

فيما أهل غزة يتضورون جوعاً

صلاح المقداد

من المُقرر أن يبدأ الرئيس الأمريكي المهووس دونالد ترامب الثلاثاء الثالث عشر من مايو الجاري زيارة رسمية للمنطقة هي الأهم لرئيس أمريكي منذ عقود طويلة، وتشمل زيارة ترامب بقرته الحلوب ( السعودية) وإمارة قطر ودويلة الإمارات .

وتنتظر ترامب المتلهف كثيراً للحصول على أموال مشيخات النفط الخليجية مُفاجآت عدة سارة يسيل لها لعابه، قد تعوض أمريكا بعض ما خسرته بسبب قراراته المثيرة للجدل المتعلقة بفرض الرسوم الجمركية على عدد من الدول والتي استهل بها فترة رئاسته الثانية.

حيث من المنتظر أن يوقع ترامب خلال زيارته للرياض اتفاقيات وصفقات مع ابن سلمان تحصل بموجبها أمريكا على ترليون دولار، غير الهدايا الثمينة والنفيسة التي سيحصل عليها من بني سعود، في الوقت الذي يتضور فيه ملايين الفلسطينيين بغزة جوعًا بسبب استمرار العدوان الصهيوني عليهم ومحاصرتهم من قبل سلطات الإحتلال والدول العربية المحيطة والمجاورة لقطاع غزة.

فيما أشارت وسائل اعلام غربية ومنها شبكة “إيه بي سي” الأمريكية إلى أن إمارة قطر بدورها قدمت طائرة بوينغ 747-8 الفاخرة للغاية، كهدية للرئيس ترامب بقيمة 400 مليون دولار، والتي قد تكون الهدية الأكثر قيمة على الإطلاق التي تُقدم للولايات المتحدة من حكومة أجنبية .

وتأتي هدية قطر هذه لسيد الأعراب ومولاهم ترامب تعبيراً عن الولاء للعم سام وتأكيداً لتبعية هؤلاء الأعراب لسيد البيت الأبيض .

كذلك من المتوقع أن يحصل ترامب من دويلة الأمارات أثناء زيارته لأبو ظبي على مليارات الدولارات نظير اتفاقيات وصفقات متعددة يبرمها مع بن زايد، وستذهب هذه الأموال إلى الخزينة الأمريكية التي تمول جريمة إبادة الشعب الفلسطيني بغزة وتقتل اليمنيين في بلادهم بلا ذنب سوى تحركهم لإسناد اخوتهم بالقطاع في معركة طوفان الأقصى .

وبهذا يبلغ السفه العربي مُنتهاه ومبلغه الذي لا يُطاق ولا يمكن تبريره والسكوت عليه ، لا سيما وقد تجاوز هذه المرة حدود المعقول والممكن والمقبول والمحظور، على أن الأدهى والأنكى من ذلك أن هذا السفه العربي الغير مسبوق يأتي في ظل استمرار أمريكا في دعمها اللامحدود للصهاينة ليستمروا في إبادة ملايين الفلسطينيين المحاصرين في غزة ، ومع استمرار آلة الحرب الصهيونية الفتاكة الأمريكية الصنع في حصد أرواحهم بشكل يومي وإرسالهم إلى ثلاجات الموتى بالمشافي ثم إلى المقابر، والبعض منهم قد قطعت ومزقت أعضائه وصاروا أشلاء في مشهد دامي وقاسي لم يهز ضمير العالم والإنسانية أو يحرك ساكنًا في عالم منافق صامت وفي الصدارة من يسمون أنفسهم عربًا ومسلمين ! .

وفي المحصل فإن ما ستكسبه أمريكا خلال زيارة رئيسها ترامب المرتقبة للمنطقة من أموال تقدر بمليارات الدولارات من أعراب الخليج تكفي لتحقيق نقلة نوعية لشعوب ودول عربية فقيرة وحل الكثير من مشاكلها الإجتماعية والإقتصادية.

كما يؤكد ذلك السفه لحكام المشيخات النفطية الخليجية حقيقة انعدام عدالة توزيع الثروة التي تعاني منها الأمة كمعضلة تاريخية مزمنة وجزء من اشكالية العالم العربي المستمرة، حيث تحتكر الثروة أقلية مترفة مرتهنة للخارج وتقوم بتبديدها بكل صفاقة وسفه وهي حق عام لكل أبناء الأمة جمعاء.

فضلاً عن ذلك فإن بقاء هذه الثروة بأيدي سفهاء هذه الأمة ومترفيها يجعل من تلك الثروة نقمة لا نعمة، إذ أن التصرف بها واهدارها على ذلك النحو جعلها كذلك وحولها لأن تكون أخطر معاول الهدم والتدمير لهذه الأمة ، وجرى تسخيرها لتدمير بلدان وشعوب كما حدث ويحدث في أكثر من بلد عربي والنماذج والأمثلة كثيرة .
وآن لأنظمة الخليج التي تُمارس العهر السياسي بإحترافية عالية أن تنتهي وتتوقف عن تبديد الثروة التي هي ملك للأمة العربية قاطبة ويعود حكامها إلى رشدهم ويرعوون عن ذلك السفه والواجب أن تسخر تلك الثروة لما فيه مصلحة الأمة وتنمية دولها وشعوبها لا أن تذهب عائداتها وريعها للأعداء وعلى رأسهم أمريكا، وعلى مثل حكام الخليج ينطبق قوله تعالى : “إن الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة” .

مقالات مشابهة

  • شحادة ومخزومي زارا القس بدر وأكدا أهمية ترجمة التعايش الإسلامي – المسيحي في الانتخابات البلدية في بيروت
  • الأمة.. إشكالية هوية ما بعد التاريخ (2)
  • هل هي “حمى الذهب والمعادن الثمينة” التي تحرك النزاع في السودان.. أم محاربة التطرف الإسلامي؟
  • مناقشة أهمية الوثائق الخاصة في دبا بمحافظة مسندم
  • سفينة (شباب عُمان الثانية) تغادر ميناء جدة الإسلامي متجهة إلى قناة السويس
  • جعجع: المشهد الذي انطلق من السعودية هو الطريق الصحيح لحل مشكلات المنطقة
  • إبراهيم عيسى: محمد بن سلمان حرر المملكة من قبضة الفكر المتطرف
  • كيف استقبل ترامب في قطر وما أهمية زيارته؟
  • برلماني: برنامج الحكومة خطوة في الاتجاه الصحيح.. والتحدي الأكبر في التنفيذ والرقابة
  • فيما أهل غزة يتضورون جوعاً