منصّة بلومبيرغ: آلية عملها وسعر دولارها والفئات المستفيدة
تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT
بعد موافقة مجلس الوزراء على اعتماد منصّة إلكترونية بالتعاون مع شركة "بلومبيرغ" للتداول في الاسواق المالية عوضًا عن "صيرفة"، تتجه الإنظار إلى طريقة عمل المنصّة الجديدة، وعلاقة المواطنين بها، ودورها وتأثيرها على مسار الدولار، وعلى تحرير سعر الصرف. متى يبدأ العمل بالمنصّة الجديدة؟ وما هي الالية؟
الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، وعلى هامش مشاركته في المؤتمر المصرفي العربي في المملكة العربية السعودية، أعلن أنّ الاستعدادات جارية على قدم وساق لكي تبدأ قريبًا عمليات بيع وشراء الليرة اللبنانية على منصّة بلومبرغ، ولكنّه لم يحدّد تاريخًا لدخول المنصّة الجديدة حيّز التنفيذ، وبالتالي كل ما يحكى عن بدء عمل المنصّة بعد موافقة مجلس الوزراء، أو في نهاية أيلول الحالي، هو في إطار التكهّنات، طالما أنّ مصرف لبنان لن يحدّد بعد توقيتًا معينًا لإطلاقها، وفق ما أوضح كبير الإقتصاديين في بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل في حديث لـ "لبنان 24".
"لا نملك بعد تفاصيل المنصة الجديدة" يقول غبريل، وهي تحتاج إلى تحضيرات يعمل مصرف لبنان على استكمالها، وآلية العمل ستكون من خلال المصارف والمؤسسات المالية والصرافين المرخصين. بحيث يلجأ التجار إلى هذه المؤسسات كوسيط، لتقديم طلب لشراء ما يلزمهم من دولارات من خلال هذه المؤسسات. وسيحصل تعاون مع وزارة المال والجمارك منعًا لأيّ تلاعب بالفواتير من قبل التجار، تحقيقًا لهدف إضفاء شفافية على الطلب، والتعبير عن حجم السوق والطلب الحقيقي على الدولار.
سعر الصرف على المنصّة سيكون على أساس سعر الصرف في السوق الموازية، وفق ما لفت غبريل، بحيث تحدّد السعر معادلةُ العرض والطلب "ولن يكون هناك سعر مدعوم أو تفضيلي بأقل من سعر السوق، كما كان الحال من خلال منصّة صيرفة. وسيكون التداول مستمرًا على عكس صيرفة، كي يخلق حجمًا من المبالغ المتداولة. والفرق أنّ مصرف لبنان ليس الجهة التي ستبيع الدولار. ولكن هناك تفاصيل ليست واضحة بعد، ونحن بانتظار استكمال الإجراءات والآلية من قبل المركزي". أهداف المنصّة
نواب الحاكم الأربعة وقبل استحقاق حاكمية المركزي في تموز الماضي، كانت مقاربتهم ترتكز على إطلاق المنصّة البديلة بالتوازي مع إقرار سلّة قوانين إصلاحية بين شهري آب وتشرين الأول، هي موازنة 2023، قوانين "الكابيتال كونترول"، إعادة التوازن إلى القطاع المالي وإعادة هيكلة المصارف، وفق ما لفت غبريل "وهو ما لم يحصل، كما أنّ زمن إقرار هذه القوانين ليس معلومًا بظل استمرار الفرغ الرئاسي، وعدم التئام مجلس النواب للتشريع. لذلك لن ينتظر الحاكم بالإنابة إلى حين إقرار القوانين المذكورة لبدء العمل في المنصّة، كما لن يسارع إلى البدء بها على وجه السرعة، وقد يحصل تريث لبعض الوقت إلى حين استكمال كل الجوانب التقنية وغير التقنية".
"تتركز أهداف المنصّة حول زيادة التداول بالليرة في الإقتصاد، وحصول عرض وطلب مستمر بما يمكّن من تحديد السعر الفعلي للدولار في الإقتصاد اللبناني، وتوحيد أسعار الصرف المتعددة، وتحرير سعر الصرف بطريقة غير معلنة، وتحويل الطلب على الدولار من السوق الموازي إلى سوق شفاف ورسمي، بحيث يضع مصرف لبنان آلية لطلب المستوردين للدولار بما يؤكد أنّ المبلغ المطلوب يذهب إلى الإستيراد فقط، فضلًا عن هدف لجم المضاربة على سعر الصرف". وكلها أهداف جيدة، يقول غبريل، ويطرح في الوقت نفسه علامة استفهام حول كيفية تحقيق هذه الأهداف على أرض الواقع بظل الظروف الراهنة، واستمرار المراوحة في الاستحقاقات الدستورية.
راشد: لا قدرة للمنصة على توحيد سعر الصرف والحد من اقتصاد الكاش
رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية الدكتور منير راشد يرى بدوره في اتصال مع "لبنان 24" أنّ المنصّة لا تحقق توحيد سعر الصرف، لأن عملها سيكون محصورًا بالتعاملات بغرض التجارة "بمعنى أنّ الفئات التي ستحصل من خلالها على الدولار يجب أن تمتلك إثباتًا لحاجتها للدولار، أي تقديم فواتير لشراء السلع والخدمات، ما يضع قيودًا على شراء الدولار من خلال تبرير الحاجة. لذلك لن يكون هناك إقبال لعرض الدولار على المنصّة، ولأنّ شراء الدولار مقيد، سيكون العرض مقيدًا كذلك. وبالنتيجة لن تتوصل المنصّة إلى توحيد سعر الصرف في جميع الأسواق، لاسيّما بظل عدم الوضوح حيال وضع الصرافين والتعاملات بالدولار في السوق الحّرة. كما لن تحدّ المنصّة البديلة من الإقتصاد النقدي، كون الحصول على الدولار مقيدًا، ما يجعل المواطن والتاجر يحتفظ بالدولار وليس الليرة". أضاف راشد "ليس واضحا بعد كيف ستتعامل المصارف مع الزبائن، ومع الودائع القديمة والجديدة، ومن شأن استمرار التمييز بينهما أن يؤدي إلى استمرار عدم الثقة، واللجوء إلى استعمال الكاش".
تأثير المنصّة على سعر صرف الدولار
مصرف لبنان وعلى خلاف تدخّله في سوق القطع خلال مرحلة منصة صيرفة، سيقلّص من حجم تدخله بما يطرح سؤالًا حول تأثير ذلك على المسار التصاعدي للدولار. وهنا يلفت غبريل إلى أنّه في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي تمّ سحب الليرات من السوق بشكل كبير من قبل مصرف لبنان، في مقابل ضخ دولارات. كما أنّ الآلية التي يتبعها المركزي في إطلاق المنصّة الجديدة تقوم على وجوب أن يعرض المستوردون ليرات نقدية لقاء حصولهم على الدولار، وهو ما يخدم هدف زيادة التداول بالليرة وسحب ليرات من السوق.
وعن تأثير المنصة على سعر الصرف، يرى أنّه في الظروف الطبيعية يكون للإنتاج والإستهلاك والعرض والطلب والإستثمار الدور الأساسي في تحديد سعر الصرف "لكن اليوم بظل غياب العوامل التي تدعم سعر الصرف، ومع استمرار الأزمة السياسية إلى أجل غير محدّد، وتعطّل المجلس النيابي ووجود حكومة تصريف أعمال، سيكون هناك فرق بين الأهداف على الورق وطريقة التطبيق على أرض الواقع المأزوم، لاسيمّا أنّ عدم تفلّت سعر الصرف خلال عملية تعويم السعر، لا تقع فقط على عاتق مصرف لبنان، بل لا بدّ وأن تُواكب باجراءات من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهذا ما قاله منصوري، وما ورد في بيان صندوق النقد بعد زيارة الوفد في للبنان في آذار الماضي".
بالمحصلة مصطلح جديد يدخل إلى يوميات اللبنانين مع استبدال "صيرفة" بمنصة إلكترونية عبر "بلومبرغ". ومع استمرار الأزمة السياسية، وتسعير الصراع حول الإستحقاق الرئاسي، وتجميد القوانين الإصلاحية في أدراج المجلس النيابي، ستملأ كل هذه المصطلحات وأخواتها الوقت الفاصل، بانتظار التعافي المالي الحقيقي، الذي يبدو انّه مؤجّل إلى زمن التخلّي عن المصالح الفئوية وتغليب مصلحة البلاد والعباد.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: على الدولار مصرف لبنان سعر الصرف من خلال من قبل
إقرأ أيضاً:
تعرف على أبرز القطاعات السورية المستفيدة من رفع العقوبات
دمشق – لا تزال أصداء إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثلاثاء الماضي عن قرار بلاده رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا تتردد في مختلف أنحاء البلد، مثيرة موجة من الترقب ومشاعر الأمل بإمكانية استعادة الاستقرار الاقتصادي والنهوض من تداعيات الحرب والحصار، اللذين أرهقا السوريين لسنوات.
فالعقوبات الأميركية، التي استمرت قرابة 46 عاما، شملت معظم القطاعات الحيوية في البلاد، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة عبر منظومة من القوانين التشريعية والأوامر التنفيذية التي صدرت عن إدارات متعاقبة في واشنطن منذ عام 1979 على خلفية اتهامات وجهت للنظام السوري المخلوع برعاية الإرهاب، وزعزعة استقرار دول الجوار كالعراق ولبنان، وارتكاب انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان، وقمع الثورة السورية، إلى جانب اتهامات بتحويل البلاد إلى مركز لعبور وتجارة المخدرات.
ورغم أن بعض العقوبات استثنت نظريًا قطاعات إنسانية مثل الصحة والدواء، فإن أثرها العملي امتد إلى تدهور قطاعات عديدة، وأدى إلى تعميق الأزمات المعيشية وتراجع جودة الخدمات الأساسية.
أبرز القطاعات المستفيدةيرى الخبير الاقتصادي والمصرفي السوري الدكتور إبراهيم قوشجي أن رفع العقوبات يمثّل "نقطة تحول محورية" في المسار الاقتصادي للبلاد، لافتًا -في تصريحاته للجزيرة نت- إلى أن هذا القرار يفتح الباب أمام إعادة تنشيط القطاعات الإنتاجية، وتحقيق نوع من الاستقرار النقدي، وتعزيز احتياطات البنك المركزي، مما قد يسمح للحكومة بإعادة هيكلة الاقتصاد وتحقيق نمو مستدام.
ويعد قطاع الطاقة والنفط في مقدمة القطاعات التي يُتوقع أن تستفيد بشكل مباشر من القرار، وفق قوشجي الذي أوضح أن هذا القطاع كان من أكثر المتضررين، إذ فُرضت قيود صارمة على تصدير النفط السوري، مما أدى إلى انخفاض كبير في الإيرادات الحكومية.
إعلانويضيف "مع رفع العقوبات، يمكن لسوريا أن تستأنف تصدير النفط والغاز، ما من شأنه أن يعزز الإيرادات العامة بالدولار الأميركي، ويسهم في إعادة تشغيل المصافي والمنشآت النفطية التي تعرضت للإهمال أو الدمار".
وفيما يتعلق بالقطاع المصرفي والمالي، يرى قوشجي أن فك العزلة التي فُرضت على النظام المصرفي السوري سيسمح بإعادة اندماج البنوك السورية في النظام المالي العالمي، مما يسهل حركة التجارة الخارجية ويعيد النشاط إلى قنوات الاستثمار والتمويل.
كما بيّن أن العقوبات السابقة قد أدت إلى شلل شبه كامل في التحويلات المالية الدولية، مما انعكس سلبًا على المواطن السوري وقطاعات التجارة والإنتاج.
ويضيف أن رفع القيود عن قطاع التجارة والصناعة سيمكّن الشركات المحلية من استيراد المواد الخام والمعدات الصناعية الضرورية، الأمر الذي يدعم الإنتاج المحلي ويوفر فرص عمل جديدة لآلاف الشباب العاطلين عن العمل.
ورغم التركيز على هذه القطاعات الثلاثة، فإن العقوبات الأميركية طالت كذلك قطاعات أخرى مهمة مثل الصناعة العسكرية، والاتصالات والتكنولوجيا، والسياحة والسفر، والزراعة، والنقل الجوي، وقطاع الإعمار، بل حتى القطاع الصحي والدوائي الذي تأثر رغم الاستثناءات المعلنة.
تحديات الاستثمار والبنية المصرفيةبدوره، شدد الخبير الاقتصادي الدكتور أسامة القاضي على ضرورة التركيز في المرحلة المقبلة على تطوير البنية التنظيمية والقانونية للاستثمار، والبنية المصرفية، باعتبارهما عاملين أساسيين في إنجاح المرحلة الجديدة.
وأوضح القاضي، في حديث للجزيرة نت، أن الدول الصديقة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، قد تسارع إلى إرسال فرق فنية متخصصة إلى سوريا للمساعدة في تحديث القطاع المصرفي، إلى جانب الدعم المنتظر من خبراء صندوق النقد الدولي العاملين في دمشق، والذين يعملون بالفعل على تأهيل العناصر المحلية وتعزيز البنية التحتية المصرفية لتتوافق مع المعايير الدولية.
إعلانورجّح القاضي أن يتبع ذلك تدفق طلبات من شركات أجنبية للاستثمار والدخول إلى السوق السورية، فضلاً عن تحويلات مالية تهدف إلى دعم جهود إعادة الإعمار.
لكنه حذر في الوقت ذاته من أن هذه التطورات تبقى مرهونة بمدى استعداد البنية الإدارية والمؤسسية السورية لاستغلال هذه الاستثمارات وتحقيق الشفافية.
وفي سياق تحليله، أشار القاضي إلى أن إعادة بناء الاقتصاد السوري تتطلب معالجة الأضرار التي لحقت به على مدى عقود، حيث حمّل النظام السابق مسؤولية ما وصفه بـ"التدمير الممنهج للاقتصاد"، محذرًا من تكرار السياسات القديمة التي أدت إلى عزلة البلاد.
تحسن متوقع في سعر صرف الليرة
وحول أثر القرار على العملة المحلية، أوضح قوشجي أن قيمة الليرة السورية شهدت تحسّنًا ملحوظا عقب إعلان رفع العقوبات، في مؤشر يعكس استعادة تدريجية للثقة في الاقتصاد الوطني.
وأشار إلى أن هذا التحسن مرشح للاستمرار في حال ازدياد تدفقات الاستثمارات الأجنبية وتنشيط التبادل التجاري، مما قد يخفف من الضغوط التضخمية ويحسن القدرة الشرائية للمواطنين.
وأكد أن رفع العقوبات قد يمكّن البنك المركزي السوري من استعادة الوصول إلى أصوله المجمدة في الخارج، مما يعزز احتياطاته النقدية ويوفر أدوات إضافية للتدخل في السوق للحفاظ على استقرار سعر الصرف.
وفي الوقت ذاته، لفت قوشجي إلى أن تكوين احتياطي نقدي أجنبي مستدام يحتاج إلى وقت طويل، وهو مرتبط بتحقيق فائض فعلي من العملات الأجنبية، وليس فقط بتوفر السيولة الناتجة عن التداول في البنوك التجارية.
من جانبه، أكد القاضي أن الطلب على الليرة السورية سيرتفع تدريجيا مع تحسن بيئة الأعمال، متوقعًا أن ينعكس ذلك إيجابًا على سعر الصرف خلال عام أو عامين إذا ما استمرت الظروف الاقتصادية في التحسن.
أبعاد أوسع لرفع العقوباتيرى قوشجي أن العقوبات كانت تمثل عائقًا كبيرا أمام أي نمو اقتصادي حقيقي، إذ تسببت في عزلة مالية وتجارية شبه تامة، وانهيار في تدفقات الاستثمار، وتراجع حاد في الناتج المحلي الإجمالي من نحو 70 مليار دولار عام 2010 إلى ما يقارب 5 مليارات دولار في عام 2023.
وبحسب قوشجي، فإن رفع هذه العقوبات يفتح المجال أمام سوريا للعودة إلى النظام المالي العالمي، واستئناف التبادلات التجارية بشكل سليم، مما يخفض من كلفة الإنتاج التي تعتمد أساسًا على المواد المستوردة، وبالتالي يعزز فرص تعافي الاقتصاد.
إعلان سياق تاريخييُشار إلى أن العقوبات الأميركية على سوريا بدأت فعليا منذ ثمانينيات القرن الماضي، لكنها تصاعدت بشكل ملحوظ بعد عام 2003، لتبلغ ذروتها بعد اندلاع الأزمة السورية عام 2011، حيث فرضت واشنطن عقوبات متتالية استهدفت شخصيات وكيانات حكومية، من بينها البنك المركزي السوري ووزارات الدفاع والداخلية، إلى جانب مؤسسات عسكرية وأمنية.
وكان من أبرز أدوات الضغط "قانون قيصر"، الذي دخل حيّز التنفيذ في يونيو/حزيران 2020 واعتُبر الأشد تأثيرًا على الاقتصاد السوري. إذ لم يقتصر على معاقبة النظام السوري فقط، بل شمل أي جهة أو فرد، داخل سوريا أو خارجها، يقدّم دعما ماديا أو تقنيا أو ماليا للحكومة السورية.
وأدّى هذا القانون، بحسب مراقبين، إلى انهيار كبير في قيمة الليرة السورية حينها، وأسهم في تقويض أي جهود لإعادة إعمار البلاد دون مسار سياسي متكامل.